الذهب والعقار و"بتكوين".. أيهم أفضل للتحوط من التضخم؟

المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بلغ التضخم خلال الأشهر الأخيرة مستويات غير مسبوقة على مستوى معظم الاقتصادات العالمية، لاسيما المتقدِّمة منها. فقد شهدنا ارتفاعات قياسية في الولايات المتحدة وألمانيا، وهي الأعلى منذ تسعينيات القرن الماضي، وفي منطقة اليورو وبريطانيا كانت الأعلى منذ أكثر من 10 سنوات. وطالت هذه الارتفاعات في الأسعار أوجه الحياة كافة، وفي مقدِّمتها المواد الغذائية، والسلع الاستهلاكية الضرورية والكمالية، والسكن، والمواد الأساسية.

يُحيل بعضهم السبب الرئيسي إلى كورونا، فقد خفَّضت الكثير من الشركات والمصانع كميات الإنتاج، خوفاً من نقص الطلب. ومن أبرز الأمثلة على ذلك؛ الرقائق الإلكترونية التي تدخل في صناعات السيارات، والهواتف، وأجهزة الكمبيوتر التي تراجع المعروض منها، ومازال مستمراً حتى اليوم.

وما إن بدأ العالم يستفيق من الجائحة، وتفتح الاقتصادات المغلقة أسواقها، ويرجع الناس إلى أعمالهم؛ حتى عادوا للاستهلاك والشراء، لاسيما أنَّ الكثير منهم ادخر الأموال أثناء فترة الحجر الصحي.

فتحولت الصورة إلى عرض أقل وطلب أكبر، مما أدى إلى غلاء الأسعار وارتفاع التضخم. ناهيك عن الاضطرابات بسلاسل الإمداد، وقفزة تكاليف الشحن، وارتفاع أسعار النفط وانعكاسها على معظم القطاعات.

هل هي مرحلة مؤقتة وتعود بعدها الأمور إلى طبيعتها؟ أم أصبح التضخم جزءاً طبيعياً من الاقتصاد، وصار غلاء الأسعار أمراً عادياً في حياتنا اليومية؟ وكيف يُمكن للمواطن العادي التحوّط ضد التضخم وغلاء الأسعار؟

هذه الهواجس والتساؤلات تناولتها حلقة خاصة من "اقتصاد الشرق"، بعنوان: "التضخم.. كيف تحمي نفسك؟" أعدَّها وقدَّمها الإعلاميان: محمد فتحي، وعمرو خضر، واستضافت مجموعة من الخبراء الذين ألقوا الضوء على أسباب ارتفاع الأسعار، وعمّا إذا كان الاستثمار بالذهب، أو العقار، أو العملات المشفرة وسيلة مجدية للمواطن العادي للتحوط ضد التضخم.

صعوبة التنبؤ باتجاهات التضخم

يرى الخبير الاقتصادي الإماراتي حسن كاظم أنَّه "من الصعوبة بمكان التنبؤ باتجاهات التضخم بالفترة المقبلة، بفعل تعدد مسبباته، كزيادة أسعار الوقود، وتأثيرها على تكاليف الإنتاج الصناعي، وارتفاع المداخيل، وتنامي القروض، وكذلك اضطرابات سلاسل الإمداد. فما نشهده حالياً هو نتاج مزيج من كل هذه العوامل".

لكنَّه يتوقَّع أن يكون التضخم مؤقتاً، وسينتهي بزوال مسبِّباته، لاسيما أزمة سلاسل الشحن والإمداد التي رتبت عليها زيادة تكلفة نقل السلع بين الأسواق المختلفة حول العالم. لكن تبقى المشكلة برأي كاظم أنَّ "الأسعار عندما ترتفع؛ فإنَّها لا تعود للتراجع. ولا أعتقد أنَّ هذا الارتفاع سيتوقَّف قبل ستة أشهر".

ويوجِّه نصيحة للمواطنين بأن تقتصر عمليات الشراء لديهم على الاحتياجات الأساسية، "ففكرة التهافت عل شراء السلع، والمنتجات، وتكديسها ليست ذات جدوى كبيرة، خصوصاً في ظل احتمالية وجود منتجات أرخص في المستقبل، لكنَّها قد تكون بجودة أقل".

الذهب: الحصان الرابح؟

يشتهر الذهب بكونه ملاذاً آمناً ضد التضخم، ومؤخراً بدأ بريقه يعود للمعان مجدداً، فقد وصل إلى أعلى مستويات الإقبال على الشراء منذ بداية العام. ويُشير بانكاج جوبتا، مدير "سي إم سي كومكس إنترناشونال جي إم سي سي" (SMC Comex International DMCC)، إلى أنَّ الذهب "لطالما كان أداةً للادخار والاستثمار والتحوط، وهو مستمر بذلك، فما من وقت سيئ لشراء الذهب؛ فالتحوط من خلاله هو الطريقة الأسهل".

ويقارن بين الذهب وفئات الأصول الأخرى، لاسيما العملات المشفَّرة، والودائع البنكية، مُعتبراً أنَّ الأولى متذبذبة جداً، ومخاطرها مرتفعة، وإن كانت عوائدها مرتفعة بالمقابل، وبالتالي؛ هي ليست أداة تحوط". أمّا عن البديل المتمثل بإيداع المال في البنك، فيتساءل: "هل معدلات الفائدة التي نحصل عليها كافية للحفاظ على قيمة أموالنا والتصدّي للتضخم؟"

إلى ذلك، يلفت جوبتا إلى أنَّ "الذهب مرتبط بالدولار الأمريكي، مما يوفر الأمن للأموال المستثمرة فيه". مُشيراً إلى أنَّ "الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هو أكبر مُشترٍ للذهب عالمياً منذ عام 1974. كما أنَّ المصارف والصناديق وكبريات الشركات، هم في مقدِّمة المستحوذين على المعدن الأصفر، فإذا كان هؤلاء يثقون بالذهب، ويستمرون بشرائه، فلما لا أقتدي بهم؟".

ويُشير إلى أنَّه "على مدى السنوات الأخيرة؛، كلما شهدنا انخفاضاً بسعر أونصة الذهب بمعدل 100 دولار كحد أقصى، قابله ارتفاع بمقدار 300 دولار". ناصحاً المواطنين بشراء السبائك، وأونصات الذهب كاستثمار طويل الأجل، وليس للمتاجرة، والابتعاد عن شراء المجوهرات، إذا كان ذلك بهدف التحوط ضد التضخم، "كونها تخسر الكثير من قيمتها مقابل التصنيع".

العقار خيار دائم

بالنسبة لرئيس الأبحاث في شركة "نايت فرانك" للشرق الأوسط فيصل دوراني؛ فإنَّ الأمر معقد لناحية تحديد أفضل السبل للتحوط من مخاطر التضخم، والمفاضلة بين الذهب، أو الأسهم، أو العقار أو غيرها من خيارات الاستثمار في الأصول المتنوعة. "فتاريخياً، ظلّ الذهب في نظر الكثيرين أحد أفضل الملاذات الآمنة، وجميعنا يتذكر ما حدث عام 1979 عندما قامت الثورة في إيران، التي لم تكن حينها تُنتج سوى 4% من مجمل إنتاج النفط العالمي، فقد قفز سعر أونصة الذهب وقتها إلى 2000 دولار، وذلك بضغط من مخاوف المستثمرين، والأمر عينه تكرر مؤخراً مع انتشار جائحة كورونا".

ويضيف أنَّ "التحوط عبر شراء العقارات بات يراه بعضهم خياراً جيداً، خاصةً مع ارتفاع الأسعار في معظم الأسواق، ومن ضمنها دول المنطقة، إذ قفزت أسعار العقار خلال العام الأخير في دبي بنحو 16.5%، وفي السعودية زادت أسعار الشقق السكنية بنحو 17%، والفلل بأكثر من 10%، مما حوّل العقارات إلى إحدى الأدوات التي حقَّقت تحوطاً جيداً للمستثمرين ضد التضخم".

ومع أنَّ العائد على الاستثمار في العقار يختلف بشكل كبير بحسب الأسواق، كما يقول دوراني؛ فإنَّه يُفضِّله على الذهب، باعتبار أنَّ العقار مرشح لتحقيق عوائد أعلى نظراً لارتباطه المباشر بالتضخم، سواء من ناحية قيمة الأصل العقاري، أو لكونه يأخذ في الاعتبار ارتفاع الإيجارات مع ارتفاع باقي أسعار السلع، والبنود الاستهلاكية الأساسية".

الوافد الجديد "بتكوين"

مؤخراً، بدأ بعضهم ينظر إلى "بتكوين" على أنَّها أداة ملائمة للتحوط. ويوافق محمد المصري، استشاري تعدين "بتكوين"، وإدارة الأصول الرقمية، والمؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "بيرميان شاين" (PermianChain)، على هذا التوصيف. لكنَّه يُشدِّد على أنَّ "المستثمر يجب أن يدرك قبل الغوص في غمار الاستثمار بهذه الفئة من الأصول، أنَّ "بتكوين" هي شبكة عالمية غير مركزية، وبالتالي؛ لا توجد وحدة تتحكم بها"، مما يجعلها - بنظره - أكثر أماناً من باقي الأصول الرقمية.

أما بما يتعلق بالتعارض بين تذبذبها ودورها المزمع كأداة تحوط؛ فيعتبر أنَّ "حركة الأسعار مهمة بشكل أساسي لمن يتداولون يومياً. أما بالنسبة إلى المستثمرين الذين يستحوذون على "بتكوين"، ويحافظون عليها باعتبارها مخزناً للقيمة؛ فهم غير معنيين بهذه التذبذبات، وبالتحركات اليومية للسعر، بل ينصب تركيزهم على المدى البعيد لناحية نمو شبكة "بتكوين" عالمياً".

ويضيف المصري: "علينا أن ننظر إلى حركة شبكة "بتكوين" لنفهم قيمتها المستقبلية، فهذه الشبكة نمت من بضع محافظ في 2011 إلى أكثر من 78 مليون محفظة اليوم، وكلما زاد نمو هذه الشبكة، زاد استخدام "بتكوين" وارتفعت قيمتها".

ويلفت إلى النمو السريع في قيمة "بتكوين"، "فلو نظرنا للقيمة الشرائية للدولار نجد أنَّها انخفضت بنسبة 20% بين عامي 2008 و2021، في حين كان سعر "بتكوين" دولاراً واحداً في 2011، وأصبحت الآن أكثر من 60 ألف دولار".

مقارنةً بالذهب؛ يرى المصري أنَّ "بتكوين" خيار أفضل، "لاسيما للجيل الجديد من الشباب، إذ يمكنهم استخدامها للتسوق عبر الإنترنت، ولتحويل الأموال وحملها معهم دون الخوف من تعرضهم للسرقة أو القلق بشأن تخزينها في مكان آمن".

التضخم والنفط والسياسة

يَعتبر الخبير الاقتصادي السعودي سليمان العساف أنَّ "سعي الولايات المتحدة للسيطرة على أرقام التضخم "بات يمثل ضغطاً على الإدارة الأمريكية، التي تُلقي باللوم على أسعار النفط، وهو ما تجلى بمطالبة الرئيس جو بايدن منظمة أوبك بزيادة الإنتاج، بموازاة طلبه من كبرى الدول المستهلكة للنفط باستخدام الاحتياطي الاستراتيجي لديها".

بنظر العساف؛ فإنَّ "رؤية الإدارة الأمريكية بشأن التضخم، الذي بلغ 6.2% خلال شهر أكتوبر وهو أعلى مستوى منذ 30 عاماً، تختلف عن رؤية المواطن الأميركي الذي يهمه معدلات التوظيف ومستوى الأجور". متوقِّعاً أن يقفز سعر برميل النفط فوق 100 دولار في 2022، "مما سيضغط على إدارة بايدن، التي قد تتبنّى سياسات تجاه الشرق الأوسط، و"أوبك"، لا تتناسب مع رؤية الحزب الجمهوري ولا الديمقراطي، فكلاهما يركز على ضرورة معالجة التضخم انطلاقاً من أسبابه الحقيقية، وليس بإلقاء اللوم على أسعار النفط فقط".

ويؤكد الخبير السعودي أنَّ "أسعار الوقود ليست العامل الوحيد خلف التضخم الذي نشهده مؤخراً، فهناك أزمة سلاسل الإمداد، فقد قفزت أسعار الشحن عدة أضعاف، ورافقتها زيادة بأسعار الغذاء العالمية بأكثر من 30%، بالإضافة إلى نمو الطلب من قِبل المستهلكين".