انسوا كلمات اتفاقية جلاسكو للمناخ.. واتبعوا الأموال

قمة جلاسكو تضع توصيات من أجل بذل مزيد من الجهود للتخلص التدريجي من الفحم وحث الدول على تقليل دعمها للوقود الأحفوري
قمة جلاسكو تضع توصيات من أجل بذل مزيد من الجهود للتخلص التدريجي من الفحم وحث الدول على تقليل دعمها للوقود الأحفوري المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

رغم أسابيع المفاوضات والدبلوماسية الواقعية التي تحولت إلى نص اتفاقية دولية، فإن الكلمات الناتجة بالأخير ليست تعويذة سحرية.

وسواء كان البيان الصادر عن مؤتمر جلاسكو للمناخ يعد "بتسريع التخلص التدريجي من الفحم والدعم الحكومي للوقود الأحفوري" (كما اقترحت المسودات الأولية)، أو تصعيد "الجهود نحو التخلص التدريجي من طاقة الفحم بلا هوادة والتخلص التدريجي من الدعم غير الفعال للوقود الأحفوري" (وفقاً للغة المخففة للاتفاقية النهائية)، فإن ذلك سيغير بالكاد ما تفعله أكبر الدول المسؤولة عن الانبعاثات في العالم خلال السنوات القادمة.

تعرف على أهم نتائج اتفاقية "جلاسكو" للمناخ

وفي نفس الوقت، من الواضح أن الحكومات التي توقع مثل هذه الاتفاقيات تعتقد أن الكلمات لها قوة السحر، وإلا لماذا استغرق الأمر 26 اجتماعاً لإفراد نص للوقود الأحفوري في صياغة اتفاقية المناخ؟

تبلور اللغة الحقيقة الأكثر أهمية التي تظهر بعيداً عن قاعات المؤتمرات في محطات الطاقة والمنشآت الصناعية والمكاتب الحكومية حول العالم، وبطريقتها المتواضعة، فإنها تساعد أيضاً على دفع هذه العملية للأمام.

الوقود الأحفوري يُشعل التوترات في اليوم الختامي لقمة المناخ في جلاسكو

صيغة رمادية

ومن شبه المؤكد أن العبارة الأهم بين كل تلك العبارات المخففة هي "دعم الوقود الأحفوري غير الفعال"، وبينما يُعدُّ كل كيلووات تقريباً من الطاقة الأحفورية على هذا الكوكب غير فعال بحكم التعريف (لأنه لا يدفع تكلفة العوامل الخارجية التي يفرضها التلوث على صحة الإنسان والمناخ العالمي)، فإن هذه الصيغة الرمادية شديدة العمومية لدرجة أنها تقدم عذراً سياسياً لأي دعم تقريباً.

هناك قدر كبير من الطاقة يمكن تبريرها باسم الفعالية، والفرق بين دولة تتمتع بإمدادات مستقرة وآمنة للطاقة وأخرى لا هو الاختلاف بين الصين وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أو جلاسكو في القرن الثامن عشر مقابل القرن الحادي والعشرين.

حتى أزمات الطاقة الصغيرة التي شهدناها في أسواق الفحم والغاز في الصين والهند وأوروبا في الأشهر الماضية هي مؤشر على القيمة الاجتماعية الهائلة لنظام طاقة فعال، ومع ذلك، فإن الدعم الفعال يتمحور حول تقديمه بأرخص طريقة ممكنة وقد تغيرت هذه الحسابات بشكل كبير.

تحالف "جلاسكو المالي" يقود معركة التغير المناخي مُتسلِّحاً بـ130 تريليون دولار

الطاقة المتجددة أصبحت واقعاً

وفي وقت انعقاد مؤتمر باريس للمناخ في عام 2015، كانت مصادر الطاقة المتجددة هي الطريقة الأقل تكلفة لتوليد كهرباء جديدة في عدد قليل فقط من البلدان الأوروبية، ولم تكن قادرة على المنافسة مع الطاقة الأحفورية الحالية في أي مكان آخر في العالم.

والآن، تنافس الطاقة المتجددة حتى مرافق التوليد المتصلة بالشبكة بالفعل، وذلك أحد الأسباب التي جعلتنا نرى أمثال إندونيسيا وفيتنام وبولندا وكوريا الجنوبية يوقعون لإنهاء توليد الكهرباء باستخدام الفحم والتي لطالما اعتمدوا عليها.

وينطبق الشيء نفسه على وسائل المواصلات، قدرت "بلومبرغ إن إي إف"، وهي واحدة من أكثر مؤسسات التنبؤ تفاؤلاً بشأن السيارات الكهربائية، في عام 2016، أن المبيعات العالمية ستنمو إلى 2 مليون في عام 2020.

وعملياً، وصل الرقم إلى 3.1 مليون مركبة، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5.6 مليون العام الجاري، وأصبحت تكلفة امتلاك سيارة كهربائية في العديد من الأسواق الرئيسية أقل بالفعل من نظيرتها التي تعمل بالوقود البترولي، وبلغت مبيعات المركبات الكهربائية كحصة من الإجمالي العام الجاري بالفعل 12.8% في الصين و17% في أوروبا.

التحول الأخضر

وسنرى مجالات أخرى في السنوات المقبلة تتجه نحو الأخضر، ومن المتوقع أن يصبح الفولاذ الأخضر، الذي كان يعتبر قبل بضع سنوات فكرة أفضل قليلاً من الخيال العلمي، قادراً على المنافسة مع المنتج التقليدي وفقاً لأسعار الكربون السائدة الآن في الاتحاد الأوروبي.

ويشهد الهيدروجين الأخضر، الذي كان حتى وقت قريب مفهوم خيالي، بالفعل مشاريع مخطط لها بقدرة 213.5 غيغاواط، أي ما يعادل تقريباً قدرة توليد الكهرباء في ألمانيا.

وفي صناعة تلو الأخرى، يعد الواقع الناشئ هو أن الوقود الأحفوري لم يعد ضرورياً للحياة الحديثة كما كنا نظن، والطريق الأرخص والأكثر كفاءة لأمن الطاقة هو صافي الانبعاثات الكربونية.

ومع ذلك، ستظل بعض الأشياء كما هي، ويعني التغيير التكنولوجي أن أجزاءً كبيرة من محطات الكهرباء التي تعمل بالفحم في الهند والصين غير اقتصادية بالفعل - ولكن يجب أولاً بناء محطات طاقة الرياح والطاقة الشمسية لتحل محلها، الأمر الذي يتطلب تغييراً مالياً وسياسياً أيضاً.

جراحة ليست سهلة

وتشبة شركة "كول إنديا ليمتد"، أكبر شركة تعدين للوقود الصلب في العالم، إلى حد ما دولة داخل الدولة إذ تدير مستشفيات ومدارس وكليات وتوظف أكثر من 250 ألف شخص، ولم تكن السكك الحديدية الهندية، مشغل السكك الحديدية الضخم المملوك للدولة، ستتمكن من توفير وسائل نقل رخيصة للركاب سوى عبر فرض رسوم باهظة على نقل الفحم.

والحديث عن هذا من زاوية الدعم فقط يقلل في بعض النواحي من عمق اندماج الوقود الأحفوري في هيكل المنتجين والمستهلكين الأكثر نهماً، وهذه ليست مجرد ثمار النمو، وإنما هي شرايين للاقتصاد يتم من خلالها تدفق التمويل والوظائف والسياسة والتأثير، ولن تكون الجراحة اللازمة لإزالتها بسيطة.

وتوفر الحزمة البالغة 8.5 مليار دولار التي تم الإعلان عنها في جلاسكو لتسريع تحول جنوب أفريقيا بعيداً عن الفحم أحد نماذج كيفية القيام بذلك - ولكن ليس من المؤكد ما إذا كانت ستنجح أم لا، وهذه دولة تمثل أقل من 3% من استهلاك العالم الناشئ للوقود الصلب، وقدَّرت الهند بالفعل أنها تحتاج تريليون دولار أمريكي العقد الجاري لتسريع تحول الطاقة لديها.

مع ذلك، يجب القيام بشيء ما خاصة وأن تكاليف دعم الوقود الأحفوري ترتفع مع مرور كل عام، ما يجعل من الصعب التخلي عنها حتى مع تراكم أضرارها.

وفي عالم يصل فيه الاستثمار السنوي في الطاقة إلى 1.9 تريليون دولار أو نحو ذلك سنوياً، فإن المشكلة لا تكمن في نقص الأموال، بل في ذهابها إلى الأماكن الخاطئة.

وفي ظل تفويت الدول النامية ركب الطاقة الخالية من الكربون بسبب نقص رأس المال الاستثماري، حتى مع تعرضها أكثر وأكثر لصدمات تغير المناخ نفسه، فإن أكبر أوجه عدم الكفاءة لا يكمن في الدعم الذي الذي يرسخ أنظمة الطاقة لدينا، وإنما هي الخسارة في الإمكانات البشرية والتي سنعاني منها إذا فشلنا في تزويد الكوكب بالطاقة النظيفة والرخيصة الموجودة الآن في متناول أيدينا.