السعوديون محقون في التحذير من انهيار إمدادات النفط

حاجة العالم للنفط بأسعار معقولة لن تختفي في الوقت القريب
حاجة العالم للنفط بأسعار معقولة لن تختفي في الوقت القريب المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لن يكسبني ما سأقول أي أصدقاء وسط اللوبي الأخضر، لكن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان كان محقاً عندما حذر من أزمة طاقة محتملة نتيجة تراجع الاستثمار في أنواع الوقود الأحفوري، سأذكر فيما يلي الأسباب.

حذر الأمير من أن الإنتاج العالمي للنفط قد يهبط بمقدار 30 مليون برميل يومياً بنهاية العقد بسبب عدم إنفاق ما يكفي على استكشاف وتطوير موارد جديدة، وهو ما يعني إنتاج ما يقل عن 70 مليون برميل يومياً.

بالطبع، يتحدث الأمير من منطلق مصلحته الخاصة، فالمملكة تضم احتياطيات هائلة من النفط تحت رمالها وتحت المياه الضحلة في الخليج العربي، وتريد أن ترى سوقاً صحية لهذا النفط في السنوات المقبلة.

لكن ليست كافة تحذيراته لمصلحة شخصية إذ تعد الثروات النفطية السعودية غير مفتوحة للمستثمرين الأجانب، وبالتالي، فإن دعوته للمزيد من الإنفاق تستهدف فعلياً تشجيع المنافسة مع المملكة.

اعتراف بأمرين

هذا بمثابة اعتراف بأمرين: أولا، لن تختفي حاجة العالم للنفط بأسعار معقولة في الوقت القريب، وثانياً، لا تستطيع السعودية، رغم احتياطياتها النفطية، تزويد كامل السوق بمفردها.

حتى وكالة الطاقة الدولية، التي قيل عنها خطئاً إنها تدعو إلى إنهاء مشروعات التطوير النفطي الجديدة، ترى أن الطلب على النفط سيبقى بالقرب من مستويات ما قبل الوباء بحلول عام 2030.

حتى قبل السياسات التي تم الإعلان عنها قبل مؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة للتغير المناخي "COP26" في نوفمبر، توقعت الوكالة أن يرتفع الطلب على البترول في 2023 بمقدار 500 ألف برميل يومياً - أي أقل بنسبة 0.5% عن مستوى ما قبل الوباء، وفي سيناريو "التنمية المستدامة" الخاص بها - الذي يتوقع وصول الاقتصادات المتقدمة لانبعاثات صفرية صافية بحلول 2050، والصين كذلك عام 2060، وجميع الاقتصادات الأخرى بحلول 2070 على أقصى تقدير - يقدر التراجع في نهاية العقد الجاري عند 9 ملايين برميل يومياً فقط أو 9%، ومع ذلك سيظل العالم بحاجة إلى حوالي 90 مليون برميل من النفط يومياً بحلول 2030، أي سيكون هناك عجز في المعروض بمقدار 21 مليون برميل يومياً - أي نفط أكثر مما استهلكته الولايات المتحدة في 2019 - وفقاً للوزير السعودي.

هل هو محق؟

بالتالي إذا كان محقاً، فنحن على وشك أن نشهد وقتاً عصيباً، لكن هل هو محق؟ وهل خضع المستثمرون المحتملون لتنمر أو تخويف من قبل النشطاء البيئيين لدرجة أنهم أصبحوا غير مستعدين لوضع رأس مال في إنتاج نفطي جديد؟

تستثمر المملكة - التي تمتلك أكبر احتياطيات نفطية في العالم - لزيادة إنتاجها، لكنها تخطط لإضافة مليون برميل يومياً فقط في السنوات القليلة المقبلة، وتستثمر دول أخرى في الشرق الأوسط، مثل الإمارات والكويت والعراق، لتعزيز قدراتها الإنتاجية أيضاً، ولدى روسيا خطط كبيرة لبرية القطب الشمالي، لكن هذا مكان بعيد وموحش، وهو من أسوأ الأماكن التي يمكن تخيلها من منظور بيئي للاستثمار في استخراج النفط.

هناك مشاريع كبيرة يجري العمل عليها في مناطق أخرى مثل كازاخستان وأذربيجان والبرازيل، والتي ستضيف أيضاً إلى المعروض قبل نهاية العقد، ولكن مع انخفاض الناتج من جميع الحقول القائمة حالياً، بمتوسط يتراوح من 4% إلى 8% سنوياً، وفقاً للجهة التي تعتمد عليها في التقديرات، فأنت بحاجة إلى الكثير من الاستثمار لمجرد البقاء حيث أنت.

في نفس الوقت، يرتفع ببطء الإنتاج في الولايات المتحدة، التي كان ينظر إليها في وقت من الأوقات كمفسد لنمو الإنتاج المستقبلي لمنظمة الدول المصدرة للنفط.

نهاية العام المقبل، من المتوقع أن تنتج دون ذروتها قبل الوباء بحوالي 760 ألف برميل يومياً، وأصبحت الأيام القوية لطفرتي النفط الصخري الأولى والثانية وراءنا.

تراجع الإنفاق العالمي

تراجع الإنفاق العالمي على مشاريع النفط والغاز بنسبة 30% إلى 309 مليارات دولار في عام 2020 وتعافى بشكل طفيف العام الجاري، ويحتاج الإنفاق للعودة إلى مستويات ما قبل الوباء البالغة 525 مليار دولار سنوياً لبقية العقد لتلبية نمو الطلب، وفقاً لمركز الأبحاث، منتدى الطاقة الدولي، ومقره الرياض، والشركة الاستشارية "أي إتش إس ماركت".

تركز شركات النفط الغربية الكبرى - مثل "رويال داتش شل" و"بريتيش بتروليوم" و"توتال انرجيز" - بشكل متزايد على توجيه استثماراتها إلى الغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجددة على حساب النفط، على سبيل المثال، من المتوقع أن تضخ "بريتيش بتروليوم" نفطاً في عام 2022 أكثر مما ستضخه العام الجاري، لكن لا يزال من المتوقع أن يكون الإنتاج أقل بنسبة 6.5% عن ذروته في عام 2017.

هذه هي الشركات الأكثر قدرة على الوفاء بالالتزامات البيئية، وإذا كانوا لن يتقدموا لسد الفجوة بين ارتفاع الطلب وانخفاض الإنتاج، فمن المحتمل أن تفعل الشركات الأخرى، التي يصعب التحكم في أدائها البيئي، وأنا أفضل أن أرى شركة "شل" تستثمر في حقل كامبو النفطي في بحر الشمال، على سبيل المثال، بدلاً من رؤية شركة "روسنفت" تخرب التندرا في شبه جزيرة تايميار الروسية، فالأولى مساءلتها أسهل.

ليس الأمير وحده

لم يكن الأمير عبد العزيز وحده من حذر، فقد قالت وكالة الطاقة الدولية شيئاً مشابهاً للغاية، لكن بدون أرقام، في توقعات الطاقة العالمية التي نُشرت في أكتوبر: "حقيقة عدم الحاجة إلى حقول نفط وغاز طبيعي جديدة في سيناريو الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050 لا تعني أن الحد من الاستثمار في الحقول الجديدة سيؤدي إلى انتقال في الطاقة وفقاً لهذا السيناريو، وإذا ظل الطلب مرتفعاً، فسيؤدي ذلك إلى شح في المعروض في السنوات المقبلة، ما يزيد من مخاطر ارتفاع الأسعار وزيادة تقلبها".

نحن نتجاهل تلك التحذيرات على مسؤوليتنا، وقد يبدو انخفاض إمدادات النفط بمقدار 30 مليون برميل يومياً بمثابة انتصار للنشطاء البيئيين الأكثر قصراً في النظر، ولكن بدون انخفاض مصاحب في الطلب على النفط، سيأتي نقص المعروض بثمن لا يستطيع أحد منا تحمله وهو أسعار نفط عند مستويات لم يسبق تخيلها من قبل أبداً.