تدفقات مالية صينية عبر بنك في الكونغو إلى أتباع الرئيس السابق

لوحة إعلانات عليها صورة محترقة لرئيس الكونغو المنتهية ولايته جوزيف كابيلا في يناير 2019
لوحة إعلانات عليها صورة محترقة لرئيس الكونغو المنتهية ولايته جوزيف كابيلا في يناير 2019 المصدر: شاترستوك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

غادر رجل الأعمال الصيني أحد البنوك في كينشاسا حاملاً معه مبلغ 13,624ورقة نقدية من فئة 100 دولار، و10,001 ورقة نقدية من فئة 50 دولاراً، و43,000 ورقة نقدية من الفئات الأصغر، وذلك برغم التعليمات الصريحة بأنّه لا يُسمح بحدوث مثل هذا الأمر.

في ذلك اليوم الموافق 5 يوليو 2018، كتب إيفون دوهور، رئيس فريق التدقيق الداخلي في عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، في رسالة أرسلها عبر البريد الإلكتروني بعد أن لاحظ عملية السحب: "لقد تم إفراغ الحساب أخيراً". وأجابه أحد الزملاء في اليوم التالي: "أعجز عن وصف ما حدث".

اقرأ أيضاً: ملياردير إسرائيلي خاضع لعقوبات أمريكية يكبد الكونغو ملياري دولار

تجميد حسابات

في الشهر الماضي، جمَّد قسم الامتثال في "غروب بي جي إف آي بنك" (Groupe BGFIBank) في الكونغو، الحسابات المملوكة لشركة رجل الأعمال، وهي شركة "الكونغو للإنشاءات" (Congo Construction Co) أو (CCC)، لأنَّ ملف العميل كان يفتقد إلى المستندات الأساسية، وفقاً للسجلات المصرفية. وقد أظهر تاريخ المعاملات الذي استعرضته "بلومبرغ نيوز" كجزء من أكبر تسرّب للمعلومات المالية من أفريقيا، مشكلة أكبر، ألا وهي: صلات الشركة السياسية.

اقرأ المزيد: تاجر نفط فاسد ينقلب على زملائه في قضية رشوة ضخمة بإفريقيا

فعلى مدى خمس سنوات، تدفَّقت عشرات الملايين من الدولارات عبر حسابات شركة "الكونغو للإنشاءات" إلى أشخاص وشركات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً برئيس الكونغو آنذاك، جوزيف كابيلا، وكلها في بنك كان مملوكاً بشكل جزئي لشقيقته، ويديره شقيقه سليماني فرانسيس متوالي. إلا أنَّ سلسلة من الفضائح أجبرت الشركة الأم التي يتبع لها البنك في الغابون، على إعادة النظر في احتضانها للعائلة الرئاسية. فقد تمت إقالة سليماني من منصب الرئيس التنفيذي في مايو 2018، ثم استعادت 40% من حصة شقيقة كابيلا، والتي قالت، إنَّها لم تدفع ثمنها أبداً.

علاوةً على ذلك، جمّد زملاء دوهور الحسابات أثناء قيامه بالتدقيق في عمل سليماني أثناء توليه لمنصبه. ومع ذلك؛ كان هناك شخص ما في البنك ما يزال يسمح بالمعاملات، حتى آخر سحب نقدي بقيمة 2.5 مليون دولار في يوليو 2018. وتُشير الوثائق إلى السبب؛ فقد كان دوهور يشهد على الفصل الأخير من الدور السرّي لشركة "الكونغو للإنشاءات" كوسيط بين مجموعات التعدين الصينية، وعشيرة كابيلا.

اقرأ أيضاً: "غلينكور" تستعد لإعادة تشغيل أحد أكبر مناجم الكوبالت في العالم بالكونغو

على مدى أكثر من ستة أشهر، حلّلت "بلومبرغ" مجموعة من 3.5 مليون مستند مصرفي من "بي جي إف آي" تُقدّم لمحة غير مسبوقة عن كيفية عمل العديد من الأفراد والشركات على ما سيصبح استحواذاً على جزء كبير من صناعة التعدين الكونغولية من قبل الشركات الصينية خلال رئاسة كابيلا. وقد حصلت مجموعة مكافحة الفساد التي تتخذ من باريس مقراً لها، والتي تُعرف باسم "منصة حماية المبلغين عن المخالفات في أفريقيا" (Platform to Protect Whistleblowers in Africa)، وصحيفة "ميديا بارت" الاستقصائية الإلكترونية الفرنسية، على المعلومات، وقامتا بمشاركتها مع وسائل الإعلام من خلال شبكة "التعاون الاستقصائي الأوروبي" (European Investigative Collaborations)، وخمس منظمات غير حكومية.

سرقة البلاد

في الواقع، تُظهر تحقيقات هذا التحالف، التي يطلق عليها اسم "سرقة الكونغو" (Congo Hold-up)، إلى أي مدى استخدمت العائلة الأقوى في البلاد البنك لخدمة مصالحها الخاصة، وكيف أنَّ أموالاً حكومية لا تقل عن 138 مليون دولار حُوِّلت عبر "بي جي إف آي" إلى أقارب كابيلا وشركائه. كما تُلقي المعلومات الجديدة الضوء أيضاً على بعض الطرق غير المرئية سابقاً التي هيمنت بها الشركات الصينية على الثروات المعدنية لإحدى أفقر الدول في العالم.

من جانبها استخدمت مجموعة "ذا سينتري" (The Sentry)، وهي مجموعة لمكافحة الفساد، ومقرها واشنطن، البيانات المصرفية لكتابة تقرير حول العلاقات المالية لعائلة كابيلا بشركات التعدين الصينية. وقد مُنحتْ "بلومبرغ" حق الوصول إلى وثائق المنظمة ونتائجها قبل إصدار التقرير. وعلى مدى أشهر عدة، حصلت "بلومبرغ" بشكل مستقل على وثائق إضافية، وتحدّثت مع عشرات الأشخاص في خمس قارات لتأكيد المعلومات واستكمالها.

البنك يشكّك بالوثائق

فضلاً عن ذلك، وفي بيان نُشر على موقعه على الإنترنت في 23 نوفمبر، وبعد ظهور قصص التحالف الأولى، صرّح بنك "بي جي إف آي" بأنَّه يشجب التسريب، ويُشكّك في صحة الوثائق، إلا أنَّه "يُدين بشدة الأعمال المخالفة للقانون والأخلاق التي ربما تكون قد ارتُكبت" في الماضي داخل البنك التابع له "بي جي إف آي بنك آر دي سي" (BGFIBank RDC)، والذي من المحتمل أن يكون موظفوه هم الجناة أو المتواطئون". وأضاف البنك أنَّه أعاد هيكلة ملكيته لوحدة الكونغو في عام 2018، وأجرى تدقيقاً داخلياً لتحديد الأساليب التي ربما استُخدمتْ للالتفاف على الضوابط، كما عيّن إدارة جديدة، وتقدَّم بشكوى إلى مكتب المدعي العام لتحديد المسؤول عن الأفعال المزعومة والمعاقبة عليها.

ما من شكٍّ في أنَّ هذه هي ليست المرة الأولى التي يكون فيها بنك "بي جي إف آي" في قلب مزاعم الفساد في الكونغو. فقبل خمس سنوات، شارك مسؤول الامتثال السابق آلاف المستندات المصرفية مع وسائل الإعلام، بما في ذلك "بلومبرغ"، والتي أظهرت كيف وجّه سليماني ملايين الدولارات من الأموال العامة إلى البنك، وإلى شركة مملوكة لبعض أقرب حلفاء كابيلا. كما يُظهر التسريب الجديد للوثائق أنَّ هذا كان جزءاً فقط من القصة.

شراكات.. وتحقيقات فساد

بعد أن حلَّ محل والده الذي اغتيل في عام 2001، وبعد التفاوض على إنهاء حرب أهلية وحشية، فتح كابيلا احتياطيات البلاد الهائلة من النحاس والكوبالت أمام المستثمرين الدوليين. ولكن سرعان ما شهدت الشركات الغربية، التي كانت متحمسة في البداية بشأن كونغو كابيلا، تراجعاً مطرداً في البلاد منذ ذلك الحين. على سبيل المثال، مجموعة "بي إتش بي" (BHP Group)، و"دي بيرز" (De Beers) التابعة لشركة "أنغلو أمريكان" (Anglo American)، و"فريبورت-مكموران" (Freeport-McMoRan)؛ كلها قد قامت ببيع المناجم، أو تخلت عن مشروعات لها هناك. أما تلك الشركات التي بقيت في البلاد؛ فشكَّلت في كثير من الأحيان شراكات عالية المخاطر تخضع الآن لتحقيقات فساد، بما في ذلك شراكة لوزارة العدل الأمريكية من خلال شركة "غلينكور" (Glencore)، فضلاً عن شراكتين اثنتين لمكتب مكافحة الاحتيال الخطير في المملكة المتحدة من خلال شركتي "غلينكور"، و"يوراسيان ناتشورال ريسورسز" (Eurasian Natural Resources). وتقول "غلينكور"، إنَّها تتعاون مع السلطات، في حين تنفي "يوراسيان ناتشورال ريسورسز" ارتكاب أي مخالفات.

دخول الصين إلى الملعب

يُشار إلى أنَّ هذا الواقع، أفسح المجال أمام شركات من الصين كانت حريصة على توسيع سيطرتها على توريد معدنين يتم استخراجهما معاً في الكونغو، وهما في قلب الثورة الوليدة في السيارات الكهربائية. وفي غضون أقل من عقد من الزمن؛ تحوّلت الشركات الصينية من مساهمات ثانوية إلى نصف إنتاج الكوبالت في الكونغو، وحوالي 70% من إنتاج النحاس، وفقاً للوبي الأعمال الرئيسي في الكونغو.

تمثَّل محور هذا التحول في صفقة معادن مقابل البنية التحتية بقيمة 6.2 مليار دولار، وهو أكبر استثمار في تاريخ الكونغو، بقيادة مجموعة "تشاينا رايلواي" (China Railway Group)، وشركة "باور كونستراكشن" (Power Construction) الصينية، والمعروفة باسم "باورتشاينا" (Powerchina).

في عام 2008، اتفق البلدان على أن تموّل الشركات الصينية ما قيمته 3 مليارات دولار من البنية التحتية، وأن تبني مشروعاً للنحاس والكوبالت بقيمة 3.2 مليار دولار يُعرف باسم "سيكوماينز" (Sicomines)، على أن تسدَّد أرباحه المعفاة من الضرائب قيمة الاستثمارين. وقد أشاد المؤيدون به باعتباره رمزاً فخوراً لنموذج الصين الجديد "المربح للجانبين" لتمويل التنمية، وهو بديل للشروط الصارمة المرتبطة بالاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين يهيمن عليهما الغرب.

عقود وصفقات

يُشار إلى أنَّ حكومة الكونغو سلّمت أيضاً عقداً من دون مناقصة إلى شركة تابعة لشركة "تشاينا رايلواي" لإعادة بناء وصيانة الطريق من مركز التعدين في لوبومباشي إلى الحدود مع زامبيا، مع فرض رسوم لتمويل العمل، إذ يُشكل الطريق السريع المسار الأساسي لتصدير النحاس الكونغولي والكوبالت، مما يجعله أحد أكثر الطرق المربحة في أفريقيا. وفي كل عام، تدفع عشرات الآلاف من الشاحنات المحملة بالمعدن رسوم الامتياز، البالغة حالياً 300 دولار، للقيام برحلة ذهاباً وإياباً. كما أنتج الطريق ما مجموعه 302 مليون دولار بين عامي 2010 و2020، وفقاً لمراجعة حكومية غير منشورة اطلعت عليها "بلومبرغ".

كذلك، أنشأ كابيلا وكالة حكومية -مكتب تنسيق ورصد البرامج الصينية-الكونغولية- للإشراف على العلاقات الصينية، وعيَّن حليفه مويس إيكانغا، لإدارتها، إذ اتضح أنَّ إيكانغا كان أيضاً الرئيس التنفيذي للعمليات في شركة خاصة مملوكة لعائلة كابيلا، وذلك وفقاً لوثائق الشركة وعقودها التي استعرضتها "بلومبرغ". كما استفادت الشركة، وهي شركة "المشاريع والاستثمارات الاستراتيجية" (Strategic Projects and Investments)، بشكل كبير من الوجود الصيني المتزايد.

ادعاءات بالاختلاس

علاوةً على ذلك، امتلكت شركة "المشاريع والاستثمارات الاستراتيجية" حصة 40% في أعمال الطرق السريعة حتى عام 2015، ثم استحوذت عليها بالكامل. وتفيد نتائج التدقيق الذي أجرته وكالة مكافحة الكسب غير المشروع في ظل الحكومة الحالية، بأنَّه منذ خروج شركة "تشاينا رايلواي" قبل ستة أعوام؛ اختلست شركة الرسوم ما يقرب من 121 مليون دولار. ولم تكن "بلومبرغ" قادرة على التحقق بشكل مستقل من هذا الادعاء.

الجدير بالذكر أنَّ كونغ ماوهواي، رجل الأعمال الصيني الذي يمتلك فندق كينشاسا، حيث يقع مكتب شركة "الكونغو للإنشاءات"، أخبر التحالف أنَّه حصل على السيطرة على شركة الرسوم في نوفمبر 2016. ومع ذلك؛ ما تزال المعلومات المتاحة في سجل شركات الكونغو تذكر أنَّ شركة "المشاريع والاستثمارات الاستراتيجية" هي المساهم الوحيد. ورفض كونغ تقديم وثائق تثبت تغيير الملكية، مستشهداً بمتطلبات السرية. كما اعترض على نتائج التدقيق، قائلاً: "أؤكد مجدداً أنَّه لم يكن هناك أي اختلاس" في عقد الامتياز. هذا، ولم تستجب شركة "تشاينا رايلواي"، ولا الشقيق الأصغر لـ"كابيلا"، المسمى زوي، المساهم المؤسس في شركة "المشاريع والاستثمارات الاستراتيجية"، لطلبات متعددة للتعليق.

لم يتضح المبلغ الذي دفعته شركة " المشاريع والاستثمارات الإستراتيجية"- إنْ وجد- لشركة "تشاينا رايلواي" لتولي شركة الطرق السريعة في عام 2015. ولم يذكر محضر اجتماع مجلس الإدارة الذي وافق على نقل الأسهم أي تعويض. لكنْ هناك آثار لما فعلته الشركة ببعض الأموال التي جنتها على الأقل؛ فقد أرسلتها إلى شركة الكونغو للإنشاءات.

وسائل ملتوية

من يونيو 2013 إلى يناير 2016، تُظهر سجلات "بي جي إف آي"، أنَّ مشروع الرسوم أجرى 41 تحويلاً نقدياً، بقيمة 7.8 مليون دولار، إلى شركة "الكونغو للإنشاءات"، التي سُحبت كلها تقريباً بشكل نقدي.

بالإضافة إلى ذلك، كان مالك شركة "الكونغو للإنشاءات" أكاديمياً طموحاً ولد عام 1979 في لياونينغ، الصين، واسمه "دو وي"؛ وقد بدأ العمل في أفريقيا في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وفي أغسطس 2016 كتب مقالاً لمعهد الدراسات الدولية بجامعة ووهان يأسف فيه لميل الشركات الصينية إلى استخدام "وسائل لا ضمير لها" للفوز بمشروعات كبرى، وفقاً لمقال كتبه "دو"، واستشهدت به "سينتري" في تقريرها.

يُشار إلى أنَّ "دو"، الذي عُرف باسم "ديفيد" في الكونغو، عمل في شركة "سيكوماينز" لمدة ثلاث سنوات حتى عام 2012، عندما أصبح مستشاراً لوكالة كابيلا في الصين، وفقاً لملفه الشخصي على "لينكد إن". وكان هذا أيضاً، العام الذي قام فيه بتأسيس شركة "الكونغو للإنشاءات" مع غاي لواندو، الذي كان حينها محامياً كونغولياً يبلغ من العمر 29 عاماً، وقام بفتح حساب الشركة في بنك "بي جي إف آي".

تحويلات تكشف الكثير

بين فبراير ويوليو 2013، تلقّت شركة "الكونغو للإنشاءات"، التي لم تكن تمتلك مشروعات بناء معروفة، 18 مليون دولار من حسابات بنكية في الصين وهونغ كونغ تحتفظ بها أربع شركات خارجية مسجلة في جزر فيرجن البريطانية. كما تسرد سجلات "بي جي إف آي" المبررات مثل: "دفع رسوم البناء"، و"التحويلات الأخرى"، و"غير ذلك". كما تم تحويل أعمال الطرق ذات الرسوم البالغة مليون دولار إلى شركة "الكونغو للإنشاءات" في يونيو. وأظهرت السجلات أنَّ "دو" أرسل معظم مبلغ 19 مليون دولار إلى وكالة كابيلا الصينية من خلال سلسلة من عمليات السحب والإيداع النقدي المتطابقة، بدلاً من التحويلات المباشرة.

سدَّد إيكانغا، رئيس الوكالة، على الفور قرضاً تبلغ قيمته 14 مليون دولار، و كان قد أخذ مكتبه من بنك "بي جي إف آي" لصالح الشركات التي ارتبطت أو ستكون مرتبطة بـ"كابيلا". وكانت الوكالة قد حوَّلت نصف الأموال المقترضة إلى حساب آخر في "بي جي إف آي"، وقدَّم المبلغ ذاته إلى شركة ماشية اشتراها كابيلا بعد ذلك بوقت قريب. وتظهر السجلات المصرفية أنَّها حولت أيضاً 6 ملايين دولار إلى شركة بناء مملوكة لاثنين من مساعدي الرئيس آنذاك.

لم يردّ إيكانغا ولا المتحدث باسم الوكالة على العديد من رسائل البريد الإلكتروني، والنصوص، والمكالمات الهاتفية من التحالف الذي يطلب التعليق. كما لم يردّ المساهمون الصينيون الآخرون في شركة "تشاينا رايلواي"، وشركة "سيكوماينز" على الأسئلة التي تسأل عمّا إذا كانوا قد قدَّموا الأموال في نهاية المطاف إلى شركة "الكونغو للإنشاءات"، أو أنَّهم يمتلكون شركات جزر فيرجن البريطانية، والتي تمَّ إنشاؤها بواسطة مزود خدمات الشركات نفسه، ومقره هونغ كونغ، والذي استخدمته شركة "تشاينا رايلواي" لإنشاء شركة تابعة من أجل حمل حصص في مناجم الكونغو.

فضلاً عن ذلك؛ دفعت شركة "سيكوماينز" لاحقاً ثلاث دفعات كبيرة إلى شركة "الكونغو للإنشاءات"، من يونيو إلى سبتمبر 2016، بمبلغ إجمالي قدره 25 مليون دولار. كما أظهرت السجلات المصرفية أنَّ "دو" وزَّع معظم الأموال على الشركات والأفراد المرتبطين بعائلة الرئيس. وشمل ذلك 7.5 مليون دولار لشركة كان المساهمان فيها، هما: شقيقة كابيلا، وزوجة سليماني، كما أنَّ 1.6 مليون دولار ذهبت إلى مالك سفينة نقل الحيوانات، بما في ذلك الحمير الوحشية، والزرافات، والحيوانات البرية إلى محمية كابيلا الطبيعية الخاصة في عام 2017، فضلاً عن مليون دولار تم إرسالها إلى مدير شركة الشحن، في حين رفض محام يمثل مالك السفينة في ذلك الوقت الردّ على طلب للتعليق.

كذلك أظهرت وثائق "بي جي إف آي" أنَّ شركة "الكونغو للإنشاءات" قامت أيضاً بإعادة توجيه أكثر من 1.7 مليون دولار إلى حسابات "دو" الشخصية في الكونغو، وهونغ كونغ.

رد السفارة الصينية

كما لم تردّ شركة "سيكوماينز" على أسئلة التحالف، في حين قالت السفارة الصينية في كينشاسا، إنَّ حكومتها "تطلب دائماً من الشركات الصينية العاملة في جمهورية الكونغو الديمقراطية الاحترام الصارم للقوانين واللوائح المحلية"، و"تنفيذ مشروعات التعاون بطريقة مربحة للجانبين". وأضاف متحدث باسم السفارة عبر البريد الإلكتروني أنَّ المستثمرين الصينيين "يجب ألا يتدخلوا أبداً في الشؤون السياسية الكونغولية".

ولم يردّ "دو" على الأسئلة، فقد حُذِف رقم الـ"واتساب" الخاص به، وأحد حسابات بريده الإلكتروني أيضاً بعد أن بذل التحالف جهوداً عديدة للاتصال به.

في حين دخلت شركة "سيكوماينز" الإنتاج في عام 2015؛ فإنَّها لن تتمكن من الوصول إلى طاقتها الكاملة البالغة 250 ألف طن متري من النحاس سنوياً حتى تحصل على إمدادات موثوقة من الكهرباء. ولضمان ذلك؛ اقترحت الشركة بناء سد بالقرب من قرية بوسانغا. وقد كان من المفترض في الأصل أن يكون المشروع الذي تبلغ تكلفته 600 مليون دولار جزءاً من صفقة المعادن مقابل البنية التحتية. ولكن في يوليو 2016، أنشأت "تشاينا رايلواي"، و"باورتشاينا" شركة جديدة مع شركة التعدين المملوكة للدولة في الكونغو "جيغاماينز" (Gécamines)، والتي تمتلك 32% من "سيكوماينز"، لتشغيل محطة الطاقة الكهرومائية بقدرة 240 ميغاواط. وهذه المرة، ذهبت 15% من حصة الدولة إلى كيان غير معروف سابقاً يُدعى "كونغو مانجمنت سارل" (Congo Management Sarl)، أو "كومان" (Coman).

ما من ردٍّ

لم تنجح جهود الاتصال باثنين من مساهمي "كومان"، إلا أنَّ للشركة علاقات وثيقة مع الأشخاص المحيطين بـ"كابيلا". ويُمثل شركة "كومان" المحامي الشخصي السابق للرئيس السابق، ويديرها شخص كان موظفاً في وكالة كابيلا الصينية. بالإضافة إلى ذلك، حدثت المعاملات المالية التي يبدو أنَّها تعكس صور بعضها في حسابات "كومان"، وشركة "الكونغو للإنشاءات". ففي نوفمبر 2016، سحب "دو" التابع لشركة "الكونغو للإنشاءات" مبلغ 430 ألف دولار من حساب الشركة، في حين ظهر إيداع بمبلغ مماثل في حساب شركة "كومان" في "بي جي إف آي" في اليوم ذاته، إذ تظهر السجلات أنَّه بعد أن ظل دون تغيير لمدة عام؛ تم سحب مبلغ مماثل من قبل رئيس شركة مملوكة من قبل شقيقة كابيلا وزوجة شقيقه.

الجدير بالذكر أنَّ الرجل الذي سيصبح مديراً لشركة تابعة لشركة "كومان" قريباً؛ تلقى أيضاً مليون دولار من شركة الكونغو للإنشاءات في مايو 2017 -وهي الأموال التي تُظهر السجلات المصرفية أنَّها نشأت من "سيكوماينز".

لم يردّ نوربرت نكولو، المحامي السابق لـ"كابيلا"، والممثل القانوني لشركة "كومان"، ولا كلودين باوني، مدير الشركة، على الأسئلة التي أرسلها التحالف. وفي عام 2018، عيّن كابيلا نكولو، وهو وزير سابق أيضاً، للعمل في المحكمة الدستورية في الكونغو.

إعادة هيكلة

علاوةً على ذلك، بدأ "دو" في إعادة هيكلة شركة "الكونغو للإنشاءات" في مارس 2017. أولاً؛ استحوذت الشركة على تصريح تعدين فوسفات مملوك لشركة "ألماندا تريدينغ" (Allamanda Trading)، التي يشارك ممثلها في ملكية العديد من الشركات مع الشخص الذي أدار شركة كابيلا الزراعية. واستحوذ "دو" بعد ذلك على حصة 20% في شركة "الكونغو للإنشاءات" التي يملكها المحامي الكونغولي لواندو، ونقلت جميع أسهم الشركة إلى شركة مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، تدعى "هيرفيلد أوفرسيز" (Harefield Overseas).

في يناير 2018، اشترت شركة "تشاينا مولي بدينوم" (China Molybdenum) على شركة "الكونغو للإنشاءات"، ورخصة الفوسفات الخاصة بها مقابل 40 مليون دولار. وكانت "تشاينا مولي" قد وصلت مؤخراً إلى الكونغو عن طريق شراء السيطرة على منجم النحاس والكوبالت العملاق "تينكي فونغوروم" في صفقة تزيد قيمتها على 3 مليارات دولار. وفي العام الماضي، دفعت الشركة الصينية 550 مليون دولار للاستحواذ على منجم كبير آخر من النحاس والكوبالت في الكونغو.

هذا ولم يرد أي طرف من أطراف الصفقة على أسئلة حول ما إذا كانت شركة "الكونغو للإنشاءات" قد دفعت لشركة "ألماندا" مقابل التصريح، أو ما إذا كان أي فرد من عائلة كابيلا مستفيداً من الشركة، في حين قالت شركة "تشاينا مولي"، إنَّ "دو" علم باهتمامها بمنجم الفوسفات في وقت غير محدد في عام 2017، وإنَّه كان المساهم الوحيد في الشركة البحرية التي كانت تمتلك شركة "الكونغو للإنشاءات" في وقت الصفقة. وقالت الشركة، إنَّها ستطوّر المشروع "في وقت مناسب في المستقبل".

الخوف من العقوبات الأمريكية

بحلول أواخر عام 2017، ومع تراكم التقارير عن الفساد، أدرك بنك "بي جي إف آي" أنَّه بحاجة إلى التحرك لتجنب عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية التي يحتمل أن تشلّه، كما تظهر الوثائق المصرفية. وبالتالي؛ أبعد أولاً وحدة الكونغو عن الأسرة الرئاسية.

بعد ذلك، أصدر البنك تعليماته لدوهور، كبير مراجعي الحسابات في كينشاسا، لمراجعة قيادة سليماني لوحدة الكونغو، إذ خلص تقييم دوهور، الذي اكتمل في يوليو 2018، إلى أنَّ الحوكمة كانت "غير مقبولة"، وتتسم بـ"الافتقار إلى النزاهة والشفافية في إعلان تضارب المصالح". ووفقاً للتدقيق، تم تنفيذ مدفوعات بملايين الدولارات داخل وخارج حسابات شركة "الكونغو للإنشاءات"، بما في ذلك تلك الواردة من "سيكوماينز"، وشركة رسوم الطرق، إما من دون أوراق أساسية، أو بوثائق تم الشك في صحتها، في حين لم يستجب دوهور لطلب التعليق.

فضلاً عن ذلك، تُظهر السجلات أنَّه حتى بعد شراء "تشاينا مولي" لشركة شركة "الكونغو للإنشاءات"؛ استمر "دو" في السيطرة على حساباتها في بنك "بي جي إف آي". وفي مايو 2018، تلقت شركة "الكونغو للإنشاءات" مبلغ 7.7 مليون دولار من شركة تسيطر عليها جزئياً شقيقة كابيلا وزوجة شقيقه. في الشهر ذاته، تم إرسال حساب في بنك "بي جي إف آي" يتبع للبنك المركزي الكونغولي، يقترب من 1.9 مليون دولار إلى شركة "الكونغو للإنشاءات".

كما حوَّل "دو" مبلغ 1.5 مليون دولار إلى شركة مسجلة في دولة الإمارات في مايو 2018، قبل أن يقوم هو مع شخص آخر بإزالة بقية الأموال نقداً، بما في ذلك السحب النهائي بقيمة 2.5 مليون دولار في يوليو من ذلك العام.

تجاوز التجميد

يُشار إلى أنَّ دوهور ألقى باللوم على الرئيس التنفيذي آنذاك -الذي عمل عن كثب مع سليماني- لتجاوز التجميد، وفقاً للوثائق، فقد أبلغ قسم التدقيق المقر الرئيسي في بنك "بي جي إف آي" بأنَّ شركتين مملوكتين لأفراد عائلة كابيلا، كانتا تستنزفان حساباتهما في الوقت ذاته مع شركة "الكونغو للإنشاءات". واستحوذت الشركتان معاً على أكثر من 23 مليون دولار نقداً من البنك على مدى شهرين في منتصف عام 2018.

من جانبها، قالت شركة "تشاينا مولي"، إنَّها ليست على علم بوجود حساب مصرفي لشركة "الكونغو للإنشاءات"، وليست لديها معرفة بالأنشطة التي نفذها "دو" من خلال شركتها الفرعية. في حين قال الرئيس التنفيذي لبنك "بي جي إف آي"، الذي تقاعد منذ ذلك الحين، إنَّه ليست لديه علاقة بشركة "دو"، وإنَّه لا يمكنه السماح بسحب نقدي على حساب مجمّد من دون المبررات المطلوبة. ولم يرد ديوغراتياس موتومبو، محافظ البنك المركزي من 2013 حتى وقت سابق من هذا العام، على الأسئلة التي أرسلها التحالف.

في المجمل، تدفق حوالي 65 مليون دولار عبر حسابات شركة "الكونغو للإنشاءات" بين يناير 2013 ويوليو 2018، منها 41 مليون دولار سُحبتْ نقداً؛ مما يجعل من المستحيل تتبع المستفيدين من جميع الأموال. ومع ذلك؛ تُظهر السجلات المصرفية أنَّه تم توجيه ما لا يقل عن 30 مليون دولار، عن طريق التحويلات أو نقداً، إلى أشخاص وكيانات مرتبطة مباشرة بـ"كابيلا"، أو الشركات المملوكة للعائلة الرئاسية.

من مستشار إلى وزير

وقد انتُخب لواندو، الشريك التجاري السابق لـ"دو"، في أواخر عام 2018 لعضوية مجلس الشيوخ في الكونغو كعضو في ائتلاف كابيلا، ونجح في اجتياز تدهور الاتفاق بين الرئيس السابق وخليفته، فيليكس تشيسكيدي. وفي أبريل، أصبح وزيراً للتخطيط الإقليمي. وفي سياق رده على أسئلة حول دوره في شركة "الكونغو للإنشاءات"، قال لواندو، إنَّه كان مجرد مستشار قانوني، ولم يلعب أي دور في الإدارة اليومية للشركة. كما أشار إلى أنَّه لم يتم اطلاعه على الأنشطة التجارية للشركة، وبالتالي؛ لم يكن على علم بمعاملاتها.

استقال كابيلا في بداية عام 2019، بعد 18 عاماً في السلطة، وذلك عقب الانتخابات المتأخرة التي أجريت تحت ضغط من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي، والتي أُعلن فيها فوز تشيسكيدي.

السيطرة الصينية مستمرة

في الواقع؛ فإنَّ النقطة التي لم تتغير هي سيطرة الشركات الصينية على مناجم الكونغو. ومع ذلك؛ فقد بدأ تشيسكيدي تحقيقات في صفقة المعادن مقابل البنية التحتية، بما في ذلك محطة بوسانغا للطاقة الكهرومائية، وما إذا كانت شركة "تشاينا مولي" تمتثل لالتزاماتها التعاقدية، في حين أنَّه ليس من الواضح متى سيتم الإعلان عن أي استنتاجات من تلك التحقيقات؟.

الجدير بالذكر أنَّه من أصل ثلاثة مليارات دولار كانت وعدت بها الشركات الصينية من أجل تمويل البنية التحتية؛ لم يصل معظمها بعد. وقالت حكومة تشيسكيدي في سبتمبر، إنَّه تم حتى الآن بناء مشروعات بقيمة 825 مليون دولار فقط.

علاوةً على ذلك، كان كبير مسؤولي مكافحة الفساد في عهد الرئيس الجديد، جول ألينجيت، يُحقق في فضائح الفساد المزعومة التي تورط فيها بنك "بي جي إف آي". وقال في مقابلة مع التحالف، إنَّ المسؤولين التنفيذيين في البنك كانوا "متخصصين في تزوير الحسابات"، مضيفاً أنَّهم "لفَّقوا، ولفَّقوا، ولفَّقوا، ولفَّقوا الأمور".

كما انتقد دوهور استعداد بنك "بي جي إف آي" لقبول التفسيرات التي قدَّمها "دو" وأحد زملائه، وذلك عندما قاما بسحب ما يقرب من 10 ملايين دولار من البنك في منتصف عام 2018. وكانت هذه مجرد أعذار "للسماح بعمليات سحب غير مبررة حول تحركات مالية مشبوهة"، كما كتب في رسالة بريد إلكتروني إلى رؤسائه. وكتب إلى زميل آخر في مكتب كينشاسا: "نحن حقاً في عالم آخر".