لماذا يجب أن تصبح الحشرات جزءاً أكبر من السلسلة الغذائية؟

يجب أن تلعب الحشرات دوراً أكبر في نظامنا الغذائي، من دون أن تكون هناك ضرورة لأن نتذوقها بشكل مباشر
يجب أن تلعب الحشرات دوراً أكبر في نظامنا الغذائي، من دون أن تكون هناك ضرورة لأن نتذوقها بشكل مباشر المصدر: غيتي إيمجز
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شكّل قرار الاتحاد الأوروبي التاريخي الأسبوع الماضي بالموافقة على صلاحية الحشرات للاستهلاك البشري، انتصاراً لليرقات والديدان، وحتى البشر حول العالم، إذ تضفي هذه الموافقة نوعاً من الكرامة على هذه المخلوقات الصغيرة المتواضعة التي ننظر إليها بحماقة على أنَّها آفات، كما توجّه إشارة واضحة إلى أنَّ قطاع البروتينات الحشرية قابل لتحقيق نموّ كبير، والأهم، أنَّها تمهّد الطريق لمصدر بروتين بديل يفترض أن يلعب دوراً أساسياً في تأمين الغذاء في عالم أكثر حرارة، وأكثر كثافة من الناحية السكانية.

اقرأ أيضاً: إطعام آسيا يتطلب استثمار 1.5 تريليون دولار بحلول 2030

قبل أن تشعروا بالاشمئزاز، فلنوضح أمراً في البداية: بالنسبة إلى معظم المستهلكين، فإنَّ قرار الاتحاد الأوروبي لن يترجم إلى حشرات في شطائر البرغر، أو الديدان في أطباق المعكرونة. أجل، سوف تلعب الحشرات دوراً أساسياً أكثر في الأنظمة الغذائية البشرية من الآن وصاعداً، ولكن على الأرجح ليس كشكل مباشر من البروتينات. عوضاً عن ذلك، بدأت الحشرات تكتسب قيمة كمصدر غذائي غير مباشر على شكل علف للدجاج، ولأسماك المزارع والخنازير والأبقار التي يتم حالياً تسمينها باستخدام علف مكلف بيئياً، علماً أنَّه مصنوع من الصويا والذرة.

اقرأ المزيد: الوقود الأخضر يثير المخاوف من تضخم أسعار الغذاء

أكل الحشرات.. قديم

يستهلك البشر الحشرات القابلة للأكل من صراصير الليل والجنادب إلى النمل الناري والنمل الأبيض منذ ما قبل فجر الحضارة، وما يزال نحو 80% من سكان العالم على امتداد آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية يأكلون الحشرات حتى هذا اليوم. إلا أنَّ المستهلكين في الولايات المتحدة كانوا بطيئين في تبنّي الحشرات كطعام، على الرغم من أنَّ إدارة الغذاء والدواء كانت قد وافقت على الحشرات للاستهلاك البشري قبل سنوات. مع ذلك، نشأ سوق متخصص للوجبات الخفيفة مثل رقائق "شيرب تشيبس"، وألواح البروتين "إكسو". وحين وافقت إدارة الغذاء والدواء على الحشرات كغذاء للحيوانات الأليفة في وقت سابق هذا العام؛ بدأت علامات تجارية مثل "بورينا" (Purina) تستعين بالحشرات لصنع منتجاتها.

إلا أنَّ الفرصة الأكبر تكمن في أسفل السلسلة الغذائية، على شكل مكوِّن في العلف الحيواني يغير قواعد اللعبة. وعلى إدارة الغذاء والدواء في عهد الرئيس جو بايدن أن تجري التعديلات الناظمة اللازمة من أجل إفساح المجال أمام تأمين المزيد من الإمدادات بالحشرات لأسواق الأعلاف الحيوانية.

إمكانات نمو السوق

في عام 2020، ارتفعت قيمة الاستثمارات الدولية في البروتينات الحشرية بحوالي الضعفين لتصل إلى 475 مليون دولار، في حين يتوقَّع المحللون أن تتجاوز قيمة السوق 4.1 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. وتوقَّع تقرير صادر مؤخراً عن "رابوبنك" (Rabobank) أن تزيد كمية الحشرات التي تتم تربيتها سنوياً والبالغة 10 آلاف طن متري حالياً، إلى 500 ألف طن متري سنوياً بحلول عام 2030.

في المقابل؛ فإنَّ سوق العلف الحيواني أكبر بكثير، إذ يتوقَّع أن تبلغ قيمته 460 مليار دولار بحلول عام 2026 مقارنة بـ345 مليار دولار عام 2020. ويعتمد هذا القطاع بشكل كبير على المياه وزراعة الحبوب التي تنتج كميات كبيرة من الكربون، في وقت ترتفع فيه أسعار المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة، في حين بات من الصعب الاعتماد على موارد المياه العذبة.

العلف الحيواني

على الصعيد الدولي، تستهلك الحيوانات التي تتم تربيتها في المزارع أكثر من ثلث إجمالي إنتاج العالم من الحبوب. وفي الولايات المتحدة، تقترب هذه النسبة من النصف. وبالتالي؛ فإنَّ العلف الحيواني القائم على الحشرات قد يشكل الفرصة الأفضل للقطاع كي يتمكن من الصمود في وجه التغيير المناخي، وفي الوقت ذاته يساعد على حلّ أزمة هدر الطعام.

يحمل الاستهلاك البشري والحيواني للبروتينات الحشرية فوائد بيئية هائلة. وتبدو يرقة ذبابة الجندي الأسود واعدة بشكل خاص. فهذه الحشرة الصغيرة يمكن أن تشكل علفاً عالي الجودة للدجاج والأسماك، فضلاً عن أنَّ مساحة الأرض التي تحتاج إليها أقل بألف مرّة لكلّ وحدة بروتين يتم إنتاجها بالمقارنة مع إنتاج الصويا، وتتطلب كمية مياه أقل بـ50 إلى 100 مرة، ولا تحتاج إلى أي مواد كيميائية زراعية.

ميزة يرقة ذبابة الجندي الأسود أنَّها تقتات على فضلات طعامنا التي ننتجها على نطاق واسع، بالأخص في الولايات المتحدة. يمكن لكلّ رطل من اليرقات أن تقتات ما يصل إلى 10 أرطال من فضلات الطعام التي تتسبب بانبعاثات غاز الميثان، بالتالي؛ تسهم في التخفيف من النفايات العضوية في المطامر، وفي إعادة استخدام المواد الغذائية حتى تدخل مجدداً إلى السلسلة الغذائية.

تنتج اليرقات أيضاً منتجاً ثانوياً مهماً، إذ يمكن استخدام مخلفاتها كسماد غني بالنيتروجين وبالكائنات المجهرية القادرة على إعادة تأهيل التربة، وتعزيز قدرتها على تخزين الكربون.

تخفيض التكلفة

على الرغم من ذلك، لا تشكل البروتينات الحشرية حتى الآن إلا جزءاً بسيطاً جداً من إجمالي سوق العلف الحيواني، ويعود ذلك بجزء كبير منه إلى التكلفة. ففي حين تبلغ تكلفة وحدة من علف الدجاج بضع مئات من الدولارات، وثمن علف السمك نحو 1000 دولار؛ فإنَّ سعر علف الحشرات يفوق 2000 دولار. ولكن مع اتساع حجم الإنتاج في القطاع؛ فإنَّ التكلفة سوف تنخفض بسرعة. ولكي يحصل ذلك، على إدارة الغذاء والدواء أن تجري تغييرات على صعيد القواعد الناظمة ضمن مسؤولي رابطة مراقبة العلف الأميركيين.

يدير رابطة مراقبة العلف في أمريكا مسؤولون على امتداد الولايات، على أنَّها يجب أن تخضع إلى تنظيم مركزي أكثر تحت مظلة إدارة الغذاء والدواء مع التركيز على الإصلاحات في ثلاثة مجالات أساسية، تتضمن زيادة تنويع الحشرات التي يمكن تربيتها (حالياً يسمح بتربية عدد قليل من أنواع الحشرات)، وتوسيع نطاق استخدام البروتينات الحشرية (المسموح بها حالياً فقط في بعض أنواع طعام الحيوانات الأليفة إلى جانب استخدامات محدودة في علف الدجاج وتربية الأسماك)، والأهم هو توسيع المواد التي يمكن استخدامها من أجل تغذية هذه الحشرات، إذ لا يمكن حالياً إطعامها إلا فضلات الطعام قبل الوصول إلى المستهلك النهائي. فمن شأن تمكين مربي الحشرات من استخدام فضلات الطعام ما بعد الاستهلاك التي ينتج الأمريكيون نحو 130 مليار طنّ منها في السنة، أن يمنح دفعة هائلة للإنتاج.

لا شكَّ في أنَّ البروتينات الحشرية قادرة على نقل نموذج نظامنا الغذائي نحو الاستدامة، ولهذا القطاع الناشئ إمكانات اقتصادية وبيئية هائلة. أعطى الاتحاد الأوروبي ثقته، والآن حان دور المستثمرين والجهات الناظمة للمساعدة في بناء مستقبل ذكي مناخياً.