هل رهانات صناديق التحوط "فقاعة" سيئة أم جيدة؟

المصدر: غيتي إيمجز
Chris Bryant
Chris Bryant

Chris Bryant is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies. He previously worked for the Financial Times.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد أكثر من عقد على زعم لويد بلانكفين رئيس مجموعة "غولدمان ساكس" آنذاك بأن البنوك تقوم بـ"عمل الآلهة"، لا تزال صناعة التمويل تكافح من أجل إقناع الجمهور بأنها قوة من أجل الخير.

أثير فصل جديد في هذا النقاش في أوروبا، إذ لا تستطيع صناديق التحوط والحكومات الوطنية الاتفاق على ما يشكل مضاربات مالية "جيدة".

اقرأ أيضاً: أزمة الطاقة في أوروبا ترفع أسعار الكربون إلى أكثر من 70 يورو لأول مرة

تقول الصناديق التي تراهن على ارتفاع أسعار تصاريح الانبعاثات في أوروبا، أكبر سوق للكربون في العالم، إنها تجبر الملوّثين على إزالة الكربون، وبالتالي مساعدة كوكب الأرض. قال أولف إيك، مؤسس صندوق التحوط "نورثلاندر كوموديتي أدفايزرز" (Northlander Commodity Advisors) لـ"بلومبرغ ماركتس" في أغسطس: "يمكن أن يكون الجشع شيئاً رائعاً عندما يعمل لصالح البيئة".

اقرأ المزيد: الاتحاد الأوروبي يتوقع ارتفاع أسعار الكربون 50% بحلول 2030

في الواقع، يُعَدّ الكربون أحد أفضل السلع أداءً في العالم هذا العام. تفوقت تصاريح الكربون الأوروبية (EUAs) حتى على عملة بتكوين منذ يناير. وزاد السعر بنحو خمسة أضعاف منذ أدنى مستوى له في مارس 2020. ويوم الاثنين سجّل الكربون تسليم شهر ديسمبر رقماً قياسياً بلغ أكثر من 75 يورو (85 دولاراً) للطن.

اقرأ أيضاً: تجارة التلوث.. المضاربون يجنون أرباحاً بعد ارتفاع قياسي لأسعار الكربون

تعتبر المراهنة على ارتفاع تكلفة التلوث أمراً مقبولاً اجتماعياً أكثر من استراتيجية صندوق التحوط الشائعة الأخرى المتمثلة في جمع مخزونات النفط والغاز غير المرغوبة. ومع ذلك، في الوقت الذي ترتفع فيه فواتير الكهرباء على المستهلكين وتكافح الشركات للتعامل مع ارتفاع تكاليف الامتثال لتشريعات الطاقة والكربون، فإن الأرباح المفاجئة لصناديق التحوط تعادل محرقة سياسية. لماذا يجب أن تستفيد من الشركات والمرافق الصناعية التي يجب أن تمتلك وتتاجر بالفعل في التصاريح لتغطية تلوثها؟

دعوات لوقف المضاربين

نمت دعوات التدخل لوقف تأثير المتداولين المضاربين في سوق الكربون الأوروبية بشكل أكبر. كررت بولندا التي تعتمد على الفحم الأسبوع الماضي أنه يجب كبح التكهنات، في حين حذرت إسبانيا في سبتمبر من أن "فقاعة على برنامج الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات هي آخر شيء نحتاج إليه". قدمت الدنمارك وجمهورية التشيك شكاوى مماثلة في الأشهر الأخيرة، وكذلك اللاعبون في هذه الصناعة.

في سبتمبر، حذّرت شركة "ستروميو" (Stromio) الألمانية لتوريد الكهرباء من أنه يجب أن يكون الغرض من سوق الكربون في أوروبا "مكافحة تغير المناخ بأقل كلفة ممكنة بدلاً من أن يكون كازينو لصناديق التحوط، إذ يجري تحويل الثروة من المستهلكين النهائيين إلى صناديق التحوط".

بالطبع يوجد تاريخ طويل من مهاجمة المضاربين الماليين في أوروبا، ولا يوجد إجماع حول ما يجب فعله حيال ذلك. يبدو أن المفوضية الأوروبية تريد أسعاراً عالية للكربون، كما هي الحال في ألمانيا، إذ تدرس الحكومة الائتلافية الجديدة وضع حد أدنى لأسعار الكربون الوطنية.

لكن ليس من العدل استبعاد صناديق التحوط لأن ما يسمى بكيانات الامتثال، وهي شركات مثل شركات المرافق التي يُطلب منها الحصول على تصاريح لانبعاثاتها، لديها أيضاً مكاتب كبيرة لتداول الكربون. إضافة إلى ذلك، يتّبع "المضاربون" مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، قد يستخدم بعضها الرافعة المالية ويتداول على المدى القصير، فيما يتبع بعضها الآخر نهج الشراء والاحتفاظ لسنوات متعددة.

مضاربات سامة

من المؤكد أن التقلبات الأخيرة تستحق المتابعة، إذ ارتفع السعر بأكثر من الثلث منذ منتصف أكتوبر. وأخبرني جان أرينز، رئيس قسم الأبحاث في "سبارك تشينج" (SparkChange)، وهي سلعة أُطلقت مؤخراً في بورصة تداول الكربون: "يمكن أن تعمل الصناعة مع سعر كربون مرتفع ومستقر، لكن التقلبات المفرطة الناتجة عن المضاربة قصيرة الأجل قد تكون سامة لأنها تعوق قرارات الاستثمار (الحد من الكربون)".

مع ذلك، يجب أن تقاوم أوروبا كثيراً من العبث في سوق تعمل أخيراً كما يفترض بها على نطاق واسع. يساعد وجود المستثمرين الماليين على ضمان أن تكون السوق عميقة وفيها سيولة كافية، كما يشير بو تشين، محلل الكربون الأوروبي في "بلومبرغ إن إي إف". في النهاية، ستعكس الأسعار المرتفعة مدى جدية القارة بشأن خفض الانبعاثات، فقد التزمت أوروبا خفض التلوث الكربوني بنسبة 55% على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 1990، وسيتوجب على مزيد من القطاعات الصناعية شراء تصاريح الكربون.

تحتاج سوق الكربون إلى توظيف مزيد من رأس المال لعكس التكلفة المجتمعية الحقيقية للانبعاثات بشكل أفضل. أخبرني إيك من "نورثلاندر" بأن الطريقة الوحيدة لاستقطاب الأموال المؤسسية واسعة النطاق هي بتوفير سوق توفر الفرصة لتحقيق الأرباح، ونعتقد أن هذه الفرصة موجودة الآن.

لا شك في أن سوق الكربون في أوروبا أصبحت فجأة مثيرة لاهتمام صناديق التحوط وبيوت تداول السلع الكبرى، إضافة إلى عدد متزايد من الصناديق المتداولة في البورصة والسلع المتداولة في بورصة الكربون التي تسمح للمستثمرين المنتظمين باكتساب الانفتاح على السوق.

التخلّص من فائض التراخيص

بعد سنوات من الركود وانخفاض الأسعار، بدأت سوق الكربون في الارتفاع في 2018، بفضل الإصلاحات الرامية إلى التخلص من فائض المعروض من التراخيص. أدى التحوط من قِبل شركات المرافق وغيرها إلى امتصاص مزيد من الفائض في العرض. تقول شركة الطاقة الألمانية "آر دبليو إي" (RWE) إنها محمية مالياً حتى عام 2030، ما يعني أن السوق أصبحت ضيقة أكثر. قد يقوم بعض الشركات أيضاً بتخزين التصاريح تحسباً لارتفاع الأسعار أكثر.

كان الارتفاع الأخير في الأسعار، على سبيل المثال، ناتجاً عن ارتفاع أسعار الغاز الذي شجع شركات المرافق مؤقتاً على حرق مزيد من الفحم (الذي تحتاج إلى الحصول على مزيد من تصاريح التلوث من أجله).

رغم زيادة عدد الصناديق النشطة في سوق العقود الآجلة، فإنها لا تزال تمثل أقل من 10% من الصفقات المفتوحة في العقود الآجلة في تصاريح الكربون الأوروبية. في وقت سابق من هذا الشهر، رجع تقرير أولي من هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية (ESMA)، المكلفة بناء على طلب من عديد من الحكومات المعنية، ارتفاع أسعار الكربون إلى الأسس الاقتصادية والقرارات السياسية. ولم يجد أي دليل على وجود تلاعب من جانب المتداولين. ولا تزال دراسة أكثر تعمقاً معلقة.

سوق صغيرة نسبياً

عند المقارنة مع سلع مثل النفط والمعادن، فإن سوق الكربون لا تزال صغيرة نسبياً، إذ جرى تداول ما يقارب 210 مليارات يورو من مخصصات الانبعاثات في أوروبا العام الماضي.

"لقد رأينا منذ فترة الآن أن هذه السوق تواجه صعوبات في إيجاد التوازن عندما تضيق الأمور حقاً"، كما يقول تريفور سيكورسكي، رئيس أبحاث الغاز والكربون في شركة "إنرجي أسبكتس" (Energy Aspects) الاستشارية، ويضيف أنّ أولئك الذين لديهم فائض لا يريدون البيع.

يُظهِر الاهتمام الكبير المفتوح بخيارات الشراء التي تمنح الحق في شراء الكربون بسعر 100 يورو للطن أن المستثمرين ما زالوا متفائلين. قد يسعى البائع إلى التخلص من تعرضه للمخاطر عن طريق شراء مخصصات الكربون الأساسية، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

يقول بوستجان كوفاسيفيتش، متداول في "بيليكترون" (Belektron): "الأسعار مدعومة بالأساسيات، وبالتالي فإنها سترتفع على أي حال، ولكن لا شك في أن صناديق التحوط تضيف مزيداً من الطلب إلى السوق. إذا أتى أحد اللاعبين الكبار ومعه كثير من السيولة، فيمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطراب أسعار السوق بشكل كبير على المدى القصير".

يُعَدّ وضع حدود لصفقات التداول مثل تلك التي تنطبق على تداول مشتقات المنتجات الزراعية أحد الاقتراحات للحد من التقلبات المفرطة. أما الاقتراح الآخر فهو التدخل السياسي للحد من الأسعار أو زيادة حجم التصاريح.

مع ذلك، يجب أن يبقى الكربون سوقاً موثوقة، وبالتالي يجب ألا تكون التعديلات ثقيلة للغاية. تسبب الأسعار المرتفعة ألماً للبعض وتؤدي إلى مكاسب غير متوقعة لأولئك الذين توقعوها بشكل صحيح، ولكن هكذا تعمل الأسواق. على المدى الطويل، فإن ارتفاع أسعار الكربون هو بالضبط ما نحتاج إليه لإزالة الكربون عن الصناعة ومعالجة أزمة المناخ.