تزايد وفيات حوادث الطرق رغم تراجع قيادة الأمريكيين لسياراتهم

المصدر: "يو إس إيه توداي"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

صدمت بيانات عام 2020 المتعلقة بوفيات حوادث الطرق في الولايات المتحدة، المدافعين عن السلامة على الطرق، فقد قفزت معدلات الوفيات في وقت كان الناس يقودون فيه سياراتهم بصورة أقل في ظل تفشي الوباء. لقد كانت المعدلات في العام الماضي، فعلياً، أعلى من أي عام مضى منذ عام 2007.

من الممكن أن يكون عام 2021 أسوأ من سابقه، إذ تقدِّر الحكومة الفيدرالية أنَّ 20160 شخصاً لقوا حتفهم في حوادث سيارات خلال النصف الأول من العام الجاري، بزيادة تقدَّر بـ18.4% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020.

اقرأ أيضاً: لماذا نموت أحياناً ونحن نحاول تجنب المخاطر؟

قال وزير النقل، بيت بوتيجيج، في بيان، عندما نشرت الأرقام في الثامن والعشرين من أكتوبر: "إنَّها أزمة. لا يمكننا، ولا ينبغي لنا، أن نقبل بهذه الوفيات باعتبارها مجرد جزء من الحياة اليومية الأمريكية". كما وعد بوتيجيج أنَّه مع حلول شهر يناير، ستتوصل وزارته إلى استراتيجية فيدرالية ستكون "الأولى من نوعها" لتحسين السلامة على الطرق.

اقرأ المزيد: درس من الوباء..كيف نجعل الطرقات أكثر أمناً للحيوانات البرية؟

في البداية، ألقى خبراء السلامة باللوم في ارتفاع الوفيات على السائقين المتهوّرين الذين يسرعون في الطرق الخالية، في ظل وجود معظم الناس في منازلهم بسبب الوباء. وبدا الأمر وكأنَّ الازدحام، على الرغم من كونه مزعجاً، إلا أنَّه شكَّل أيضاً ميزة رئيسية للسلامة على الطرق كونه قد أجبر السائقين على إبطاء السرعة. ولكن عندما بدأت حركة المرور تعود هذا العام، وكان المزيد من الناس يقودون سياراتهم؛ ازدادت الوفيات مرة أخرى. وقال بام شادل فيشر، كبير مديري المشاركة الخارجية في جمعية سلامة الطرق السريعة للمحافظين: "تشكل حوادث المرور، الوباء المحلي الآخر لدينا".

أسباب عديدة

لا يعرف الخبراء سبب الزيادة في أعداد الوفيات، لكن هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن يؤدي إلى ذلك. فوفقاً للإدارة الوطنية لسلامة المرور على الطرق السريعة (NHTSA)؛ أصبح الناس يسرعون أكثر، ويرتدون أحزمة المقاعد بصورة أقل منذ بداية الوباء، كما أنَّ المركبات تزداد حجماً بشكل مستمر. أما المشرِّعون في الولايات، فيجعلون زيادة السرعة أمراً قانونياً، فضلاً عن أنَّ الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة كانت أقل جرأة من نظيراتها في الدول الأخرى فيما يتعلق بمتطلبات سلامة المركبات.

تقول بيث أوزبورن، مديرة منظمة "النقل من أجل أمريكا" (Transportation for America) الحقوقية، إنَّ هذا الارتفاع في معدلات وفيات حوادث الطرق، أدى إلى تقويض اثنين من الافتراضات الراسخة في صناعة النقل. أولاً، كان يُعتقد أنَّ المزيد من القيادة سيعني المزيد من الوفيات، وإذا تعطلت القيادة؛ فإنَّ الوفيات على الطرق ستنخفض أيضاً. ثانياً، كان الاعتقاد السائد هو أنَّ كل الحوادث تقريباً ناتجة عن خطأ بشري، وبالتالي؛ فإنَّ الحلّ هو تحسين سلوك السائقين. قالت أوزبورن: "لقد ثبت أنَّ أحد افتراضاتنا على الأقل خاطئ تماماً".

تصميم الطرق

يدعم هذا الارتفاع القضية التي كانت أوزبورن وغيرها من المدافعين عن السلامة على الطرق يطرحونها لسنوات، ألا وهي أنَّ تغيير تصميم الشوارع لا يقل أهمية عن تعليم السائقين. تقول أوزبورن: "إذا رأيت طريقاً مفتوحاً تماماً، سيكون رد فعلي الطبيعي هو القيادة بسرعة. لقد تمَّ تصميم الطرق السريعة خصيصاً للسماح بالقيادة السريعة. لكن ما فعلناه هو أخذ تصميم الطريق السريع هذا، وتطبيقه على الطرق التي تخدم التطورات المحلية، إذ هناك الكثير من الاختلافات".

في هذا الإطار، يقوم عدد متزايد من المدن، بما في ذلك أوستن وفورت لودرديل ونيويورك، بإعادة تصميم الشوارع، إذ يجري تضييق ممرات السيارات، وإضافة خصائص تجبر السائقين على تقليل السرعة عند المنعطفات، وحماية المشاة بأرصفة "ممتدة" عند التقاطعات والمناطق المعزولة في ممرات المشاة.

حجم المركبات

من جهة أخرى، تشكِّل المركبات ذاتها مصدر قلق كبير آخر. فعلى مدى نصف قرن؛ كان التركيز الرئيسي للحكومة الفيدرالية بشأن سلامة الطرق هو حماية السائق والركاب داخل السيارة عند حدوث تصادم. لكن هذا التركيز يتجاهل سلامة من تصدمه السيارة، مثل الركاب في سيارة أخرى أو المشاة، وهذا أمر مقلق في ظل زيادة حجم المركبات. فمثلاً؛ تبلغ مشتريات الأمريكيين من سيارات الدفع الرباعي ضعف مشتريات سيارات "السيدان" في الوقت الحالي، وهو تطور ملحوظ بالنظر إلى أنَّ سيارات الدفع الرباعي تفوقت على سيارات "السيدان" للمرة الأولى في عام 2015. وتوضح قوانين الفيزياء التي تدرّس في المدرسة الثانوية سبب كون ذلك يمثل مشكلة، إذ إنَّ قوة السيارة تساوي كتلتها مضروبةً في تسارعها.

كلاهما يتزايد بالنسبة إلى السيارات الجديدة؛ فقد بلغ متوسط وزن السيارات الجديدة 4156 رطلاً في طرز سيارات عام 2019، وهو رقم قياسي. لقد سجل متوسط قوة المركبات أعلى مستوى له على الإطلاق في ذلك العام (أحدث البيانات المتوافرة) أيضاً، مرتفعاً إلى 245 حصاناً. ستزداد هذه التوجهات فقط مع طرح صانعي السيارات المزيد من السيارات الكهربائية، والتي تعد أثقل وأقوى.

يقول ديفيد هاركي، رئيس معهد تأمين السلامة على الطرق السريعة: "نعلم من الأبحاث التي أجريناها أنَّ قدراً أكبر من القدرة الحصانية يساوي قطع مسافات بسرعة أعلى، ونحن نعلم أنَّ القيادة بالسرعات العالية تؤدي إلى عدد أكبر من الحوادث ذات الخطورة المرتفعة".

أنظمة قديمة

من جهة أخرى، واجهت إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة، وهي الوكالة الفيدرالية المسؤولة عن سلامة المركبات، الكثير من الانتقادات من قبل العديد من الجهات، بالإضافة إلى الباحثين، وجماعات المستهلكين، والمدافعين عن السلامة على الطرق، وأعضاء الكونغرس. وبحسب منتقديها؛ فإنَّ الإدارة تستعين بأنظمة قديمة لتصنيف الأعطاب التي يسهل تجاوزها، كما لم تقم بتقنين أنظمة المعلومات، والترفيه، أو خصائص القيادة الذاتية لسيارات شركة "تسلا" كما ينبغي، وكانت مترددة للغاية بشأن عمليات سحب السيارات المعيبة، وفشلت في إصدار 13 قاعدة للأمان مطلوبة من قبل الكونغرس.

كما أنّ صناعة السيارات ذاتها؛ سئمت تقاعس الوكالة، إذ تريد رابطة "التحالف من أجل ابتكار السيارات" منها- التي تمثل كبار مصنّعي السيارات- أن تقوم بتحديث نظام تصنيف السيارات الجديدة للمرة الأولى منذ عقد كامل. وللبدء في فعل ذلك، ترغب الرابطة في قيام الوكالة الفيدرالية بدمج تقنيات الخصائص الجديدة مثل التحذيرات من مغادرة المسار، والفرملة الآلية، وأجهزة الكشف عن المشاة، والأضواء العالية التي تعمل آلياً، في التصنيفات.

ما يزيد من الإحباط، هو أنَّ إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة لم يكن لديها رئيس دائم منذ ما يقرب من خمس سنوات. وبرغم دعوة الرئيس جو بايدن إلى بنية تحتية أكثر أماناً؛ إلا أنَّه استغرق حتى منتصف أكتوبر لترشيح ستيفن كليف لرئاسة الوكالة. وحالياً، يشغل كليف، وهو أحد مسؤولي الجهات التنظيمية البيئية السابقين في كاليفورنيا، منصب نائب مدير الوكالة. وكان المسؤولون السابقون في الوكالة قد اشتكوا من معاناة الوكالة من نقص الموظفين منذ فترة طويلة، لا سيما بالمقارنة مع شركات صناعة السيارات الثرية التي تنظمها. لم تستجب إدارة السلامة الوطنية على الطرق العامة أو وزارة النقل الأمريكية لطلبات التعليق.

استراتيجية متعددة الأبعاد

على الصعيد القانوني، يلزم مشروع قانون البنية التحتية الذي أقره الكونغرس الوكالة الفيدرالية باختبار السيارات لتقييم مخاطرها على المشاة، كما يلزم الولايات بإجراء تقييمات السلامة على الطرق. ومن ثم، هناك حاجة إلى وضع استراتيجية متعددة الأبعاد لجعل الطرق الأمريكية أقل فتكاً، التي تأخذ في اعتبارها المركبات، وتصميم الطرق، وحدود السرعة والسلوك، فضلاً عن التعليم والإنفاذ، كما تقول جينيفر هومندي، رئيسة المجلس الوطني لسلامة النقل (NTSB). وبحسب هومندي؛ فإنَّ العديد من أذرع النظام تعمل ضدّ بعضها في الوقت الحالي.

ربما اكتسب المجلس الوطني لسلامة النقل، وهو وكالة حكومية مستقلة، شهرة من خلال توليه التحقيقات لتحديد سبب تحطم الطائرات. وقد أصبحت صناعة الطيران التجاري في الولايات المتحدة بمثابة معيار الذهب في مجال السلامة، إذ لم تشهد الصناعة أي حادث مميت منذ 12 عاماً. وبحسب هومندي؛ فإنَّ العديد من الدروس التي أسهمت في تحسين السلامة في مجال الطيران التجاري، يمكن أن تنطبق أيضاً على مجال السلامة على الطرق.

تقول رئيسة المجلس الوطني لسلامة النقل: "لقد بحثوا في صناعة الطيران عن مواطن الخطر وكيفية معالجتها. هل هي الطائرة؟ هل هي البيئة التي تعمل فيها؟ هل هم الطيّارون؟ هل هي الإجراءات الحكومية؟ لقد تأملت الصناعة الصورة الكاملة لمعرفة أين يتعين الاستثمار في مجال السلامة".