ليس بوسع الصين والولايات المتحدة قطع علاقتهما الاعتمادية في سوق النفط

المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد تعتقد، من الطريقة التي تعمل بها الصين والولايات المتحدة معاً للإفراج عن النفط الخام من احتياطياتهما البترولية الاستراتيجية، وتهدئة صعود أسعار النفط، أن أكبر مستهلكين للطاقة في العالم قد وجدا مشكلة واحدة يمكنهما التعاون بشأنها.

كانت عبارة "اتخاذ تدابير لمعالجة إمدادات الطاقة العالمية" -التي بدت في وقت لاحق على أنها إشارة واضحة إلى خطوات الإفراج عن الاحتياطي التي تلت ذلك التصريح- واحدة من نقاط الاتفاق القوية القليلة في القمة الافتراضية الأسبوع الماضي بين الرئيسين جو بايدن وشي جين بينغ.

أمريكا تفرج عن 50 مليون برميل من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط

ومع ذلك، لا تزال العلاقة مضطربة. لنأخذ على سبيل المثال ميناء خليفة، الواقع على الشواطئ الغنية بالنفط للخليج العربي حيث تقوم شركة "كوسكو شيبينغ" الصينية المملوكة للدولة ببناء محطة حاويات بقيمة 738 مليون دولار مع حكومة أبوظبي. وحسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في بداية الأمر الأسبوع الماضي، نقلاً عن أشخاص لم تذكر أسماءهم، اكتشفت المخابرات الأمريكية أن الصين كانت تنشئ سراً منشأة عسكرية في الميناء وأقنعت الإمارات بوقف البناء، وقد يمثل ذلك توغلاً غير عادي في منطقة تعد فيها الولايات المتحدة هي القوة العسكرية الخارجية الرئيسية الوحيدة. (يمتلك حلفاؤها، بريطانيا وفرنسا، أيضاً قواعد صغيرة في البحرين والإمارات).

المصلحة الأمريكية

ليس من الصعب معرفة سبب رغبة بكين في ترسيخ موطئ قدم مضمون أكثر في الخليج، فمنذ القرن التاسع عشر كانت الولايات المتحدة واحدة من أكبر ثلاث دول منتجة للنفط في العالم، ويمكن أن تحقق الاكتفاء الذاتي في حال حدوث أزمة. من ناحية أخرى، تستورد الصين ما يقرب من ثلاثة أرباع النفط الذي تستهلكه، وحوالي 60% من الإجمالي عن طريق البحر.

يعتمد النظام الحاكم في بكين اعتماداً وجودياً على خطوط الإمداد الطويلة التي تنقل النفط الخام من الخليج إلى موانئه الشرقية، والتفاصيل الأمنية لتلك التجارة توفرها البحرية الأمريكية، وإذا نشب قتال بين الدولتين (في نزاع على تايوان، على سبيل المثال) فسيكون من السهل نسبياً على واشنطن محاصرة إمدادات الطاقة الصينية في مضيق هرمز، وملقا، وسنغافورة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى توقف الدولة بأكملها، والأهم من ذلك، مصدر الطاقة لآلاتها الحربية.

واردات الصين من النفط تتراجع لأدنى مستوى في 3 سنوات

لطالما كان الصراع بين القوى العظمى مدفوعاً بالطاقة والنقل، وأدى الحصار البحري البريطاني في الحرب العالمية الأولى إلى تحويل الحرب لصالحها من خلال إعاقة ألمانيا عن استيراد أسمدة النترات، مما أدى إلى انتشار النقص في السعرات الحرارية والجوع. وكان استعمار اليابان لمنشوريا ثم جنوب شرق آسيا بعد عقدين من الزمان يهدف إلى استبدال اعتمادها السابق على النفط الأمريكي. وغزا هتلر روسيا جزئياً للاستيلاء على حقول النفط في القوقاز وتغيير اعتماد الفيرماخت الذي عفا عليه الزمن على قوة الحصان إلى النقل الآلي.

هذا هو أفضل تفسير لهوس تدخل واشنطن باستمرار في الشرق الأوسط، المنطقة التي ليس لديها فيها سوى القليل من المصالح الإستراتيجية التي لا تتناسب مع المبالغ الهائلة المستثمرة على مدى عقود.

ميزة صينية

يرى ديفيد بروستر، الباحث البارز في كلية الأمن القومي بالجامعة الوطنية الأسترالية والذي يركز على المحيط الهندي أن "هيمنة الولايات المتحدة في الخليج هي عنصر أساسي لوضعها كقوة عالمية مهيمنة.. وإذا لم تكن الولايات المتحدة هناك، لكان الصينيون هناك، وهذا من شأنه زعزعة استقرار المنطقة بأكملها".

من المفهوم أن بكين لا يعجبها وضع أيدي الولايات المتحدة على حلقها بهذه الطريقة، لكنها عالقة معها إلا إذا تمكنت التقنيات الجديدة الخالية من الكربون من أن تحل محل النفط الخام في كل من الاستخدامات المدنية والعسكرية.

مصير معظم النفط الاستراتيجي الأمريكي سيؤول إلى الصين والهند

وتعتبر العناصر الرئيسية لسياسات الصين الخارجية والدفاعية على مدى العقد الماضي محاولات منطقية للغاية لإصلاح الاختلال في توازن القوة. مع موانئها في تنزانيا، وباكستان، وسريلانكا، وميانمار، تمنح مبادرة الحزام والطريق بكين ميزة في المحيط الهندي يمكن إعادة استخدامها يوماً ما لتعويض النقص الحاد في مرافق التزود بالوقود والإمدادات العسكرية، ويمكن للقاعدة العسكرية الخارجية الوحيدة للصين، في جيبوتي على أبواب البحر الأحمر، أن تخدم غرضاً مشابهاً.

لعبة خطرة

تعمل كل خطوط الأنابيب عبر ميانمار، وخط السكك الحديدية عبر ماليزيا، والحوافز للنقل بالسكك الحديدية عبر آسيا الوسطى، على تقليل الاعتماد على منطقة الاختناق حول مضيق سنغافورة. وتشير أنشطة الصين الأخيرة لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي وبناء حاملات الطائرات إلى طموحاتها لتصبح قوة بحرية في المياه الزرقاء، وقادرة على العمل بعيداً عن شواطئها وتأمين خطوط اتصالات بحرية بعيدة ضرورية لبقائها.

وهذه لعبة خطيرة، ولا يرجح بروستر أن تبني الصين أسطولاً تنافسياً في المحيط الهندي، و"في حالة حدوث إطلاق نار هائل، ستُعزل فوراً عن موانئها المحلية وستتعرض بشدة للخطر"، ومع ذلك، فإن محاولات القوى العظمى لتأمين نفسها ضد سيطرة المنافسين على البحار قد عجلت تاريخياً بالصراع بقدر ما جنبته، مثلما حدث مع سباق التسلح الأنغلو-ألماني قبل الحرب العالمية الأولى، والضربة الاستباقية اليابانية على ميناء بيرل هاربر في الولايات المتحدة.

وهذا لا يقل عن الحال الآن، وسيثير أي تحول تدريجي، من الولايات المتحدة إلى الصين في السيطرة على خطوط إمداد النفط الخام في آسيا، قلق حلفاء واشنطن الآخرين المعتمدين على النفط مثل اليابان، وكوريا الجنوبيةـ وتايوان، بقدر ما سيوفر الراحة لبكين. أيضاً قد تجد الهند، ثالث أكبر مستورد للنفط الخام في العالم والمهيمن الطبيعي في المحيط الهندي، أنها غير قادرة على البقاء مكتوفة الأيدي.

وبقدر ما يزعج الوضع الراهن غير المستقر خبراء السياسة الخارجية في الولايات المتحدة الذين يرغبون في رؤية الدولة تتحول بعيداً عن الشرق الأوسط، وبقدر ما هو مقلق لأقرانهم في الصين الذين يخشون أن يكون أمنهم القومي تحت سيطرة البنتاغون، فهو أفضل وضع يمكن أن نحظى به في الوقت الحالي. وقد لا يغير التعاون بين القوى العظمى لإطلاق احتياطياتها البترولية الاستراتيجية في سوق النفط. ومع ذلك، فإن بديل التعاون أسوأ بكثير.