ما وراء بيانات التضخم.."الشيطان يكمُن في التفاصيل"

قطاعات الاقتصاد لم تتأثر بالتضخم على نحو واحد
قطاعات الاقتصاد لم تتأثر بالتضخم على نحو واحد المصدر: بلومبرغ
 Nir Kaissar
Nir Kaissar

Nir Kaissar is a Bloomberg Opinion columnist covering the markets. He is the founder of Unison Advisors, an asset management firm. He has worked as a lawyer at Sullivan & Cromwell and a consultant at Ernst & Young.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من الصعب متابعة الأخبار دون أن تلفت نظرك تقارير التضخم المخيفة. وغالباً ما تستند هذه التقارير إلى مقاييس التضخم الواسعة، مثل مؤشر أسعار المستهلكين، الذي ارتفع بنسبة 5% أو أكثر لستة أشهر متتالية منذ مايو الماضي على أساس سنوي، وهو أطول خط صاعد منذ أوائل التسعينيات.

المعنى الضمني، إن لم تكن الرسالة واضحة، هو أنَّ تكلفة كل شيء آخذة في الارتفاع الصاروخي. برغم ذلك؛ فهذا ليس صحيحاً بشكل مطلق، فخلف أرقام التضخم الرئيسية، هناك تباين كبير في ارتفاعات الأسعار. تكلفة بعض القطاعات مثل: النقل والغاز؛ ترتفع بمعدل كبير، وبعضها الآخر مثل: الإيجار والرعاية الصحية؛ ترتفع تكلفتها بمعدل أقل.

قمتُ بالنظر إلى مكونات مؤشر أسعار المستهلكين، بالإضافة إلى الطعام والملابس والكهرباء، لأنَّ لديها أطول بيانات تاريخية متداخلة تعود إلى عام 1936. أردت أن أقارن ما يدفع التضخم اليوم بدوافع التضخم في فترات سابقة. ما وجدته هو أنَّه على عكس التصور العام؛ فالأسعار لا ترتفع عادة بشكل متزامن، أو بالوتيرة نفسها، حتى أثناء فترات التضخم المرتفع.

اقرأ أيضاً: متتبّع التضخم: أين هي الأسعار المرتفعة؟

في الواقع، مع استثناءات قليلة، هناك ارتباط ضئيل أو معدوم بين معدلات التضخم السنوية للمكونات السبعة التي ذكرتها. فمن الواضح أنَّ التغيّرات في أسعار الطعام والملابس تتحرك بالتزامن في معظم الأوقات عند (0.7)، وبدرجة أقل كانت أسعار الإيجارات والرعاية الصحية والكهرباء عند (0.6). لكن بشكل عام؛ فإنَّ ارتفاع الأسعار في قطاع ما لا يشير إلى تحركها في مكان آخر.

هذا التباين في تحركات الأسعار كان واضحاً خلال أسوأ فترات التضخم. ففي الفترة التي ارتفعت فيها الأسعار بين عامي 1945 و 1948 بعد الحرب العالمية الثانية؛ ارتفعت تكلفة المواد الغذائية والملابس بأكثر من 10% سنوياً، بينما بالكاد تحركت أسعار الغاز والكهرباء. هذا التباين كان أقل خلال ذروة التضخم المصحوب بركود اقتصادي بين عامي1977 و1981، ومع ذلك؛ فقد كانت معدلات التضخم للمكونات المستقلة متباينة بشكل كبير، كما قفزت أسعار الغاز بنسبة 15% سنوياً، في حين ارتفعت أسعار المواد الغذائية والملابس بنسبة 9% و5% سنوياً على التوالي.

اقرأ أيضاً: هل تنجح وول ستريت في حل لغز التضخم؟

يبدو أنَّ هذا التباين أوسع اليوم، فقد بلغ المتوسط السنوي لارتفاعات تكاليف النقل وأسعار الغاز ما يقرب من 20% خلال الأشهر الستة الماضية، في حين ارتفعت الإيجارات والرعاية الصحية بين 1% إلى 2% فقط. وكان الغذاء، والملابس، والكهرباء، أقرب إلى الحد الأدنى من هذا النطاق بمتوسط ارتفاع بـ 4% إلى 5%.

تركيز الجهود

من المفيد معرفة ذلك، فمن ناحية يساعد الحكومات على تركيز جهودها. فإذا كان الارتفاع الأخير في التضخم ناتجاً بشكل كبير عن ارتفاع تكاليف النقل والطاقة، وينتج بدرجة أقل بكثير عن الغذاء والملابس؛ فيجب على صانعي السياسات مضاعفة جهودهم لاستعادة خطوط الإمداد العالمية، وتشجيع المزيد من إنتاج الطاقة في تلك الفترة.

تساعد معرفة دوافع التضخم الرئيسية أيضاً في إثراء النقاش حول ما إذا كان التضخم مؤقتاً أم لا. فإذا كان التضخم المرتفع في الغالب يعود إلى إحكام قبضة "كوفيد 19" على تدفقات البضائع، على عكس الخدمات مثل الرعاية الصحية، والتي تعتمد بشكل أقل على سلاسل التوريد؛ فإنَّ ارتفاع الأسعار يجب أن يتباطأ مع انحسار الوباء. رؤية الأمور بهذه الطريقة قد تُهدّئ من مخاوف التضخم، ويمكن أن تساعد في استقرار الأسعار عن طريق تثبيط المستهلكين من الإسراف في التسوق تخوفاً من ارتفاع الأسعار.

اقرأ أيضاً: من وحي الحرب العالمية.. التضخم المؤقت قد يبقى فترة

نعم قد يكون التضخم مؤقتاً، فبدءاً من أغسطس 1990؛ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بأكثر من 5% على أساس سنوي لمدة سبعة أشهر متتالية، ثم انخفض تدريجياً إلى أقل من 3% بعد عدة أشهر، وهو ما يعد تقريباً أطول معدل للتضخم في الولايات المتحدة. ستخبرنا الأشهر القادمة إلى أين يتجه مؤشر أسعار المستهلكين، ولكن لرؤية أوضح الآن؛ يجب أن ننظر إلى الأرقام الكامنة وراء عناوين التضخم الرئيسية.