تداعيات "كورونا" تُصيب القطاع الخاص في مصر رغم بوادر تعافي الاقتصاد

حركة المرور على جسر فوق نهر النيل في القاهرة، مصر
حركة المرور على جسر فوق نهر النيل في القاهرة، مصر المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مازالت شركات القطاع الخاص في مصر تعاني من تداعيات أزمة كورونا، لاسيما لناحية ارتفاع أسعار السلع العالمية وعدم توافر بعض مدخلات الإنتاج، إلى جانب المنافسة الشرسة من الشركات الحكومية. لكن مسؤولين مصريين أكدوا في وقت سابق من هذا الاسبوع أن الحكومة تعمل على عدة حوافز لتنشيط القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة.

بحسب مؤشر مديري المشتريات "PMI"، سجل نشاط القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشاً للشهر الثاني عشر على التوالي في نوفمبر مع ارتفاع الضغوط التضخمية، كما استمر الارتفاع الحاد في تكاليف الأعمال في رفع أسعار البيع وخفض الطلب.

"مؤشر مديري المشتريات هو جزء من قصة الاقتصاد المصري وليس القصة كاملةً، فهو لا يعكس كل قطاعات الاقتصاد بل قطاعات محددة فقط. ومعدلات النمو تعكس أن الاقتصاد بدأ يتعافى من أزمة فيروس كورونا، ولكنه لم يسترد كامل عافيته بعد. كذلك، يجب أن نقرأ الأرقام السنوية لعام 2021 بحذر بسبب الوضع الاستثنائي لسنة الأساس، أي 2020"، بحسب منى بدير، كبيرة الاقتصاديين في "برايم" المالية.

في حين يقول آلن سانديب، رئيس البحوث في "نعيم" المصرية: "نحن لا نهتم كثيراً ببيانات مؤشر مديري المشتريات. وعلى عكس ما تضمنه، نرى تسارع النمو في مصر بدعم من قطاع الصناعات التحويلية".

وقفز الاقتصاد المصري بنحو 7.7% في الربع الأخير من 2020-2021، مقابل انكماش 1.7% قبل عام. وارتفع بنحو 9.8% في الربع الأول من 2021-2022، مقابل 0.7% قبل عام. وتتوقع الحكومة المصرية ارتفاع معدل النمو الاقتصادي إلى 5.6% للسنة المالية الحالية، من نحو 3.3% قبل عام.

ووفق آية زهير، نائب رئيس البحوث في "زيلا كابيتال"، فإن "أرقام النمو الاقتصادي التي نشهدها غير مسبوقة، بسبب سنة الأساس الاستثنائية (2020 عام كورونا)، وتظهر تعافياً جيداً لكن لن يستمر في السنوات المقبلة".

اقرأ المزيد: الاقتصاد المصري يسجل أعلى معدل نمو فصلي في 20 عاماً

دور القطاع الخاص

القطاع الخاص في مصر غير متاح له الاضطلاع بدور أكبر في الاقتصاد، رغم الإصلاحات النشطة للاقتصاد الكلي على مدار السنوات الأربع الماضية، بحسب تقرير للبنك الدولي في ديسمبر الماضي، والذي أوصى بتشكيل لجنة تضم ممثلين من القطاعين العام والخاص لدفع الإصلاح التنظيمي.

لكن وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط شدّدت، خلال مؤتمر اقتصادي في القاهرة بوقت سابق من هذا الشهر، على أن "تحفيز القطاع الخاص أحد أهم محاور الحكومة المصرية للفترة الحالية والمقبلة، من خلال زيادة حجمه وتوسيع مساحة عمله عبر إصلاحات تشريعية وتنفيذية".

لا توجد أرقام دقيقة في مصر عن حجم مشاركة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، إلاّ أن وزير المالية محمد معيط أكد في تصريح خلال أكتوبر على تطلع حكومته لرفع مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي إلى 50% خلال 3 سنوات مقبلة، دون أن يوضح كم تبلغ النسبة الحالية.

بينما أشار أحمد كجوك، نائب وزير المالية المصري، خلال مشاركته بمؤتمر اقتصادي هذا الأسبوع، إلى أن حكومته تركز على إتاحة "دور أكبر للقطاع الخاص"، وهو ما يظهر من خلال دعم الصادرات وصرف نحو 30 مليار جنيه للشركات خلال آخر 20 شهراً، بما يمثل دفعة قوية لناحية توفير سيولة لأنشطتهم.

اقرأ المزيد: مصر تستهدف رفع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد إلى 50% في 3 سنوات

الاستثمارات الحكومية

يشكو بعض رجال الأعمال في مصر من عدم قدرتهم على منافسة الشركات الحكومية في البلاد بظل تمتعها بالعديد من المزايا والحوافز. ومنذ أن تولى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حكم البلاد في 2014، أطلق مشاريع قومية ضخمة للبنية التحتية على رأسها العاصمة الإدارية الجديدة.

غير أن منى بدير تقول: "دعونا لا ننسى أن الاستثمارات الحكومية كانت عنصراً حاسماً في دعم النمو الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية".

وبرأي الملياردير المصري نجيب ساويرس، بمقابلة صحفية في نوفمبر، فإن الدولة "يجب أن تكون جهة تنظيمية، وليست مالكة للنشاط الاقتصادي. في مصر المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة منذ البداية، فالشركات المملوكة للحكومة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو جمارك".

ساويرس، البالغ من العمر 67 عاماً، يُعدُّ أحد أكبر أغنياء القارة الأفريقية وثاني أثرياء مصر بعد شقيقه ناصف، بثروة تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار.

وتعليقاً على تراجع أداء النشاط الخاص غير النفطي في مصر، نوّه أحمد عطا، المدير العام للشركة السعودية المصرية للاستثمارات الصناعية، وهي شركة لإدارة الاستثمارات والاستثمار المباشر، بأن مجموعته لديها 4 شركات تابعة، "وشهدت تحسناً كبيراً خلال الفترة الأخيرة". مُضيفاً: "لا أرى تراجعاً في النشاط. لدينا في مصر نمو اقتصادي حقيقي، وهذا ما أراه في شركاتنا على الأقل".

اقرأ المزيد: نجيب ساويرس: الشركات الحكومية والتابعة للجيش تزاحم القطاع الخاص في مصر

انسحاب تدريجي للقطاع العام

يَعتبر شريف سامي، الرئيس السابق لهيئة الرقابة المالية في مصر، أن أرقام النمو الاقتصادي جيدة، لكن مُكوّن الأرقام يحتاج إلى التنويع بشكل أكبر، لكي يمس مختلف أوجه النشاط الاقتصادي. ويؤكد أن "بعض القطاعات لم تسترد عافيتها بعد بسبب التضخم وقلة العرض".

تراجع التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية إلى 6.3% في أكتوبر، مقارنة مع 6.6% في سبتمبر، غير أنَّ التضخم الشهري ارتفع إلى 1.5% في أكتوبر، من 1.1% في سبتمبر، نتيجة لزيادة أسعار الطعام والمشروبات، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وتتوقع منى بدير أن يحمل عام 2022 "المزيد من إمكانات التعافي للقطاع الخاص، حيث تخطط الدولة للمضي قدماً في برنامج الإصلاح الهيكلي من أجل تعزيز المكانة التنافسية للقطاع الخاص لقيادة النمو. وسيأتي ذلك من خلال انسحاب الدولة من قطاعات معينة، وقيام شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص في قطاعات أخرى".