خطوات بايدن "الخجولة" لمكافحة الأموال القذرة

المصدر: بلومبرغ
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أرادت إدارة الرئيس جو بايدن إيصال رسالة إلى دول العالم، مفادها أن الولايات المتحدة أصبحت أخيراً، على استعداد للاضطلاع بدورها في الحرب العالمية ضد التهرّب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعد سنوات عديدة من التقاعس عن القيام بذلك الدور.

على الرغم من كونها خطوة محل ترحيب، إلا أن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات أكثر بكثير من تلك التي جرى الإعلان عنها.

اقرأ أيضاً: كيف يغسل المجرمون أموالهم القذرة؟.. إليك أشهر الأساليب

في وقت من الأوقات، قادت الولايات المتحدة حملة دولية ضد سرية المعلومات المالية التي تساعد الفاسدين والخطرين على إخفاء أصولهم. ومنذ ذلك الحين، تحقَّق الكثير، حيث أنشأ العديد من الدول المتقدمة سجلات للملكية المفيدة -غالباً ما تكون متاحة للجمهور- للكشف عن الأشخاص الذين يقفون وراء الشركات الوهمية. لقد بدأت تلك الدول إلزام المتخصصين في مجال العقارات، بما في ذلك المحامون وكتاب العدل، بالإبلاغ عن المعاملات المشكوك فيها. كما انضمت أكثر من مئة ولاية قضائية إلى "معيار الإبلاغ المشترك" (CRS)، والذي يستلزم المشاركة التلقائية للمعلومات حول الحسابات المصرفية الأجنبية الخاصة بدافعي الضرائب لدى كل من تلك الولايات القضائية.

اقرأ المزيد: ما هي الأنشطة المشبوهة.. وكيف تكتشفها البنوك؟

نبذ الشفافية

غير أن الولايات المتحدة قدمت نموذجاً مذهلاً للرياء في هذا الصدد، وذلك بعد نبذها للشفافية التي طالبت بقية العالم بالالتزام بها. بحسب ما كشفه تحقيق "وثائق باندورا"، فقد اجتذبت الصناديق التي لا تتسم بالشفافية، والتي طرحتها ولايات مثل نيفادا وداكوتا الجنوبية، مئات المليارات من الدولارات المملوكة للأشخاص الساعين إلى التمتع بالخصوصية المالية القصوى، متفوقةً بذلك على دول مثل سويسرا وجزر كايمان. وقد جعلت الضوابط المتراخية من عمليات شراء شقق البنتهاوس في ميامي والقصور في بيفرلي هيلز، وسائل مثالية لغسل عائدات الجرائم، بما في ذلك تلك الناشئة عن خرق العقوبات الإيرانية والاختلاس الماليزي، بينما لاتزال الولايات المتحدة هي الدولة الكبرى الوحيدة التي لم تنضم إلى (CRS) بعد، ما يقوض جهود الحكومات الأخرى لجعل الناس يدفعون الضرائب التي يدينون بها.

بالتالي، فإنه من المشجع أن بايدن يريد تصحيح الأمور، حيث أعلنت إدارته عن اتخاذ بعض الخطوات المهمة في الاتجاه الصحيح، وذلك في إطار حملة أوسع نطاقاً لمكافحة الفساد أحاطت بقمة "الديمقراطية" التي عقدتها وزارة الخارجية الأمريكية. من بين تلك الخطوات، توجّه وزارة الخزانة لإنشاء سجل للملكية المفيدة، بسرعة، وعلى النحو المنصوص عليه في قانون شفافية الشركات الذي أقرّه الكونغرس في أواخر العام الماضي، الأمر الذي قد يتطلب قيام مجموعة كبيرة من المتخصصين في قطاع العقارات بالإبلاغ عن أي نشاط مشبوه، وبذل العناية الواجبة تجاه عملائهم.

خطوة ناقصة

لكن، لسوء الحظ، حتى إذا أوفت الولايات المتحدة بهذه المعايير، ستظل هناك جوانب عديدة غامضة، إذ لن تغطي قاعدة بيانات الملكية المفيدة تلك الصناديق الائتمانية في ولاية داكوتا الجنوبية، كما إنها تفتقر إلى آلية للتحقق من تلك البيانات، فضلاً عن كونها تحد من الوصول إلى فئات معينة من المؤسسات المالية (رهناً بموافقة العميل)، ما يعوق القيام بأقل قدر من التدقيق العام. ومن المرجح، أن القواعد الرئيسية لمكافحة غسل الأموال ستكون غير قابلة للتطبيق على الوسطاء المعروفين مثل مقدمي الخدمات الائتمانية ومديري صناديق الاستثمار. كما إن وزارة الخزانة، لن تكون لديها السلطة لتزويد الحكومات الأخرى بذات معلومات الحسابات المصرفية الخاصة بدافعي الضرائب لديها، والتي تتلقاها بانتظام من الدول الأخرى.

تخاطر الولايات المتحدة بزيادة عبئها التنظيمي، من دون أن يعود عليها ذلك بالكثير من النفع. كما في السابق، سيظل المسؤول الروسي أو الصيني الفاسد قادراً على إيداع أصوله بشكل قانوني، دون علم السلطات المختصة في بلده الأصلي أو الولايات المتحدة بذلك.

إلى حد ما، سيتطلب تصحيح أوجه القصور سالفة الذكر، اتخاذ مزيد من الإجراءات من جانب الكونغرس -على سبيل المثال- لتسليط الضوء على الصناديق الائتمانية والسماح بتبادل المعلومات بين الحكومات. وعلى أصعدة أخرى، مثل توسيع نطاق الإبلاغ عن الأنشطة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال ليشمل المزيد من الاختصاصيين الماليين، تتمتع وزارة الخزانة بسلطة التصرف منفردة. وعلى أي حال، يتعين على الولايات المتحدة القيام بما هو أفضل. فمن دون مشاركتها الكاملة، لا يمكن أن تنجح المعركة العالمية ضد الأموال القذرة.