إغلاقات "كورونا" أضرَّت ببصر الكثيرين.. وهذه فرصة لشركات التكنولوجيا

المصدر: "شاتر ستوك"
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كنت تحدّق قليلاً حتى تتمكن من قراءة هذا المقال، سواء على الشاشة أو على الورق، فأنت لست وحدك. كان لجائحة كورونا وقع كبير على نظرنا، إذ أن نحو ثلث السكان في بريطانيا أبلغوا جمعية اختصاصيي البصر بأن قوة نظرهم تدهورت خلال فترات الإغلاق.

في الصين، تضاعفت حالات قصر النظر ثلاث مرات لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و8 سنوات، ونحو 80% من الطلاب في البلاد يعانون حالياً من قصر النظر. وكانت شركة صناعة النظارات "واربي باركر" (Warby Parker) قالت للمستثمرين خلال الطرح الأولي لأسهمها في سبتمبر، إن التعرض المتنامي للشاشات زاد الطلب على منتجاتها.

اقرأ أيضاً: نظارات "فيسبوك" تصوّر وتستقبل مكالمات لكن تفتقر للواقع المعزز

لكن، ما يمثل مشكلة بالنسبة لك ولثلاثة أرباع الأمريكيين الذين يستخدمون أدوات تصحيح البصر، يعتبر فرصة كبيرة لقطاع التكنولوجيا الذي يضع نصب عينيه هذه المساحة المهمة حول جسر أنفك. فشركات وادي السليكون التي تعمل على صنع نظارات ذكية، تراهن على أنه من الأسهل إقناع الأشخاص الذين يستخدمون أصلاً النظارات بتجربة رؤيتها المستقبلية. وإذا كنت ترتدي النظارات، فأنت تعتبر مرشحاً جيداً للمنتجات الهائلة التي تخطط شركات مثل "أبل" و"أمازون" و"فيسبوك"، أعني "ميتا بلاتفورمز"، لإنتاجها ضمن فئة تتوقع "فيريفايد ماركت ريرسرتش" (Verified Market Research) أن يتضاعف حجم سوقها بأكثر من ثلاث مرات بحلول عام 2028، ليصل إلى 29 مليار دولار.

اقرأ المزيد: "مايكروسوفت" تستأنف صفقة تصنيع نظارات الواقع المعزز للجيش الأمريكي بـ 22 مليار دولار

النظارات الذكية

بدأت شركة "ميتا" تركز على الـ"ميتافيرس" بشكل واسع. فوحدة الواقع الافتراضي "أوكولوس" التابعة لها تصنع نظارات الواقع الافتراضي التي تدخلك إلى عالم من صنع الكمبيوتر. الخطوة التالية هي الواقع المضخم، وهي عبارة عن تكنولوجيا أكثر تعقيداً، حيث تُركب بشكل متداخل المعلومات والرسومات ضمن نطاق رؤيتك. ومن أجل التفاعل بشكل ملائم مع المحيط، على الصورة أن تكون عالية الجودة وعالية الاستجابة، إذ أن أي تأخير قد يؤدي إلى شعور المستخدم بالانزعاج.

في الوقت الذي يُتوقع فيه أن يتم طرح المزيد من النماذج في الأسواق خلال السنوات المقبلة، من المرجح أن تكون الأسعار باهظة. على سبيل المثال، يبدأ سعر نظارات "هولو لنس" (HoloLens) الذكية من "مايكروسوفت" من 3500 دولار (ولهذا السبب هي تستهدف حالياً سوق الشركات). لا شكّ في أن بعض الأشخاص الراغبين في الحصول على هذه النظارات أولاً سوف يدفعون مثل هذا المبلغ، إلا أن معظم المستهلكين الذين لا يفهمون جيداً هذه الفئة الجديدة من المنتجات، سيرغبون في تجربتها قبل أن يشتروها. ففي السابق، استغرق تثقيف المستهلكين حول أجهزة الهواتف الذكية بضع سنوات، حتى باتوا يدركون اليوم أن واجهة المستخدم والبرنامج الإلكتروني هما ما يميزان إلى حدّ كبير بين مستطيل من الزجاج والألمنيوم وآخر. وقال مارتي ريسنيك، المحلل في "غارتنر" (Gartner): "إذا ما أخذنا ساعة (أبل) كمثال، على الرغم من أنها كانت مثيرة حين طُرحت للمرّة الأولى، إلا أنه كان من النادر أن نرى أحداً يرتديها". وأضاف: "الأمر ذاته سينطبق على النظارات. فهناك من سيرتدونها في البداية، ولكن سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتحول إلى أكسسوار".

الوصول إلى المستهلك

التحدي الذي تواجهه النظارات الذكية والذي غالباً ما يتم تجاهله، يكمن في التوزيع. "أمازون" على سبيل المثال لديها قدرة لا مثيل لها على الوصول إلى الزبائن. أمّا "أبل"، فتمتلك أكثر من 500 متجر حول العالم، حيث يمكن للزبائن أن يشتروا أغراضهم، وفي الوقت ذاته يتعرفون على أجهزة الـ"أيفون" والـ"أيابد" والـ"ماك" وغيرها، من دون بذل الكثير من الجهد لإقناعهم بها. حتى "مايكروسوفت" باعت أجهزة "أكسبوكس" (Xbox) وأجهزة لوحية ومعدات وألعاباً بقيمة 22 مليار دولار في العام الماضي.

تخلّف "ميتا"

في المقابل، تتخلف "ميتا" على هذا الصعيد، وأثبتت جهودها في مجال الأجهزة الخاصة حتى الآن، وجود خلل ما. فأمام "أوكولوس" الكثير لتفعله قبل أن تتمكن من غزو العالم، فيما واجهت الشاشات الذكية من "فيسبوك بورتال" (Facebook Portal) عراقيل على خلفية المخاوف حيال خصوصية المستخدم، في حين لا توجد نقاط بيع لـ"فيسبوك" أو "ميتا" حيث يمكن للمتسوقين أن يجربوا أجهزة الشركة.

مع ذلك، تمتلك "ميتا" سلاحاً من شأنه أن يضعها في موقع القيادة. ففي سبتمبر، أطلقت "فيسبوك" نظارات "راي بان ستوريز" (Ray‑Ban Stories) المزودة بكاميرات ذاتية وسماعات تمكّنك من إجراء الاتصالات والاستماع إلى الموسيقى والتقاط الصور ومقاطع الفيديو. تستفيد "ميتا" من تصاميم "راي بان" المحبوبة لدى هواة الموضة، ولكن الأهم هي العلاقة التي أقامتها مع الشركة الأم لصانعة النظارات، "إيسيلور لوكسوتيكا" (EssilorLuxottica).

تتضمن العلامات التجارية المنضوية تحت مظلة الشركة الفرنسية – الإيطالية، كلاً من "أوكلاي" (Oakley) و"راي بان"، وهي تصنع نظارات لعلامات تجارية من طراز "بيربيري" و"برادا" و"فيرساتشي"، وتملك "لينس كرافترز" (LensCrafters) و"صن غلاس هات" (Sunglass Hut) و"فيجن دايركت" (Vision Direct)، وأكثر من عشر سلاسل متاجر أخرى. إذا نظرنا إلى متاجرها الـ8 آلاف، يبدو عدد متاجر "أبل" ضئيلاً، كما إن حصتها من السوق العالمي أكبر بأشواط من أقرب منافس لها، وهذه ميزة كبيرة في مجال بيع النظارات بما أنه يعتمد بشكل كبير على المتاجر الحقيقية. وقالت المحللة لدى "سوسيتيه جنرال" دلفين لو لويه: "إن قرار الشراء يرتبط بشكل كبير بالتجربة الفعلية على أرض الواقع".

صناعة الملوك

سعى الجميع تقريباً في وادي السليكون للتقرب من "إيسيلور لوكسوتيكا" خلال العقد الماضي. حتى أن شركة "ألفابت" كانت قد أقامت علاقة مع الشركة لتطوير نظارات "غوغل" قبل أن تتخلى عن المشروع. حالياً، يركز الاتفاق مع "ميتا" بشكل أساسي على نظارات "راي بان"، إلا أن المديرين التنفيذيين في "إيسيلور لوكسوتيكا" يدركون أنهم قادرون على أن يكونوا صانعي الملوك. فإذا تمكنت "ميتا" من إقناع الملياردير الإيطالي ليوناردو ديل فيكيو، صاحب أغلبية الأسهم في شركة النظارات، بتوفير نظاراتها الخاصة بالواقع المضخّم والواقع الافتراضي في المتاجر التابعة لشركته، فإن ذلك سوف يسهم بشكل كبير في سدّ الثغرة على صعيد التوزيع بين "ميتا" و"أبل". وقد رفضت "إيسيلور لوكسوتيكا" التعليق. من جانبها، كانت "ميتا" أثنت على دور شركة ديل فيكيو في صناعة "راي بان ستوريز" إلا أنها امتنعت عن مناقشة تفاصيل الشراكة.

على الأرجح، ستحتاج نظارات الواقع المضخم من الجيل الأول لأن تخضع للتعديل حتى تتناسب مع المستخدمين والوصفات المحددة لهم. لذا، فإن الأمر معقد، ما يصعّب شراءها على الرف من متجر "بيست باي" (Best Buy) أو طلبها عبر الإنترنت. في هذا المجال، يمكن لأخصائيي البصريات أن يلعبوا دوراً رائداً، إلى جانب المختبرات الصانعة للعدسات، التي يفضل أن تكون تقع على مقربة من المعمل الذي تجري فيه صناعة الإطارات من أجل شحنها معاً.

تملك "إيسيلور لوكسوتيكا" مثل هذه الشبكة التصنيعية. وقال جيف وونغ، كبير المسؤولين الإبداعيين في "إرنست آند يونغ": إذا كنت صاحب متجر نظارات شمسية، وأصبحت ليس فقط مورد النظارات الشمسية، ولكن أيضاً مكتب المساعدة في ما يخصّ هذه النظارات، عندها يمكنك أن ترى انطلاقة نموذج جديد". وأضاف: "هذا كلّ ما تقوم به حالياً متاجر الإلكترونيات الاستهلاكية".

ربحية عالية

بالطبع، على ديل فيكيو أن يتأكد من أي صفقة يبرمها، يجب أن تكون على قدر تطلعاته. فمن أجل الحصول على رخصة تكنولوجيا "راي بان ستوريز"، تدفع "إيسيلور لوكسوتيكا" لـ"ميتا" جزءاً بسيطاً من سعر النظارات البالغ 299 دولاراً. أمّا أولوية "ميتا" فتتمثل في طرح نظاراتها في السوق بسرعة، لأن إرفاق النظارات بالإعلانات يمكن أن يحقق المال أكثر حتى من المنتج ذاته. ففي الولايات المتحدة وكندا، هي تحقق 159 دولاراً للمستخدم الواحد سنوياً من الإعلانات. بالتالي، بإمكانها أن تمنح ديل فيكيو حصة أكبر، بما يتيح له الاحتفاظ بهامش الربح الإجمالي البالغ أكثر من 60%، والذي يعتبره مقدساً.

ليست "إيسيلور لوكسوتيكا" صانعة النظارات الوحيدة العريقة، إلا أنها الأكبر. فإذا انتهى بنا الأمر ونحن نرتدي جميعنا النظارات الذكية، فإن ديل فيكيو لن يرغب في تكرار تجربة قطاع الساعات السويسرية الذي طغت عليه ساعة "أبل". ومن شأن التحالف مع "ميتا" أن يحلّ المشكلة للفريقين.