الدروس المستفادة من استجابة أوروبا لـ"أوميكرون"

ملصق إعلاني في مطار هيثرو في لندن، يطلب من المسافرين ارتداء الأقنعة الواقية في كل الأوقات
ملصق إعلاني في مطار هيثرو في لندن، يطلب من المسافرين ارتداء الأقنعة الواقية في كل الأوقات المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وقَعَت الحكومات في جميع أنحاء أوروبا أثناء عطلة نهاية الأسبوع في مأزق بعد ظهور أوميكرون، وهو أحدث متغير فيروسي من سلاسة كورونا. فكيف يمكنها إعلان حالة التأهب وسط مواطنيها دون إثارة الذعر؟ وما زاد من مستوى تعقيد هذه المعضلة حقيقة أن لا أحد -ولا حتى منظمة الصحة العالمية- كان متأكداً تماماً من مدى خطورة السلالة الجديدة.

اقرأ أيضاً: من الشرق إلى الغرب.. كيف انتفض العالم لمواجهة "أوميكرون"؟

كانت استجابة أوروبا لـ"الوباء" تتفاوت من بلد إلى آخر، كما هو الحال مع تقييم عملية التلقيح وغيرها من أشكال الاستعداد والوقاية... إذاً، كيف ينبغي لهذه البلدان الاستجابة لتهديد متغير أوميكرون؟

في مناقشة أجريت على "تويتر سبيسز" (Twitter Spaces) صباح الإثنين، أخبر ليونيل لوران، وهو كاتب رأي في "بلومبرغ" ومقيم في باريس، بوبي غوش، بأنّ التحدي الرئيسي يكمن في كيفية تواصل الحكومات مع شعوبها، سواء حصلوا على اللقاح أو لم يحصلوا عليه بعد.

اقرأ المزيد: منظمة الصحة: لم يتضح بعد ما إذا كان "أوميكرون" أشد عدوى من السلاسات الأخرى

إليك النقاط البارزة التي تم التوصل إليها بعد اختصار المحادثة وتحريرها.

  • غوش: هل يمكنك إعطاؤنا لمحة عامة عمّا حدث في عطلة نهاية الأسبوع وسط ظهور سلالة أوميكرون الجديدة في العديد من دول أوروبا

لوران: الأيام القليلة الماضية أوضحت أن سلالة كورونا الجديدة أصبحت متواجدة هنا، حيث تكتشف دول عديدة حالات الإصابة، ولا غرابة في ذلك بالنظر إلى عمليات التنقل التي شهدناها على مدى الأشهر القليلة الماضية، حيث شعرت أوروبا بأنها تسيطر على الأمور.

كانت الاستجابة الأولى لهذا الظهور متعلقة بالسفر. فقد فرضت بعض الدول حظر سفر شاملاً على كل الأجانب، بينما يركز البعض الآخر على أفريقيا، وتحديداً جنوب أفريقيا.

وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذه الخطوات بأنها مجرد سباق لكسب الوقت. هناك كثير من الأمور لا نعرفها، لكن الفكرة تتلخّص في التحرك الآن واتخاذ خطوات مبكرة والحصول على وقت كافٍ للتوصل إلى تفاصيل تتعلق بمدى خطورة سلالة أوميكرون ونوع التهديد الذي يشكله بالنسبة إلى كل التدابير المتخذة، بما فيها عملية التلقيح في أوروبا.

  • هل هناك شعور بالذعر؟

شعور شخص ما بالذعر يشكل تحذيراً لشخص آخر. ولأن متحور دلتا تأصّل في أوروبا، فإن الدول لا تريد أن يُنظر إليها وكأنها تفتح الباب أمام متحور جديد ربما يكون أسوأ من دلتا ويقوض التدابير كافة التي تم اتخاذها.

أشعر بتعاطف تجاه وضع جنوب أفريقيا. فقد أشاروا بأيديهم وقالوا، انظروا إلى المتغير الفيروسي الذي وجدناه. وكان ردّ المجتمع الدولي: رائع، لنفرض حظر سفر على جنوب أفريقيا. مع العلم أن فكرة حظر السفر تعدّ حلاً معيباً للغاية، لأن المتغير الفيروسي موجود بالفعل في أوروبا.

لكنني أتعاطف أيضاً مع الموقف الذي اتخذته الدول الأخرى التي تقول إن الاستجابة المبكرة أفضل من مواصلة السفر كما حدث من قبل، ودعونا نأمل خيراً في ما يتعلق بقدرة السلالة الجديدة على الانتقال.

  • أنت تثير نقطة مهمة، إذ يبدو أن جنوب أفريقيا تواجه عقوبة لأنها قامت بما هو صائب.

علينا أن نعترف بأن المشكلة الحقيقية هي عدم المساواة في اللقاحات. فمن المؤكد أننا كنا سنشهد شيئاً واحداً إذا أمضينا العام الماضي بجدية في توزيع اللقاحات على العالم النامي، لكن بدلاً من ذلك مازالنا نعاني من هذا الانقسام المذهل. فلم يتم تطعيم سوى 24% تقريباً من سكان جنوب أفريقيا، بينما تلقى 70% تقريباً من سكان دول مثل فرنسا أو المملكة المتحدة اللقاح.

إذا كان هناك أمل واحد في ما يحدث الآن، فهو أن السلالة الجديدة ستثير النقاش من جديد بشأن توزيع اللقاح واستثناءات براءات الاختراع. فإذا قمت بتلقيح نصف العالم فقط، فإنك تترك بذلك النصف الآخر ليصبحوا أرضاً خصبة لازدهار المتغيرات الفيروسية.

  • هذا بالطبع عامل مثبط قوي للدول الأخرى لإبلاغ بقية العالم عن ظهور أي متغيرات فيروسية لديها.

أحد الأسباب التي تجعل منتقدي حظر السفر يقولون إن هذه الخطوة غير مفيدة، هو أنها تشجع الدول على إخفاء المعلومات المتعلقة بالفيروس. وبالتالي فإن إحدى طرق تجنب هذا الأمر بشكل منطقي، هي أن نتفق جميعاً على احتواء أي متغير فيروسي جديد لحظة اكتشافه. لكن دعنا أيضاً نعوّض ذلك من خلال المشاركة العادلة في اللقاحات، التي تعدّ أفضل سلاح نمتلكه للتصدي لهذا الوباء.

  • ثمة تباين كبير في أوروبا بأسرها في ما يتعلق بتغطية اللقاح، والثقة في المؤسسات، وجودة الرعاية الصحية. كيف يمكن لهذه الأمور إفادة استجابة الحكومات الأوروبية تجاه أوميكرون؟

أصبحت ردود فعل الحكومات الآن مبنية على عوامل عدة مقارنة بالطريقة التي تصرفت بها في بداية الأزمة، وأحدها هو الثقة في السلطة، والآخر هو مدى شدة تفشي الوباء للمرة الأولى. إذا فكرت في هذين الأمرين في الوقت ذاته، فربما تدرك إلى حد ما سبب ظهور هذا الانقسام بين الشرق والغرب في أوروبا.

في شرق أوروبا، تسبّبت ذكريات الحقبة السوفيتية في انعدام الثقة بشكل عام في السلطات هناك، وبالتالي ستجد معدلات تلقيح أقل بكثير وعائقاً أكبر لإقناع الناس بأخذ اللقاحات. أما في دول غرب أوروبا، التي تضرّرت بشدة من تفشي الوباء -وهي فرنسا وإيطاليا وإسبانيا- فقد تشجّع الناس على تلقّي اللقاح بسبب الذاكرة المتعلقة بأعداد الوفيات المروعة الأولية إثر الإصابة بفيروس كوفيد-19.

غالباً ما تأتي الممارسات الإجبارية، في دول مثل فرنسا أو الدنمارك، في شكل الجوازات الصحية وجوازات سفر اللقاح. لكن في دول مثل النمسا، حيث يظهر المزيد من التردد بشأن اللقاح وانعدام الثقة، يزداد الضغط للتصدي للسلالة الجديدة من خلال تدابير أكثر صرامة.

  • ما هي تجربة أوروبا مع طرح الجرعات المعززة؟

كان التواصل مع العامة أحد تحديات الوباء. ولم يمضِ وقت طويل حتى كان الموقف الرسمي للدول الأوروبية هو التشكيك في الحاجة إلى جرعات معززة، وبالتالي دعت منظمة الصحة العالمية إلى وقف تلك الجرعات بشكل مؤقت، لكننا في عالم يصبح فيه الشيء الذي تم انتقاده في البداية جزءاً من نقاش حاد ثم يصبح مقترحاً. والجدير بالذكر أن الجرعات المعززة تزداد الحاجة إليها في فرنسا حتى يحصل من هم فوق الـ65 عاماً على جواز سفر صحي ساري المفعول.

يعتمد الكثير على قرار صناع السياسات بأن هذا هو ما عليهم التركيز عليه، فقد كان أداء المملكة المتحدة جيد جداً في ما يتعلق بحملات الجرعات المعززة، لكن الرأي السائد في الدول الأوروبية الأخرى كان يشير إلى أنه من الأفضل التركيز على توفير اللقاح لجميع السكان ثم التركيز بعد ذلك على توفير جرعات معززة للفئات الأكثر ضعفاً.

  • هل يرتبط تردّد صنّاع السياسات بمزاج الشعوب التي بدأت للتّو في الاستمتاع ببعض جوانب حياة ما قبل كوفيد؟

بالطبع وهذا أمر مفهوم. وهذه هي النقطة التي يكون فيها التواصل هو الأساس. فقد كانت دول كثيرة تعتقد بأنها أصيبت بالفيروس. ثم جاء الصيف وارتفعت معدلات التلقيح، وكان هناك افتراض بعدم وجود حاجة ماسة إلى توخي الحذر نظراً لتحسن مناعة البشر، وبالتالي رفعت بعض الدول، مثل المملكة المتحدة والدنمارك، كل القيود ثم اضطرت إلى إعادة فرض بعضها، في حين أن بعض الدول مثل فرنسا حافظت على بعض القيود، مثل ارتداء الأقنعة الطبية في بعض الحالات ووجود جوازات السفر الصحية لدخول أماكن الترفيه.

لا يمكنك أن تقول لشعبك إن العيش مع كوفيد سيبدو تماماً مثل الإغلاق الجزئي، فهذا لن يسهم في رفع الروح المعنوية، بل سيؤدي إلى حالة انهزام عام. وهناك حالة من الرفض للانتقال من طرف إلى آخر، وبالتالي أعتقد بأنه إذا وافق المزيد من الدول على فرض الحد الأدنى من مستويات توخي الحذر، فلن يكون هناك شعور بالصدمة من إعادة فرض القيود الآن.

  • تواجه عمليات التواصل المتعلقة باللقاح والجرعات المعززة تحديات أيضاً. فقد تذكرت أحد السطور التي كتبتها في أحد مقالاتك، وهو: اللقاح يقي من الوفاة أو الإصابة الشديدة، لكنه لن يقضي وحده على الوباء.

كانت هذه الجملة اقتباساً من المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية المعني بشؤون كوفيد-19. أعتقد بأنك لست بحاجة إلى شيء سوى أن تكون صادقاً، وبالتالي يمكنك القول بطريقة مشروعة إن اللقاحات التي تمنع حالات الإصابة الشديدة والموت شيئٌ مذهلٌ، لكن الملصق المتواجد على عبوات اللقاحات لا يوضح أنها ستنهي الوباء.

هناك رأي عام يفيد بأن كوفيد سيصبح فيروساً مستوطناً وأننا سنعيش معه، وبالتالي يجب أن يكون التعايش نهاية الطريق أو الهدف النهائي الذي نسعى إليه. لكن، إذا أخذنا بالرأي القائل إن الوباء قد انتهى أو إنه لا يوجد شيء يمكننا فعله حيال ذلك على الإطلاق، عندها سنخلق شعوراً بالإرهاق والهزيمة. وأعتقد بأن الناس بإمكانهم معالجة وفهم الرسالة التي تميّز بين الحلّ السحري لإنهاء الوباء والأداة الفعالة بشكل مذهل للوقاية من حالات الإصابة الشديدة والوفاة.