"وول ستريت" كما أعرفها لم تعُد موجودة

المصدر: غيتي إيمجز
Jared Dillian
Jared Dillian

Jared Dillian is the editor and publisher of The Daily Dirtnap, investment strategist at Mauldin Economics, and the author of "Street Freak" and "All the Evil of This World." He may have a stake in the areas he writes about.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تخرّجتُ من أكاديمية خفر السواحل في عام 1996. كان وقتاً عصيباً للالتحاق بإحدى أكاديميات الخدمة الأمريكية، حيث عانيتُ من كل أنواع الإهانات. فعلى سبيل المثال، حلق ضابط أعلى رتبة مني ذقني باستخدام حربة سلاحه. كما أُجبرتُ على القيام بـ2,000 تمرين ضغط في اليوم. وخلال الأيام الـ101 التي قضيتها حتى التخرج، تم تحويل الثكنات إلى منطقة حرب تُعرف باسم "الليلة 101"، مع ممارسة الضغوط على مدار الساعة والتأديب الجسدي الذي كاد يقرب من سوء المعاملة. وقد كانت تجربة دفعتي مع "الليلة 101" خطيرة إلى الحد الأقصى، لدرجة أنها حُظِرت على الفور منذ ذلك الحين.

اقرأ أيضاً: الثيران ضخوا 30 مليار دولار أثناء الهبوط.. هل تفلح سياستهم هذه المرة؟

مع ذلك، فإن ذكرياتي عن تلك الفترة من حياتي جيدة جداً. فقد كانت بوتقة من نوع ما، وأنا سعيد لأنني مررتُ بها لأنها أعطتني الصلابة الذهنية التي أمتلكها اليوم. لم يعُد خفر السواحل هكذا، حيث كان في طور التحول إلى خدمة "ألطف وأكثر اعتدالاً" في نهاية فترة دراستي في الأكاديمية. أما خلال "التدريب الصيفي" العام الماضي، وهو التدريب الأساسي لأكاديمية خفر السواحل، فقد حظروا الصراخ.

اقرأ المزيد: توقعات متباينة لأداء وول ستريت في 2022.. وهامش الفرق هو الأعلى في 10 سنوات

صراخ البورصة

في الواقع، مرّت "وول ستريت" بتحوّل لا يختلف كثيراً، حيث شهدتُ شخصياً على الكثير من الصراخ أثناء عملي هناك في الفترة بين 1999 و2008، ولكن كان هناك الكثير من رأسمال البنوك الذي يتم الالتزام به والكثير، من المخاطر التي يجري تحويلها. ومن المحتمل أنني صرختُ أكثر من أي شخص آخر، إذ صرخت كثيراً في الحقيقة. لكن في نهاية المطاف، لم يأخذ أحد أي شيء على محمل شخصي. لكن إذا صرخ شخص ما في قاعة التداول اليوم، فمن المحتمل أن يضع هذا التصرف حداً لمساره الوظيفي.

اليوم، تقوم بنوك "سيتي غروب"، و"بنك أوف أميركا"، و"سيتادل سيكيوريتيز" (Citadel Securities) بعكس السياسات، والسماح لموظفيها بالعمل من المنزل لفترة أطول. وهذا ليس فقط بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بكوفيد-19، وإنما أيضاً لأن موظفيها يبدون سعداء بالعمل من المنزل ومنزعجين من الاضطرار إلى الذهاب إلى المكتب. كما قام "مورغان ستانلي" للتو بتسهيل وتوسيع سياسات إجازة الأمومة، وهو يسهم بشكل أكبر في خطط المعاشات التقاعدية للموظفين أو ما يعرف ببرنامج (401 k). فضلاً عن ذلك، قال "غولدمان ساكس" إنه سيعرض قريباً تمديد إجازة رعاية الأسرة وحالات الوفاة. وفي وقت سابق من هذا العام، أرسل بنك "يو بي إس" (UBS) مذكرة لتذكير موظفيه بأنه يحقّ لهم "ساعة عافية" كل يوم. كل ذلك، يأتي بعد جهود للحد من ساعات عمل صغار المصرفيين والمتدرّبين.

مكافآت مجزية

يُشار إلى أن هذه التغييرات ترجع فقط إلى ديناميكيات العمل. ولا تزال المكافآت بالتأكيد مرتفعة بالنسبة إلى عدد قليل من الأشخاص المختارين. فقد بلغ متوسط ​​الرواتب بما في ذلك المكافآت 438,450 دولاراً العام الماضي، ولكن نظراً لزيادة اللوائح، لم تعد "وول ستريت" التذكرة الذهبية التي كانت في السابق للجماهير، حيث يتعين على البنوك التنافس على المواهب مع شركات التكنولوجيا التقليدية، وشركات التكنولوجيا المالية الجديدة، والشركات الناشئة في مجال العملات المشفرة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.

كذلك مرّت الصناعة بتشنج مشابه في أواخر التسعينيات، لكن هذا في الحقيقة كان بمثابة تعديل لقواعد اللباس لتتماشى مع شركات التكنولوجيا التي سمحت لموظفيها بارتداء القمصان ولعب كرة قدم الطاولة في المكتب. وفي الحقيقة، كنتُ أعمل في "ليمان براذرز هولدينغز" في ذلك الوقت، وقاوم الرئيس التنفيذي، ديك فولد، السماح بارتداء اللباس غير الرسمي في المكتب، وأراد من موظفيه ارتداء البدلات الرسمية؛ إلا أنه وافق في نهاية المطاف. لكن بعد حوالي عامين، أي عقب انفجار فقاعة الدوت كوم، عاد "ليمان" إلى البدلات الرسمية والتمسك بقواعد اللباس الرسمي طوال مدة العمل في المكاتب.

ضغوط من نوع آخر

لم تعد "وول ستريت" مُرهقة كما كانت من قبل؛ حيث اختفت أعمال تحويل المخاطر في الغالب، على الأقل في الأسهم، واستُبدلت بالتداول الخوارزمي. كما انخفضت القيمة المعرضة للمخاطر في بنوك وول ستريت الكبرى بشكل مطرد. ومع ذلك، هناك نوع مختلف من الضغط على "وول ستريت" الآن، حيث يتعامل الكثيرون فيها مع الخوف من قول أو فعل شيء خاطئ، والخوف من إرسال بريد إلكتروني غير مناسب، والخوف من الوقوع في مواجهة مع الامتثال والتنظيم المفرط، والخوف من احتمال خسارة حياتك المهنية ببساطة عن طريق الضغط على الزر الخطأ. ولم يكن يبدو أن الاتصالات الإلكترونية تخضع للمراقبة عندما كنت أعمل في "ليمان". ولكن نتيجة لأفعال خاطئة مثل فضيحة ليبور، تخضع اليوم كل رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل الفورية، والمكالمات الهاتفية للمراقبة. كما أن هناك الكثير من الفرص لارتكاب خطأ بسيط قد يُكلّفك غالياً.

قد لا يبدو هذا تقدماً، إلا أنه كذلك. ومن الجيد أن تصبح البنوك أماكن عمل مضيافة، لأن "وول ستريت" كانت غير حضارية إلى حد كبير في بعض الأحيان. وهناك الكثيرون من "جيل إكس" الأقوياء الذين يُحبوّن سرد القصص عن مدى صعوبة الأمور في الأيام الخوالي في "وول ستريت"، ومدى سهولة حصول "الصغار" عليها الآن. وصحيح أن خطر التعرض للاصطدام بهاتف طائر يقترب من الصفر الآن، وقد تتوافر المزيد من وسائل الراحة، إلا أن الوظيفة أصبحت أكثر إرهاقاً. وعندما أفكر في "وول ستريت" اليوم، لا أشعر بالأسف لخسارة ثقافة المتداول ذي العضلات المفتولة، إلا أنني أشعر بالأسف لخسارة المخاطرة؛ فقد كان هذا هو الجانب المثير الذي جعل العمل في تلك البيئة الضاغطة ممتعاً، وليس وسائل الراحة.