إلغاء "فيسبوك" أصعب من مهاجمته.. هذا ما اكتشفه المشرِّعون الأمريكيون

المصدر: غيتي إيمجيز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لسنوات عدّة، ضاقت رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، ذرعاً من السلوك "المخزي" لـ"فيسبوك"، لدرجة أن جماعات الضغط التابعة للشركة مُنعت من دخول مكتبها. لكن إذا أردت مشاهدة مؤتمر بيلوسي الصحفي الأسبوعي، عليك الدخول إلى صفحتها على "فيسبوك"، حيث يعتبر الموقع الوحيد الذي يتيح البث المباشر للجمهور.

اقرأ أيضاً: تشريعات مرتقبة لضبط أداء الشركات.. أباطرة التكنولوجيا في مرمى الكونغرس مجدداً

يعدّ موقع "فيسبوك" أساسياً للغاية للوصول إلى الناخبين -وجمع التبرعات- لدرجة أنه من الصعب على المسؤولين المشاركين في الانتخابات الابتعاد عن المنصة، حتى وهم ينتقدون تأثيرها المدمر على الخطاب العام والديمقراطية الأمريكية. وكانت بيلوسي، رئيسة مجلس النواب، تنبذ الشركة منذ عام 2019، عندما رفضت إزالة مقطع فيديو مزيف نشره خصومها تظهر فيه وكأنها تتحدث وهي مخمورة. لكنها لا تزال تملك صفحة رسمية على الموقع، تضم أكثر من مليون متابع.

زاد غضب واشنطن أكثر وأكثر من شركة "فيسبوك" التي غيّرت اسمها إلى "ميتا بلاتفورمز إنك" (Meta Platforms Inc)، منذ أن كشفت واحدة من المبلغين عن المخالفات الشهر الماضي عن نتائج بحث داخلي يشرح بالتفصيل المخاطر الفردية والمجتمعية المرتبطة بمنصات الشركة. لكن حتى أعضاء الكونغرس الذين يهدّدون باستدعاء مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي، والضغط عليه من أجل تفكيك الشركة الأم، يستخدمون موقع "فيسبوك" لبث الأحداث، والتفاعل مع الناخبين، ودعم القوائم البريدية لحملتهم.

اقرأ المزيد: فيسبوك تغيّر اسمها إلى "ميتا". هل هذا ما يريده العملاء؟

نفوذ واسع

يستخدم موقع "فيسبوك" انتشاره واسع النطاق والمزايا التي يقدمها لتعزيز مصالحه في الكابيتول هيل (مقر الكونغرس)، حيث ينشر مستشارين رقميين هناك لتقديم التدريب على الميزات الجديدة. وقبل انتشار كوفيد، كان موظفو "فيسبوك" يقدمون ساعات عمل في مقهى "دانكن دونتس" الموجود في الطابق السفلي لأحد المباني التي تجمع مكاتب أعضاء مجلس النواب. وإذا احتاج مكتب ديمقراطي أو جمهوري في أي من المجلسين إلى برنامج تعليمي حول البث المباشر، أو المساعدة في توثيق حساب رسمي، تعرف تلك المكاتب تحديداً الشخص الذي سيستقبل اتصالاتهم في "فيسبوك".

اقرأ أيضاً: منظمة غير ربحية تتهم "زوكربيرغ" و"ساندبرغ" بمخالفة القانون وتضليل المعلنين

أما بالنسبة إلى جماعات الضغط التابعة لـ"فيسبوك"، التي تبحث عن داعمين لها بين المشرعين، ممن ينزعجون غالباً من الأشياء التي تحدث على المنصة، فإن هذا النوع من خدمة العملاء قد يعزّز موقف الشركة. وتقول كاتي هارباث، التي أمضت 10 سنوات في "فيسبوك" وهي تجمع الفريق الذي يدعم مكاتب الكونغرس، قبل أن تطلق شركتها الاستشارية الخاصة في أبريل الماضي، إنه كان هناك تواصل دائم بين صنّاع السياسة وفرق الدعم.

الأمر ذاته بالنسبة إلى شركتي "تويتر" و"غوغل" التابعة لشركة "ألفابت"، حيث تتواصلا أيضاً مع مكاتب أعضاء الكونغرس، ولكن على نطاق أقل بكثير مما تقدمه "فيسبوك"، وذلك وفقاً لما أكده العديد من مساعدي الطرفين الذين يشرفون على الإستراتيجيات الرقمية. وقال المساعدون، إن تصميم "تويتر" المستند إلى الجدول الزمني، وخيارات الفيديو المحدودة المتوافرة على منصة "يوتيوب" التابعة لـ"غوغل" أكثر بساطة من ذلك، ولا توفر أي من المنصتين التفاعل المستمر مع الناخبين، والنطاق الواسع الذي يوفره "فيسبوك". وفي استطلاع جرى في وقت سابق من هذا العام من قبل مركز "بيو للأبحاث" (Pew Research)، أكد أكثر من ثلثي البالغين في الولايات المتحدة استخدامهم لـ"فيسبوك"، مقارنة بـ23% لـ"تويتر"، و21% لـ"تيك توك".

مرونة كبيرة

على الرغم من أن خدمة عملاء "فيسبوك" قد لا تثبت حسن نية الشركة لدى أعضاء الكونغرس بما يكفي لمنع التنظيم التشريعي الجديد، إلا أن صعوبة الابتعاد عن "فيسبوك" توضح حجم المرونة التي تتمتع بها المنصة. فحتى مع الضربة القاصمة التي وجهتها الأخبار السيئة للشركة، فإن حركة حذف الحسابات لم تستطع الوصول إلى الكونغرس.

يقول السناتور كريس كوونز، وهو عضو ديمقراطي من ولاية ديلاوير، يرأس اللجنة الفرعية المختصة بقضايا الخصوصية في مجلس الشيوخ: "لدي مخاوف كبيرة بشأن تأثير (فيسبوك) و(إنستغرام) على المستهلكين، وعلى مجتمعنا، وسياستنا". ويضيف: "لكن هذه المخاوف لم تدفعني إلى التخلي عن استخدام (فيسبوك) كوسيلة للتواصل مع الناخبين".

هناك طريقتان رئيسيتان يستخدم بهما معظم أعضاء الكونغرس "فيسبوك". فغالباً ما تعرض الصفحة الرسمية للمشرّع محتوى مصمماً لنشر رسالته إلى الجمهور، مثل: مقاطع الفيديو، البيانات الصحفية والتصريحات، بالإضافة إلى الحصول على رد فعل الناخبين أحياناً. وتستضيف صفحة منفصلة للحملة محتوى يركز على الانتخابات وتكون هذه عادةً وسيلة لعرض الإعلانات. (أوقف موقع "فيسبوك" الإعلانات السياسية في الأسبوع السابق للانتخابات الرئاسية خلال العام الماضي، وهو الحظر الذي استمر في الغالب أثناء الأشهر التي أعقبت الانتخابات، ثم استأنفت المنصة بيع الإعلانات التي تدور حول السياسات والانتخابات والقضايا الاجتماعية خلال مارس الماضي).

الإعلانات مستمرة

مازال "فيسبوك" يقدم دعماً عن كثب للصفحات الرسمية للمشرّعين، لكنه فصل إلى حد ما بين مديري الإعلانات والحملات السياسية منذ انطلاق الانتقادات الواسعة لموظفي الشركة الذين كانوا يقدمون المشورة لحملة دونالد ترمب عام 2016. وأثارت هذه الفضائح غضب الديمقراطيين، لكنها لم تثبط إنفاقهم على إعلانات "فيسبوك". وأنفق الحزب الديمقراطي 12.9 مليون دولار على إعلانات "فيسبوك" منذ مايو 2018، وفقاً لمركز معلومات إعلانات الشركة. وأنفقت صفحة الحملة السياسية لبيلوسي 2.3 مليون دولار في الفترة بين مايو 2018 إلى يونيو 2020.

ولأعضاء الحزب الجمهوري شكاواهم الخاصة من "فيسبوك" أيضاً، حيث يقولون إنه يفرض رقابة على وجهات النظر المحافظة دون وجود تفسير لذلك. مع هذا، أنفقت الصفحة الرسمية للحزب الجمهوري 15.2 مليون دولار على إعلانات "فيسبوك" منذ مايو 2018. أيضاً، أنفق كيفن مكارثي، أبرز عضو جمهوري في مجلس النواب، والمرشح الأقرب للحصول على منصب رئيس مجلس النواب إذا فاز الحزب الجمهوري بأغلبية المجلس العام المقبل، 2.3 مليون دولار على إعلانات "فيسبوك". وغالباً ما يتذمر مكارثي بشأن معاملة شركات التكنولوجيا الكبرى للمحافظين، ودعا إلى سنّ تشريع لإلغاء الحماية القانونية التي تحمي المنصات عبر الإنترنت من المسؤولية عن محتوى المستخدم. لكنه يقول إن "فيسبوك" هو المكان الذي يوجد فيه الناخبون، ولا يمكن لأي أداة أخرى أن تقدم إمكانية الوصول ذاتها.

قال مكارثي: "شعر الناس بالإحباط بسبب ذلك، لكن إذا قمت بحصر الأعداد في الموقع، ستجد أنه لا يزال هناك الكثير من المحافظين على (فيسبوك)". وأضاف: "إذا شعرت بالغضب من شركات الهاتف، كيف ستستمر في التواصل مع الناس؟".

مخاوف أخلاقية

لدى الديمقراطيين شكاوى أوسع نطاقاً، حيث يقولون إن منصات الشركة تم استخدامها لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية، وتأجيج جرائم الكراهية، وزرع الشكوك في إرشادات الصحة العامة أثناء انتشار الوباء القاتل. وبدأت خيبة أملهم إلى حد كبير مع فوز الرئيس الأمريكي السابق ترمب بالانتخابات في عام 2016، والذي يقول مسؤولو المخابرات الأمريكية إنه فاز بمساعدة عملاء روس على "فيسبوك". ثم كانت هناك فضيحة "كامبريدج أنالتيكا" (Cambridge Analytica)، عندما حصلت شركة تابعة لترمب على بيانات مستخدمي "فيسبوك" دون موافقة. وتم التخطيط لهجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول جزئياً على "فيسبوك"، إضافة إلى بث بعض المستخدمين لعملية الهجوم مباشرة على الموقع.

يعتبر "فيسبوك" غير مسؤول بالطريقة التي يتصرّف بها

في الوقت الحالي، جدّدت المزاعم التي أطلقتها فرانسيس هوغن، المديرة السابقة لمنتجات "فيسبوك" التي تحولت إلى مُبلغة عن المخالفات، وأكدت أن "فيسبوك" فضل تحقيق الأرباح على سلامة المستخدمين، الدعوات إلى تشديد قيود الخصوصية، وتوفير المزيد من الشفافية حول كيفية نشر المنصات عبر الإنترنت للمحتوى. لكن لم يجمع أي من هذه المقترحات زخماً قوياً حتى الآن، وتحشد شركات التكنولوجيا جماعات الضغط ضد الإجراءات التي تقول إنها قد تكون لها عواقب غير مقصودة على الإنترنت الأوسع نطاقاً.

بدأ بعض الحديث بين الإستراتيجيين الرقميين والشركات التي تشتري الإعلانات حول تقليص إعلانات "فيسبوك" بسبب المخاوف الأخلاقية. لكن حسب بيث بيكر، التي أطلقت شركتها الخاصة للإستراتيجيات الرقمية الهادفة إلى تلبية احتياجات السياسيين الليبراليين وقضاياهم، فمن الصعب على الحملات الاستغناء عن "فيسبوك" تماماً، لأنه المكان الأكثر احتمالاً للحصول على البيانات الديموغرافية للمستخدمين الذين ينقرون فوق أي إعلان أو عريضة، وعادةً ما يتم تسليمهم عنوان بريد إلكتروني خلال هذه العملية.

هجوم بلا مقاطعة

تقول بيكر: "لا توجد شريحة كبيرة من السكان ليس لديها عدد كبير من الأشخاص الذين يستخدمون (فيسبوك) بانتظام". وتضيف: "أسمع الكثير من الناس يقولون: أوه، يجب ألا نفعل هذا بعد الآن، لكنني لم أرَ أي شخص يقاطع الموقع فعلياً".

يلفت البعض إلى أن تغلغل "فيسبوك" في كل مكان يشير إلى وجود مشكلة مختلفة، وهي: سيطرة الشركة على فضاء وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من وجود بعض المنافسين الأصغر حجماً. ويقول حكيم جيفريز، النائب عن نيويورك وزعيم كتلة الديمقراطيين في مجلس النواب، الذي يقدم المشورة لبقية أعضاء الحزب بشأن السياسة والتواصل بحكم منصبه في المجلس: "فيسبوك خارج عن السيطرة تماماً، وغير مسؤول بالطريقة التي يتصرف بها". وأضاف: "هذا يسلط الضوء على أزمة توجيه تركيز السوق المكثف إلى قضايا معينة على يد ممثل غير مسؤول، لأن هذا الممثل غير المسؤول يدرك أنه ليست هناك بدائل له" (تضم صفحة جيفريز الرسمية، التي يتم تحديثها بانتظام، حوالي 85000 متابع).

أعلن أحد الديمقراطيين مؤخراً أنه ألغى تنشيط حسابه على "فيسبوك"، حيث قال دتش روبرسبيرغير، نائب ولاية ميريلاند، في 27 أكتوبر الماضي، إن "نموذج أعمال الشركة يزرع بذور الانقسام والمعلومات المضللة". وتقول جايمي لينون، المتحدثة باسم روبرسبيرغير، إن صفحته الرسمية المتواضعة أصبحت سامة للغاية، بسبب مشاركات أشخاص استفزازيين من خارج الولاية عليها، لدرجة أن مدير التواصل الرقمي في فريقهم كان يتجنب النظر إلى الصفحة قبل الخلود إلى النوم.

الخلاصة

حتى الآن، لا يبدو أن هناك أي عضو آخر في الكونغرس على استعداد للانضمام إلى روبرسبيرغير. وقال نائب ولاية إلينوي، راجا كريشنامورثي، وهو رئيس اللجنة الفرعية في مجلس النواب للسياسة الاقتصادية والاستهلاكية، إنه لا يثق في "فيسبوك"، إلى درجة أنه لن يستخدم خدمة المراسلة الخاصة بالشركة للتواصل الخاص. لكن عندما سُئل عمّا إذا كان سيستمر في استخدامه لأغراض رسمية، أجاب قائلاً: "بالتأكيد".

المحصلة النهائية هنا هي، أن قاعدة مستخدمي "فيسبوك" الضخمة، وطابع المنصة العملي في الوصول للمستخدمين وجمع التبرعات؛ يجعلان من الصعب على السياسيين الاستغناء عنها، حتى في الوقت الذي يندّدون فيه بالتأثيرات السيئة للمنصة على المجتمع.