إيران تثبت عدم جديتها في المحادثات النووية

المصدر: غيتي إيمجز
Bobby Ghosh
Bobby Ghosh

Bobby Ghosh is a Bloomberg Opinion columnist. He writes on foreign affairs, with a special focus on the Middle East and Africa.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

غائبان بارزان عن مفاوضات برنامج إيران النووي التي استؤنفت أخيراً في فيينا يوم الإثنين؛ وهما: الولايات المتحدة، والتفاؤل. بناء على إصرار طهران، لم تحضر واشنطن على طاولة المفاوضات في فندق "بالاس كوبيرغ" في العاصمة النمساوية، وبدلاً من ذلك؛ ستتواصل معها عبر وسطاء أوروبيين.

يشبه الأمر التمثيل الإيمائي في قالب هزلي ضمن مسرحية أو تمثيلية. فمنذ الجولة السابقة من المفاوضات قبل خمسة أشهر؛ أشارت إيران مراراً إلى أنَّها ليست جادة بشأن العودة إلى اتفاق عام 2015 مع القوى العالمية، والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة. إذا كان هناك أي شيء يُفهم من ذلك، فهو أنَّها تبذل جهدها لتخريب المحادثات.

اقرأ أيضاً: على عكس إسرائيل.. بايدن لا يملك خطة بديلة للتعامل مع ملف إيران النووي

أكثر المظاهر وضوحاً على هذا الصعيد، يتبدّى في رفض إيران التحدث مباشرة مع الولايات المتحدة، الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على إنعاش خطة العمل الشاملة المشتركة. بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية؛ فإنَّ ما يمكن رؤيته هو الهدف، إذ يمكنها أن تتباهى بوضع أمريكا في غرفة الاحتجاز كعقاب لها لانسحابها من الاتفاق في عام 2018. وإذا كان هذا الأمر سيقوّض فرص إحياء الاتفاق، فلا بأس به بالنسبة إلى طهران.

من بين الأدلة الأخرى أيضاً، الموقف المتطرّف الذي استبق به النظام استئناف المحادثات، إذ تصر طهران على رفع الولايات المتحدة لكل العقوبات الاقتصادية، ومن بينها تلك المتعلقة بالانتهاكات غير النووية للمعايير الدولية، كشرط مسبق لعودة إيران إلى بنود الاتفاقية. كما يطالب النظام الإيراني الرئيس جو بايدن، بتقديم ضمان صارم بأنَّ شاغل البيت الأبيض المستقبلي لن يتصرف مثل دونالد ترمب، ويلغي الاتفاق.

اقرأ المزيد: مسؤول: إيران تسعى لإعادة إنتاج النفط لمستويات ما قبل عقوبات "ترمب"

شروط تعجيزية

إن كان المطلب الأول عبثياً، فالثاني مستحيل. من الواضح أنَّ بايدن صادق في رغبته في إعادة الولايات المتحدة إلى الاتفاق، لكن لا يمكن لأي رئيس أمريكي أن يضمن عدم قيام خلفه بإعادة تقييم الشروط، والتوصل إلى نتيجة مختلفة.

مع ذلك؛ هناك طريقتان لتقليل فرص الوصول إلى مثل هذه النتيجة. يمكن لإيران أن تسعى إلى توقيع معاهدة مع الولايات المتحدة، التي تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ على شروطها. أو يمكن أن تتخلى طهران عن برنامجها النووي، الذي يكمن هدفه الأساسي في تهديد جيرانها والعالم بأسره. لكنَّ النظام لم يُظهر أي اهتمام بمتابعة هذين الخيارين.

من المؤشرات الأخرى على موقف طهران من المحادثات، اختيارها للرجل قائد الوفد الإيراني. فبدلاً من الإبقاء على الفريق الذي تفاوض بنجاح على اتفاق 2015، عيَّن الرئيس إبراهيم رئيسي، علي باقري كاني -وهو متشدِّد وناقد لخطة العمل المشتركة الشاملة- على رأس الوفد التفاوضي. وهذا يرسل الرسالة ذاتها كما لو أنَّ بايدن عيَّن السيناتور الجمهوري توم كوتون، وهو من مناصري سياسة الصقور نحو إيران، ليكون المفاوض الأمريكي الرئيسي. (المفاوض الفعلي للرئيس بشأن إيران هو روب مالي، وهو عضو رئيسي في فريق خطة العمل الشاملة المشتركة).

الهدف هو المماطلة

قد يتساءل المرء، لماذا وافقت إيران على استئناف المحادثات أساساً؟ لأنَّ النظام يعتقد أنَّه إذا استمر في الحديث؛ فإنَّ إدارة بايدن ستتمسك بالأمل في إمكانية التوصل إلى اتفاق نووي، وتتوقف عن فرض المزيد من العقوبات. توفر المفاوضات المتقطعة والتي لا نهاية لها غطاءً للجمهورية الإسلامية لمواصلة تخصيب اليورانيوم بمعدلات أسرع، في انتهاك لالتزاماتها في خطة العمل الشاملة المشتركة.

تبدو إيران في طريقها بالفعل إلى أن تصبح دولة نووية "مبتدئة" -مثل اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان- لكنَّها أكثر تهديداً للاستقرار الإقليمي والسلام العالمي. حذّر وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين من أنَّ "وقت التوصل إلى إنجاز" والذي ستحتاجه طهران لصنع سلاح نووي سيتقلص قريباً إلى أسابيع. يواصل النظام لعب لعبة تعرف بـ"الغميضة" مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، وبالكاد يسمح لهم بوصول كافٍ إلى منشآته النووية المعروفة لتجنب اللوم، فضلاً عن مزيد من الضغط الدبلوماسي.

هل تستطيع الولايات المتحدة إحباط إيران نووية أو شبه نووية؟ قد يكون الأوان قد فات بالفعل؛ لكنَّ الأمر مع ذلك يستحق الجهد المبذول. يجب أن تبدأ إدارة بايدن بالمطالبة بأن تكون أمريكا على طاولة المفاوضات في فيينا، حتى في غياب التفاؤل.