اضطراب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الشحن قد يمتدّان حتى 2023

المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وردت عبارة "مشكلة سلسلة التوريد" 3000 مرّة في خطابات رؤساء الشركات المدرجة على مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" للمستثمرين يوم الثلاثاء 12 أكتوبر، مما يؤشر إلى عمق هذه الأزمة التي تُعتبر من أخطر إرهاصات كورونا اقتصادياً.

"الشرق"، وفي إطار تغطيتها لأبرز الأحداث التي طبعت عام 2021، ويُتوقّع أن يستمر تأثيرها للعام المقبل؛ سلّطت الضوء في حلقة خاصة على موضوع سلاسل الإمداد بمختلف جوانبه، لاسيما ارتفاع أسعار الشحن البحري، وسطوع النجم الجوي، إذ استضافت نائب الرئيس الإقليمي للاتحاد الدولي للنقل الجوي - "إياتا" (IATA) كريم العوضي، وكبير المحللين في منصة "زينيتا" (Xeneta) لتحليلات الشحن البحري والجوي بيتر ساند.

أسعار قياسية

ما من شكِّ بأنَّ سلاسل التوريد العالمية تعاني من مستويات نقص تاريخية، بدءاً من المواد الخام مروراً بالسلع الغذائية وصولاً إلى السيارات.

بموازاة ذلك، ارتفعت أسعار الشحن إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدّة، ويواجه المستهلكون تأخيرات وزيادات في الأسعار، إذ يُتوقّع أن تمتد إلى العام المقبل وما بعده.

ويزيد السعر الحالي لشحن حاوية نمطية بطول 40 قدماً من الصين إلى الولايات المتحدة بأكثر من 300% عن متوسط ما قبل الجائحة. وقد تستغرق أسعار الشحن البحري، التي أضرت بالمصنّعين والتجار على حدٍّ سواء، أكثر من عامين للعودة إلى المستويات الطبيعية.

المؤشرات الحديثة لـ"بلومبرغ إيكونوميكس" تؤكد مدى خطورة المشكلة، وفشل العالم في إيجاد حلٍّ سريع وناجع، لا بل كيف أنَّ الأزمة هذا العام تزداد سوءاً، ويُرجّح أن تنتقل إلى العامين 2022 و2023.

ويُظهر مقياس مجمّع لسلاسل التوريد الأمريكية أنَّ النقص قريب من أعلى مستوى في عقدين.

أوروبا بدورها تحوَّلت بوتيرة سريعة من فائض في المعروض إلى نقص كبير.. ومؤشر العوائق في سلاسل الإمداد يُظهر عجزاً في الإمدادات أيضاً.

بعيداً عن الاضطرابات التي يشهدها قطاع الشحن البحري من نقص في الحاويات، واختناقات في الموانئ؛ شكَّل الشحن الجوي إلى حدٍّ كبير الحل البديل الأمثل والأسرع للشركات لتلبية شهية المستهلكين القوية بعد خروج الاقتصادات من إغلاقات كورونا.

لكنَّ تكاليف الشحن الجوي بدورها ارتفعت إلى مستويات قياسية، فقد تضاعفت الأسعار بمقدار مرتين تقريباً على خطوط الشحن الجوي الرئيسية التي تربط مراكز التصنيع في الصين بالمستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

كما وصلت الأسعار على خط شنغهاي - أمريكا إلى 14 دولاراً للكيلوغرام أوائل شهر ديسمبر، ارتفاعاً من 8 دولارات بنهاية أغسطس، وأعلى من الرقم القياسي السابق البالغ 12 دولاراً، والمسجل عندما ضرب كورونا سلاسل التوريد لأول مرة أوائل عام 2020.

هذا الارتفاع بالأسعار يأتي مدفوعاً بنمو الطلب. فبحسب تقرير حديث صادر عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي "إياتا"؛ ارتفع الحجم الإجمالي للشحنات المنقولة جواً بنسبة 8.7% خلال أشهر أغسطس وسبتمبر وأكتوبر من هذا العام، مقارنةً بالفترة ذاتها من عام 2019. ويتوقّع التقرير أن يستمر الطلب على الشحن الجوي، لا بل سيزداد في عام 2022.

ينعكس ذاك تزايداً في الطلب على طائرات الشحن، لاسيما بعد أن سرَّعت عمليات الإغلاق بسبب كورونا وتيرة التحول للتسوق عبر الإنترنت، في حين قلّت رحلات طائرات الركاب، ما حدَّ من استخدام بدن الطائرة الذي يستوعب عادةً معظم الشحنات المحمولة جواً.

كنموذج لذلك، تلقّت "بوينغ" 150 طلبية لشراء طائرات شحن جديدة، أو لتعديل طائرات ركاب إلى شحن منذ بداية العام، مما يمثل رقماً قياسياً بالنسبة للشركة في هذا القطاع، الذي يُمكن وصفه بالنجم الأبرز في قطاع الطيران خلال فترة جائحة كورونا.

الشحن الجوي

يرى كامل العوضي، نائب الرئيس الإقليمي للاتحاد الدولي للنقل الجوي - "إياتا"، أنَّ قرارات إغلاق حدود الدول بفعل جائحة كورونا زادت من تكلفة النقل الجوي. مُضيفاً: "مع أنَّ تحويل طائرات الركاب لشحن البضائع ليس مربحاً للناقلات، لكنَّه يقلّص من الخسائر، فالتشغيل بعائدات قليلة أفضل من التوقف التام، وخاصةً لشركات الطيران الصغيرة".

العوضي طالب الحكومات، عند دراسة قرارات الإغلاق وإيقاف الرحلات، أن تراعي تأثير ذلك في منظومة الشحن الجوي، إذ إنَّ "نحو 50% من البضائع المنقولة جواً تتم عبر الطائرات المخصصة للركاب. وبالتالي؛ عندما يتم إيقاف هذه الرحلات؛ فإنَّ ذلك يُفقد الشحن الجوي 50% من طاقته التشغيلية العابرة للحدود، مما اضطر بالناقلات إلى تحويل طائرات الركاب لتلبية الطلب على الشحن، لكن تلك الطائرات لا تستطيع نقل الكميات الكافية، إذ لا تتجاوز طاقتها الاستيعابية 10 إلى 15 طناً، بما لا يحقق العائد التشغيلي المجدي للناقلات".

التأقلم مع الواقع

كما يحذّر بيتر ساند، كبير المحللين في منصة "زينيتا" (Xeneta) لتحليلات الشحن البحري والجوي، من أنَّ سلاسل التوريد العالمية تواجه ضغوطاً منذ عام ونصف، "وقد نشهد عاماً إضافياً مماثلاً" في ظل المخاوف من متحور "أوميكرون".

ويلفت ساند إلى أنَّه "برغم أزمة سلاسل التوريد؛ فقد شهدت الأشهر الخمسة الماضية نقل كميات هائلة من السلع بحراً لمستهلكيها النهائيين، ولكن كان هناك تأخيرات، مما دفع المستوردين للجوء إلى شحن البضائع جواً".

غير أنَّ هذا التوجّه معرض لتحدّيات؛ فالصين مثلاً أعلنت أنَّه لن يكون مسموحاً نقل البضائع جواً إلى أمريكا الشمالية وأوروبا اعتباراً من يناير 2022. ومع أنَّها عدّلت هذا الموعد لاحقاً حتى منتصف العام المقبل؛ فإنَّ ذلك يُنذر بصعوبات إضافية قادمة بالنسبة لقطاع الشحن.

برأي ساند؛ فإنَّ الضغوط على عمليات نقل البضائع تُشير إلى مزيد من الارتفاعات الحادّة لأسعار الشحن خلال 2022. وبالتالي؛ فإنَّ "مزيداً من التضخم قادم في الطريق، بفعل ارتفاع التكلفة، ونقلها إلى المستهلك".

واعتبر أنَّ قطاع الشحن "يفتقر مؤخراً لوضوح الرؤية، أو القدرة على التوقُّع لاسيما بما يتعلق بتوقيتات تسليم الشحنات، أو من ناحية تسريع معدلات النقل مما هي عليه منذ اندلاع الجائحة". مستبعداً أن يعود القطاع بسهولة لما كان عليه في 2019 قبل عام 2023.. "فالعالم بحاجة للتأقلم مع هذا الواقع الجديد".