الطائرات بدون طيار.. وحرب البيانات بين واشنطن وبكين

طائرة من دون طيار من طراز "دي جيه آي إنسباير وان برو"، أثناء عرض توضيحي في مقر الشركة المصنّعة في مدينة شينزن الصينية عام 2016
طائرة من دون طيار من طراز "دي جيه آي إنسباير وان برو"، أثناء عرض توضيحي في مقر الشركة المصنّعة في مدينة شينزن الصينية عام 2016 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مقاطع الفيديو التي يبثها في قناته على "يوتيوب" لـ80 ألف مشترك، التي يستعرض فيها خصائص ومواصفات أحدث طرز الطائرات بدون طيار، لا يبدو الطالب في جامعة إنديانا، كارسون ميلر، أنَّه يعمل كأداة تجسّس تُستخدم عن غير قصد في خدمة الصين.

اقرأ أيضاً: الاستخدام المدني للدرون.. اقتصاد سريع يصطدم بـ "فيتو السياسة"

لكن مع ذلك، هذه ليست نظرة الولايات المتحدة إلى ميلر والآلاف غيره من الأمريكيين الذين يشترون طائرات بدون طيار من صنع الشركة الصينية التي تتخذ من مدينة شينزن مقراً لها، "دي جيه آي تكنولوجي" (DJI Technology Co)، والتي تعتبر أكبر منتجة في العالم للطائرات بدون طيار.

سيطرة على السوق

ميلر البالغ من العمر 21 عاماً، والذي اشترى أول طراز من طائرات "دي جيه آي" في عام 2016 مقابل 500 دولار، ويمتلك الآن 6 منها؛ يشرح سبب سيطرة هذه الشركة على أكثر من نصف سوق الطائرات بدون طيار في الولايات المتحدة، وهو يقول: "إذا تم حظر (دي جيه آي) بشكل كامل غداً.. سأشعر بالخوف إلى حد كبير".

اقرأ المزيد: استعدوا للتحليق.. السيارات الطائرة على وشك الإقلاع

يحذِّر منتقدو "دي جيه آي" من أنَّ صانعة الطائرات بدون طيار، قد توجّه إلى وكالات الاستخبارات الصينية، مجموعات من البيانات الحساسة التي تتعلق بكل شيء، بدءاً من البنية التحتية الحيوية، كالجسور والسدود، وصولاً إلى المعلومات الشخصية مثل معدلات ضربات القلب والتعرف على الوجه. لكن بالنسبة إلى ميلر؛ يواجه المستهلكون الكثير من التهديدات الأكبر لخصوصية بياناتهم، وقال: "هناك تطبيقات تتعقبك على هاتفك الذكي على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".

اقرأ أيضاً: موقف بايدن من الصين.. استمرار لنهج ترمب أم توصل إلى صفقة كبرى؟

محاربة الشركة

هذا الموقف يفرض مشكلة على المسؤولين الأمريكيين الذين يسعون إلى إنهاء هيمنة "دي جيه آي" في الولايات المتحدة. ويوم الخميس؛ منعت إدارة الرئيس جو بايدن الاستثمار الأمريكي في الشركة، بعد عام من منعها من الحصول على أجزاء وقطع أمريكية تدخل في صناعتها من قبل الرئيس دونالد ترمب. وحالياً، يدرس المشرعون من الحزبين مشروع قانون من شأنه حظر المشتريات الفيدرالية للطائرات بدون طيار من طراز "دي جيه آي"، في حين يريد عضو في لجنة الاتصالات الفيدرالية إخراج منتجاتها من السوق الأمريكية نهائياً.

من نواحٍ عديدة، أصبحت "دي جيه آي" تجسيداً لتهديد أمن قومي أوسع بكثير، يتمثل في قدرة الحكومة الصينية على الحصول على بيانات حساسة عن ملايين الأمريكيين. في الأسابيع الماضية، حذَّر كبار المسؤولين السابقين في كلٍّ من إدارتي أوباما وترمب من أنَّ بكين ربما تجمع معلومات شخصية عن مواطني الدول المنافسة، في حين تحجب بيانات 1.4 مليار شخص في الصين.

كتبت أونا هاثاوي، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة ييل، التي خدمت في البنتاغون في عهد الرئيس باراك أوباما، في مجلة "فورين أفيرز"، في إشارة إلى تقنيات المراقبة والرصد: "كل قطعة جديدة من المعلومات، بحد ذاتها، غير مهمة نسبياً.. لكن مجتمعة، يمكن للقطع أن تمنح الخصوم الأجانب نظرة ثاقبة غير مسبوقة عن الحياة الشخصية لمعظم الأمريكيين".

ميزة اقتصادية وعسكرية

كان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، متقدماً كثيراً على الغرب في إدراك أهمية البيانات في اكتساب ميزة اقتصادية وعسكرية، وفقاً لما قاله مات بوتينغر، النائب السابق لمستشار الأمن القومي في إدارة ترمب. وكتب في مقال رأي شارك في تأليفه في صحيفة "نيويورك تايمز" الشهر الماضي: "إذا لم تنظم واشنطن وحلفاؤها استجابة قوية، سينجح السيد شي في السيطرة على قمم القوة العالمية المستقبلية".

تأتي معركة البيانات في قلب المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، ولديها القدرة على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي على مدى العقود المقبلة،

لا سيما أنَّ كل شيء ينقل البيانات الآن، من السيارات إلى حصائر اليوغا إلى المراحيض. ويعد تسخير هذه المعلومات مفتاحاً للسيطرة على تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي الذي سيقود الاقتصاد الحديث، كما يعد حاسماً لاستغلال نقاط الضعف لدى الأعداء الاستراتيجيين.

المخاوف المتعلقة بأمن البيانات "ستكون قضية محددة للعقد القادم"، إذ تؤدي التطورات التكنولوجية إلى "طلب هائل" على مزيد من المعلومات، وفقاً لبول تريولو، المسؤول السابق في الحكومة الأمريكية والمتخصص في سياسة التكنولوجيا العالمية لدى مستشارة المخاطر "يوراسيا غروب" (Eurasia Group). وأضاف أنَّ النتيجة هي على الأرجح تشعب شبه كامل للإنترنت، مما يعكس قيم الأنظمة السياسية المتنافسة.

عالمان متناقضان

قال تريولو: "سيتم بناء العوالم الرقمية الديمقراطية والاستبدادية على أجهزة مختلفة إلى حدٍّ كبير، بمعايير مختلفة، ونقاط اتصال محدودة.. وسيؤدي هذا إلى زيادة التكاليف للشركات العاملة عبر هذين المجالين، ويقلص الابتكار، ويقود إلى توترات جيوسياسية، وإلى انكماش في التجارة، وإلى عالم أكثر تعقيداً على الشركات التي تعمل ضمنه، وستضطر الدول الأخرى إلى اختيار جانب من هذا الانقسام، وسيكون هذا مؤلماً ومكلفاً".

بالفعل، بدأت مخاوف أمن البيانات في تجاذب سلاسل التوريد التصنيعية، والأسواق المالية وسط مخاوف من أنَّ الحكومات ستستخدم المعلومات الملتقطة من تطبيقات الهواتف الذكية، والأجهزة الطبية، والمنتجات الاستهلاكية مثل الطائرات بدون طيار، كسلاح. ويسارع صانعو السياسات في كل من الولايات المتحدة والصين إلى اتخاذ المزيد من التدابير لحماية بيانات مواطنيهم.

تصرّفت بكين بشكل أسرع، وأصدرت قوانين العام الجاري التي تهدف إلى منع بيانات المستخدمين من التسرب إلى الأيدي الخطأ، مع تعزيز قدرة الحكومة على التحكم في المعلومات التي تحتفظ بها الشركات الخاصة، كجزء من حملة أوسع على أكبر شركات التكنولوجيا لديها. وأمر الرئيس شي جين بينغ بإجراء مراجعات أمن سيبراني لكل الشركات الصينية التي ترغب في إدراج أسهمها في البورصات الأجنبية، مما دفع عملاقة خدمة نقل الركاب "ديدي غلوبال" (Didi Global) إلى شطب أسمهما في الولايات المتحدة والتوجه إلى هونغ كونغ بعد خمسة أشهر فقط من الطرح.

محاولة "الشبكة النظيفة"

اتخذت إدارة ترمب خطوات تتعلق بالبيانات في عام 2020، عندما حظرت اثنين من أكثر التطبيقات استخداماً في الصين، وهما "تيك توك" التابع لشركة "بايت دانس" (ByteDance)، و"وي تشات" التابع لشركة "تينسنت هولدينغز" (Tencent Holdings)، كما حثت الحلفاء على تبني ما يسمى بالشبكة النظيفة من خلال استخدام شبكات الاتصالات الخالية من الشركات والمعدات الصينية.

لكنَّ الشبكة النظيفة لم تنطلق أبداً، نتيجة امتناع الشركاء الآسيويين للولايات المتحدة في مجال الأمن، والذين يعتمدون على الصين في التجارة، عن تقسيم العالم إلى كتل بيانات متنافسة. بعد ذلك، ألغى الرئيس جو بايدن الحظر المفروض على "تيك توك"، و"وي تشات"، وأمر بمراجعة شاملة للحصول على توصيات بشأن الإجراءات اللازمة لحماية البيانات الأمريكية الحساسة، ولم تعلن إدارته بعد عن النتائج، كما لم تقم بصياغة سياسة واضحة بشأن البيانات التي تشكل تهديداً للأمن القومي.

مع ذلك؛ يركز صانعو السياسة في الولايات المتحدة على بعض الشركات المهيمنة في مجال البيانات. وفي عالم الطائرات بدون طيار، لا توجد شركة أكثر إنتاجاً من "دي جيه آي": قالت لجنة الاتصالات الفيدرالية في أكتوبر، إنَّ الشركة الصينية تسيطر على أكثر من 50% من سوق الطائرات بدون طيار في الولايات المتحدة، وتقدّر شركة الأبحاث "درون أناليست" (DroneAnalyst) أنَّها تبيع حوالي 95% من الطائرات بدون طيار، التي يتراوح سعرها بين 350 دولاراً و2000 دولار، والتي تستهدف المستهلكين.

تحركات المشرّعين

في عام 2019، وقَّع ترمب على مشروع قانون يحظر على الجيش شراء الطائرات بدون طيار صينية الصنع أو مكوناتها، وبعد عام؛ وضعت وزارة التجارة "دي جيه آي" على قائمة الكيانات الخاصة بها، والتي تمنع الموردين الأمريكيين من البيع لها دون استثناء رسمي، وشارك الجمهوريون الذين لديهم طموحات رئاسية مثل السيناتور توم كوتون، والسيناتور ماركو روبيو، في رعاية قانون "الطائرات بدون طيار الأمريكي" المدعوم من الحزبين، والذي من شأنه حظر كل المشتريات الفيدرالية للطائرات بدون طيار التابعة لشركة "دي جيه آي". وضغط كبير الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وزعيم الأغلبية تشاك شومر، من أجل تشريع مماثل عبر مشروع قانون منفصل.

قد تواجه "دي جيه آي" المزيد من المشكلات قريباً.

"هواوي".. بأجنحة

في أكتوبر، قال برندان كار، وهو أحد المفوَّضين الأربعة للجنة الاتصالات الفيدرالية، إنَّ الجهة التنظيمية يجب أن تنظر في فرض حظر على الموافقات على معدات "دي جيه آي"، مشيراً إلى "الكميات الهائلة من البيانات الحساسة" التي جمعتها طائراتها بدون طيار. وفي بيان صادر عن لجنة الاتصالات الفيدرالية؛ حذّر كار من أنَّ شركة "دي جيه آي" قد تكون بمثابة "هواوي لكن بأجنحة"، في إشارة إلى شركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" (Huawei) التي سعت الولايات المتحدة إلى فرض عقوبات عليها بسبب مخاوف التجسس.

رفضت رئيسة لجنة الاتصالات الفيدرالية، جيسيكا روزينورسيل، التعليق عبر متحدث على دعوة كار لفرض قيود على "دي جيه آي".

أي تحركات من قبل لجنة الاتصالات الفيدرالية لوقف الموافقات على معدات "دي جيه آي"، من شأنها أن تعيق عمليات الشركة في الولايات المتحدة، وفقاً لكونور هيلي، المدير الحكومي لمجموعة أبحاث المراقبة "آي بي في إم" (IPVM)، ومقرها بنسلفانيا.

قال هيلي: "في النهاية، لن يتبقى لهم أي شيء ليبيعوه في الولايات المتحدة، نحن نخلق وضعاً لا تستطيع فيه الصين بيع المعدات للعالم، والعكس".

لقد انتقدت الصين كثيراً تلك التحركات لمنع شركاتها من الوصول إلى تكنولوجيات أو أسواق بعينها، متهمة الولايات المتحدة بإساءة استغلال فكرة الأمن القومي "لإعاقة الشركات الصينية"، وفي الوقت ذاته، أكد صنّاع السياسة في بكين على الحاجة إلى الاعتماد على الذات فيما يتعلق بالتكنولوجيات الأساسية، مثل الرقائق المتقدّمة لإنهاء اعتمادهم على الغرب.

"دي جيه آي": ملتزمون تجاه المجتمع

لم تجب "دي جيه آي" عن أسئلة "بلومبرغ نيوز" حول سياسات البيانات أو استراتيجيات التسويق، كما لم تعلق الأسبوع الماضي على إدراجها في القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة. وأشار آدم ليسبرغ، المتحدث باسم "دي جيه آي" إلى تصريح من 2020، عندما وضعت وزارة التجارة الأمريكية الشركة على قائمتها للشركات الممنوعة من الشراء من المورّدين الأمريكيين بدون استثناء رسمي.

قالت الشركة حينها: "(دي جيه آي) لم تفعل شيئاً لتبرير وضعها ضمن قائمة الكيانات.. لطالما ركزنا على بناء المنتجات التي تنقذ الأرواح وتفيد المجتمع.. و(دي جيه آي) وموظفوها ما يزالون ملتزمين بتقديم التكنولوجيا الأكثر ابتكاراً في القطاع للعملاء، ونخن نقيم خياراتنا لضمان التعامل مع عملائنا وشركائنا ومورّدينا بشكل عادل".

قال ديفيد بينويتز، مدير الأبحاث في "درون أناليست"، وهو موظف سابق في "دي جيه آي"، إنَّ الشركة قلّصت بالفعل اعتمادها على الموردين الأجانب لأشباه الموصلات والمحركات والكاميرات.

وقال: "لقد رأوا التحذيرات، وقاموا فعلياً بعزل أنفسهم. ولدى (دي جيه آي) فضاؤها الخاص، إذ تمتلك معظم الأشياء التي تعتمد عليها".

لكن، هل كان لقرار وضع "دي جيه آي" على قائمة وزارة الخزانة السوداء التي تحظر الاستثمار الأمريكي، تأثير كبير على هذه الشركة المملوكة ملكية خاصة؟ يبقى هذا الأمر خاضعاً للجدل.

المبيعات لم تتأثر

في أغسطس، أخبرت شركة "دي جيه آي" المستثمرين -ومن بينهم شركة رأس المال المغامر "سيكويا كابيتال تشاينا" (Sequoia Capital China)، و شركة "أكسيل بارتنرز" (Accel Partners) - أنَّ الإضافة إلى قائمة الكيانات لم يكن لها أي تأثير مادي على المبيعات والعمليات في أمريكا الشمالية، وفقاً لشخص مطلع على الموقف طلب عدم الكشف عن اسمه أثناء مناقشة مسألة خاصة. وقال الشخص المطّلع، إنَّ "دي جيه آي" حققت أرباحاً بقيمة 914 مليون دولار في عام 2020 من إيرادات بلغت 3.25 مليار دولار.

بصفتها شركة خاصة في قطاع تنافسي؛ فإنَّ "دي جيه آي" لا تكشف عن تفاصيل حول أدائها المالي والسوقي، وفقاً للمتحدث ليسبرغ، في رده على طلب تعليق على التواصل مع المستثمرين وأرباح العام الماضي.

نادراً ما يتحدث الملياردير فرانك وانغ، الذي أسس شركة "دي جيه آي" في 2006 عندما كان طالباً جامعياً في هونغ كونغ، إلى وسائل الإعلام. وقال رئيسها، روجر لو، إنَّ صانعة الطائرات بدون طيار ليست في عجلة من أمرها للتحول إلى شركة عامة، بحسب ما أفادت "بلومبرغ بيزنس ويك" في مارس 2020. وأضاف: "يهتم المستثمرون بالربح.. ونحن نريد تجنب القيود والتركيز على شغفنا".

طراز خاص بالحكومات

وسط المخاوف المتزايدة بشأن المراقبة الصينية؛ طرحت "دي جيه آي" في عام 2019 طرازاً حكومياً من طائراتها بدون طيار، والمصمم لضمان عدم خروج الصور والفيديو والبيانات الأخرى من الجهاز. وقالت، إنَّ المعلومات "بالتالي؛ لا يمكن أبداً مشاركتها مع أطراف غير مصرّح لها، بما في ذلك (دي جيه آي)".

منذ ذلك الحين، توسّعت الشركة في هذه الجهود، وقدّمت للمستخدمين وضع "البيانات المحلية" الذي يمنع نقل جميع بيانات الطائرات بدون طيار عبر الإنترنت. وقالت في بيان صدر في يوليو 2020: "تلتزم (دي جيه آي) بحماية بيانات مستخدمي الطائرات بدون طيار، ولهذا السبب نصمم أنظمتنا بحيث يتحكّم مستخدمو الطائرات بدون طيار في مشاركتنا أي بيانات، أو لا".

يقول كلون كيتشن، الخبير الأمني في معهد "إنتربرايز" الأمريكي بواشنطن، إنَّه على الرغم من تعهدات شركة "دي جيه آي"؛ فإنَّ الأجهزة ليست آمنة.

قال كيتشن في مقابلة: "هذه الطائرات بدون طيار هي نماذج محدثة لطائرات غير متوافقة". وأوضح أنَّ المعلومات يمكن أن تتدفق من خلال تطبيقات التحكم في الطائرات بدون طيار التي تمتص البيانات من الهواتف المحمولة للمستخدمين.

لكنَّ شركة "دي جيه آي" والشركات الصينية الأخرى تواجه عقبة أكبر، وهي أنَّ قلة من الحكومات الغربية تثق في بكين، إذ يطالب قانون الاستخبارات الوطني الصيني المؤسسات والشركات بالمساعدة في التجسس، والحفاظ على سرية هذه الأنشطة.

من الطبيعي أن تفترض الحكومات أنَّ وكالات التجسس الصينية ستجد قيمة في المعلومات التي تجمعها الطائرات بدون طيار التابعة لشركة "دي جيه آي"، وفقاً لأندرو شيلي، مدير "أفياشن سايفتي مانجمنت سيستمز" (Aviation Safety Management Systems)، وهي شركة استشارية مقرها الجزيرة الشمالية في نيوزيلندا، وتعمل مع عملاء حكوميين.

قال شيلي: "بالنسبة إلى المستخدم الترفيهي العادي الذي قد يلتقط صور سيلفي على الشاطئ؛ صحيح أنَّه على الأغلب لن تكون (دي جيه آي) مهتمة ببياناته.. لكن بشكل جماعي، الحكومة الصينية مهتمة ببياناتنا، لكنَّنا لا نفهم فحسب حجم هذا التهديد".

تضاؤل الحصة السوقية

بدأ يظهر التأثير السلبي لوابل المخاوف من المخاطر الأمنية من الطائرات بدون طيار التابعة لشركة "دي جيه آي"، خصوصاً في السوق المربحة للعملاء من الشركات، وانخفضت حصة الشركة في القطاع التجاري العالمي للطائرات بدون طيار البالغة قيمتها 2 مليار دولار إلى 54% في النصف الأول من عام 2021، بتراجع من 74% في عام 2018، وفقاً لـ"درون أناليست".

تعد استراتيجية القتال الخاصة بشركة "دي جيه آي" بسيطة إلى حدٍّ ما؛ كعزل الشركة عن العقوبات، وإنشاء منتجات أفضل، وبأسعار معقولة أكثر من أي شيء منافس في السوق، وكسب الجيل القادم من المستخدمين.

تقنيات جديدة

في العام الماضي، أطلقت "دي جيه آي" قسماً تعليمياً جديداً، فقد قدّمت طائرة صغيرة بدون طيار بسعر 240 دولاراً فقط، بالإضافة إلى برنامج لمساعدة معلمي المدارس في توجيه الطلاب الصغار إلى أساسيات البرمجة. وفي أكتوبر، استعانت الشركة بالمصوّرين السينمائيين -بما في ذلك ثلاثة فائزين بجائزة أوسكار- للترويج لطائرة بدون طيار بتقنية تثبيت جديدة، ومجموعة من الميزات المتقدّمة الأخرى. وتشمل الأجهزة الأخرى جهازاً يمكنه البقاء في الهواء لمدة تصل إلى 46 دقيقة، وآخر لرش المحاصيل "يمكن أن يغطي 40 فداناً في ساعة واحدة".

ويشار إلى أنَّ الشركات المنافسة لـ"دي جيه آي" أُعجبت بالمنتجات الجديدة.

قال جورج ماتوس، مؤسس شركة "تيل درونز" (Teal Drones)، ومقرها سولت ليك سيتي في ولاية يوتا الأمريكية، وهي شركة تابعة لـ"ريد كات هولدينغز" (Red Cat Holdings) المدرجة في بورصة ناسداك، والتي تبيع الطائرات بدون طيار لأغراض الاستطلاع، والسلامة العامة، والتفتيش لوزارة الدفاع الأمريكية: "إنَّهم بارعون تماماً فيما يفعلون". وأضاف أنَّ "دي جيه آي" تمتلك قوة عاملة ضخمة من المهندسين الذين يتأكدون من أنَّ كل قطعة من الأجهزة على طائراتهم بدون طيار مثالية".

دعم المنافسين

مع ذلك، يثني ماتوس على تحركات الحكومة الأمريكية ضد "دي جيه آي". وكانت طائرة "تيل" من بين خمس طائرات وافق عليها البنتاغون للاستخدام العسكري والفيدرالي، وتسعى الشركة حالياً إلى مضاعفة عدد العاملين لديها الذين لا يتجاوزون 20 شخصاً، وكذلك تعزيز السعة الإنتاجية، وفقاً لماتوس.

قال ماتوس، الذي أسس الشركة في عام 2014 عندما كان في السابعة عشرة من عمره: "في الأصل كانت المنافسة شديدة الصعوبة ضد شركة (دي جيه آي)، ثم تحوّلت إلى سباق نحو قاع الأسعار. وقد قضوا تماماً على معظم السوق"، والآن الدعم الحكومي "سمح لشركات مثل (تيل) بالبقاء والازدهار، وأصبح أمام الشركات الأمريكية مجال للنمو".

إنَّ معظم المنافسين الأمريكيين لشركة "دي جيه آي" هم الآن شركات أصغر مثل "تيل"، بعد خروج منافسين أكبر مثل "غو برو" (GoPro)، و"ثري دي روبوتيكس" (3D Robotics) من السوق، وأعلنت وحدة الابتكار الدفاعي التابعة للبنتاغون في أكتوبر عن جولة جديدة من 11 بائعاً معتمداً للطائرات بدون طيار، ومعظمهم أمريكيون، وبينهم اثنان من سويسرا.

الطائرات المنافسة.. أغلى

يقول لوك غولدبيرغ، رئيس شركة "إنتربرايز يو إيه إس" (Enterprise UAS)، مالكة العديد من موزعي الطائرات بدون طيار، ومقرها في تشاتسوورث بولاية كاليفورنيا، إنَّ الافتقار إلى بدائل مماثلة لطائرات "دي جيه آي" يمثل مصدر قلق لإدارات الشرطة المحلية التي تتلقى بعض التمويل من واشنطن، ويمكن أن تعرقلها القواعد التي تحظر الإنفاق الفيدرالي على معدات "دي جيه آي". وقال إنَّ معظم الطائرات التجارية بدون طيار أمريكية الصنع أغلى بأكثر من 30%، وتقدّم خاصيات أقل.

يقول المدافعون عن "دي جيه آي" - مثل كاي واكويتز، الرئيس التنفيذي لشركة "درون إندستري إنسايتس" (Drone Industry Insights)- إنَّ الهجمات الأمريكية على الشركة تدور حول حماية قدرة البلاد على صنع طائرات بدون طيار أكثر منها حول المخاوف بشأن البيانات.

قال واكويتز، الذي تتخذ شركته الاستشارية من هامبورغ في ألمانيا مقراً لها، إنَّ القلق بشأن إرسال طائرات بدون طيار من طراز "دي جيه آي" لصور القواعد الجوية أو محطات الطاقة إلى المخابرات الصينية غير واقعي. وأضاف: "حجم البيانات كبير جداً، فأين الضرر الفعلي؟.. وبالنسبة إلي، يبدو أنَّها حجة لإخراج المصنّعين الصينيين من السوق".

شعبية كبيرة

مع ذلك، أصبح صانعو السياسة في أمريكا من كلا الحزبين الرئيسيين، أكثر اقتناعاً بالتهديد الذي تفرضه "دي جيه آي"، وشعبيتها بين المستهلكين العاديين لا تؤجج إلا الخطر، وفقاً لما ذكرته نازاك نيكاختار، الشريك والرئيس المشترك لممارسات الأمن القومي في مكتب المحاماة "وايلي راين" (Wiley Rein)، ومقره واشنطن، والذي خدم في وزارة التجارة من 2018 إلى 2021.

قالت نيكاختار: "هناك إجماع على ترجيح جمع هذه الطائرات الصينية بدون طيار لبياناتنا". وأضافت: "الأشخاص أيضاً يستخدمون هذه الطائرات في منازلهم.. وإذا جمعت هذه العوامل مع بعضها يصبح الأمر مخيفاً إلى حدٍّ كبير".

لكنَّ ميلر، مستعرض الطائرات بدون طيار على "يوتيوب" من إنديانا، على ثقة بأنَّ شركة "دي جيه آي" ستكون قادرة على تحمل أحدث هجوم من واشنطن، لأنَّ المستهلكين يريدون فقط "أفضل منتج بأفضل سعر ممكن"، على حدِّ قوله.

قال ميلر: "لا أرى أنَّ (دي جيه آي) ستختفي في أي وقت قريب، حتى مع وضعها في القائمة السوداء تلك، ما لم تتخذ واشنطن إجراءات صارمة ضد المستهلكين لشرائهم الطائرات بدون طيار في المقام الأول".