تنظيم صناعة التشفير "ذاتياً" قد يكون أفضل من إخضاعها للهيئات التنظيمية

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وجدت صناعة العملات الرقمية نفسها فجأة في مرمى مجموعة من الهيئات التنظيمية الحكومية والفيدرالية في الولايات المتحدة هذا الخريف، فقد واجهت غرامات بملايين الدولارات، فضلاً عن مخاطر رفع دعاوى قضائية، وتحذيرات من إمكانية فرض لوائح جديدة.

يقول المسؤولون التنفيذيون في مجال العملات المشفَّرة، إنَّ موجة الإنفاذ المفاجئة -والمتداخلة في بعض الأحيان- تهدّد بتقويض الابتكار، خصوصاً في المناطق التي لا تتضح فيها القوانين المطبقة فعلياً.

اقرأ أيضاً: المنظمون والشركات في أمريكا يبحثان إصدار عملة رقمية مستقرة تُرضي الهيئات الرقابية

بالتالي؛ يكمن السؤال في: ما هي الحلول التي يمكن تقديمها؟.. هنا يمكن القول: دع الصناعة تعمل على تنظيم نفسها بنفسها.

طرحت بورصات العملات الرقمية الرئيسية، مثل "كوين بيس" (Coinbase) و"جيميني" (Gemini)، وجهات استثمارية بارزة مثل "أندريسن هورويتز" (Andreessen Horowitz) فكرة إنشاء منظمة ذاتية التنظيم (SRO) لهذا النوع من العملات، بحجة أنَّها قد تكون طريقة أفضل للإشراف على بعض الأمور المتعلقة بالصناعة الجديدة والمعقدة، مقارنة بالوكالات التقليدية التي جاهدت لتطبيق قواعد قائمة منذ عقود زمنية على السوق الجديدة.

يعتقد المؤيدون أنَّ الخبرات البشرية والموارد التي ستنطوي عليها المنظمة ذاتية التنظيم، من شأنها أن تكون أكثر مرونة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالقواعد التي تحكم المنتجات الجديدة.

اقرأ المزيد: البنوك الأمريكية تضع خارطة طريق لمراقبة العملات المشفرة

يقول غريغ زيثاليس، كبير مسؤولي الامتثال لدى شركة الاستثمار بالعملات المشفَّرة "مالتي كوين كابيتال" (Multicoin Capital)، إنَّ "وظيفة الهيئة التنظيمية لن تكون سهلة عند مواجهة شيء جديد". ومن هذا المنطلق، تساءل زيثاليس قائلاً: "السؤال هنا يكون، كيف يمكن التمتع ببيئة ذات بنية تحتية تنظيمية أكثر مرونة؟".

التفويض الحكومي

يتمتع التنظيم الذاتي بتاريخ طويل في "وول ستريت". فالمنظمات ذاتية التنظيم، الممولة والمدارة من قبل أعضائها، تضع اللوائح وتُجري أعمال الفحص، وتفرض عقوبات على الأعضاء، لكن بعد تفويض من الكونغرس والجهات التنظيمية، مثل: هيئة الأوراق المالية، والبورصات الأمريكية.

بعد بضعة أعوام من تشكيل الكونغرس لهيئة الأوراق المالية والبورصات كجزء من صفقة جديدة للرئيس السابق فرانكلين دي روزفلت؛ قامت الهيئة بتفويض الرابطة الوطنية لتجار الأوراق المالية (NASD) المشكلة حديثاً، وهي هيئة تعمل كمنظمة ذاتية التنظيم، للإشراف على بعض أنشطة الوسطاء وشركات الوساطة.

اقرأ أيضاً: كيف نمنع العملات المشفرة من هدم النظام المالي؟

بعد ثمانين عاماً، ومع عدد قليل من عمليات إعادة التنظيم؛ أصبحت الرابطة الوطنية لتجار الأوراق المالية تُعرف الآن باسم "هيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية" (Finra)، وهي هيئة تضم 3600 موظف يساعدون في منح التراخيص، ووضع سياسات، وفرض عقوبات على مئات الآلاف من الوسطاء، وذلك تحت إشراف هيئة الأوراق المالية والبورصات. كذلك؛ هناك منظمة ذاتية التنظيم مماثلة تضع سياسات سماسرة السلع الأساسية، بالإضافة إلى أنَّ البورصات الرئيسية تشكِّل في حد ذاتها منظمات ذاتية التنظيم.

التعامل مع المخالفات

يمكن أن تكون المنظمة ذاتية التنظيم مسؤولة عن ملاحقة بعض المخالفات على الأقل عندما يتعلق الأمر بالعملات المشفَّرة. فهي تحيل جرائم الاحتيال الخطيرة إلى هيئات مثل: "هيئة الأوراق المالية والبورصات". فعلى سبيل المثال؛ يمكن للمنظمة ذاتية التنظيم أن تحدد ما إذا كان يجب تصنيف رمز صدر حديثاً على أنَّه ضمان، أو سلعة، أو شيء آخر، وهو أمر يعتقد المؤيدون بأنَّه سيسهم كثيراً في مساعدة الشركات على إصدار رموز جديدة دون الخشية من مواجهة إجراء تنفيذي بعد أعوام. كما يمكن لهذا النوع من المنظمات أيضاً أن تتولى المهام العادية مثل: وضع القواعد، أو معايير الإفصاح عن منتج يحدد كيفية إدارة بيانات العملاء.

الجدير بالذكر، أنَّ "هيئة الأوراق المالية والبورصات"، وغيرها من الهيئات؛ ستشرف على سلوك المنظمات ذاتية التنظيم، وستكون لديها سلطة اتخاذ القرار النهائي إذا اختلفت مع قرارات تلك المنظمات.

تعرضت المنظمات ذاتية التنظيم، مثل: "هيئة تنظيم الصناعة المالية الأمريكية"، لانتقادات نتيجة ضعف عمليات الإنفاذ التي تلبي احتياجات أعضائها بدلاً من الجمهور الذي يفترض مساعدته، إذ قارنها بعض المنتقدين بالتكتلات الاحتكارية.

التصدي للاحتيال

كذلك، يقول بعض المشككين في مجال العملات المشفَّرة، إنَّ المنظمة ذاتية التنظيم لن تتمكن من التصدي بشكل ملائم لما يعتبرونه من أكبر مشكلات الصناعة، والتي تتمثل في جرائم الاحتيال، والانتهاكات القانونية الخطيرة التي تشكِّل أساس وجود الهيئات الرقابية القوية، مثل: هيئة الأوراق المالية والبورصات، ولجنة تداول السلع الآجلة (CFTC).

بالفعل، خلال العام الجاري، هدَّدت "هيئة الأوراق المالية والبورصات" شركة "كوين بيس" برفع دعوى قضائية بشأن منتج مقترح، ولاحقت هيئات تنظيمية حكومية عديدة شركات العملات المشفَّرة بدعوى بيع أوراق مالية غير مسجلة، كما فرضت لجنة تداول السلع الآجلة غرامة قدرها 41 مليون دولار على "تيذر" نظراً لكذبها بشأن الأصول الداعمة لعملتها.

يقول أندرو بارك، وهو محلل السياسات الأقدم في منظمة: "أمريكيون من أجل الإصلاح المالي" (Americans for Financial Reform)؛ وهي مجموعة مناصرة للمستثمرين: "هذه صناعة تحتاج إلى حماية أكبر، وتغييرات هيكلية محتملة"، في إشارة منه إلى العملات المشفَّرة وغيرها من منتجات التشفير التي تتمتع بأوجه تشابه وثيقة مع النظام المالي التقليدي دون اتباع اللوائح ذاتها.

يوضح بارك قائلاً: "إذا كانت هناك عملية سطو مسلح تحدث في مكان ما؛ فإنَّ المنظمة ذاتية التنظيم تكون في الخارج لإصدار مخالفة وقوف بحق السيارة التي سيفرّ بها المحتالون".

حاول مؤيدو الصناعة بالفعل تشكيل منظمة ذاتية التنظيم للعملات المشفَّرة، لكن هذه الخطوة لم تحظَ بعد بموافقة أعضاء الهيئة التشريعية. فقد ظلت إحدى المنظمات المتنافسة التي أنشأتها شركة "جيميني" غير نشطة لأعوام، في حين تضم منظمة أخرى تُعرف باسم: "جمعية أسواق الأصول الرقمية" (ADAM) أعضاء، من بينهم بورصة مشتقات العملات المشفَّرة "إف تي إكس" (FTX)، والمستثمر "غلاكسي ديجيتال" (Galaxy Digital)، وقد طوَّرت مدونة سلوك من شأنها أن تشكل أساساً إذا حصلت على مكانة مماثلة لمنظمة ذاتية التنظيم.

تشريع على الطريق

تبين أنَّ معظم مؤيدي فكرة تشكيل منظمة ذاتية التنظيم يتفقون على أنَّ مثل هذه المنظمة ستحتاج على الأرجح إلى إصدار الكونغرس لمشروع قانون يسمح لهيئة الأوراق المالية والبورصات، أو لجنة تداول السلع الآجلة، أو الجهات التنظيمية الأخرى بتسجيلها، وربما إلى تفويض السلطة لها.

برغم أنَّ تمرير مثل هذا القانون قد يستغرق أعواماً؛ فإنَّ أعضاء من مجلس الشيوخ، من بينهم السيناتور الجمهوري عن ولاية وايومنغ سينثيا لوميس، يخططون لسنِّ تشريع شامل للعملات المشفَّرة من شأنه أن يتيح لمؤيدي فكرة المنظمة ذاتية التنظيم الفرصة لبدء تنفيذ خططهم.

تقول ميشيل بوند، الرئيسة التنفيذية لجمعية أسواق الأصول الرقمية: "إذا استطعنا توضيح أنَّ المنظمات ذاتية التنظيم ستسهم فعلياً في زيادة مستوى التنظيم والتسجيل تحت إشراف هيئة الأوراق المالية والبورصات، ولجنة تداول السلع الآجلة؛ فإنَّها ستحظى بقبول الهيئات، وستتيح للصناعة أيضاً فرصة أن يكون لها دور فعال في اتخاذ القرارات".

خلاصة القول؛ فإنَّ المسؤولين التنفيذيين العاملين في صناعة العملات الرقمية يقترحون المشاركة في كيفية ضبط الصناعة، وهو أمر يبدو كأنَّه سيحظى بتأييد بعض الجهات التشريعية، خصوصاً أنَّ عملية التنظيم الذاتي قد تستغرق أعواماً.