لمساعدة الدول الفقيرة في تمويل مكافحة التغيّر المناخي.. يجب الاستماع إليها أولاً

ميا موتلي، رئيسة وزراء باربادوس
ميا موتلي، رئيسة وزراء باربادوس المصدر: "كونسوليديت نيوز فوتوز"
Kate Mackenzie
Kate Mackenzie

كيت ماكنزي تكتب عمود الأصول المقيدة لـ "بلومبرغ غرين". كما أنها تقدم المشورة للمؤسسات التي تعمل على الحد من تغير المناخ وفقاً لأهداف اتفاقية باريس للمناخ.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بصورة غير مسبوقة، اجتمع قطاعا التمويل العالميان، الحكومي والخاص، في قمة "كوب 26" (COP26) التي عقدت في جلاسكو. وظهر المصرفيون والممولون بكامل قوتهم في فعالية أقيمت خارج إطار انعقاد المؤتمر، حيث طرحوا تعهّدات منسقة بعناية، وعرضوا رؤاهم بشأن الكيفية التي تستطيع الأسواق من خلالها حل أزمة المناخ. وداخل الخيمة حيث أقيمت الفعالية، تكشّفت الدبلوماسية الفوضوية، كما هو الحال دائماً، عند محاولة الحكومات إيجاد أموال كافية لعقد صفقة بشأن خفض الانبعاثات.

اقرأ أيضاً: نتائج قمة "كوب 26".. طموحات مناخية هائلة تُختبر على أرض الواقع

كان الحصول على المساعدات المالية للدول النامية بغرض التحوّل إلى الطاقة النظيفة والتكيف مع كوكب يزداد احتراراً، في صميم مفاوضات مؤتمر الأطراف دوماً. في عام 2009، وعدت الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لتغطية تكلفة ذلك التحوّل بحلول عام 2020، غير أنه لم يتم توفير سوى أربعة أخماس ذلك الرقم فقط.

اقرأ المزيد: انسوا كلمات اتفاقية جلاسكو للمناخ.. واتبعوا الأموال

التمويل المختلط

يأتي معظم هذه الأموال من مصادر حكومية، مثل بنوك التنمية متعددة الأطراف، لكنها لم تقترب حتى من المطلوب. وهذا هو السبب وراء حرص هذه المؤسسات، والدول الغنية التي تموّلها، على دعم فكرة "التمويل المختلط"، الأمر الذي يعني استخدام الأموال العامة لدعم تكلفة رأس المال أو التخفيف من خسائر مستثمري القطاع الخاص. وعليه، يتحمّل دافعو الضرائب المخاطرة، بشكل أساسي، حتى تتمكن البنوك والشركات من الانضمام من دون خوف.

اقرأ أيضاً: وزير الطاقة السعودي: لا عدالة في سوق تمويل المشروعات الخضراء

رغم ظهور هذا المفهوم منذ حوالي ست سنوات فقط، إلا أن الدعم الذي يحظى به بلغ ذروته حالياً. ومع ارتفاع الاستثمارات ذات الطابع المناخي، يتطلع مديرو الأموال التجارية إلى فرص للاستثمارات الصديقة للبيئة في الأسواق الناشئة. وعلى نحو مثالي، تنطوي تلك الفرص على مخاطر تكفلها جهات أخرى في الدول الأكثر عرضة للتأثر بالتغيرات المناخية.

في هذ الإطار، لا يعاني السوق من نقص في الاقتراحات النافعة حول كيفية تنظيم مثل هذه الصفقات. على سبيل المثال، اقترحت شركة إدارة الاستثمارات الأمريكية، التي تركز على الدخل الثابت، "بيمكو" (PIMCO) في العام الماضي، توفير تسهيلات إعادة الشراء في عموم أفريقيا لجذب المزيد من المستثمرين إلى السندات السيادية في المنطقة، وقد ظهرت صيغة مبدئية لتلك التسهيلات للمرة الأولى الشهر الماضي. أيضاً، قامت شركة التأمين البريطانية "برودنتيال" (Prudential)، بوضع خطة للمساعدة على إغلاق محطات الطاقة التي تعمل بالفحم في جنوب شرق آسيا بدعم من بنوك التنمية متعددة الأطراف. أما شركة "بلاك روك"، فتقول إن الدول الغنية يجب أن تتبرع بـ100 مليار دولار سنوياً للتخلص من مخاطر الاقتصادات الناشئة من أجل تسهيل استثمارات الطاقة النظيفة. ومن جانبه، يسعى "تحالف جلاسكو المالي من أجل تحقيق انبعاثات صفرية"، الذي يشرف أعضاؤه على ما قيمته 130 تريليون دولار من الأصول، إلى تطوير "خطط" الدول النامية للمساعدة على تنسيق الاستثمارات الخاصة.

(يذكر أن مايكل آر بلومبرغ، مالك ومؤسس "بلومبرغ"، الشركة المالكة لوكالة "بلومبرغ نيوز"، يشارك في تحالف جلاسكو المالي من أجل تحقيق انبعاثات صفرية - GFANZ).

حذر الدول النامية

كل هذا يبدو جيداً من الناحية النظرية. لكن الدول النامية تميل إلى الحذر، لأسباب مفهومة، بشأن كل من يدعو إلى حلّ منظم لتمويل أنشطة مكافحة التغير المناخي.

يعود ذلك إلى إدراك الدول متوسطة الدخل لمخاطر الأموال المقومة بالعملات الصعبة، حيث يمكن أن يتسبب أي تراجع اقتصادي في حلقة مفرغة من ضعف العملات المحلية، مثلما حدث في دول أمريكا اللاتينية في الثمانينيات، ودول جنوب شرق آسيا في أواخر التسعينيات. أيضاً، تدرك الدول النامية الظروف الصعبة -التي لا تحظى، في كثير من الأحيان، بشعبية في ظل المقومات المحلية- والتي اقترنت بتمويلات التنمية في الماضي. وهذا هو السبب في تحفظ مفاوضيها، بشكل خاص، على أي قيود مرتبطة بالتمويل الموعود خلال محادثات الأمم المتحدة السنوية.

أحد أهم الإعلانات في "كوب 26"، كان تعهّد الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا بتقديم ما يصل إلى 8.5 مليار دولار لجنوب أفريقيا للتحوّل عن استخدام الفحم، وهو أمر تقترحه الدول النامية منذ سنوات. فإذا أرادت الدول الغنية من الدول النامية التخلي عن أقذر أنواع الوقود الأحفوري، سيتعين عليها أن تدفع للدول الفقيرة مقابل الإبقاء عليه في باطن الأرض. ومع ذلك، لم تتضح التفاصيل بعد، حيث قال رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا إنه يتعين تقديم تلك الأموال في صورة منح، في المقام الأول، وليس على شكل قروض، وأن تدعم الأجندات المحلية.

مواجهة الكوارث

من جهة أخرى، هناك بعض الأسباب الأخرى للتوترات التي تشهدها ساحة التفاوض، فالعديد من الدول النامية بحاجة إلى الأموال حتى تتمكن من التكيف مع الطقس الأكثر قسوة، وليس فقط لخفض الانبعاثات. لكن المستثمرين غير مهتمين بالمساعدة في بناء حاجز بحري أو نظام إنذار مبكر. فعلى الرغم من أن مشروعات الطاقة النظيفة يمكن أن تدرّ الإيرادات، إلا أن تدابير التكيف، ليست كذلك في الغالب.

حتى إن ما يشار إليه بمصطلح "الخسارة والضرر" يبدو أقل ملاءمةً للتمويل الخاص بمكافحة التغيرات المناخية، فتلك الأموال مخصصة للاستجابة للكوارث التي يسرّعها تغيّر المناخ، من موجات الحر إلى الجفاف والفيضانات. ولا ينطوي الأمر على منفعة للمستثمرين الذين يسعون إلى الحصول على عوائد عندما يكون ما تحتاجه الدول أموراً بدائية مثل الأموال اللازمة لنقل المياه إلى قرية ما في حالات الطوارئ، أو للتعافي بعدما يضربها إعصار مدمر.

موارد صندوق النقد

على صعيد آخر، تشكل ديناميكية القوة غير المتكافئة التي تدعم النقاش المالي برمته جزءاً من المشكلة. فالدول الفقيرة والمعرضة لتغيّرات المناخ، لديها أفكارها الخاصة بشأن كيفية توجيه هذه الأموال، لكنها تكافح ليتم الاستماع إليها. فقد دعت ميا موتلي، رئيسة وزراء باربادوس، خلال مؤتمر "كوب 26"، إلى منح أصول بقيمة 500 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة، وهي العملة التكميلية الصادرة عن صندوق النقد الدولي، على أن تُمنح سنوياً لمساعدة الدول النامية في تحمّل تكاليف التحوّل إلى الطاقة النظيفة. وجادل مستشارها، أفيناش بيرسود، بأن صندوق النقد الدولي يجب أن يوجه كامل أصول حقوق السحب الخاصة، التي كان قد تم تخصيصها في أغسطس للتعامل مع تداعيات "كوفيد-19"، للتكيف مع ذلك التحوّل.

من ثم، فإنه من الأفضل للدول المانحة والمؤسسات العالمية ونخب الشركات التي ترغب في مساعدة الدول النامية على إزالة الكربون والتكيّف مع متطلبات التحوّل إلى الطاقة النظيفة، أن تولي مزيداً من الاهتمام لما تطلبه بالفعل. باختصار، ربما تتغير الأمور لاحقاً، ولن يكون أمام تلك الدول سوى القليل من الخيارات.