من قلب تكساس.. حلّ رعاة البقر لإحدى الأزمات الأفغانية

المصدر: أ.ف.ب
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت الفكرة باتصالات هاتفية عاجلة بين وكالات تابعة لـ"الأمم المتحدة" ومدير تنفيذي في قطاع الأعمال لم يتم الكشف عن اسمه في تكساس، وأدت إلى تدفق ثابت للعملة إلى أفغانستان، حيث الحاجة ماسّة إليها.

فقد ساعد رجل الأعمال في تكساس الذي يعمل كوسيط لواحد من أثرى رجالات أفغانستان، على تبديل مستودعات من عملة الأفغاني المحلية بالدولارات الأمريكية الموجودة في حسابات منظمات إنسانية دولية.

اقرأ أيضاً: ملايين يتضوّرون جوعاً.. ودبلوماسيون مرتبكون

لدى الجانبين حاجات متماثلة. فالشركات الأفغانية تخزّن كميات ضخمة من العملة الورقية لأنها لا تثق بالمصارف في ظل عملها المجمّد حالياً، في حين أن المنظمات الإنسانية في أمس الحاجة إلى الأموال من أجل دفع رواتب موظفيها وتوزيع المساعدات النقدية على السكان المهددين بالمجاعة. في المقابل، الدولارات الأمريكية ضرورية من أجل استيراد المواد الأساسية في ظلّ الانهيار الاقتصادي شبه الكامل، منذ أن استولت حركة طالبان على السلطة في 15 أغسطس الماضي.

اقرأ المزيد: تقرير: قيود طالبان على النساء العاملات ستكلف اقتصاد أفغانستان مليار دولار

قال غراييمي سميث، الاستشاري رفيع المستوى في "مجموعة الأزمات الدولية" الناشطة منذ ربع قرن في مجال تجنّب النزاعات، إن "هذه طريقة رعاة البقر في إدارة السيولة في البلاد، ولكن هذا كلّ ما هو متوافر لدينا، لم يسبق أن رأيت أي أمر مماثل". يقوم سميث الذي عمل في أفغانستان منذ عام 2005، بإعداد تقرير لصالح المنظمة حول حلول للأزمة الاقتصادية في أفغانستان، وهو على اتصال مع المدير التنفيذي في تكساس الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه فيما لا تزال المحادثات جارية.

الحاجة إلى العملة الخضراء

أفغانستان بحاجة إلى الدولارات. فبعد 20 عاماً على الاحتلال العسكري الأمريكي واستثمار المليارات في بناء الدولة، بات اقتصاد البلاد معتمداً بشدة على العملة الخضراء. وعلى الرغم من انسحاب القوات الأمريكية قبل أشهر، إلا أن الإدارة الأمريكية في واشنطن لا تزال ممسكة بزمام الأمور المالية. فنحو 9.4 مليار دولار من الاحتياطات الأفغانية محتجزة في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فيما تتمتع الولايات المتحدة بسطوة واسعة على المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين حجبا مواردهما المالية عن أفغانستان، من أجل تجنّب وصول الأموال إلى طالبان على حدّ قولهما.

إلا أن التعذّر المفاجئ في الوصول إلى الدولارات الأمريكية، يعني أن قطاعات الاستيراد الثلاثة الرئيسية، النفط والغذاء والمعدات قد تعطلت، في الوقت ذاته الذي انخفضت فيه درجات الحرارة إلى ما دون الصفر وتراجعت فيه الإمدادات الغذائية إلى مستويات خطرة. بالتالي، لا بدّ أن يحافظ طرف ما على استمرارية تصريف عملة الأفغاني إلى دولار بين الشركات الكبرى والمنظمات الإنسانية، إلى حين إزالة العقوبات، أو إلى حين تقرر المؤسسات المالية الدولية الإفراج عن الأموال لصالح أفغانستان.

كارثة وشيكة

سوف يسهم هذا التداول غير الرسمي للعملة في دعم شريحة صغيرة من الاقتصاد، إلا أنه بالطبع لن يحمي أفغانستان من الانزلاق إلى المجاعة بالكامل هذا الشتاء.

من المتوقع أن يتخذ البنك الدولي هذا الأسبوع قراره حول ما إذا كان سوف يفرج عن نحو 500 مليون دولار من أجل مساعدة السكان الذين يواجهون المجاعة الوشيكة، فيما كانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أن هذا المبلغ سوف يكون مخصصاً حصراً للقطاع الصحي. وبالتالي، سوف تتلقى العيادات بعض التمويل، إلا أنها سوف تمتلئ في الوقت الي تعمل فيه على تلبية احتياجات السكان المتضورين جوعاً. ولكن مهما يكن القرار، فمن الواضح أن المساعدات التي ترمى جواً أو توزيع المواد الغذائية على المستوى المجتمعي، لن تكون كافية من أجل تلبية حاجات دولة يتوقع أن تزلق كلّ الأسر فيها، ما عدا 3% منها إلى ما دون خط الفقر خلال الأشهر المقبلة. وقبل أيام فقط، طالب رئيس الوزراء بالوكالة الملا محمد حسن المجتمع الدولي بالمساعدة على تجنب حصول كارثة أسوأ.

لم ينبثق عن الاجتماعات التي عقدها مسؤولون من حركة طالبان مع وفدين منفصلين أمريكي وأوروبي في الدوحة الأسبوع الماضي، أي إعلان عن تقديم إغاثات فورية.

بعض التوصيات

من جانبه، أوصى الباحث الاقتصادي الإنمائي ويليام بيرد، الذي يشغل منصب كبير الخبراء حول أفغانستان في معهد السلام الأمريكي، بتبني سلسلة من الإجراءات من أجل إتاحة استيراد المواد الغذائية وغيرها من المواد الأساسية، بالإضافة إلى تمكين الائتمان التجاري والتعاملات المصرفية في ما خصّ بعض السلع، حيث العديد منها مدعوم حالياً بموجب أحكام الإعفاء من العقوبات. ويقترح بيرد تسهيل تحويل الأموال إلى المصارف الأفغانية الخاصة حسنة السمعة، وإتاحة المجال أمام حركة الاستيراد التجاري للسلع المعفاة من العقوبات وتوفير الأموال النقدية من أجل توزيعها وإنفاق أموال المساعدات، إلى جانب الإفراج عن بعض احتياطات النقد الأجنبي لصالح المصرف المركزي الأفغاني كي يضخها في المصارف المحلية.

لكن الأمر ليس ببساطة اعتماد حلّ التفافي تقني لضمان عدم وصول الأموال إلى طالبان. وقال سميث إن على الولايات المتحدة أن "تتقبل الواقع المرير بأن طالبان قد انتصرت"، وأضاف: "الأمر لا يشكل تحدياً تقنياً، بل تحدياً عاطفياً. فمعظم أولئك المسؤولين قضوا حياتهم المهنية في مقاتلة طالبان، وآخر ما يريدونه هو أن يتم النظر إليهم على أنهم داعمون لهذه الحكومة".

كان قادة المجتمع المدني في أفغانستان من أمثال شهرزاد أكبر، رئيسة لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة التي تقيم اليوم في المنفى، قد حذروا منذ أشهر من الانهيار الوشيك للاقتصاد الأفغاني والأزمة الإنسانية التي قد تنجم عنه.

غياب الإرادة

قالت أكبر: "إن الوضع الاقتصادي المتردي في أفغانستان ليس نتيجة الافتقار إلى الحلول، فتقديم المساعدات الإغاثية لا يتطلب منح شرعية لطالبان، ولكن الحالة البائسة الحالية هي نتيجة الافتقار إلى الإرادة السياسية والشجاعة والتعاطف لدى صانعي السياسة الأمريكيين ولدى طالبان".

أشارت أكبر إلى أن طالبان هي الأخرى قادرة على التحرك، فهي تدرك ما عليها القيام به من أجل تأمين الأموال، ولكنها ليست مستعدة للقيام بذلك، وهي تفضل أن تترك السكان يموتون جوعاً على أن تفتح مدارس الفتيات أو أن تتوقف عن تعيين أسماء مدرجة على قوائم الولايات المتحدة والأمم المتحدة في مناصب حكومية أساسية.

لنأمل أن يكون هناك بعض المسؤولين الأمريكيين من أصحاب الذاكرة الطويلة الذين لا يزالون في السلطة، ويتذكرون ما حصل في الصومال بين عامي 2010 و2011، حين كانت البلاد تعاني من الجفاف في خضم التمرّد الذي كانت تقوده حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة. في حينها، حذّرت المنظمات الإغاثية من أنه في حال عدم اتخاذ خطوات عاجلة، بما يشمل رفع العقوبات الأمريكية، فإن البلاد سوف تعاني من المجاعة. إلا أن العقوبات لم ترفع، وبالفعل انزلقت البلاد إلى المجاعة.

عادت إدارة أوباما ورفعت العقوبات بعد فترة وجيزة، ولكن بعد أن فقد الآلاف حياتهم، وفي نهاية المطاف أدت المجاعة إلى وفاة نحو 260 ألف شخص.

للأسف، العلاقة بين الولايات المتحدة وأفغانستان معتلة لدرجة أن الحلول المبتكرة حالياً، مثل الحلّ القادم من تكساس، يبدو أكثر نجاحاً من الحلول الرسمية. وهذا ليس قابلاً للاستدامة في بلد على شفير الهاوية.