التجارة تغلب التوتر فيما تقود دبي إعادة الضبط في الخليج

مبنى البوابة، يسار الوسط، في مركز دبي المالي العالمي (DIFC) في دبي، الإمارات العربية المتحدة
مبنى البوابة، يسار الوسط، في مركز دبي المالي العالمي (DIFC) في دبي، الإمارات العربية المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بواسطة: زينب فتاح - بلومبرغ

لا يتوقف هاتف فاطمة إمريم عن الرنين منذ رممت الإمارات العربية المتحدة وتركيا علاقتهما، حيث تسدي إمريم، وهي شريك بمجموعة التميمي للاستشارات، المشورة للشركات التركية الساعية لتأسيس وجود لها في دبي، المركز التجاري لدولة الإمارات العربية المتحدة.

قالت إمريم: "سؤالهم الأساسي هو حول مدى الثقة باستمرار العلاقات الجيدة... تشجعهم الإصلاحات الأخيرة وهبوط تكاليف تأسيس الشركات، لكنهم يرغبون بالتثبت من أن العوامل السياسة لن تعرقل شركاتهم مستقبلاً."

الإمارات وتركيا توقعان اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين البلدين

أتى التحول سريعاً بعد أن أزاحت الإمارات العربية المتحدة الستار عن إعادة ضبط سياستها الخارجية في سبتمبر، متعهدة بالابتعاد عن النزاعات السياسية وإعادة توجيه التركيز لينصب على الشأن الاقتصادي، وحددت الحصول على استثمارات تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار كهدف لها، عبر خلق علاقات أكثر عمقاً مع الاقتصادات التي تتمتع بنمو سريع، ومن بينها التركي.

يعتبر ذلك التحول جزءاً من عملية إعادة اصطفاف أوسع شهد تغلب فرقاء سابقون في الشرق الأوسط على خلافات كانت عنيفة في بعض الأحيان فيما حسرت الولايات المتحدة دورها إقليمياً. بعد عقد من التداخل الذي بلغت كلفته مليارات من حيث الفرص الضائعة، يعتبر هذا هو العلامة الأكثر وضوحاً أيضاً حتى الآن على انتصار نموذج دبي الذي يصب اهتمامه على الأنشطة التجارية.

ميناء مستقر

جعلت دبي، بلدة صيد اللؤلؤ ذات القليل من النفط الذي أثرى أبوظبي أكبر الإمارات السبع، من نفسها مركزاً مالياً عالمياً عبر تفادي الدخول بنزاعات إقليمية وطرح نفسها كميناء مستقر بلا ضرائب وسط بحر من المتاعب.

كانت دبي هي التي دفعت باتجاه مراجعة السياسات الخارجية، التي جعلت لدولة الإمارات قائمة متنامية من الأعداء، وفقاً لشخصين مطلعين على الموضوع. وقالا إن الهجمات التي استهدفت منشآت النفط في السعودية خلال 2019 وأدت لتعطيل عمليات الشحن في الخليج زادت من التركيز بشدة على أن الإمارات العربية المتحدة باتت عرضة للمخاطر، لكن المنافسة المتصاعدة من المملكة العربية السعودية أقنعت أبوظبي أخيراً بتعديل المسار.

لم تستجب الحكومة الإماراتية آنياً على طلب للتعليق.

السعودية والإمارات.. التحديات المشتركة تجعل التباعد صعباً

جاءت الأنشطة التجارية في صدارة جدول أعمال لقاء جمع ولي عهد أبوظبي بالرئيس التركي الأربعاء، ليطويا صفحة علاقات اتسمت بالتوتر وسادتها لهجة حادة عبر عقد، وليطلقا صندوقاً قيمته 10 مليارات دولار للاستثمار في تركيا التي تعيش متاعب مالية.

برزت بالفعل لوحات إعلانية إلكترونية تحمل إعلانات لشركات تركية خارج مركز التجارة العالمي في دبي. كما أُضيف جناح تركي في معرض دبي إكسبو مع وصول وفد رجال أعمال ضخم، قبيل بدء زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الفارقة الى أنقرة.

قال جيم كرين مؤلف كتاب "مدينة الذهب: دبي وحلم الرأسمالية" الذي صدر في 2009: "إنهم يعودون إلى الأساسيات، إلى فلسفة دبي التقليدية بعدم التدخل والحيادية ومقاربة أن الأولوية للنشاط التجاري... كانت سياسة أبوظبي، في اختيار طرف على آخر ودخول صراعات، ضارة اقتصادياً. أدركوا أن تبني هذه الإستراتيجية لم يكن ناجحاً".

عودة للأعمال التجارية

قد يكون التأثير الاقتصادي هائلاً فيما يواكب هذا التحول صعوداً في أسعار النفط وتعافياً من وباء مرض كوفيد-19 على مستوى العالم.

لدى انضمام الإمارات العربية المتحدة إلى المملكة العربية السعودية ومصر والبحرين في مقاطعة قطر ثانيةً في 2017 بسبب علاقاتها مع جماعات إسلامية ومع إيران، شُطب 3.5 مليار دولار على أقل تقدير من التجارة السنوية فجأة وحُرمت شركات مقارها في الإمارات العربية المتحدة من فرص التجارة في ظل تجهيز جارتها لاستضافة كأس العالم لكرة القدم لعام 2022 وتشييدها الملاعب والفنادق والطرق. أُجبرت قطر، التي كانت تشتري أغلب مواد التشييد من الإمارات العربية المتحدة، على العثور على موردين جدد، وأُعيد توجيه عمليات الشحن إلى موانئ في عُمان.

محادثات مثمرة لحل الخلاف الخليجي

تراجعت في الوقت نفسه الأنشطة التجارية مع تركيا بنسبة وصلت إلى 44% في 2018، حيث جرها النزاع مع قطر إلى ساحة المعركة. نشرت تركيا، التي تعتبر أيضاً داعمة لجماعات إسلامية، قواتها في قطر، ما أدى لتصعيد التوتر في العلاقات. دخل البلدان خلال العام التالي في الحرب الأهلية المستعرة في ليبيا على طرفي نقيض.

أعربت الإمارات في هذه الأثناء عن تأييدها لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات في 2018. تراجع التبادل التجاري مع إيران بما يزيد عن النصف ليصل إلى 5 مليارات دولار في العام الذي تلاه، حسب بيانات جمعتها بلومبرغ. شهد يوم الزيارة التاريخية لأنقرة لقاءً جمع نائب وزير الخارجية الإيراني مع مسؤولين كبار في دبي وأعلن بدء "صفحة جديدة" في العلاقات.

قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية في الإمارات العربية المتحدة: "كان الإجماع على أن الآن هو التوقيت المؤاتي لتهدئة التوترات بعد مضي 10 سنوات دفعت خلالها دبي ثمناً".

قوارب الخور

ترددت أصداء تخفيف حدة التوترات عبر خور دبي، وهو مكان عبور سفن خشبية صغيرة مشهورة باسم الداو على مدى عقود عبر الامتداد الضيق في البحر الواصل إلى إيران.

اعتاد محسن عبد الله، وهو مواطن يقطن في بوشهر الإيرانية، وطاقم مؤلف من 10 أفراد الإبحار بنحو 12 رحلة في العام قبل عودة العقوبات الأمريكية. هبط هذا النشاط إلى ثلاث رحلات مع تشديد القيود الناجمة عن العقوبات، ثم عاد التبادل التجاري بين دبي وإيران إلى مستويات ما قبل فرض العقوبات هذا العام.

وزير: الإمارات وإيران تخططان لفتح "صفحة جديدة" في العلاقات

قال الرجل الذي يبلغ عمره 38 سنة، فيما كان عماله يحمّلون صناديق تحتوي على أفران الميكروويف والمكانس الكهربائية ومكيفات الهواء على متن المركب الخشبي حديث البناء: "كانت السنوات الخمس السابقة عسيرة للغاية بالنسبة لنا، كما تعرضنا لمشكلات على الطرفين... بدأت الأنشطة التجارية بالتحسن هذا العام".

لم يكن تبني دبي لنهج التدخل بالحد الأدنى في معظمه خارجاً عن الإطار الأوسع بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة. بدأت الاختلافات تظهر لدى ظهور انتفاضات الربيع العربي في 2011.

كان التصدي للقوى الثورية التي تجتاح الشرق الأوسط بالنسبة لأبوظبي أولوية تتقدم على جذب مستثمرين أجانب، وهو استشراف كان يدفعه جزئياً اهتمام الشيخ محمد بن زايد بالأمن، حسب ما ذكره دبلوماسيون.

أخجل دبي إنقاذ جارتها الأكثر ثراء لها مالياً في خضّم أزمة عالمية قبل ذلك بثلاث سنوات، وواصلت السير على نفس الخط حتى مع تصاعد المخاوف المتعلقة بالاقتصاد.

باتت أبوظبي تشعر بارتياح أكبر حيال تغيير بؤرة تركيزها مع تراجع القلاقل التي جاءت مع الانتفاضات وخسارة الجماعات الإسلامية نفوذها في كافة أنحاء المنطقة.

وضعت الإمارات العربية المتحدة في ليبيا رهاناً لم يثمر على الإطلاق على جنرال يتمتع بدعم روسي من أجل الإطاحة بحكومة طرابلس، التي حازت على الاعتراف الدولي. أدت الحرب في اليمن لإثارة انتقادات على الصعيد الدولي، وفي ظل استمرارها وجد المسؤولون أنفسهم يزورون عديداً من عائلات جنود ينتمون للإمارات الشمالية الأقل ثراءً وكثافة سكانية بعد أن سقطوا قتلى هناك.

لا يعني ذلك أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستقف متفرجة إن برزت تلك التهديدات مجدداً.

قال أندرياس كريغ، وهو يعمل كمحاضر في كلية "كينغ" في لندن ويقدم المشورة لدولة قطر: "حقق خصوم الثوار الانتصار في الوقت الراهن، بيد أنه في حال وقع فصل ثان من الربيع العربي أو اندلعت انتفاضات أخرى، فإن المسؤولين الإماراتيين سيقفون بشدة في صف خصوم الثوار... لم يطرأ عليهم تغيير في هذا".

لماذا تريد تركيا حراسة بوابة أفغانستان إلى العالم؟

جاءت مساعي المملكة العربية السعودية لفتح اقتصادها وتثبيت نفسها كمركز للشركات متعددة الجنسيات في منطقة الشرق الأوسط بمثابة إيقاظ. تفرض المملكة كأكبر دولة مصدرة للنفط عالمياً، ومن خلال امتدادها الجغرافي الكبير وما تتمتع به من نفوذ سياسي وإمكانات غير مستغلة نفسها كمنافس يهاب.

تحتل دبي مكانة راسخة كمركز للنشاط التجاري، وهو ما يصب في صالح دولة الإمارات العربية المتحدة.

يتفقد محمد سيرين أكيوز داخل مستودع بالمنطقة الحرة بجبل علي بدبي، صناديق حفاضات الأطفال المصنوعة في منشأة في غازي عنتاب تتبع شركة تركية بانتظار إعادة تصديرها إلى دول أفريقية.

وفيما أدار الأعمال في دبي على مدى 13 عاماً خلت، قال سيرين إنه لم يشهد تأثراً على الإطلاق نتيجة الصراعات الإقليمية، بما في ذلك مع تركيا، وهو ما يعتبر تزكية لمقاربة دبي.

وأضاف: "نرى الأمر على أن السياسة تتغير، بيد أن الأنشطة التجارية لها طول الأمد... بالنسبة لنا، الاستقرار والاستمرارية هما أهم المقومات".