ابحث عن "قوّتك" عندما ترتفع الأسعار

يتمتع المستهلكون اليوم بقوة أكبر من أي وقت مضى لمحاربة التضخم
يتمتع المستهلكون اليوم بقوة أكبر من أي وقت مضى لمحاربة التضخم المصدر: غيتي إيمجز
Allison Schrager
Allison Schrager

Allison Schrager is a Bloomberg Opinion columnist. She is a senior fellow at the Manhattan Institute and author of "An Economist Walks Into a Brothel: And Other Unexpected Places to Understand Risk."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أحرُص دائماً على حمل مفاتيحي معي، ولكن بعد سلسلة من الحوادث؛ بقيت خارج شقتي في الأسبوع الماضي. كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل، ولذا اضطررت للاتصال بصانع أقفال يعمل على مدار 24 ساعة، فأجابني أنَّه سيصل في غضون نصف ساعة.

اقرأ أيضاً: التضخم وليس "أوميكرون".. الهاجس الأكبر للبنوك المركزية

مرّت تلك الدقائق وأنا أشعر بالذعر حيال التكلفة. أحسست أنَّني في موقع بالغ الضعف، إذ كنت أحتاج فعلاً إلى خدمته باعتبارها الطريقة الوحيدة لكي أدخل إلى منزلي. وبما أنني كنت في موقف يائس في وقت متأخر من الليل؛ كان بإمكانه أن يتقاضى منّي أي مبلغ يريد. في النهاية، يتم تحديد السعر وفق العرض والطلب. وأنا كان لدي طلب قوي جداً، أو ما يسمّيه الخبراء الاقتصاديون بـ"الطلب غير المرن" حتى أدخل إلى المنزل، وخاصة أنَّ عدد صنّاع الأقفال ممن يعملون على مدار 24 ساعة، أي العرض، محدود. وبالتالي؛ كان يملك كلّ القوة.

اقرأ المزيد: الأمم المتحدة: انتظروا مزيداً من ارتفاع أسعار الغذاء.. والفقراء الأكثر تضرراً

البدائل متاحة

لكن هل كان فعلاً يملك كلّ القوة؟ فيما كنت أنتظر، أدركت أنَّني أملك بعض القدرة لأسيطر على الأمور. فإذا طلب مبلغاً خيالياً، يمكنني دائماً أن أرفض، أستطيع مثلاً أن أنزل في غرفة في الفندق، وأتصل بصانع أقفال يتقاضى أجراً أقل خلال وقت الدوام العادي، أي حين تصبح لديّ قوة أكبر في السوق. احتسبت السعر الذي سيكلفني رفضي لخدمة صانع الأقفال، والذي سيتضمن تكلفة الفندق والقيمة التي أوليها للسهولة والراحة اللتين سأحصل عليهما إذا دخلت إلى منزلي في تلك الليلة، بالإضافة إلى أجر صانع الأقفال في الصباح. بالتالي؛ إذا طلب مني سعراً أعلى من هذا الرقم، فسأرفض خدمته.

لحسن الحظ؛ طلب صانع الأقفال سعراً باهظاً ولكنَّه ليس خيالياً، كان أدنى من السعر الذي كنت سأتكبده لو رفضت خدمته. تبيَّن إذاً أنَّ طلبي لم يكن "غير مرن" بالقدر الذي كنت أظنّه، وهو يدرك ذلك، أو ربما ببساطة لم يرغب في استغلالي. تظهر تجربتي كيف تغيرت القدرة على تحديد الأسعار، وتقدِّم لمحة عن الكيفية التي يمكن لهذه الجولة الجديدة من التضخم أن تختلف هذه المرة.

سبق أن مررنا جميعنا بتجربة مماثلة، ولا أتحدث هنا عن أن نعلق خارج منازلنا، أو سياراتنا، بل عن ظروف كنّا في حاجة ماسة فيها إلى أمر ما، ولكنَّه لم يكن متاحاً إلا بشكل محدود. بات الأمر يتكرر كثيراً مؤخراً. في ولاية نيويورك حيث أعيش، وفي ولايات أخرى، إذ توجد قوانين لمكافحة التلاعب بالأسعار تهدف إلى حماية المستهلكين من التعرض للنهب حين يكونون في وضع يائس. ويفترض بذلك أن يحمي المستهلك.

رفع الأسعار ضروري

لكن انطلاقاً من موقعي كخبيرة اقتصادية، فأنا أميل إلى تأييد رفع الأسعار. ففي الكثير من الأحيان، كان ارتفاع الأسعار هو ما يحول دون الشحّ في المواد، ويمنع ظهور سوق سوداء تفرض فيها حتى أسعارها الأعلى. خلال الأيام الأولى من الوباء، بذلت بعض المؤسسات الصغيرة جهوداً مضاعفة من أجل توفير تجهيزات الحماية الشخصية، لكنَّها واجهت غرامات، لأنَّها تقاضت أسعاراً أعلى. لذا، في المرة المقبلة، لن تبادر للقيام بأي شيء، بالتالي؛ ستكون هناك كميات أقل من تجهيزات الحماية الشخصية المتاحة للجميع.

اليوم، بعد زوال حالة الطوارئ، باتت أجهزة الحماية الشخصية موجودة بوفرة، لكنَّ المستهلكين يواجهون تحدياً من نوع جديد يتمثل في اقتصاد يشوبه الشحّ في مواد أخرى، فضلاً عن ارتفاع في الأسعار، كثيرون منّا غير معتادين عليه. تاريخياً؛ كانت تكلفة التضخم تتضمن حالة عدم اليقين التي تنشأ عنه، مما يعني أنَّ التجار يرفعون الأسعار، ولكن لا أحد يدري ما إذا كان السعر الجديد مبرراً أو مجرد فرصة لفرض أسعار عالية. ومثلما حصل في السبعينيات، بتنا نسمع العديد من الاتهامات بأنَّ التجار يرفعون الأسعار لمجرد استغلال المستهلكين في زمن يسوده الإرباك.

التحقق من الأسعار

لكنَّ العالم تغير، وبات من الأصعب التلاعب بالأسعار. ففي حالتي؛ كنت أمتلك اليوم قوة أكبر مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عشرين عاماً، لأنَّ بإمكاني التحقق من أسعار الفنادق على هاتفي. ونحن كمستهلكين، باتت لدينا قوة أكبر. إذا ذهبتَ مثلاً إلى متجر "تارغت" (Target)، ورأيت أنَّ اللعبة الرائجة لهذا الموسم باهظة الثمن، يمكنك أن تتحقق ما إذا كانت متوافرة على موقع "أمازون"، وترى كم يبلغ سعرها هناك. يمكنك أيضاً أن تستخدم بعض التطبيقات من أجل مقارنة أسعار الوقود في حيّك، مما يسهم في الحدّ من بعض الارتفاعات في الأسعار.

أهمية التكنولوجيا

تشكِّل مثل هذه التكنولوجيا أحد الأسباب التي أسهمت في الكثير من الضغط الانكماشي خلال العقود القليلة الماضية. وعلى الأرجح، كان التضخم أكبر لو لم نكن نملك القدرة على مقارنة الأسعار. يعني ذلك أيضاً أنَّ ثمة احتمالاً أقل بأن يكون تضخم اليوم يعبّر عن تلاعب بالأسعار، وربما لن يصل إلى معدلات التضخم من رقمين كالتي شهدناها في السابق.

إلى جانب القدرة على التسوق بشكل أوسع؛ هناك اليوم أيضاً المزيد من البدائل الممكنة. فلنأخذ مثلاً القصة التي انتشرت عن سيدة في نيويورك حجزت سيارة لدى شركة "هيرتز" (Hertz)، ولكنَّ الأخيرة لم تلتزم بالاتفاق معها. وجدت السيدة نفسها في موقف يائس، إذ كان عليها أن تذهب إلى غرب نيويورك في عيد الشكر، والسيارة الوحيدة المتاحة تبلغ تكلفتها 1800 دولار. في الماضي، ما كانت ستجد أي حلّ، ولكن اليوم باتت لديها خيارات أخرى. فحتى لو لم تتوفر أي سيارة في نيويورك؛ يمكنها أن تستقل سيارة "أوبر"، أو تستأجر سيارة مع خدمة سائق مقابل نحو ألف دولار (على افتراض أنَّ الرحلة تستغرق ستّ ساعات بحسب تقديرها) لتأخذها إلى وجهتها، ثمّ تستأجر سيارة بثمن أرخص هناك لتعود إلى منزلها. صحيح أنَّ هذا الخيار مكلف، ولكنَّه أقل تكلفة على الأرجح ممّا كانت تعرضه "هيرتز" (وجدت في النهاية سيارة اقتصادية فيها أعطال مقابل 943 دولاراً).

قياس التضخم

تشكِّل الطريقة التي يجد فيها المستهلكون البدائل حين يرتفع سعر أحد السلع، جزءاً مهماً من قياس التضخم وديناميكياته. قد يكون الأمر مثيراً للجدل بما أنَّ مؤشرات التضخم تحتسب البدائل بشكل مختلف، ويمكن لطريقة قياسها أن تحدث فرقاً كبيراً. ولكن هذه المسألة ربما ليست بالأهمية الكبرى اليوم، بما أنَّ التكنولوجيا تسهّل عملية العثور على بدائل متقاربة.

يشكل الشحّ في المواد، وارتفاع الأسعار تجربة جديدة للكثير من الأميركيين. لا شكَّ في أنَّه ما تزال هناك بعض الحالات، إذ نواجه طلباً غير مرن، إلا أنَّ عدد السلع التي مايزال الطلب عليها فعلاً غير مرن بات أقل، مثل خدمة صانع الأقفال في ظرف طارئ. يمكن لهذا الأمر أن يشعرك ببعض الاطمئنان فيما نواجهه من ارتفاع في الأسعار.