التراخي.. استراتيجية استثمارية مربحة أيضاً

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحياناً نخسر عندما نحاول أكثر مما يجب، لكن من شأن اتباع نهج "التراخي" في الحياة، الذي ينبذ العمل الشاق لصالح القيام بما هو مطلوب ولكن بأقل قدر ممكن، أن يوفر أرباحاً ويقلّل من التوتر.

مع اقتراب العام من نهايته، يكافح مديرو الصناديق ليفسّروا لمستثمريهم أسباب خسارة الصفقات التي حقّقت مكاسب كبيرة لأولئك الذين كانوا أكثر تراخياً في ما يتعلق ببذل العناية الواجبة. لكنّ أحداً لم يقُل إنّ الحياة عادلة من قبل.

اقرأ أيضاً: المستثمرون يراهنون على أن التكيف مع المناخ يكاد يدرّ ربحاً

لنأخذ على سبيل المثال مجموعة "إيفرغراند" (Evergrande Group) الصينية، مطوّرة العقارات الأكثر مديونية في العالم. فقد هرعت صناديق الديون المتعثرة لشراء سنداتها في أواخر سبتمبر، حتى بعدما نأى المستثمرون الأكثر تحفظاً -مثل صناديق التقاعد وشركات التأمين- بأنفسهم عن تلك الصفقات. فرغم كل ذلك أوضحت بكين أنه لن تكون هناك خطة إنقاذ للشركة الصينية العملاقة، فضلاً عن أن السندات الدولارية ذات العائد المرتفع الصادرة عن الشركات الصينية شهدت أسوأ عمليات بيع لها خلال عقد على الأقل.

اقرأ المزيد: "جيه بي مورغان" يفضل الاستثمار في صناديق التحوط والعقارات خلال 2022

صفقة جيدة

ثم اتضح أن تلك كانت صفقة جيدة، فشركة "إيفرغراند" لم تتخلف عن سداد ديونها، وذلك بعدما استعان رئيس مجلس الإدارة، هوي كا يان، بمبلغ 1.1 مليار دولار من أمواله الخاصة لسداد مستحقات المستثمرين. وارتفعت السندات البالغة قيمتها مليارَي دولار المستحقة في مارس إلى نحو 32 سنتاً لكل دولار من 26 سنتاً في نهاية سبتمبر.

دعونا لا نخدع أنفسنا، إذ لم يُجرِ المشترون بحثاً ائتمانياً مكثفاً، ولو أنهم فعلوا ذلك حقاً، ربما كانوا سيهرعون هرباً من تلك الصفقات. أيضاً لنأخذ في الاعتبار السندات التي أصدرتها شركة "هينغدا ريل ستيت" (Hengda Real Estate)، أهم الشركات التابعة لشركة "إيفرغراند". فبدلاً من أن تتضمن ديوناً تابعتها بشكل صريح، تضمنت اتفاقيات سندات "هينغدا" بنوداً للمساندة المالية توفرها "إيفرغراند"، وهي اتفاقيات ودية بشكل أساسي. كما أنها تُعَدّ أقل الاتفاقيات القانونية إلزاماً، ما يجعل "إيفرغراند" غير ملزمة السداد نيابة عن تابعتها.

من جانبه قال أحد المستثمرين في سندات "هينغدا" لصحيفة "فاينانشيال تايمز": "أراهن على تسوية الأمر خارج المحكمة، على سبيل المثال، من خلال عرض عطاء منخفض السعر، أو مقايضة الديون بالأسهم، أو أي طريقة أخرى". وقد ارتفعت أسهم هذا المستثمر بالفعل بنحو 30% الشهر الماضي. وإذا ما سددت "هينغدا" قسيمتها البالغة 6.5% خلال الشهر المقبل، فقد يتطلع المستثمر ذاته إلى تحقيق عائد إجمالي يبلغ نحو 70% بحلول نهاية العام.

سمة السوق بأكملها

يتغلل الموقف الذي يتسم بالتراخي تجاه الاستثمار الآن السوق بأكملها. في منتصف أكتوبر، شهدت مجموعة "كايسا غروب هولدينغز" (Kaisa Group Holdings)، ثاني أكبر مصدِّر للسندات الدولارية ذات العائد المرتفع في الصين بعد "إيفرغراند"، انتعاشاً في أوراقها النقدية بعد يوم من تخلّف الشركة عن سداد مدفوعات الفائدة (تتمتع الشركة بفترة سماح مدتها 30 يوماً). وبأقل من 30 سنتاً للدولار كانت أرباح صفقاتها أفضل من تذاكر اليانصيب.

بطريقة ما، تُعَدّ مضاعفة الأرباح -أو اغتنام الفرصة- مع نهاية العام بمثابة استجابة معقولة لأحداث 2021 المزعجة للغاية. وفي هذا الإطار تُظهِر البيانات التي جمعها "غولدمان ساكس" تراجع صناديق التحوط التي طالما احتفظت بمراكز متقدمة عالمياً في مؤشر "إس آند بي 500" بواقع 16 نقطة مئوية في فبراير، متجاوزة بذلك الفترة خلال عامَي 2015 و2016، باعتبارها الأسوأ على الإطلاق.

واقع معقّد

وفي الصين يختار عديد من الشباب "التراخي" -وهي حركة وُلِدَت عبر تغريدة اجتاحت البلاد في أبريل، وأثارت انتقادات الرئيس شي جين بينغ- لأن واقعهم الاقتصادي أصبح معقداً للغاية بحيث يصعب فهمه. وينسحب الأمر ذاته على عالم الشركات، إذ يصعب إجراء تحليل ائتماني شامل لمطوري العقارات. فكل خطوة، من شراء الأرض إلى البناء والبيع، تشكل فرصة لإضافة مزيد من الديون المستترة. في بعض الأحيان، حتى العاملون بالشركة لا يعرفون كم تبلغ ديونها. وينطبق هذا الأمر على حملة بكين على عمالقة التكنولوجيا. هل لديك فكرة عما يدور بخلد الرئيس شي؟ حتى كبار الجواسيس في إدارة بايدن ليست لديهم فكرة عن ذلك.

حالياً، تكاد عملية بذل العناية الواجبة تجاه الشركات الصينية تكون غير ذات جدوى. وقد يستسلم المستثمرون ويسترخون هم أيضاً، فهُم يتراجعون عندما تبدو الأصول رخيصة. لأنك لا تعرف أبداً، أحياناً يحالفك الحظ وحسب.