رغم بعض التعافي.. السياحة العالمية مازالت بعيدة عن استعادة وضعها الطبيعي

رسم: فرانكو زاكارزيوسكي/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كان جواز سفرك ما يزال مركوناً على الرف دون استخدام؛ فلست وحدك من يعاني من ذلك على الإطلاق. لم يكن متوقَّعاً أبداً حدوث انتعاش كامل لقطاع السياحة في عام 2021، في حين تشير التقديرات في معظمها إلى أنَّ عودة القطاع إلى "الوضع الطبيعي" ستكون بحلول 2024. لكنَّ أداء قطاع السفر حالياً يختلف بشكل كبير، بحسب المنطقة التي تبحث عنها.

اقرأ أيضاً: انتعاش السياحة العالمية في الربع الثالث.. والتعافي مازال هشاً

على سبيل المثال، تظهر دراسة أصدرها المجلس العالمي للسياحة والسفر في أكتوبر الماضي، أنَّ منطقة الكاريبي "تتعافى بمعدل أسرع من أي منطقة أخرى في العالم". وهذا خبر مطمئن بعد سنوات من جهود إعادة البناء في المنطقة، عقب إعصاري "إيرما"، و"ماريا" في 2017. وفي المتوسط، ارتفعت مساهمة السفر في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 30% في 2021 مقارنة بعام 2020. وفي منطقة البحر الكاريبي، وصلت هذه النسبة إلى 47%، بفارق 12 مليار دولار بالنسبة إلى الاقتصادات المحلية. وإذا استمر هذا النمو، يمكن للمنطقة أن تكسر الرقم القياسي لسنة 2019 بحلول العام المقبل.

كما كان أداء الولايات المتحدة أفضل بكثير من المستوى المتوقَّع. فقد مدّدت نماذج صادرة عن "إس تي آر" (STR)، وهي شركة بحثية لتحليلات وبيانات قطاع الضيافة، الجدول الزمني لتعافي قطاع السفر لمدة عام كامل، حتى عام 2023، برغم استئناف السياحة الدولية في نوفمبر.

اقرأ المزيد: "إيزي جيت": "أوميكرون" يؤجل التعافي الهش لقطاع السفر

رابحون وخاسرون

لكن بشكل عام، كان هناك رابحون وخاسرون داخل المناطق نفسها. يقول جان فريتاغ، نائب الرئيس الأول لشركة "إس تي آر" لإحصاءات أماكن الإقامة: "إذا كنت تركز على الترفيه، ولديك إمكانية الوصول إلى الشواطئ أو الجبال، فربما تكون قد حققت أرباحاً كبيرة، أو تحقق أرباحاً كبيرة بالفعل". وتُظهر بيانات شركته أنَّه حتى الـ27 من نوفمبر الماضي، تفوّقت 41 سوقاً للفنادق من أصل 131 في الولايات المتحدة على إيرادات عام 2019 لكل غرفة متاحة.

كانت فلوريدا كيز – وهو المكان ذو الأجواء الاستوائية، الذي يمكنه جلب الأمريكيين إليه دون قيود وبائية- هي الفائز الأبرز، فقد سجلت نتائج أعلى بـ144% مقارنة بعام 2019. ومن بين المراكز الخمسة الأولى أيضاً جاءت مدينة غاتلينبورغ في ولاية تينيسي، ودايتونا بيتش في فلوريدا، وميرتل بيتش في ساوث كارولينا.

هناك حالات مشابهة في أوروبا، التي سجلت أعلى سوق فيها في ساحل الفيروز التركي (أو ما يعرف باسم الريفيرا التركية)، نسبة هائلة بلغت 192% مقارنة بنتائج 2019. وكلما كان الفندق أكثر فخامة؛ كانت توقُّعاته أفضل. وفي خارج وداخل الولايات المتحدة على حد سواء، استحوذت مواقع مثل منتجع أمانغيري، وبلاك بيري فارم، ورانش في روك كريك، على قدر كبير من الاهتمام، لدرجة أنَّه كان من المستحيل الحصول على حجز.

عام مخيّب للآمال

لكن على الجانب الآخر، ألقت الأزمة بظلالها على المدن. في الولايات المتحدة، تلقت سان فرانسيسكو الضربة الأكبر في 2021؛ فقد سجلت 34% فقط من عائدات الفنادق لعام 2019. وحققت كل من بوسطن ونيويورك وواشنطن حوالي نصف أرقام عام 2019. وكانت الحالة الأسوأ في أوروبا؛ حيث لم يشهد عام 2021 اختلافاً كبيراً بالمقارنة مع 2020، كما كان يأمل قطاع السفر.

ربما تكون قد شاهدت أصدقاء ينشرون تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي حول السفر من الولايات المتحدة إلى كرواتيا وصقلية، لكن هذه الوجهات وغيرها كانت ما تزال تعتمد على السياح الإقليميين بدلاً من السياح العابرين للحدود، ممن ينفقون أموالاً أكثر. و مايزال الوافدون الدوليون أقل بنسبة 73% في المتوسط.

بحلول نوفمبر الماضي؛ تمكّنت منطقة آسيا والمحيط الهادئ من جذب 5% فقط من الوافدين الدوليين مقارنة بعام 2019، وذلك بسبب عمليات الإغلاق التي فرضتها الحكومات. وقال شيهوكو أسادا مياكاوا، المدير الإقليمي لمنظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، في حوار مع قناة الجزيرة الإنجليزية، إنَّ التأثير في الوظائف والاقتصاد "لا يقل عن كونه كارثياً".

تأثير "أوميكرون"

هناك حفنة من الدول الكبرى في المنطقة، بما في ذلك أستراليا والصين واليابان، لم تفتح أبوابها بعد للمسافرين بغرض الترفيه الدولي من الأساس. واضطرت بعض البلدان التي سمحت بذلك في الأشهر الأخيرة، مثل سنغافورة، إلى مراجعة سياساتها للحد من انتشار سلالة "أوميكرون" من فيروس كورونا"، والذي قد يخرّب الآن موسم الذروة السياحي في جنوب شرق آسيا، وفي منطقة جبال الألب كذلك.

يمنح المسافرون الصينيون الأثرياء الكثير من الزخم للعديد من الفنادق في موطنهم، بسبب عدم وجود وجهات يُسمح لهم بالسفر إليها خارج البلاد. ولكن لايملك كل بلد كثافة سكانية وفيرة، أو عدداً كافياً من الأثرياء للتعويض عن السياحة الدولية، مما يعمّق عدم المساواة في العديد من البلدان المتعافية. كما أنَّ المنتجعات التي تبلغ تكلفة الليلة الواحدة فيها 1000 دولار في فيجي، وإندونيسيا، وتايلاند، وسيشل، ليست مبنية للحشود المحلية. وفي بعض الحالات، كانت لدى هذه البلدان أيضاً فرص غير متكافئة للحصول على اللقاحات، مما أعاق قدرتها على التحكم في عدد الحالات أو إعادة فتح الحدود بأمان.

معاناة قطاع "السفاري"

على أقل تقدير، لا يمكن وصف الوضع الحالي في جنوب أفريقيا بأنَّه وقت الذروة السياحي، إذ ما يزال قطاع "رحلات السفاري" يعاني. قال ديريك جوبيرت، المتخصص الوثائقي في الحياة البرية في قناة "ناشيونال جيوغرافيك"، والمالك المشارك لشركة "إنتاج أزياء رحلات السفاري" "غريت بلينز كونسيرفايشن":(Great Plains Conservation): "إذا كان بإمكاني اختيار التواريخ التي قد تقع فيها موجة أخرى من الاضطراب، فمن المحتمل أن يكون هذا التاريخ هو ما سأختاره".

يشكل أي اضطراب إضافي مصدر تهديد للجدول الزمني للتعافي، الذي ستستغرقه شركة "جوبيرت" بالفعل، والبالغ "ست أو سبع سنوات". ومن دون عائدات السياحة؛ لن يتمكّن مشغلو "رحلات السفاري" -وهم أحد الضامنين الكبار لمشاريع المحافظة على البيئة في المنطقة- من الاستمرار في المساهمة. ويقول جوبيرت: "من الصعب للغاية حساب الخسائر التي تعرّضت لها الحياة البرية وجهود المحافظة عليها". واختتم: "سيستغرق الأمر عاماً آخر، حتى نعرف فقط حجم خسارتنا."