لماذا لا يُقبل مشترو المنازل في أوروبا على القروض الخضراء؟

تكاليف التوافق مع معايير الحصول على القروض الخضراء مرتفعة وتنفر ملاك المنازل من الإقبال عليها
تكاليف التوافق مع معايير الحصول على القروض الخضراء مرتفعة وتنفر ملاك المنازل من الإقبال عليها المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت أولويات جوناثان ويليامز في وقت تطلعه لشراء أول شقة له في مدينة لندن خلال العام الحالي هي توافر حديقة وغرفتي نوم ووسائل مواصلات لمحطة قطار.

لم يكن من بين هذه الأولويات تحقيق كفاءة استهلاك الطاقة، وكانت تكلفة إجراء تحسينات بهدف التمتع بخفض في تكاليف الاقتراض عبر الرهون العقارية الخضراء هائلة.

قال ويليامز، الذي يبلغ من العمر 33 عاماً ويعمل في قطاع النقل: "سأحتاج 100 سنة لكي أسدد قيمة ذلك الاستثمار - وهو ما يكشف فعلاً عن أن الرهون العقارية الخضراء لا تُعتبر من بين الخيارات".

وأضاف: "في حال وقعت بين خياري شراء سيارة كهربائية وسيارة بنزين، فستقوم باختيار السيارة الكهربائية. بيد أنه ليس بتلك السهولة بالنسبة للرهون العقارية".

بريطانيا تستهين بتكلفة جعل المنازل صديقة للمناخ

تعد تلك هي المعضلة التي تعرقل انطلاقة الرهون العقارية الخضراء في أوروبا. يعتبر ذلك النوع من القروض بمثابة تعطل نادر الحدوث في سوق الديون الأخلاقية الذي انطلق ليحقق مستويات قياسية خلال العام الحالي مع تصدر التغير المناخي لقمة جدول الأعمال السياسي وعلى صعيد الشركات.

لا يعود سبب ذلك لنقص في الجهود المبذولة من قبل البنوك على غرار بنوك "ايه بي إن أمرو بنك"، "يوني كريديت"، وبنك "سويد بنك"، التي تقوم بعملية تسويق للقروض الخضراء وسط مشتري المنازل.

نظرياً، الوضع جيد حيث تأتي شركات التطوير العقاري ضمن أكبر مُصدري السندات المستدامة، وخيارات المستهلك الأكثر مراعاة لمعايير البيئة على غرار السيارات الكهربائية وشركات التغذية النباتية على نحو متنامٍ.

رغم نهاية الإعفاء الضريبي .. ارتفاع أسعار المنازل في بريطانيا أكثر من المتوقع

متطلبات صعبة

قال لوكا بيرتالوت، الأمين العام لاتحاد الرهن العقاري الأوروبي، وهو عبارة عن رابطة تجارية تعبر عن شركات إقراض الرهن العقاري في أوروبا: "لم يبلغ الطلب الكبير على ديون الرهن العقاري إلى هذا المجال للأسف". تابع "توجد فرصة لإرشاد السوق بالتوجه نحو عالم أكثر استدامة. يعتبر تحقيق ذلك بمثابة ثورة وليست مجرد عملية تمتد ليوم واحد".

يستلزم الحصول على تلك القروض العقارية وجود تصنيف من حيث أداء الطاقة من المستوى "أيه" أو "بي"، رغم تباين هذه الشهادات من دولة لأخرى. مثلاً في بلجيكا فقط، يوجد 3 أنظمة إقليمية متفاوتة.

يحتاج الحصول على أقل تصنيف القيام بتحسينات، على غرار توافر الألواح الشمسية وعزل الجدران، من أجل الوصول لسعر فائدة مخصص للقروض الخضراء والذي من الممكن أن يكون أقل بحوالي 15 نقطة أساس بالنسبة للمقترضين.

ورغم ذلك، كانت عمليات الشراء محدودة للغاية على ما يبدو حتى أن البنوك لم تعلن عن عدد الرهون العقارية المقدمة فعلاً. رفضت كافة شركات الإقراض التي تواصلت معها "بلومبرغ نيوز" إعطاء عدد محدد. على صعيد المملكة المتحدة، لم تتوافر لدى كل من الرابطة المالية وبنك إنجلترا المركزي البيانات.

أغلى عشر مدن في العالم رهناً

عقارات قديمة

حصل ذلك المجال على تغطية محدودة من القروض المالية بطريقة مثيرة للدهشة، وذلك مع تحمل المباني بمفردها لمسؤولية بث 40% تقريباً من الانبعاثات الكربونية حول العالم.

تعتبر أيضاً القروض العقارية الخضراء مستوى قادماً محتملاً بالنسبة للنمو المستدام على صعيد أصول البنوك، التي تواجه ضغوطات لجعل ميزانيات قروضها نظيفة من التلوث.

تقوم مؤسسة "فاني ماي" وهي شركة كبيرة في الولايات المتحدة فعلا، بشراء قروض عقارية صديقة للبيئة من مجموعة من شركات الإقراض ومن ثم تقوم بتحويلها إلى أوراق مالية مدعومة بالرهون العقارية مخصصة لتمويل المباني ذات الأغراض السكنية. يتطلب الأمر من مالكي العقارات الالتزام بالتحسين من كفاءة استهلاك كل من الطاقة والمياه من أجل أن يكونوا مؤهلين للحصول على قرض أخضر.

يوجد فرق واحد هو أن تلك المباني أكثر حداثة في الأغلب، بينما العقارات في أوروبا أكثر قدماً. بحسب تقدير خاص بالمفوضية الأوروبية فإنه يوجد 85% من المنازل في القارة جرى بناؤها قبل سنة 2001 وأن ​​ما يقرب من 95% من المباني القائمة ستكون موجودة حتى سنة 2050. ويعتبر ذلك بمثابة عقبة في طريق تحقيق هدف التكتل الأوروبي بالوصول إلى نسبة انبعاثات صفرية مع حلول هذا الوقت.

تكلفة مرتفعة

في النهاية قام ويليامز بشراء شقة يرجع تاريخ تشييدها إلى العصر الفيكتوري، والتي جرى بناؤها في القرن التاسع عشر على غرار كثير منها في كافة أنحاء بريطانيا، ووصلت تقديرات تكلفة تحسين كفاءتها على صعيد استهلاك الطاقة إلى 15 ألف جنيه إسترليني (أي ما يعادل 20 ألف دولار). هذا لا يعني عدم وجود اهتمام لديه بالمناخ – حيث استقل القطار للسفر إلى سويسرا خلال العطلة عوضاً عن السفر عبر رحلات الطيران - بيد أن وصوله لتصنيف "بي" لم يكن في الإمكان.

تنتشر تلك الشكوى. بينت نتائج استطلاع للرأي جرى حديثاً حول العقارات في المملكة المتحدة أن 85% ممن شاركوا فيه قالوا إن التكلفة من معوقات القيام بتحسينات كفاءة استهلاك الطاقة.

لم يحقق توفير الحكومة لحوافز نجاحاً إلى حد الآن، حيث جرى سحب برنامج الدعم الذي كان يقدم 10 آلاف جنيه إسترليني لتدعيم عمليات عزل المبني وتطبيق نظام التدفئة منخفضة الكربون في شهر أبريل الماضي، وذلك عقب مرور 6 شهور فقط على انطلاقه.

أمن الطاقة

تعهدت حكومة بوريس جونسون المنتمية لحزب المحافظين بإجراء ترقيات لأكبر عدد ممكن من المنازل التي تعاني من نقص الوقود في إنجلترا "بالقدر الذي يمكن تطبيقه عملياً" للوصول إلى تصنيف كفاءة استهلاك طاقة من الفئة "سي" مع حلول عام 2030.

وصعد أقل من نصف عدد المنازل القابل للتطبيق في إنجلترا إلى ذلك المستوى في سنة 2019، بحسب مؤسسة "ناشيونال إنرجي أكشن" للأعمال الخيرية. هذا النوع من الترقي على صعيد أمن الطاقة سيسفر أيضاً عن تقوية العقارات من منظور الشركة المقرضة.

قالت مجموعة "يو بي اس" في تقرير صدر حديثاً لها عن الديون الخضراء: "يتعين خفض تكاليف المرافق للمنزل الأخضر، كما أنه من المفترض أن تبقى قيمته أفضل مع مرور الوقت، وهو ما يجعل منه أحد الأصول منخفضة الخطورة الاستثمارية".

على صعيد الولايات المتحدة، التي تعرَّضت لأضرار من قبل حرائق الغابات والفيضانات المدمرة خلال السنة الحالية، توجد لديها خطط لدمج المخاطر المتعلقة بالمناخ في عمليات الاكتتاب الخاصة بالرهون العقارية.

على الصعيد الأوروبي، يُعتبر المقرض الهولندي "إيه بي إن أمرو" من أوائل الشركات التي قامت بتوفير قروض عقارية يجري وصفها بالخضراء، وذلك مع بداية سنة 2017.

قالت كاريسا كاردون، خبيرة استراتيجية الاستدامة والرهون العقارية، إنه لديها محفظة استثمارية مكونة من منتجات مالية تتضمن تقديم خصومات بمقدار 10 نقاط أساس للعملاء الذين حصلوا على سجل طاقة من المستوى "بي" في مقابل 15 نقطة أساس لمن يمتلكون سجلاً من المستوى "إيه" أو توجد لديهم إمكانية للوصول إليها خلال سنتين.

وأشارت كاردون إلى أن ما يزيد على 25% من الرهون العقارية في ميزانية بنك "إيه بي إن" تتمتع بتصنيف طاقة من المستوى "أيه" حتى شهر أكتوبر من العام الجاري. ورغم ذلك، ما يزال عدد العملاء غير معلوم ممن سيقومون بالالتزام بالترقية ليكونوا أصدقاء للبيئة.

أوضحت قائلة: "المنتج المالي الخاص بإعادة تأهيل المباني القديمة في الوقت الراهن لا يعتبر ناجحاً من الناحية التجارية حتى الآن، ويعود هذا جزئياً إلى طبيعة السلوك الخاص بالمستهلك". تابعت: "تتعرض غالبية البنوك لتحديات مشابهة".