العملات المشفرة ليست مثالية للتحوط في مواجهة التضخم

هل تصلح "بتكوين" كأداة للتحوط من ارتفاع الأسعار؟
هل تصلح "بتكوين" كأداة للتحوط من ارتفاع الأسعار؟ المصدر: بلومبرغ
Aaron Brown
Aaron Brown

Aaron Brown is a former managing director and head of financial market research at AQR Capital Management. He is the author of "The Poker Face of Wall Street." He may have a stake in the areas he writes about.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بدأت حياتي المهنية في وول ستريت مع مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وهذه هي آخر مرة أذكر فيها أن المستثمرين كانوا يشعرون بحالة قلق إزاء معدلات التضخم مثلما هم في الوقت الحالي.

حينئذ، فهمنا أن معدلات التضخم ناتجة عن التخلي عن معيار الذهب في سنة 1971، ثم جاءت الصدمات على جانب العرض على غرار حظر النفط في سنة 1973، والسياسة النقدية المضللة والسياسات الحكومية غير الصحيحة على غرار ضوابط أسعار الفائدة والأجور والأسعار.

كانت الرسالة للمستثمرين جلية: عليهم ترك الأسهم والسندات في مقابل التوجه نحو الذهب والأصول الصلبة على غرار العقارات، وضخ الاستثمار في الدول التي تتمتع بوجود عملات أكثر قوة على غرار سويسرا واليابان وألمانيا، وعدم الوثوق بالمؤسسات المالية.

يوجد اختلاف بالنسبة لمخاوف التضخم في الوقت الراهن، إذ يقوم مستثمرون كثيرون بالتشكيك في أن أدوات التحوط التي تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي ما تزال جديرة بالثقة.

لمخاطرها الكبيرة.. صناديق التقاعد مازالت حذرة تجاه العملات المشفرة

تعتبر العملات المشفرة ملاذاً يتمتع بشعبية بطريقة متنامية لدى المستثمرين الذين يعانون من مخاوف التضخم، سواء كان ذلك "الذهب المشفر" المتمثل في عملة بتكوين أو الأصول المشفرة الأحدث التي جرى تصميمها لا لتصبح مقاومة لتضخم الأسعار فحسب، بل ولتحقيق الاستفادة من وراء صعود الأسعار. يعتمد مدى الجاذبية المتوفرة في تلك الأدوات الجديدة على نوع التضخم الذي تخشى منه.

تباطؤ النمو

تساعد اضطرابات سلاسل التوريد بالتأكيد في صعود الأسعار، لكن كثير من الناس يظنون أنها مؤقتة. في حال أن ذلك لم تثبت صحته، وفي حال أسفرت معدلات الإصابة العالية بالأمراض المعدية والتغيير الثقافي الناجم عن تفشي وباء فيروس كورونا إلى الحد من الكفاءة الاقتصادية بطريقة دائمة ووجود استعداد للعمل بين مجموعة كبيرة من السكان، فستوجد سلع وخدمات متوفرة بعدد أقل.

في حال تصدت الحكومة لذلك من خلال الإنفاق التحفيزي والإعانات والعجز – عبر زيادة المعروض من الأموال ونقل الثروة من العاملين لدى القطاع الخاص للعاملين لدى الحكومة والمتقاعدين والعاطلين عن العمل - فربما يسفر ذلك عن تعزيز الدوامات التضخمية.

مديرو الأموال: العملات المشفرة هي "المرشح الأول" للتصحيح الكبير

في حال كان ذلك هو ما تخشاه، فإن أكبر مشكلة تتمثل في تباطؤ النمو الاقتصادي، وليس تضخم الأسعار. ربما تقدم العملات المشفرة قدراً من الحماية في مواجهة معدلات التضخم في المعروض النقدي، لكنه لا يؤدي إلى إنتاج سلع وخدمات أكثر.

تتمثل أفكار عديدة مرتبطة بالعملات المشفرة في شركات التقنية الناشئة التي يجري تطبيقها كمؤسسات مستقلة لا مركزية عوضاً عن الشركات التقليدية. تنتعش الشركات الناشئة وسط الاقتصادات الآخذة في النمو، وليس في وجود اقتصادات تعاني من الركود.

يوجد أفكار مرتبطة بالعملات المشفرة جرى تخصيصها من أجل تطوير سلاسل التوريد أو تخطيها، ويوجد أفكار أخرى توفر أنواعاً من التوظيف، ربما يفضلها البعض من العاملين في مرحلة ما بعد نهاية عملية الإغلاق.

مجموعة "سوفت بنك" تركِّز على العملات المشفرة في أمريكا اللاتينية

رأس مال مغامر

ربما تعتبر هذه استثمارات رأس مال مغامر جيدة، غير أنها تتضمن وجود خطورة هائلة تماماً، بحيث لا يكون في الإمكان اعتبارها استثمارات تحوطية في مواجهة التضخم.

يمتد نطاق مشكلات سلاسل التوريد على متسوى العالم، ومن الممكن أن تزيد من صعود التضخم في الصين ومنطقة اليورو والأسواق الناشئة، وهي تعاني جميعها من الارتفاع.

يتمثل التهديد العالمي الآخر لقيمة العملات في التوترات الدولية. لا يوجد شيء يمكنه أن يكون سبباً لارتفاع التضخم يشبه حالة الحرب، ويوجد صراعات في كافة أنحاء العالم محتدمة، ربما يسفر بعض منها عن اندلاع حروب مستعرة وحروب أشد برودة ينجم عنها فرض عقوبات وحواجز مالية ورسوم جمركية.

تمتلك العملات المشفرة ميزات تتفوق بها على التمويل التقليدي خلال أزمات الحروب والصراعات المالية. تعتبر الرهانات الأفضل في حالة حدوث ذلك السيناريو هي العملات الأكثر استقراراً - بتكوين وإيثريوم- في ظل وجود ملاكها الكبار في كافة الدول، علاوة على وجود عملات مشفرة تتمتع بحماية قوية على صعيد الخصوصية، على غرار "مونيرو" و"داش".

(أقوم بالاستثمار في العملات المشفرة واستخدم العملات المشفرة أيضاً في أغراض تنفيذ معاملات مالية. لا أملك أي عملات مشفرة من الأربع عملات المشار إليهم، لكن ربما أشتريها مستقبلاً).

زيادة الضرائب

يصب غالبية المستثمرين الأمريكيين تركيزهم الأساسي على المخاوف المرتبطة بالتضخم التي تتركز داخل الولايات المتحدة، خاصة تفاقم عجز الميزانية الحكومية والسياسة النقدية التيسيرية. يرغب الديمقراطيون في اعتماد زيادات ضخمة في الإنفاق فوق مستوى العجز المتضخم فعلياً وحجم الديون الهائل. بينما يفضل الحزب رفع المعدلات الضريبية مبدئياً، إلا أن مشروع القانون المقترح يشمل زيادة في تخفيضات الضرائب والائتمانات أكثر من عمليات رفع الضرائب.

بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض طرق الدفع لتمويل عملية الإنفاق الخاصة بتشريع "إعادة البناء بطريقة أفضل" تجري من خلال ضبط أسعار العقاقير التي تتطلب وجود وصفة طبية بدلاً من الرفع الفعلي لمعدل الضرائب.

يعزز مشروع قانون الأسعار المخفضة ارتفاع معدل التضخم عوضاً عن التصدي له، خصوصاً في حال كان الأمر مرتبط بزيادة في الضرائب لأغراض تتعلق بالميزانية.

في حال حاز الجمهوريون سلطة الأغلبية من خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، فإن الأمور ما زالت مثيرة للقلق على صعيد تضخم الأسعار. بينما يكون الديمقراطيون متحمسين للإنفاق وغير متحمسين بالنسبة لرفع الضرائب، فإن الجمهوريين يكونون متحمسين لتخفيض معدل الضرائب ومتحمسين بالنسبة لتقليص حجم الإنفاق. عندما يتحد الطرفان حول تشريع من الحزبين، في الإغلب نتحمل أقل مستوى من المسؤولية المالية.

تراجع الثقة في الدولار

وعندما يتحد "الأعضاء المبذرين" في الكونغرس مع مسؤولي البنوك المركزية المسيسين الذين يهتمون أكثر على ما يبدو بإنكار أو تبرير وجود التضخم عوضاً عن التصدي له، فحينها سيوجد احتمال لظهور معدل تضخم من النوع الخبيث والدائم، والمحصن في مواجهة تدابير قياسية من الناحية المالية والنقدية.

ربما يسفر ذلك عن خسارة عامة على الأقل في الثقة بالدولار التي ستكون قاتلة بالنسبة للاقتصاد، كما شاهدنا ذلك يحدث في السبعينيات من القرن الماضي. كما يمثل مصدر تهديد للمؤسسات المالية، ويساهم في حدوث خلل سياسي.

بيد أنه من الأهمية بمكان أن تأخذ في اعتبارك أن ذلك الأمر لم يحدث حتى الآن. يبلغ معدل التضخم المتعادل لسندات الخزانة الأمريكية من فئة استحقاق 10 سنوات 2.5% سنوياً، وهو يدل على أن السوق يؤمن بأن التضخم في المستقبل سيكون على الأرجح في المستويات التي كانت تعد طبيعية قبيل الأزمة المالية في عام 2008.

بينما جاءت معدلات التضخم الأخيرة عالية، إلا أن متوسط ​​المعدل السنوي منذ سنة 2006 جاء بنسبة 2.2% فقط. ما تزال عائدات سندات الخزانة الأمريكية متراجعة تماماً. ربما تكون الأسعار على ما يبدو في بعض من المجالات الأساسية، والتي تشمل قطاع الطاقة، وصلت لمستوى الذروة بالنسبة لها وربما تشهد انخفاضاً.

في حال أن حدوث تضخم في سعر صرف الدولار هو مصدر إثارة القلق لديك، فيوجد خيار بسيط بالنسبة لك لتقوم بنقل الاستثمارات إلى الدول والعملات التي تتمتع بإدارة مالية ونقدية أفضل. من الممكن التعامل مع العملات المشفرة على أساس أنها واحدة من بين تلك الدول، حيث كان ذلك السيناريو هو الحافز الأساسي في الواقع من أجل إنشاء عملة بتكوين في عام 2008.

عموماً، لدى اعتقاد بأن أي شخص لديه قلق شديد إزاء ارتفاع معدلات التضخم يتعين عليه أن يضع العملات المشفرة على الطاولة من بين الخيارات التي من الممكن أن توفر الحماية خلال بعض سيناريوهات معدل التضخم وتحقيق الاستفادة من بعض السيناريوهات الأخرى.

لا يعد ذلك بمثابة عملية تحوط سحرية في مواجهة التضخم. تنطوي تقريباً كافة الأصول المشفرة على مخاطر كثيرة ليست مرتبطة بالتضخم وهو ما يجعلها مناسبة فقط لتكون بمثابة أجزاء صغيرة في محافظ الأصول المتنوعة بدلاً من جعلها هي بمثابة الحيازات الجوهرية أو عمليات التحوط الصافية.