لكي نستعيد حياتنا الطبيعية.. علينا أن نتعايش مع كورونا

المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد مضي عامين على تفشي وباء كورونا، يثبت ظهور سلالة جديدة أنَّ الفيروس باق معنا. بالتالي؛ على العالم أن يعدّ استراتيجيات بعيدة المدى تمكّنه من التعايش مع سلالات "دلتا"، و"أوميكرون"، وغيرها من السلالات التي سوف تأتي لاحقاً.

في الوقت الذي تعيد فيه الحكومات فتح الاقتصادات بوتيرة متفاوتة؛ ثمّة أمور يمكن للأفراد والشركات القيام بها من أجل العودة الحذرة إلى نوع من الحياة الطبيعية. ويمكن لتغييرات بسيطة، ولكن دائمة في طريقة عيش البشر وعملهم، أن تسهم في الحد من المخاطر.

اقرأ أيضاً: عقار "ميرك" المضاد لـ"كوفيد" يأتي في توقيت مناسب لمكافحة "أوميكرون"

قال بنجامين كولينغ، أستاذ علم الأوبئة في جامعة هونغ كونغ: "حتى الآن، كانت الحكومات مسؤولة عن سلوكيات السكان، ولكن لا أعتقد أنَّها ستتدخل كثيراً بعد الآن، فالأمر بدأ يتحول إلى خيار شخصي".

لم يتضح بعد ما إذا كانت سلالة "أوميكرون" قادرة على تخطي الحماية التي يمنحها اللقاح، إلا أنَّها تسلط الضوء على خطر الاعتماد على اللقاحات وحدها من أجل عودة آمنة إلى الحياة الطبيعية. وفيما يستحيل حالياً القضاء على الفيروس في معظم أرجاء العالم؛ يمكن لبعض التغييرات في العادات الفردية والمساحات المشتركة أن تساعد في التخفيف من وتيرة تفشي الفيروس، والمحافظة على سلامة المجموعات الأكثر عرضة للخطر.

اقرأ المزيد: المملكة المتحدة تدافع عن اختبارات "كوفيد-19" الجديدة وتعتبرها نهجاً متوازناً

إليكم بعض الأفكار المستوحاة من خبراء الصحة والممارسات المعتمدة في أماكن مختلفة حول العالم:

1. تركيز جديد على جودة الهواء

سوف تستمر القطرات الدقيقة جداً، والجزيئيات الحاملة للفيروس في الانتشار والتراكم في الهواء ضمن المساحات المغلقة، مما يستدعي تحسين مستويات الأمان في المكاتب، والمطاعم، والمدارس، والحافلات، والقطارات.

قالت ليديا موراوسكا، مديرة المختبر الدولي لجودة الهواء والصحة في جامعة التكنولوجيا في كوينزلاند، إنَّ الهواء الذي يخضع لإعادة التدوير في المباني، يجب أن يمرّ عبر فلاتر تقوم بإزالة الجزئيات، وربما الفيروسات أيضاً.

في المطاعم، يرتفع خطر انتقال العدوى عند تشغيل مكيفات الهواء قبل القيام بالتهوية عندما يزيل رواد المطعم الكمامات كي يأكلوا. وأوصت موراوسكا بتركيب عداد لثاني أكسيد الكربون على جدار كلِّ مساحة عامة.

تشمل الإجراءات السهلة الممكن اتخاذها تركيب أجهزة مراقبة ثاني أكسيد الكربون لتحديد الأماكن التي لاتتعرض للهواء بشكل جيد، وفتح النوافذ والأبواب، وتشغيل المراوح من أجل إزالة القطرات المحملة بالفيروس في الأماكن الداخلية. إلا أنَّ الجزء الصعب يكمن في فرض معايير وطنية شاملة توجب أن يكون كلّ مبنى مجهزاً بنظام تهوية مناسب يمتثل إلى المعايير المحددة. ولفتت موراوسكا إلى ألمانيا التي بدأت بمعالجة المخاطر المتعلقة بجودة الهواء في وقت مبكر، إذ أعلنت الحكومة في أكتوبر عام 2020 أنَّها سوف تستثمر 500 مليون يورو (565 مليون دولار) في تحسين أنظمة التهوية في المباني العامة مثل المكاتب والمتاحف والمسارح والمدارس.

كذلك، تقوم الأسر الحريصة على الصحة في بعض الدول الآسيوية التي تواجه مشكلات تلوث مزمنة ومتكررة، باستخدام فلاتر "هيبا" (Hepa)، وغيرها من أدوات تنظيف الهواء منذ ما قبل الوباء، وبالتالي؛ فإنَّ وباء "كورونا" يضيف سبباً ملحاً آخر لمعالجة مشكلة جودة الهواء.

2. الاعتياد على الاختبارات زهيدة الثمن والسريعة والمتكررة

تعدُّ فحوص كورونا السريعة المنزلية أساسية من أجل استئناف الحياة الطبيعية والأنشطة الاقتصادية، إلا أنَّ تكلفتها تختلف من دولة إلى أخرى. ففي الولايات المتحدة، يبدأ سعرها من 14 دولاراً لعلبة تحتوي على اختبارين، هذا إذا تمكنت من إيجادها، في حين تتوفر مجاناً في المملكة المتحدة.

قال كينجي شيبويا، أخصائي الأمراض الوبائية ومدير البحوث في مؤسسة طوكيو لبحوث السياسات، إنَّ "المشكلة الأكبر المتعلقة بـ"كوفيد-19" تتمثل بانتقاله في الهواء من أشخاص لا تظهر عليهم أي عوارض". وأضاف: "يمكن لنتيجة الاختبار السلبية أن تعطيك دليلاً علمياً أنَّك لست معدياً، ويمكنك أن تكمل حياتك بشكل طبيعي".

توصي هيئة الخدمات الصحية البريطانية بإجراء اختبار كورونا السريع مرتين في الأسبوع، على أن يعزل المريض نفسه في حال كانت النتيجة إيجابية. وقد أطلقت حملة في وقت سابق من هذا العام لتوفير اختبارات سريعة في أرجاء البلاد كافةً. وبدورها، أعادت ألمانيا توزيع الاختبارات المجانية في كل المواقع المنتشرة في أنحاء المدن. كما يمكن شراء هذه الاختبارات مقابل 2.30 يورو، مع العلم أنَّها كانت أرخص من ذلك من قبل.

لفت شيبوا إلى القاعدة المدروسة جيداً، التي تطبقها سنغافورة، وهي تقضي بتلقي اللقاح، وإلا سيتم الخضوع بانتظام لاختبارات كورونا. فبعد أن وفّرت الدولة الملايين من اختبارات الأجسام المضادة للأسر، سوف تفرض على الموظفين المؤهلين صحياً أن يتلقوا اللقاح، أو سيتم إخضاعهم للفحوصات على حسابهم الخاص ابتداء من العام المقبل. وقد طُلب من تلامذة المدارس الابتدائية أن يخضعوا لاختبار الأجسام المضادة السريع مرّة كلّ أسبوعين.

3. الأقنعة الطبية سوف تصبح جزءاً دائماً من الحياة، بشكل من الأشكال

يتوجب الاعتياد على ارتداء الأقنعة الطبية في الأماكن الداخلية، وحتى في المساحات الخارجية المكتظة. وقد يعني ذلك ارتداء الأقنعة الطبية في فصل الشتاء، وعلى متن وسائل النقل العام والطائرات.

يخفّض ارتداء القناع الطبي خطر الإصابة بفيروس كورونا لأكثر من النصف، بحسب مراجعة لثماني دراسات نشرت في الدورية الطبية البريطانية.

بحسب توصيات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة؛ يجب على كلّ الأشخاص من عمر سنتين وما فوق من غير الملقحين بالكامل أن يرتدوا أقنعة طبية في الأماكن الداخلية. وتنصح منظمة الصحة العالمية الأشخاص الذين لا يمكنهم تفادي الأماكن المغلقة باتخاذ إجراء احترازي إضافي بارتداء الأقنعة الطبية، وفتح النوافذ لتحسين تهوية المكان.

أمّا الأشخاص القلقون حيال الأثر البيئي لمليارات الأقنعة الطبية التي يتم استخدامها ثمّ رميها، فثمة خيارات أخرى متوفرة، إذ تبذل العلامات التجارية حول العالم الجهد من أجل ابتكار أقنعة قابلة لإعادة الاستخدام، وهي مصنوعة من القطن، والمواد المستدامة الأخرى.

4. الحد من الاكتظاظ في مكان العمل وعلى متن وسائل النقل

لا تهدف إتاحة إمكانية العمل من المنزل إلى المحافظة على السعادة النفسية للموظفين فحسب؛ بل وتسهم أيضاً في التخفيف من المخاطر الصحية. كذلك؛ فإنَّ تراجع أعداد الأشخاص الذين يتنقلون على متن القطارات والحافلات في ساعة الذروة بفضل تبني الموظفين لنماذج عمل هجينة، سوف يخفّض الاكتظاظ على امتداد اليوم.

يمكن تقليص خطر انتقال العدوى في الهواء بنسبة أربعة أضعاف في حال خفض عدد الموظفين الموجودين داخل المكتب إلى النصف، بحسب نموذج أعدَّه علماء، بينهم بول ليندن من جامعة كامبردج. فمن المستبعد أن يعدي الأشخاص العاملون في داخل مكاتب هادئة، و تتعرض للتهوية جيداً بعضهم بواسطة الجزئيات المنقولة في الهواء، إلا أنَّ الخطر يتضاعف إذا كان المكان سيئ التهوية، وإذا كان الأشخاص يقومون بأنشطة تتطلب الكثير من الكلام، بحسب الدراسة المنشورة في دورية "البيئة الداخلية والمبنية".

قال الخبراء، إنَّه يمكن لبعض الإجراءات المتخذة داخل المكاتب أو المدارس، مثل إبعاد المكاتب عن بعضها، والتخفيف من الاكتظاظ في غرف الاجتماعات، وارتداء الأقنعة الطبية خلال الحديث أن يساعد على الحد من انتشار الفيروس.

يتعين على الركاب على متن القطارات والحافلات، أن يرتدوا الأقنعة الطبية، ويستحسن ألا يتكلموا مع بعضهم، وهذا إجراء كانت قد طبّقته سنغافورة منذ بداية الوباء، وهو ثقافة متبعة في اليابان خلال موسم الإنفلونزا، أو غبار الطّلع منذ ما قبل كورونا.

5. لا بأس من الخوف من الجراثيم

لا شكّ في أنَّ غسل اليدين بشكل متكرر ما يزال أحد أفضل الوسائل التي تحمي من الإصابة بالمرض، بحسب مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، الذي يوصي بفرك اليدين بالصابون لمدة 20 ثانية على الأقل، بالأخص بعد الوجود في مكان عام، أو بعد العطس أو السعال.

في حال تعذّر الوصول إلى الصابون والمياه، يمكن استخدام معقم اليدين الذي يحتوي على نسبة 60% من الكحول على الأقل بحسب توصيات المركز. الفرق أنَّ غسيل اليدين يقضي على أنواع الجراثيم كافةً، في حين تقضي المعقمات على بعض الأنواع المحددة فقط من الجراثيم الموجودة على الجلد.

تنتشر اليوم عبوات معقمات اليدين في المدارس، والمباني المكتبية، ومراكز التسوق، والمطاعم في مدن مثل سنغافورة وطوكيو، ويمكن لهذه الظاهرة أن تصبح دائمة بعد أن باتت مترسخة جيداً. كذلك، توفر بعض المكاتب الكثير من المناديل المعقمة لموظفيها، بالإضافة إلى الورق المشمع لحنفيات المياه، والطلاء المضاد للبكتيريا لمسكات الأبواب.

أمّا المطاعم التي تقدم خدمة البوفيه مثلاً؛ فقد خصص بعضهم أماكن لغسل اليدين عند المدخل.