"فورت نايت" تتخلى عن سوق الصين بعد إغلاق الأبواب في وجهها

المصدر: غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أمضت شركة "إيبك غيمز" (Epic Games) عام 2018 في إعداد "فورت نايت" (Fortnite)، أكثر ألعاب الفيديو شهرة في العالم، من أجل ظهورها الأول الرائد في الصين، أكبر سوق للألعاب في العالم. عندما أصدرت الشركة لعبة إطلاق النار متعددة اللاعبين هذه قبل عام، كانت قد حققت بالفعل أكثر من مليار دولار في جميع أنحاء العالم. سعت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "تنسنت هولدينغز" (Tencent Holdings)، وهي أحد المستثمرين في "إيبك" والناشر المحلي للعبة "فورت نايت"، إلى تكرار هذا النجاح في موطنها. بدأت الأمور بتفاؤل، إذ سجّل 10 ملايين لاعب صيني مسبقاً ذلك الصيف طلبات الوصول إلى اللعبة، ولكن لم تُطلَق بالكامل في الصين. وفي 15 نوفمبر أغلقت "إيبك" خدمات "فورت نايت" في البلاد، لتنتهي من تجربة مدتها ثلاث سنوات لم تحصل منها على شيء.

اقرأ أيضاً: نجوم "تيك توك" ولاعبو الفيديو محاربون جُدد بقضايا المناخ

تحتاج ألعاب الفيديو الجديدة إلى موافقات حكومية لعرض وبيع النسخ أو العناصر الافتراضية في الصين، كما أن عملية الترخيص تزداد صرامة ولا يمكن التنبؤ بها في كثير من الأحيان. كان هذا العام صعباً بشكل خاص، ولم توافق الحكومة على إصدار ألعاب جديدة منذ أكثر من 100 يوم.

يأتي هذا الجمود في وقت قالت فيه بكين إنها تريد التدقيق من كثب في تأثير ألعاب الفيديو على الأطفال. في سبتمبر، حددت الحكومة وقت لعب الأطفال بثلاث ساعات أسبوعياً في معظم الحالات، وشجعتهم على قضاء مزيد من الوقت في الهواء الطلق بدلاً من ذلك، وتركت تطبيق ذلك على عاتق الشركات إلى حد كبير. في أحد المقالات هذا الصيف، شجبت إحدى وسائل الإعلام المملوكة للدولة "الأفيون الروحي" للألعاب، رغم أنها نأت بنفسها لاحقاً عن مثل هذه اللغة المبالغ فيها، إلا أن الحكومة أوضحت أنها تريد السيطرة على ألعاب الفيديو.

اقرأ المزيد: الصين تبطئ ترخيص الألعاب لتطبيق قيود جديدة صارمة

يتوافق هذا الشعور مع حملة الرئيس تشي جين بينغ التي استمرت عاماً كاملًا لكبح جماح شركات التكنولوجيا الكبيرة، التي لها أهداف اقتصادية واجتماعية. تستهدف القواعد الجديدة كل شيء، من التعليم والتجارة الإلكترونية إلى التمويل والترفيه واقتصاد العمل الحر، ما يثير قلق المستثمرين ويخيف المليارديرات في البلاد. أما بالنسبة إلى الشركات التي تتوق إلى الاستفادة من العدد الهائل من اللاعبين الشباب في الصين، فإن التوقعات التي كانت مهتزة بالفعل تبدو أسوأ من أي وقت مضى.

اقرأ أيضاً: "تينسنت" تسجل أبطأ نمو في مبيعاتها منذ عامين بسبب الحملة الصينية

تضرّر "تنسنت"

كان الضرر الذي لحق بشركة "تنسنت" التي تشمل أعمالها مجال الألعاب مثل اللعبة الرائجة بشدة "ليغ أوف ليجيندز" (League of Legends)، واضحاً عندما أعلنت عن أرباحها في 10 نوفمبر. زادت الإيرادات الإجمالية بنسبة 13% للربع، وهو أبطأ معدل نمو منذ طرح الشركة للاكتتاب العامّ في عام 2004. نمت إيرادات الألعاب داخل الصين بنسبة 5%، مقارنة بنسبة 20% على المستوى الدولي. قال المسؤولون التنفيذيون للمستثمرين إنهم يعتقدون أن الاضطرابات ستكون مؤقتة، وقالوا إنّ لديهم مخزوناً كبيراً من العناوين الجديدة المُعَدّة للإصدار بمجرد تخفيف الشكوك التنظيمية. ورفض متحدث باسم الشركة تقديم مزيد من التعليقات.

حتى قبل حملة 2018، استثمرت "تنسنت" استثماراً كبيراً في "إيبك" واستحوذت على شركة "ريوت غيمز" (Riot Games)، التي صنعت لعبة "ليغ أوف ليجندز". الآن تعمل على الحصول على حصص في شركات الألعاب الناشئة حول العالم. تعمل شركات الألعاب الصينية مثل "نيت إيز" (NetEase) على إجراء تعديل جزئي من خلال التطلع إلى الخارج لإنشاء استوديوهات في أماكن من اليابان إلى كندا، ومن خلال صيد المواهب من "أكتيفيجن بليزارد" (Activision Blizzard) و"يوبيسوفت إنترتينمنت" (Ubisoft Entertainment) وغيرهما من القوى الكبرى.

التطلع إلى الخارج

يقول ماثيو كانترمان، المحلل في "بلومبرغ إنتليجنس"، إنّ الشركات الأجنبية "تحتاج إلى التركيز على أسواقها الأساسية خارج الصين، لكن يجب أن تكون مستعدة للاستفادة من الفرص المتاحة في البلاد عند ظهورها. أعتقد أن حقيقة أن شركتَي (تنسنت) و(نيت إيز)، الرائدتين في السوق الصينية، تبحثان في الخارج عن المرحلة التالية من النمو في قطاع الألعاب، تتحدث عن حجم التوقعات محلياً".

كانت في الصين طبيعة دورية للعمليات الصارمة، ولطالما سعى المسؤولون إلى فرض رقابة صارمة على الإنترنت ووسائل الإعلام، ولطالما أظهروا العداء تجاه ألعاب الفيديو على وجه الخصوص. حظرت الدولة وحدات التحكم، بما في ذلك "بلاي ستيشن" التابعة لشركة "سوني غروب" لأكثر من عقد من الزمان، قبل السماح لها بالعمل في عام 2015، وشعر بعض الآباء بالحاجة إلى إجبار أطفالهم الذين يستخدمون ألعاب أجهزة التحكم على الذهاب إلى معسكرات التدريب، حيث يستخدم الأطباء النفسيون الصدمات الكهربائية لعلاج إدمان الإنترنت المفترض.

خفّت الأمور قليلاً في عصر الهاتف المحمول، لكن الحكومة واصلت العمل مع الحواجز التنظيمية التي لم تشهدها الولايات المتحدة وأوروبا قط، مثل اشتراط الموافقات الحكومية، والحاجة إلى مطورين عالميين للعمل مع شركاء محليين يوزعون ألقابهم. فاجأت الحكومة المطورين بتجميد التراخيص في عام 2018 بعد أن أعرب شي عن قلقه من أن الألعاب تضر بَصَرَ الأطفال.

رفض حكوميّ

تمكنت "فورت نايت" من الفوز بالموافقة على إطلاق تجريبيّ في ذلك العام، لكن بكين لم تسمح لها بتقديم نسخة تجارية يمكن للاعبين من خلالها شراء عناصر رقمية لتزيين صورهم الرمزية داخل اللعبة. أدى فشل "تنسنت" في إطلاق اللعبة الكاملة، جنباً إلى جنب مع المشكلات الأوسع في سوق الألعاب الصينية، إلى محو 200 مليار دولار من قيمتها السوقية على مدى فترة نحو سبعة أشهر في عام 2018، مما قلل قيمتها إلى النصف تقريباً.

حتى عندما استأنف المنظمون الموافقة على ألعاب جديدة، لم يقتربوا من "فورت نايت" مطلقاً. لم توضح بكين سبب بقاء العنوان على القائمة السوداء. إنها ليس هدفاً واضحاً للرقابة، فهم أكثر اهتماماً بالعنف والدماء. يقول بعض مراقبي الصناعة إنّ مسؤولي "تنسنت" حيّدوا المسؤولين الرسميين بالمضيّ قُدماً في نسخة تجريبية، بحجة أن الشركة كان يجب أن تنتظر الإيماءة الأخيرة من الحكومة، فقط لإظهار الاحترام.

يقول دانيال أحمد، المحلل لدى "نيكو بارتنرز"، شركة أبحاث ألعاب الفيديو: "رغم عدم تقديم سبب رسمي للإغلاق، فإنّ هذا يدل على أنه لا يمكن ضمان ترخيص للعبة أجنبية في الصين حتى بالشراكة مع أكبر شركة ألعاب فيها. ستكون الأولوية دائماً للبيئة التنظيمية الصارمة ومتطلبات المحتوى".

وجدت "تنسنت" طرقاً أخرى للنجاح في سوق الألعاب الصينية. حققت لعبتها "أونور أوف كينغز" (Honor of Kings) نجاحاً كبيراً منذ إصدارها عام 2015 في البلاد. وفي عام 2019، خففت تقديم لعبة إطلاق نار أخرى متعددة اللاعبين عبر الإنترنت في الصين، حتى إنها غيرت الاسم من "ببجي موبايل" (PUBG Mobile) إلى "بيس مايكر إيليت/نخبة صانعي السلام" (Peacekeeper Elite) لإرضاء المنظمين. تعيد النسخة المحلية صياغة معركة اللعبة كتدريبات عسكرية بدلاً من القتال حتى الموت. يظهر الدم باللون الأخضر لا الأحمر، ويصور اللاعبون المهزومون على أنهم صناديق خشبية بدلاً من الجثث.

سوق بـ46 مليار دولار

تبلغ قيمة سوق الألعاب الصينية 46 مليار دولار في عام 2021، مقابل 43 مليار دولار في أمريكا الشمالية، وفقاً لشركة الأبحاث "نيوزو" (Newzoo). في عام 2020، أصدر المنظمون تراخيص لـ1400 لعبة جديدة، أقل من مئة منها مستوردة من دول أخرى، وفقاً لمتتبع البيانات "ستاتيستا" (Statista). ويقارن ذلك بأكثر من 9000 ترخيص في عام 2017. كما أن محاولات بكين لتثبيط اللاعبين الشباب تظهر نتائجها. في سبتمبر، لم تتجاوز نسبة المستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً 1% من الذين يُمضون وقتهم في الألعاب التي تشغلها "تنسنت تشاينا"، بانخفاض عن 6% في العام السابق.

يهلل بعض الآباء في الصين للقيود الجديدة. رفض وانج هينغ، وهو عامل مصنع في مدينة تيانجين الشمالية، شراء هاتف ذكي لابنه البالغ من العمر 16 عاماً لمنعه من ممارسة الألعاب. كما قطع الاتصال بالإنترنت في أثناء غيابه عن المنزل حتى لا يتمكن الصبي من التسلل ولعب لعبة أو اثنتين. يقول وانج: "لا أعتقد أن الحدود صارمة للغاية. لا أعتقد أن الألعاب ضرورية للأطفال. نشأ جيلي دون كل تلك الألعاب عبر الإنترنت، وكانت لدينا طفولة سعيدة وحياة مراهقة".

الشباب والترفيه

في الوقت ذاته لا يمكن للحكومة أن تملي على الشباب ببساطة أنواع الترفيه التي يحبونها. في 6 نوفمبر، دخل الملايين من المشجعين الصينيين إلى الإنترنت لمشاهدة بطولة العالم في "ليغ أوف ليجندز"، التي أقيمت على بُعد 4000 ميل في ريكيافيك في أيسلندا. عندما فاز فريق "إدواردز غايمينغ" (Edwards Gaming) الذي يتخذ من شنغهاي مقراً له، كان رد فعل أنصار الفريق مثل رد فعل عشاق الرياضة المنتصرين في جميع أنحاء العالم، إذ خرجوا من الحانات وعبر حرم الجامعات وهم يهتفون ويرفعون علم الفريق، بل حتى إنّ بعضهم جرى عارياً (بعد ذلك شعرت رابطة شباب الحزب الشيوعي بأنها مضطرة إلى تحذير المعجبين من أنّ "الجري عراة" يعرضهم لخطر الإصابة بكوفيد-19 بشكل متزايد وقد يدفع بالسلطات إلى احتجازهم).

تحاول الشركات الاستفادة من التأثير الثقافي لألعاب الفيديو، من خلال بيع المحتوى المرافق للألعاب من الموسيقى إلى البث إلى الأنيمي، الذي يخضع عادةً لسيطرة حكومية أقل. ترى "تينسنت" أن مستقبلها يعتمد على تأمين مكان في ما يسمى "ميتافيرس" (metaverse)، المشهد الغامر عبر الإنترنت الذي يعتبره عديد من شركات التكنولوجيا المرحلة التالية من التفاعل الرقمي. سجلت "تنسنت" علامات تجارية مرتبطة بـ"ميتافيرس" في الصين، وتوظف مطورين لإنشاء ألعاب مستقبلية مفتوحة للعالم. وعند تقديم عروضهم للمستثمرين في 10 نوفمبر، قال المسؤولون التنفيذيون في الشركة إنهم واثقون بأن بكين لن تقف في طريقهم.