ما هي نظرية الملك "كنوت" العظيم للتضخم؟

بحسب الأسطورة، فإن ملك إنجلترا كنوت العظيم، وضع عرشه على الشاطئ وأمر المد القادم بالتوقف، لكن المد لم يعره أي اهتمام، واستمر في الاندفاع فوق قدمي كنوت وساقيه، مدفوعاً بقوانين الطبيعة.
بحسب الأسطورة، فإن ملك إنجلترا كنوت العظيم، وضع عرشه على الشاطئ وأمر المد القادم بالتوقف، لكن المد لم يعره أي اهتمام، واستمر في الاندفاع فوق قدمي كنوت وساقيه، مدفوعاً بقوانين الطبيعة. المصدر: غيتي إيمجز
Mervyn King
Mervyn King

Mervyn King was governor of the Bank of England from 2003 to 2013. He is the Alan Greenspan Professor of Economics at NYU Stern School of Business and professor of law at NYU School of Law, and author (with John Kay) of “Radical Uncertainty: Decision-Making Beyond the Numbers.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وقعت البنوك المركزية في مأزقٍ بسبب الارتفاع المفاجئ للتضخم. ففي الولايات المتحدة، وصل تضخم مؤشر أسعار المستهلك حالياً إلى 6.2%.

وارتفع مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي، ألا وهو نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، إلى أعلى مستوى له منذ 30 عاماً. والتضخم أعلى بكثير من الهدف في العديد من البلدان الصناعية.

انفراجة نسبية في نقص الإمدادات بالولايات المتحدة والأزمة تتفاقم أوروبياً

قيل لنا إن انفجار التضخم هذا هو أمر مؤقت. إذ أنه لعدة سنوات، كانت البنوك المركزية تُقدِّم "توجيهات مستقبلية" بأن أسعار الفائدة ستبقى قريبة من الصفر أو أقل منه في المستقبل الذي لم يتم تحديده.

يعتمد موقف السياسة النقدية هذا بشكل كبير على الافتراضات بأن التوقعات تدفع التضخم، والبنوك المركزية هي من يحرك التوقعات. بمعنى آخر، يتم تحديد التضخم طويل الأجل من خلال هدف التضخم الرسمي.

من وحي الحرب العالمية.. التضخم المؤقت قد يبقى فترة

استهداف التضخم

أتذكر أنه في الأيام الأولى للجنة السياسة النقدية في بنك إنجلترا، كنا نُدقِّق في توقعات التضخم. بغض النظر عن مسار أسعار الفائدة الذي قمنا بمحاكاته، عاد التضخم دائماً إلى الهدف. لماذا؟ لأنه في النماذج المستخدمة لإنتاج التوقعات، كان المحدد الوحيد للتضخم على المدى المتوسط هو الهدف الرسمي.

هذه هي نظرية الملك كنوت العظيم للتضخم. فوفقاً للأسطورة، منذ ألف عام، وضع ملك إنجلترا كنوت عرشه على الشاطئ وأمر المد القادم بالتوقف. لم يُعر المد لأمره أي اهتمام. إذ استمر في الارتفاع واندفع لفوق قدمي كنوت وساقيه، مدفوعاً بقوانين الطبيعة.

لا يمكن لنظرية تضخم مُرضية أن تكون على هذا الشكل "التضخم سيظل منخفضاً لمجرد أننا نقول إنه سيكون كذلك".

يجب أن تشرح النظرية كيف تؤثر التغييرات في النقود - سواء بشكل مباشر عن طريق التيسير الكمي أو بشكل غير مباشر عبر التغيرات في أسعار الفائدة - على الاقتصاد.

مهما حاول بايدن.. لا مفرّ من إلقاء اللوم عليه بشأن التضخم

سياسة رد الفعل

في النماذج التي أصبحت تهيمن على تفكير البنك المركزي، يتم تحديد التضخم من خلال "وظيفة رد فعل" البنك المركزي التي تضمن تحديد أسعار الفائدة أو التيسير الكمي لضمان عودة التضخم إلى الهدف.

لكن في عالم تسوده حالة متطرفة من انعدام اليقين، حيث لا أحد منا يعرف الديناميكيات الحقيقية للاقتصاد، لا يمكننا أن نكون واثقين من أن البنوك المركزية ستتصرف في الواقع بطريقة تتماشى مع بلوغ هدف التضخم. في عالم كهذا، تكون توقعاتنا أضعف من أن تقوم بتثبيت التضخم.

إن الفكرة القديمة القائلة بأن التضخم يعكس "الكثير من الأموال التي تطارد عدداً قليلاً جداً من السلع" هي أكثر معقوليةً من الرأي القائل بأن التضخم هو مدفوع بالتوقعات فقط.

فالتوقعات مهمة، لكنها وصف غير كامل للطريقة التي تُترجم بها التغيرات في أسعار الفائدة وعرض النقود إلى أسعار.

فعندما يبدأ الناس في عدم الثقة في كلام البنك المركزي، فإنهم ينظرون إلى المتغيرات النقدية، وخاصة المعروض النقدي الواسع، لقياس توقعات التضخم.

هل تنجح وول ستريت في حل لغز التضخم؟

المعروض من النقود

في الولايات المتحدة، كان عرض النقود (M3) يرتفع بمعدلٍ سنوي 24% أواخر العام الماضي، متراجعاً إلى 13% فقط طبقاً لأحدث الأرقام. في المملكة المتحدة، كان عرض النقود (M3) يرتفع لبعض الوقت عند 13% سنوياً، لينخفض إلى حوالي 7%.

إن آلية الانتقال بين زيادة النقد الواسع وتأثيرها على التضخم هو أمر مفتوح للنقاش. لكن تبقى الحقيقة أننا شهدنا زيادة كبيرة، وإن كانت مؤقتة، في معدل نمو النقد الواسع، ونحن نشهد حالياً ارتفاعاً ملحوظاً، وإن كان ربما مؤقتاً، في التضخم.

وتحديداً لأن المستقبل يحمل حالة انعدام يقين متطرفة، فليس من الحكمة أن يتكهن البنك المركزي بقراراته المستقبلية.

لا يعرف الاحتياطي الفيدرالي معدل السياسة قصيرة الأجل الذي سيرغب في تحديده بعد ستة أشهر من الآن، ناهيك عما سيكون عليه هذا المعدل في عام 2023 أو 2024.

يكمن الخطر اليوم في أنه على الرغم من أن الأسواق المالية ربما فقدت الثقة في التوجيهات المستقبلية الموجهة إليها، تستمر البنوك المركزية نفسها في الإيمان بهذه التوجيهات، وتتشبث برواية حول المسار المستقبلي لأسعار الفائدة لم تعد ذات مصداقية.

التضخم المرن

وبنفس القدر من انعدام الحكمة، نجد أن الأقربين للتوجيه المستقبلي: التحكم في منحنى العائد، على النحو الذي اعتمدته اليابان وأستراليا؛ واستهداف متوسط التضخم المرن، كما أعلن الاحتياطي الفيدرالي في العام الماضي؛ ووعد باستهداف معدل تضخم أعلى من أجل خفض سعر الفائدة الحقيقي المتصور.

يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد طرح استهدافاً متوسطاً للتضخم المرن في أسوأ وقت ممكن - لأنه لا أحد يجادل في أن التضخم بأكثر من 6% كان مرغوباً لتعويض النواقص السابقة للهدف.

لطالما كان من الوهم الاعتقاد بأنه يمكن التحكم في التضخم بدقة لهذه الدرجة بحيث يمكن استخدام تجاوز قصير ووجيز بهذه الطريقة.

في وقت سابق من هذا الشهر، أجبرت الأسواق المالية بنك الاحتياطي الأسترالي على التخلي عن التحكم في منحنى العائد بهدف الحفاظ على عائد السندات لأجل ثلاث سنوات عند 0.1%.

قال المحافظ: "بتجميع كل الخبرات معاً، من غير المحتمل تماماً أن يكون لدينا هدف العائد مرة أخرى".

التوقعات وحدها ليست كافية

إن محاولات بنك اليابان لاستهداف عائدات السندات لأجل 10 سنوات وتحفيز الاقتصاد من خلال استهداف تضخم أعلى، تُذكرنا بالملك كنوت العظيم.

عندما رشح الرئيس بيل كلينتون آلان غرينسبان لولايته الرابعة كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في عام 2000، أشاد "بمزيجه النادر من الخبرة الفنية والتحليل المحنك والمنطق القديم".

إن الإدراك السليم يشير إلى أن الكثير من الأموال التي تطارد عدداً قليلاً جداً من السلع تؤدي إلى التضخم. لم ينجح الاعتماد المفرط على التوقعات وكلمات البنك المركزي. لذا، لقد حان الوقت لاتباع نهج أفضل.

عندما جلس الملك كنوت العظيم أمام المد القادم، كان هدفه هو الكشف لحاشيته أنه لم يكن كلي القدرة، ولا يستطيع بالكلمات وحدها قلب قوى الطبيعة. حري بالبنوك المركزية إظهار نفس التواضع.