خفض الإنفاق العام سيبطئ الاقتصاد العالمي في 2022

بائع خضار في سوق في كراتشي في باكستان
بائع خضار في سوق في كراتشي في باكستان المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تركز الأسواق المالية على كيفية معالجة البنوك المركزية للسياسة النقدية في تصديها للتضخم. غير أن تقشف السياسة المالية عبر وقف الإنفاق العام لمواجهة جائحة كورونا، هو ما يرجح أن يؤثر أكثر على أداء الاقتصاد العالمي العام المقبل.

كانت برامج الإنفاق العام في دعم الأسر والشركات هي أقوى محرك لتعافي الاقتصاد من أزمة كوفيد-19 وتقوم الحكومات حالياً بوقف هذه البرامج. تبلغ قيمة الأموال التي ستسحبها من الاقتصاد في 2022 نحو 2.5 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي العالمي، أي ما هو أكبر بخمس مرات من أي أموال سحبت من الاقتصاد منذ تحول السياسة المالية إلى التقشف بعد أزمة 2008، حسب تقديرات بنك "يو بي إس".

تشير سياسة شد الحزام إلى تباطؤ نمو الاقتصاد، رغم أنها قد تساعد أيضاً بتهدئة الضغوط التضخمية التي تتصاعد في بعض البلدان، وهي تطبق بسرعات متباينة في أجزاء مختلفة من العالم ولأسباب متنوعة.

أوروبا مدعوة للتريث حول إقفال دعم حكومي قدره 3.5 تريليون دولار

تنقضي برامج التحفيز الطارئة في الولايات المتحدة، لكن إدارة الرئيس جو بايدن تدفع باتجاه إقرار خطة إنفاق أطول أمداً، فيما تستعد أوروبا لاشتعال سجال حول السياسة التقشفية يعود للعقد الماضي مرة أخرى، كما يزعم قادة المملكة المتحدة بأن من واجبهم أخلاقياً أن يبدؤوا بخفض عجز الموازنة.

يخطط رئيس الوزراء الجديد في اليابان لزيادة الإنفاق العام، غير أن هذه الزيادة لن تقارن بحجم خطة التحفيز القياسية التي أقرتها البلاد في مواجهة جائحة كورونا، فيما تتبنى الصين سياسة حذرة إزاء الموازنة العامة، وهو موقف قد يتغير مع تباطؤ النشاط الاقتصادي. في بعض الأسواق الناشئة مثل البرازيل، يفجر ارتفاع معدل التضخم سجالاً حول حدود الإنفاق العام.

الإنفاق الضخم المرتقب في أمريكا والصين.. هل يقلب طاولة الاقتصاد العالمي؟

هناك أسباب ربما تجعل تأثير ذلك على الناتج العالمي أقل مما تشير إليه الأرقام العامة، فالموازنات التي وضعت للعام المقبل ليست مقدسة، وقد تعمد الحكومات لتعديلها إذا استمر خطر الفيروس، علاوة على أن بعض أموال التحفيز الاقتصادي التي أنفقت خلال الأشهر الثمانية عشرة الماضية تم تجنيبها، لذا فمن الممكن إنفاقها العم المقبل أو بعده، بما يخفف من تأثير ضربة السياسة المالية التقشفية.

إيجاز حول اتجاه السياسة المالية في بعض أهم الاقتصادات العالمية

الولايات المتحدة

تحولت سياسة الموازنة العامة من داعمة لنمو الاقتصاد الأمريكي إلى عبء عليه في الربع الثاني من السنة الحالية، حسب مؤشر "مؤسسة بروكينغز" (Brookings Institution) على تأثير السياسة المالية، وينتظر أن تستمر في هذا الاتجاه في العام المقبل بمتوسط معدل تأثير ربع سنوي يبلغ نحو 2.4% من إجمالي الناتج المحلي، رغم أن ذلك لا يأخذ في الحسبان القوانين المقبلة.

"النواب" الأمريكي يوافق على خطة ميزانية بـ3.5 تريليون دولار

كان هناك بعض التعويض عن سحب برامج التحفيز في مواجهة الجائحة مثل زيادة إعانات البطالة. مددت إدارة بايدن برامج الائتمان الضريبي الخاصة بالأطفال، التي توفر إنفاقا شهريا بنحو 300 دولار لكل طفل، وهي سياسة مؤقتة قد تُجدد في إطار مشروع قانون للإنفاق الاجتماعي بقيمة 1.75 تريليون دولار على عشر سنوات، بنسبة 0.6% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي.

ما يزال مشروع القانون، الذي خُفضت ميزانيته إلى النصف فعلاً، محل نقاش تفصيلي لدى الديمقراطيين في الكونغرس، لذا لم يتضح حتى الآن شكله النهائي وتأثيره المالي. قد خطط البيت الأبيض لإجراءات ضريبية بقيمة تريليوني دولار في نفس الفترة من أجل تمويل هذا التشريع.

أُقر مشروع قانون منفصل حول البنية الأساسية بقيمة 550 مليار دولار بتأييد الحزبين وينتظر توقيع بايدن الإثنين، رغم أن جزءاً قليلاً من المبلغ سينفق العام.

منطقة اليورو

أعادت المناقشات حول كيفية العودة إلى الأوضاع الطبيعية مالياً إحياء توترات بين معسكر "ضبط المالية العامة" بقيادة ألمانيا وأولئك الذين يشغلهم أكثر تجنب تكرار الأزمة الاقتصادية التي وقعت خلال العقد الماضي بسبب برامج التقشف.

لن يُجل هذا الصدام سريعاً، لأن قواعد الاتحاد الأوروبي الخاصة بالديون وعجز الموازنة جرى تعليقها خلال فترة انتشار جائحة كورونا وستستمر معلقة حتى نهاية 2022.

خفض التحفيز لا يعني تضييق الخناق على طابعات نقود البنوك المركزية

قد تشكل شخصية من سيتولى حقيبة وزارة المالية في ألمانيا عبر المباحثات الراهنة حول تشكيل حكومة ائتلافية، مؤشراً على سياسات الموازنة، كما أن المرشح لهذا المنصب كريستيان ليندنر معروف على أنه صقر. ما تتسم به البلاد من مزيج ضبط الإنفاق والبيروقراطية راكم لديها فعلاً تأخير استثمارات بمئات المليارات من اليورو.

قامت فرنسا أخيراً بزيادة خطط الإنفاق في موازنة 2022 بهدف حماية القطاع العائلي من ارتفاع أسعار الطاقة، ويقود رئيسها إيمانويل ماكرون شعلة تطبيق سياسات داعمة للنمو في مختلف أنحاء أوروبا.

يُقر وزير المالية برونو لو مير بتحدي خفض المديونية، غير أنه يقول أن هناك أولويات أهم في فترة ما بعد الأزمة، مثل مواجهة التضخم وانعدام المساواة والاستثمار بهدف إعادة الصناعة والوظائف إلى فرنسا.

المملكة المتحدة

فاجأ وزير المالية ريشي سوناك المستثمرين بإعلانه سياسة تيسير مالية في موازنته يوم 27 أكتوبر الماضي.

صُممت خطة التحفيز، التي تصل قيمتها إلى نحو 0.8% من إجمالي الناتج المحلي، لمساعدة الأسر التي تعاني من ارتفاع أسعار الطاقة وانسحاب خطط الدعم التي ارتبطت بجائحة كورونا مثل دعم الأجور.

ارتفاع التضخم في بريطانيا يهدد خطط جونسون الاقتصادية

لكنها لا تداني تعويض أثر رفع الضرائب بنسبة كبيرة على الأفراد من أجل الإنفاق على برامج الرعاية الصحية وعلى الشركات التي أُعلنت هذا العام.

يتجه سوناك، الذي قال أنه من "غير الأخلاقي" زيادة ومراكمة الديون، لإلغاء الاقتراض بهدف تمويل الإنفاق اليومي ووضع الدين العام على طريق الانخفاض بحلول منتصف العقد، وهي أهداف أدرجها في قواعد السياسة المالية الجديدة التي أقرها لنفسه.

اليابان

يستعد رئيس وزراء اليابان الجديد فوميو كيشيدا للكشف عن حزمة تحفيز مالية أخرى قد تشمل توزيع دعم نقدي وإعادة إحياء مختلف أنواع الدعم للسياحة المحلية.

لم يتضح حجم حزمة التحفيز حتى الآن، غير أن الاقتصاديين الذين استطلعت آراؤهم قبل فوز رئيس الوزراء في الانتخابات كانوا يتوقعون بلوغها نحو 30 تريليون ين، بما يزيد على 5% من إجمالي الناتج المحلي.

رئيس وزراء اليابان: "لا أفكر في تعديل ضريبة الأرباح الرأسمالية في الوقت الحالي"

تعتبر كمية النقود التي سيتم ضخها فعلاً من هذا الرقم العمومي، مقابل الأموال التي خُصصت فعلاً ولم تنفق حتى الآن، إشارة هامة على مدى جرأة كيشيدا على استخدام السياسة المالية في دعم الاقتصاد.

الصين

كانت حكومة الصين مقيدة نسبياً في تعبئة قوتها المالية، وألمحت في وقت سابق من العام الحالي، فيما كان الاقتصاد ينمو بقوة، إلى تخفيض تدريجي في برامج دعم الاقتصاد.

تستهدف الصين عجزاً في الموازنة العامة بنحو 3.2% من إجمالي الناتج المحلي، أي أقل من مستوى 2020 الذي تجاوز 3.6%. تشير البيانات الحديثة إلى أن هذه النسبة قد تقل عن ذلك أيضاً، وربما لا تبتعد البلاد كثيراً عن تحقيق توازن في الموازنة العامة.

اقتصاد الصين مهدد بتباطؤ أعمق وأسرع مما تعتقد الأسواق

يعود ذلك جزئياً إلى توجه بكين لتخفيض الإنفاق التبديدي وخفض ديون الحكومات المحلية.

غير أن بعض الاقتصاديين يدعون حالياً إلى حزمة تحفيز مالي أقوى مع تباطؤ معدل نمو الاقتصاد.

يميل الإنفاق خلال العام الحالي تجاه مشروعات تؤدي "إلى تحسن كبير في مستوى رفاهية الشعب" مثل تجديد المنازل القديمة، والخدمات العامة وزيادة معاشات التقاعد.

الأسواق الناشئة

خفضت البرازيل، التي أقرت أكبر خطة تحفيز في مواجهة جائحة كوروبا مقارنة مع الأسواق الناشئة الأخرى، كثير من هذه الخطة هذا العام، غير أن الرئيس جير بولسونارو يريد الآن زيادة التحويلات النقدية إلى العائلات الأشد فقراً خلال 2022 حين يدخل معركة حامية سعياً لإعادة انتخابه، ويتطلب ذلك إجراء تغيير على سقف الإنفاق الذي القائم منذ 2016.

تسبب ذلك في عاصفة في أسواق المال وساهم بالدفع نحو زيادة أسعار الفائدة وسط مخاوف من تفاقم معدل التضخم الذي يتجاوز 10% في الوقت الراهن.

اتخذت المكسيك نهجاً مخالفاً إبان جائحة كورونا، حيث أحكمت القبضة على الإنفاق العام. ظهرت بعض دلائل تخفيف السياسة المالية في مشروع الموازنة العامة لعام 2022 الذي أُعلن في سبتمبر ويتوقع عجزاً بنسبة 3.1% من إجمالي الناتج المحلي مقارنة مع 2.4% في النسخة المبدئية التي أعلنت في مارس.

توقعات برفع الفائدة في البرازيل 1.5% نتيجة صعود التضخم

رغم ذلك قال الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادو أنه لن يتفاوض حول توجه السياسة التقشفية أو زيادة عبء المديونية.

استمر صعود الإنفاق بهدف تحفيز الاقتصاد في معظم الاقتصادات الناشئة في آسيا، إذ تتعافي المنطقة من الموجة الثانية العنيفة من العدوى بالفيروس هذا العام.

ألمحت الهند إلى أنها لن تسحب خطة التحفيز الاقتصادي في مواجهة انتشار الجائحة، بينما رفعت كل من تايلاند وماليزيا سقف المديونية استعداداً لزيادة الإنفاق، وتدرس فيتنام إقرار حزمة دعم جديدة وضخمة.

خفضت إندونيسيا موازنتها ورفعت الضرائب لتقليص عجز الموازنة مرة أخرى إلى أقل من 3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول 2023.