كيف يمكن لقطاع التشفير أن يكون كصناعة الموسيقى؟

يمكن لعالم التشفير أن يكون ممتعاً للغاية
يمكن لعالم التشفير أن يكون ممتعاً للغاية المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

من أجل تصور ما سيكون عليه مستقبل التشفير، أواظب شخصياً على تجربة أدوات تحليلية مختلفة. هذه المرة تناول التحليل مفهوم الصلة أو "بؤرة التركيز"، الذي أعني به جزء النظام الذي يوجّه المستهلكون انتباههم إليه. يمكن لبؤرة التركيز تحديد ما إذا كان قطاع التشفير يبشر بعصر عدم المساواة البائس، أو ما إذا كانت فوائده ستعود في معظمها على المجتمع الأوسع.

اقرأ أيضاً: 2021 "عام عالم التشفير" الذي سيذكره التاريخ طويلاً

كل هذا يبدو مبهماً بشكل تام، لذلك ضع في اعتبارك مثالاً بسيطاً من عالم الموسيقى. يجذب فنانون مشهورون مثل "البيتلز" أو "تايلور سويفت" الانتباه بواسطة أسمائهم ذاتها، وبعبارة أخرى أصبح كل منهم عبارة عن بؤرة تركيز. ثم هناك أماكن أو حانات تشتهر بتقديم موسيقى جيدة، مثل "بلو نوت" (Blue Note) أو "فيلمور" (Fillmore) من حقبة سابقة. في هذه الحالة يكون المكان هو بؤرة التركيز.

اقرأ المزيد: الأصول المشفرة جذبت أموالاً في 2021 أكثر من السنوات السابقة مجتمعة

من هنا فإنّ السؤال الذي يُطرح هو: عندما يتعامل الناس مع مؤسسات التشفير، هل سيولون "المبتكر" أم "الوسيط" أهمية؟ أو -إذا أردنا مواصلة التشبيه بصناعة الموسيقى-: الفنان أم المكان؟

التشفير والتعهيد

أحد السيناريوهات هو أن الأمريكيين العاديين سيجدون ببساطة أن التشفير محيّر للغاية، بحيث لا يمكن التعامل معه بشكل مباشر. لذا بدلاً من اختيار أصول التشفير المفضلة لديهم، واستثمارات التمويل اللامركزي ومقدمي "الرموز غير القابلة للاستبدال" (NFTs)، سيعهدون بقراراتهم إلى وسطاء معروفين. تخيّل الدخول في عقد تشفير مع شركة لديك علاقة راسخة معها، مثل شركة وسائل التواصل الاجتماعي أو البنك الذي تتعامل معه، أو ربما نقابتك العمالية. سيقدّم الوسيط "حزمة تشفير" مصمّمة خصيصاً لتلبية احتياجات شريحة واسعة من العملاء.

ستكون أجزاء مهمة من عالم التشفير مركزية نسبياً. وسيتمتع هؤلاء الوسطاء الرئيسيون باقتصادات الحجم، نظراً إلى سمعتهم وقدرتهم على استغلال تأثيرات الشبكة. على الأرجح سيقدمون منتجات راسخة ومنخفضة المخاطر.

الوسطاء والرقابة

في هذه الحال، قد يكون المستهلكون في وضع أفضل، لكن عالم التشفير سيكون مملاً؛ سيجري الاستيلاء على عديد من مزاياه من قِبل هؤلاء الوسطاء ذوي رأس المال القوي. علاوة على ذلك، ستظهر مشكلات الرقابة مرة أخرى، لأن هؤلاء الوسطاء المهتمّين بالسمعة لن يرغبوا في تقديم كل منتجات التشفير التي بإمكانهم تقديمها. قد لا يمنحونك إمكانية وصول جاهزة إلى نسخة مشفّرة مُعادة صياغتها من "تويتر" على سبيل المثال، إذ تُسجَّل المنشورات على سلسلة الكتل "بلوكتشين"، من دون رقابة على ما يدوّنه المستخدمون.

سيناريو آخر مختلف تماماً: يركز المستخدمون انتباههم على أصول العملات المشفرة بأنفسهم، مثل "بتكوين" أو "إيثريوم" أو "دوج كوين". قد يعني هذا النوع من تركيز المستخدم أن عديداً من مكاسب العملة المشفرة يعود إلى أصحاب الأصول المشفرة الأوائل. يمكن للوسطاء (على سبيل المثال "كوين بيس") كسب عائد، لكن القيمة الحقيقية لاسم العلامة التجارية ستحتفظ بها أصول التشفير نفسها.

الأمور تتغير

كثير من عالم التشفير اليوم يبدو على هذا النحو، رغم أنه قد لا يستمر على الوضع ذاته في ظل توسيع التشفير لتطبيقاته واستخداماته. إذا كنت تمتلك أصولاً مشفرة طويلة المدى، فقد تأمل في أن يمتد هذا النوع من السيناريو، لأن هذه الأصول ستجمع كثيراً من القيمة من ارتفاع الطلب على التشفير.

لكن هناك سيناريو آخر: ماذا لو ركز المستهلكون انتباههم على مبتكري العملات المشفرة، الذين سيكونون في هذه الحالة مشابهين لفنانين موسيقيين مشهورين؟ قد يقول أحد الأشخاص: "أحب خيارات التمويل اللامركزي في {يونيسواب} (Uniswap)"، فيما قد يقول آخر: "سأستخدم أسواق التنبؤ في {هيدج هوغ} (Hedgehog)". في هذا السيناريو قليل من الوساطة وكثير من المنافسة على جذب انتباه المستهلك، وبالتالي فإنّ معظم المكاسب من المنافسة يعود إلى المستخدمين.

هل تتحقق المساواة؟

قد يستخدم العملاء أو يمتلكون أو يستثمرون العملات المشفرة بطرق عدة، تماماً كما يستمعون إلى الموسيقى على الأسطوانات (LPs) والأقراص المضغوطة (CDs) وملفات "إم بي 3" (MP3) وخدمات البث. وبالطريقة ذاتها التي يشارك بها الأشخاص قوائم أغانيهم يمكن لمستخدمي التشفير إصدار الرموز (العملات) الخاصة بهم إذا أرادوا، أو يمكنهم العمل كبنوك خاصة بهم، بمعنى أن يتخذوا قرارات الإقراض الخاصة بهم وينفذوها بشكل مستقل.

لا أعرف ما إذا كان الناس على استعداد لكل هذا العمل، أو حتى هل هو ممتع أم لا، لكن من وجهة نظري هذا هو أفضل سيناريو، والأكثر طموحاً من الناحية التكنولوجية. من المثير للاهتمام أن القدرة الراديكالية للتشفير في الاستغناء عن الوساطة، إذا امتدت إلى نهايتها المنطقية، يمكن أن تولّد مساواة راديكالية للقوة، من شأنها أن تخفّض أسعار وقيم أصول وشركات ومنصات التشفير الراسخة حالياً.

لذلك يمكنك أن تكون متفائلاً بشأن مستقبل العملات المشفرة دون أن تكون متفائلاً بشأن أسعار العملات المشفرة الحالية. وكتشبيه مبسط، وسعت "سبوتيفاي" (Spotify) و"يوتيوب" انتشار الوصول إلى الموسيقى إلى حد كبير، لكن بشكل عام انخفض سعر الموسيقى المسجلة، وكسب عديد من فناني عصرنا اليوم أقل بكثير من نظرائهم خلال عصر الأسطوانات. أو ضع في اعتبارك قطاع الزراعة بالمفهوم العام: لقد كان أداؤه جيداً خلال القرون القليلة الماضية، لكن أسعار المواد الغذائية هبطت بدلاً من أن ترتفع، بسبب زيادة الإنتاج واحتدام المنافسة.

أحد الاستنتاجات هنا هو أنه لمعرفة إلى أين يتجه قطاع التشفير، فإن علم الاجتماع لا يقل أهمية عن علم الاقتصاد. سيستمر التشفير في كونه مفاجئاً، لأن الناس لا يرونه فقط وسيلة لكسب المال، بل أيضًا وسيلة لجعل حياتهم ذات معنى.