الطريق الطويل والمتعرّج للشركات الخضراء الناشئة

مادلين وايت، مؤسِّسة شركة "جوني كوزماتيكس" لمستحضرات التجميل
مادلين وايت، مؤسِّسة شركة "جوني كوزماتيكس" لمستحضرات التجميل المصدر: "جوني كوزماتيكس"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قضى غريغ بيلي معظم حياته شخصاً راشداً في تحقيق الأهداف الخضراء. بعد حصوله على درجة علمية في الحفاظ على الموارد البحرية والعمل في الزراعة المستدامة، قرر في عام 2006 افتتاح شركة "ستراود بريوري" (Stroud Brewery)، وهي شركة منتجة للمزر الفاتح الهندي العضوي (organic IPAs) والجعة والأنواع الغريبة مثل الجعة الشاحبة المليئة بالزهور المعتقة.

كان الحصول على أوراق اعتماد صديقة للبيئة لمشروعه، الواقع على بُعد بضع ساعات غرب لندن، المهمة الأصعب بالنسبة إلى بيلي، الذي قضى ليالي طويلة يفكر باستمرار في البيانات المتعلقة بمصدر المواد الخام ومعدل استهلاك الطاقة في عملياته. ويقول إن "الأمر كان إلى حد كبير بمثابة تمرين دام لستة أشهر".

اقرأ أيضاً: الاتحاد الأوروبي يستهدف السلع الأساسية في حملة لمنع إزالة الغابات

يمكن للشركة، التي تخضع مطالبها الخضراء للفحص ثم الاعتماد من قِبل منظمة موثوق بها، اكتساب ميزة تنافسية مع تزايد قلق المستهلكين بشأن التأثير البيئي لمشترياتهم.

بالنسبة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تناضل لإيجاد الموارد أو الوقت أو المهارات اللازمة للتغلب على العمليات البيروقراطية المعقدة، فإن كثافة العملية قد تكون هائلة، وقد تكون التكاليف باهظة أيضاً. والجدير بالذكر أن 11% فقط من الشركات الصغيرة في المملكة المتحدة تقيس تأثيرها الكربوني، حسب مسح أجرته غرف التجارة البريطانية في يوليو.

اقرأ المزيد: لا تدفعوا الشركات القذرة بيئياً إلى البحث عن تمويلات الظل

الحصول على الاعتراف

كان هدف بيلي هو الاعتراف بشركته "ستراود بريوري" من قِبل "بي كوربريشن" (B Corporation)، التي تعتبر شهادتها الخاصة بالاستدامة بمثابة المعيار الذهبي العالمي للشركات التي لا تعمل في قطاع أخضر واضح. ويوجد في المملكة المتحدة أكثر من 500 شركة من الشركات المعترف بها من "بي كورب"، من بينها نحو 41% لديها أقل من 10 موظفين، حسب المنظمة.

بعد نجاحه في الحصول على شهادة "بي كورب"، ينصح بيلي الشركات بالتفكير في جعل ممارساتها أكثر ملاءمة للمناخ، حتى تستطيع اللجوء إلى الهيئات الصناعية ومراكز الشبكات من أجل الحصول على الدعم.

في المملكة المتحدة، هذه الخطوات المتبعة للتحوّل نحو الأساليب الخضراء يمكن أن تشمل برنامج النمو الأخضر التابعة لمجموعة التصنيع "صنع في بريطانيا" (Made in Britain)، والوثيقة البيضاء لاتحاد الصناعات البريطانية (Confederation of British Industry) المتعلقة بالتكيف مع صافي الانبعاثات الصفرية، والدورة التدريبية لصافي الانبعاثات الصفرية التابعة للمؤسسة الخيرية "هارت أوف ذا سيتي" (Heart of the City charity).

بشكل عام، من الصعب قياس الأثر البيئي للشركات الصغيرة والمتوسطة، حتى مع وجود الموارد الناشئة، لأن التصنيفات المعيارية أو قواعد الإفصاح غالباً ما تكون غير مناسبة لنماذج أعمالها. ولن تكون الصعوبات المتعلقة بالبيانات أكثر إلحاحاً إلا في ظل قيام الحكومات بتحفيز الشركات الصغيرة والمتوسطة على تقديم تعهدات صفرية صافية.

يقول جيمس فاكارو، رئيس قسم الاستشارات المعني بالاستدامة لدى "ري: باترن" (Re: Pattern) ومستشار صنّاع السياسات: "الشركات الصغيرة والمتوسطة ليست متماثلة، بل إنها تتمتع بأشكال وأحجام وأذواق مختلفة، وليس بإمكانها أيضاً تحقيق كل ما هو مطلوب".

مضيعة للوقت

يمكن الحصول على عضوية "بي كورب" مقابل رسوم سنوية، لكن خطوات الحصول على الشهادة تضيع الأوقات الثمينة، على حد قول مادلين وايت، التي ما زالت في المراحل الأولى من طلب الحصول على شهادة "بي كورب" لعلامتها التجارية النباتية والخالية من البلاستيك، والتي تعمل في مجال مستحضرات التجميل وتُعرف باسم "جوني كوزماتيكس" (Juni Cosmetics).

بعد إطلاق الشركة بنجاح، كانت وايت حريصة على الحصول على اعتماد خارجي لمنتجاتها لحماية نفسها من مواجهة الاتهام الأكثر شيوعاً، وهو اتباعها ظاهرة الغسل الأخضر. وهي تقول إنها بحاجة إلى أن تتبع بدقة تامة مصدر كل المواد والمكونات، وتحديد الخطوط العريضة لعمليات التصنيع. وأضافت: "عندما تعمل مع عدد غير قليل من الموردين المختلفين، كما نفعل، فإن الأمر يصبح حقاً مربكاً ومعقداً للغاية".

يقدّم بعض المؤسسات المالية أدوات لدعم الأعمال التجارية الصغيرة. فعلى سبيل المثال، برنامج تسريع الأعمال التابع لـ"ناتويست غروب" (NatWest Group) الذي يدعم 1400 شركة في المملكة المتحدة، يساعد أيضاً بعض الشركات التي تتطلع إلى الحصول على شهادة "بي كورب". كذلك ابتكرت مؤسسة "موديز" (Moody’s) أداة تتيح للمستثمرين والشركات قياس تأثيرهم البيئي دون الغرق في سيل لا نهاية له من التقارير.

اعتماد الخوارزميات

في الوقت ذاته، يتجه آخرون إلى النظم الخوارزمية من أجل المساعدة في سدّ مثل هذه الفجوة. فعلى سبيل المثال، تعمل "دايرايز" (Dayrize)، وهي منصة للتجارة الإلكترونية متخصصة في منتجات التجميل والأزياء المستدامة، على إدراج كل عنصر على حدة على موقعها الإلكتروني. وعندما تعجز الشركات عن توفير المعلومات المطلوبة، فإنها تستخدم مزيجاً من مجموعات البيانات الخارجية والاتجاهات الملحوظة بين نحو 450 شركة من الشركات الأعضاء لتعويض هذا العجز، حسبما يقول الرئيس التنفيذي للعمليات، أوستن سيمز.

يعتمد البنك المستدام "تريودوس بنك" (Triodos Bank)، الداعم للسندات المجتمعية التي يجري تمويلها بمبالغ صغيرة من عدد كبير من الناس لصالح شركة "ستراود بريوري"، بشكل متزايد على وثائق اعتماد مثل تلك الخاصة بـ"بي كورب"، لكنه غير راضٍ عن الشركات التي لا تكشف إلا عن الحد الأدنى من النتائج، لأنه يبحث عن مدخلات بيانات إضافية. وينشئ البنك قاعدة بيانات للتقديم المستدام للتقارير الخاصة بشركة معينة، التي تنشأ في أثناء تقديم طلب التمويل، والتي يمكن عرضها بعد ذلك على العملاء والمستثمرين المحتملين.

يقول بيفيس واتس، الذي يرأس فرع "تريودوس بنك" في المملكة المتحدة: "كثير من الأشخاص سيصمّم أدوات ويحاول بيع أدوات البنوك والشركات في المستقبل. أنا متشكك قليلاً".

رغم مدى الإرهاق الذي تنطوي عليه محاولات الحصول على عضوية "بي كورب"، فإنّ بيلي لم يندم على مساعيه، خصوصاً أنها ساعدته على التواصل مع كبار تجار التجزئة، مثل "ويتروز" (Waitrose) و"أوكادو" (Ocado) و"هول فودز" (Whole Foods)، للحصول على منتجاته، على حدّ قوله.

أعرب بيلي أيضاً عن رغبته في وجود نتيجة شاملة تلخص جهوده الرامية إلى تحقيق الاستدامة في مختلف أجزاء الشركة. وأضاف: "إنه شيء واحد فقط لقياسه. ومحاولة القيام بشيء ما مثل ممارسة تسويقية تُعتبر شيئاً آخر، لأنك تريد حقاً إحداث فرق".