ما المطلوب لتشغيل سفن العالم في الوقت المحدد؟

المصدر: بلومبرغ
James Stavridis
James Stavridis

James Stavridis is a Bloomberg Opinion columnist. He is a retired U.S. Navy admiral and former supreme allied commander of NATO, and dean emeritus of the Fletcher School of Law and Diplomacy at Tufts University. He is also chair of the board of the Rockefeller Foundation and vice chairman of Global Affairs at the Carlyle Group. His latest book is "2034: A Novel of the Next World War."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قضيتُ ما يقرب من 10 سنوات بالإبحار عبر المحيطات، بعيداً تماماً عن اليابسة. وخلال رحلاتي الطويلة، كنت أتتبع سفن الشحن المدنية الضخمة وناقلات النفط التي تبحر بالقرب من سفني الحربية. إنه نظام رائع يحرص على جعلها تعمل بشكل أساسي على مدار الساعة طَوال أيام الأسبوع، وهي تنقل الشحنات بين شبكة من المواني العالمية العملاقة. أما نحن الذين كنّا في البحر فقد كنّا ننظر باحترام إلى حجمها ونطاقها، يخالجنا شعور بأنها غالباً ما كانت على حافة المتاعب. وفي الواقع، لدى الشاحنين هوامش ضيقة لجهة الوقت والتكلفة، كما أن أطقم العاملين لديهم صغيرة بشكل لا يصدَّق، وغالباً ما يكونون غير مدربين بشكل كافٍ، أو يحصلون على تعويضات بعيدة عن أن تكون كافية.

اقرأ أيضاً: انحسار تكدس المواني في آسيا.. والولايات المتحدة تصارع طوفاناً من الواردات

في الواقع، تلعب كل هذه العوامل دوراً في التأخيرات الحالية للمواد الخام والسلع الاستهلاكية في سلسلة التوريد العالمية. وبطبيعة الحال لا تعتمد هذه التأخيرات بالكامل على النقل عبر المحيطات، ولكن بالنظر إلى أن أكثر من 90% من البضائع المتداولة دولياً، تتحرك عبر ما أطلق عليه الأدميرال ألفريد ثاير ماهان، الإستراتيجي البحري في القرن التاسع عشر، "ممرات الاتصال البحرية"، فهو مكان جيد لتركيز مزيد من الاهتمام. كما أن المواني الضخمة هي جزء من البنية التحتية البحرية أيضاً، وبعضها أصبح نقاط اختناق هيكلية، مثلما نفكر في نقاط الاختناق الجغرافية الحرجة، كقناة السويس أو قناة بنما أو مضيق هرمز أو ملقا.

اقرأ المزيد: من نيروبي إلى نينغبو.. صدمات سلاسل التوريد اجتاحت الكرة الأرضية

أما في الوقت الحالي فلا تزال عمليات الشحن الاحتياطي والتأخير الخطيرة هي القاعدة في المواني حول العالم، إذ تقع أكبر عقدة أمريكية في جنوب كاليفورنيا، في مواني لوس أنجلوس ولونغ بيتش. ومنذ أسابيع، تنتظر عشرات السفن في مراسٍ بعيدة عن الشاطئ. وما زالت الحاجة ماسّة إلى إرسال آلاف الحاويات الفارغة إلى موانٍ أخرى. وكما هي الحال في عديد من المواني الرئيسية الأخرى في جميع أنحاء العالم، فإن البنية التحتية للبضائع مكتظة.

مسارات بسيطة

يُشار إلى أن جزءاً من المشكلة يتعلق بطريقة تفكيرنا في سلاسل التوريد، فهي ليست في الحقيقة متشابهة من حيث كونها مسارات خطية بسيطة. وإذا كان الأمر كذلك فسيكون حل المشكلات أسهل، بل يمكن تصورها بشكل أكثر دقة كشبكات أو حتى سحابة، غير خطية مثل البحر نفسه. وفي جوهرها فإنّ سلسلة التوريد العالمية عبارة عن مجموعة من العقد المتميزة التي تعمل بسلاسة فقط إذا جرت مزامنتها.

لكن عندما يتعثر نظام "الوقت المناسب"، تخلق الترابطات غير العادية للشبكة -وهي قوة في العادة- مشكلات. ونظراً إلى أن كوفيد-19 جعل من الصعب إيصال القوى العاملة إلى الأرصفة لتفريغ السفن، فقد تفاقمت هذه المشكلات في كل أنحاء الشبكة. كما يعوق كوفيد تدفق البحارة من البر إلى البحر والعودة في ظل تطبيق الحجر الصحي الوطني وأنظمة الاختبار وإغلاق الحدود.

العمل الجماعي

فضلاً عن ذلك، لا تزال الأنظمة البحرية العالمية بحاجة إلى التكيف مع كل هذا، إذ يتعين على شركات الشحن الكبرى، مثل شركة "إيه بي مولر-ميرسك" (A.P. Moller-Maersk)، وشركة "ميديتيرينيان شيبينغ" (Mediterranean Shipping)، وشركة "تشاينا أوشن شيبينغ" (China Ocean Shipping)، وشركة "إيفرغرين مارين" (Evergreen Marine)، والمنظمات المرتبطة بها، مثل المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة، و"لويدز أوف لندن" (Lloyd’s of London)، تقييم الاختناقات بشكل جماعي. كما تحتاج الحكومات إلى المشاركة من خلال الوكالات المرتبطة بها، مثل الإدارة البحرية الأمريكية (ماراد). وهي في جوهرها وظيفة استخباراتية، إذ يمكن فقط من خلال تجميع مجموعات كبيرة من البيانات فهم مدى المشكلة، وبالتالي فإنّ الرئيس جو بايدن مُحِقّ في متابعة الحوار مع تجار التجزئة وقادة الأعمال الآخرين حول التدابير اللازمة لتحريك سلسلة التوريد.

(أنا عضو في مجلس إدارة مؤسسة "أوناسيس" (Onassis Foundation) اليونانية، التي تدير شركة شحن دولية كبيرة يقع مقرها في أوروبا، كما أُقدّم الاستشارات لشركة "كراولي ماريتايم" (Crowley Maritime) في الولايات المتحدة).

استغلال كل الإمكانيات

علاوةً على ذلك، يمكن للخبراء المسلحين بفكرة واضحة عن كيفية عمل الشبكة البحرية تطبيق الأدوات التحليلية المناسبة (بما في ذلك تقنيات الذكاء الصناعي الناشئة) لصياغة الحلول. وفي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، توجد حاجة إلى خطة لتحويل تسليم البضائع بعيداً عن المواني ذات الحمولة الزائدة إلى المنافذ غير المستغلة. كما يوجد في الولايات المتحدة عدد قليل من المواني العملاقة (فقط لوس أنجلوس ولونغ بيتش من بين أفضل 20 في العالم)، ولكنها تملك عديداً من المواني الأصغر حجماً (إرث من سواحلنا الواسعة وبنيتنا التحتية اللامركزية)، ومع ذلك يمكن أن يتحوّل هذا الضعف إلى قوة.

من المفيد أيضاً معرفة المكان الأفضل للاستثمار في تحسينات المواني. ونظراً إلى أن وزارة النقل الأمريكية تنفّذ تشريعات البنية التحتية التي جرى تمريرها مؤخراً، فيجب أن يكون هذا الجهد من الأولويات.

التطوير ضروري

على المدى الطويل، من المهم الاستثمار في الشحن العالمي، بدءاً من البحارة أنفسهم، إذ يعني هذا في الولايات المتحدة دعم الكليات البحرية التجارية، بما في ذلك أكاديمية البحرية التجارية الأمريكية في كينغز بوينت، نيويورك، والكليات البحرية الحكومية. كما يجب على الحكومات، بما في ذلك الولايات المتحدة أيضاً، دعم عمليات الشحن الآمنة بيئياً والتحسينات في تكنولوجيا المواني، بما في ذلك حاويات الشحن القابلة للطي، ورافعات التفريغ "الذكية"، والمستودعات المنبثقة للتعامل مع الفائض.

يُضاف إلى ذلك أنه جرى إلغاء تزامن النظام العالمي الحالي، ليس فقط بسبب نقص القوى العاملة الناجم عن كوفيد، وإنما أيضاً بسبب الطلب المتأخر غير العادي على السلع المعمرة، والبنية التحتية المتقادمة والمهملة، والاضطرابات المناخية الشديدة، إذ ستستغرق التأثيرات المجمعة عاماً حتى يمكن تجاوزها.

لسوء الحظ، وعلى الرغم من أنه ليس مفاجئاً، فإن لهذه المشكلة أيضاً جانباً جيوسياسياً. فالجدل حول أي بلد يدير ميناء أو قناة معينة يثبط تبادل المعلومات والاستخبارات. كما تؤدي المنافَسة بين الولايات المتحدة والصين أيضاً إلى تعقيد الجهود المبذولة لإعادة مزامنة نظام الشحن العالمي.

لا يزال الضغط على الشبكات البحرية يتزايد، ولا يوجد خيار آخر لنقل معظم البضائع في العالم، إذ سيكون التعاون الدولي بين الدول، والتنسيق بين الوكالات داخل البلدان، وقبل كل شيء وجود مستوى عالٍ من التكامل بين القطاعين العام والخاص، من العناصر الضرورية لحل الأزمات في النظام.