صناعة النسيج ليست حكراً على أصحاب البشرة البيضاء في الولايات المتحدة

أديلا كولفين
أديلا كولفين المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

زارت أديلا كولفين، التي تعيش في جورجيا، وتبلغ من العمر 34 سنة، متجراً للخيوط للمرة الأولى منذ خمس سنوات، حينما اقترحت عليها إحدى جاراتها الحياكة كهواية. وقرَّرت كولفين تجربة الأمر، وتوجَّهت إلى متجرٍ في جنوب كارولاينا يبعد حوالي 40 دقيقة عن مكان سكنها.

وكان من الممكن أن تكون هذه تجربتها الأخيرة بسهولة. إذ تمكَّنت كولفين بصعوبة من تجاوز الباب الأمامي للمتجر، عندما اعترضتها امرأة ذات بشرةٍ داكنة مع تسريحة (أفرو)"، وكان ذلك كافياً لإنهاء المحادثة. وأضافت "تحطَّم قلبي". ثم استدارت وغادرت. وبعد ذلك بقليل، قررت شراء الخيوط عبر الإنترنت، وذلك من أجل بعض المشاريع البسيطة، كالقبعات والشالات. ثم قررت بعدها أن تجرِّب طلاء خيوطها الخاصة.

وعندما كانت كولفين ترتدي أقمشة الصوف المطلية التي صنعتها، كانت تتلقى المديح بشكلٍ دائم، لا سيَّما من النساء اللواتي كنَّ يعبِّرن لها عن مدى إعجابهنَّ بالألوان. لذا افتتحت متجرها الخاص باسم "كوخ أديلا للحياكة" (Adella’s Crochet Cottage) في أواخر 2015. وقالت: "عندما بدأت البيع، لم أكن أُظهر وجهي. لأنَّ الناس عندما ترى وجهاً أسمر، فأول ما سيخطر في بالهم هو "الدونية".

وعندما ولدت ابنتها لولا التي تلقبها "بين" في يونيو 2016، بدأت كولفين تفكِّر في الإرث الذي كانت تبنيه. وأعادت تسمية مشروعها بـ"LolaBean Yarn Co". إذ وظَّفت رسَّاماً كي يبتكر صورة لابنتها مع عينيْن كبيرتيْن ومضيئتيْن، وبشرة داكنة كشعارٍ لها.

فنون الخيوط

واليوم، تُعدُّ كولفين عاملة صباغة مستقلة، وتستقبل طلبات كثيرة، إذ يتمُّ بيع خيوطها في المتاجر في أنحاء الولايات المتحدة كافةً. ولا يزال معظم زبائنها من ذوي البشرة البيضاء، ولكنها تقول: إنَّ قاعدة زبائنها باتت تضمُّ أشخاصاً أصغر سناً، ومن ذوي البشرة السمراء. وقالت: إنَّ من يشتري خيوطها يرى "وجه طفلتها الأسمر". وأضافت: "لا يمكنني أن أقول لك كم مرةٍ نظَّمت عروضاً، ورأيت نساءً ذوات بشرةٍ سمراء يأتين إليَّ باكيات ويقلن: "نريد فقط أن نشكرك".

إنَّ عالم الحياكة وفنون الخيوط الأخرى كالزخرفة والنسيج، تستحضر صور جدةٍ مسنَّة تجلس على كرسيها الهزاز. ولكن في السنوات الأخيرة، أصبح هذا المجال الهادئ المؤلَّف من متاجر خيوط صغيرة مجاورة موزعة في أنحاء الولايات المتحدة كافةً، أرض معركة ثقافية محتدمة. وتمَّ تقسيمه على أساس عنصري، وتوجهات ثقافية اندلعت في سلسلةٍ من الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي، مما دفع بعض المالكين إلى إغلاق مشاريعهم، أو بيعها، أو إعادة تسميتها.

وتمَّ تقويض التوتر الثقافي إثر الجائحة العالمية، والأزمة الاقتصادية التي هدَّدت تقريباً كل شخصٍ لا يتقن التجارة الإلكترونية في هذا المجال، أي تقريباً كل من يعمل في هذا المجال. وقبل الأزمة، كان هناك ما يقارب 1,500 إلى 2,000 متجر خيوط محلية في البلد، تولّد عائداتٍ سنوية بقيمة 750 مليون دولار أميركي.

ومما لا شكّ فيه أنّ عدداً أقل من المتاجر يعمل اليوم، ولكن لا توجد أرقام دقيقة، لأنَّ الرابطة التجارية التي كانت تتعقب هذه المتاجر، أغلقت هذا الربيع، بعد أن أجبرتها الجائحة على إلغاء عرضها السنوي.

في حين لا تزال كولفين تسوِّق لنفسها، وقد حظيت بفرصةٍ كبيرة في 2017 عندما تعرَّفت على غاي غلاسبي، مدربة مبيعات ذات بشرةٍ سمراء من كليفتون، نيو جيرسي، التي تُعدُّ من المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي في صفوف الحائكات، مع أكثر من 40,000 متابع على إنستغرام. ودعمت غلاسبي حساب كولفين بين ليلةٍ وضحاها، وأوصلتها بحائكات وصاحبات مشاريع من أنحاء العالم كافةً.

وقالت كولفين: "عندما سَلطت الضوء عَليَّ، تلقيت المزيد من الزبائن والمتابعين من ذوي البشرة السمراء.".

المتاجر المحلية

وتعلَّمت غلاسبي، المعروفة أكثر باسم "جي جي"، الحياكة من خلال يوتيوب. إذ تتضمن المنصة آلاف الفيديوهات من علامات وشخصيات شهيرة، ومتاجر البيع بالتجزئة الكبرى، مثل "مارثا ستوارت" و"هوبي لوبي"، ومتاجر مستقلَّة من أنحاء العالم كافةً، وتستقطب ملايين المشاهدين من المستهلكين.

واشترت غلاسبي موادها من البائعين المحليين بالتجزئة، بما في ذلك متاجر "Jo-Ann" و"Micheals"، إذ تكلِّف كرة الخيوط أقل من 5 دولارات. واكتشفت بعدها المتاجر المحلية التي تبيع خيوطاً طبيعية مطلية باليد، التي يمكن أن تكلِّف 30 دولاراً للفة الواحدة. وتقول جي جي: "أشعر أنَّ الخيوط أنقذتني".

وفي 2012، خسرت بشكلٍ متعاقب وسريع، وغير متوقع والدها، ووالدتها، وعملها المتمثِّل بإدارة مركز اتصالاتٍ لـ" Verizon Wireless". وأصبحت الحياكة فجأة جزءاً كبيراً من حياتها. وأضافت: "الخيط لا يسألني لماذا لا أزال أبكي؟"

وقد زادت مواقع التواصل الاجتماعي من متابعي غلاسبي، وبدأت تصبح معروفة أكثر في المتاجر، إذ تُخبر الحائكات بعضهنّ مع بعض عن حسابها، الذي يتضمن سيلاً مستمراً من النصائح المرتبطة بالحياكة، والمواكبة الاجتماعية للصيحات، ولونها التي تُعرف به، ألا وهو البرتقالي.

وقالت كولفين: "إنَّّ متابعيها كثيرون للغاية. أنا لست أمزح. يصعب بيع اللون البرتقالي للغاية بالنسبة لي، إلا إذا كانت قطعة أعمل عليها مع جي جي".

وفي السنة الماضية، عرَّفت غلاسبي كولفين على فيليسيا إيف، مالكة "String Thing Studio" في بروكلين، نيويورك، وهي ربما واحدة من بين ستة متاجر حياكة مملوكة من قبل ذوي البشرة السمراء في البلاد. وأصبحت إيف مالكة المتجر الأولى التي تدعم خيوط كولفين من خلال عرضٍ مسبق وحصري للبضائع. وخططن لعملية بيعٍ مدَّة ثلاثة أيام، ولكن بسبب الدعم الذي تلقَّينه من حساب غلاسبي على منصة "إنستغرام"، تمَّ بيع مخزون كولفين في يومٍ واحدٍ فقط. ومنذ ذلك الحين، تتحدث النساء الثلاث يومياً على "فايس تايم" عن الخيوط، والعمل، والحياة.

ويتشارك متجر "String Thing Studio"، مبنى حجري مع مطعمٍ هندي في حي "Park Slope" ذي طابع عائلي.

وقالت إيف، وهي اختصاصية في علاج مشاكل القدم، تخلَّت عن مهنتها للبقاء في المنزل مع أطفالها قبل أن تقرر متابعة شغفها، وقد اختارت كلمة "استديو" لمتجرها؛ لأنَّها كانت تريد مكاناً يشعر فيه المصممون بالراحة لجلوسهم على كرسي لساعةٍ أو ساعتين في التصميم والحياكة.

وقالت كولفين: "يمكنك أن تذهب إلى هذا المتجر، مهما كان لون بشرتك. يبدو الأمر وكأنك تذهب إلى منزل صديقتك، وتجلس على الكنبة، ولذلك أسميه متجري المحلّي، رغم أنني من جورجيا". ومع ذلك، حتى في بروكلين، يفترض المستهلكون في أغلب الأحيان، أنَّ المرأة ذات البشرة البيضاء التي تعمل لدى إيف، هي المالكة. ويتمتَّع "String Thing Studio" بوجودٍ خجولٍ على الإنترنت، وهو لا يحقق أي مكاسب أو خسائر. وتقول إيف: إنَّ زوجها هو من يغطي تكاليف القرض السكني لمنزلهم، وليس عملها. وقالت ضاحكةً: " متى وكيف يمكنني أن أضع نفسي على لائحة الرواتب؟"

في يونيو 2019، وصلت المعارك الثقافية في مجال صناعة الخيوط إلى أوجها، عندما أشعلت "Ravelry"، وهي منصة حياكة مسيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتتمتَّع بقاعدة بيانات واسعة من الأنماط، وهي مناوشة من خلال منع المضمون المؤيد لـ "ترمب".

وأعلن المالك في تصريحٍ مكتوب: "لا يمكننا أن نقدِّم مساحة مدمجة للجميع، وأن نسمح في الوقت ذاته بدعم سيدة بيضاء". وقد تغيَّر الوضع هذا العام عندما اتُّهمت "Raverly" بفشلها في تحقيق الاندماج، وذلك من خلال عدم إصلاح تصميم الموقع الإلكتروني الجديد، الذي وصفه بعضهم بأنَّه يسبب الصداع والغثيان.

العنصرية في صناعة النسيج

وبعد أن قُتل جورج فلويد في مينابوليس، قام ستيف برغ، الذي يملك أحد أنجح المتاجر في البلاد، الذي يطلق على نفسه اسم "إلتون جون الحياكة"، بنشر فيديو يعلن من خلاله أنَّ لديه مجموعات من الخيوط الجاهزة لإرسالها لكل امرأةٍ تحتاج إلى وضع مشاكلها جانباً، والعودة إلى الحياكة. وكان صوت النساء البيض من ذوات الامتيازات أكثر وضوحاً حينها، وقد أجَّجها الموقع الجغرافي لمتجر برغ، الموجود على بعد بناياتٍ فقط من المكان الذي قُتل فيه فلويد. بعد ذلك تمَّت إزالة الفيديو، وأُغلق المتجر مؤقتاً، وقدَّم برغ اعتذاراً. وقال: "تغيّرتُ من كوني قائداً ثرثاراً، إلى شخصٍ يفضل الاستماع والتعلُّم".

وقد دفعت المناوشات بالعديد من الحائكين من ذوي البشرة السمراء إلى مشاركة قصص التمييز العنصري التي يواجهونها في مجال الحياكة للمرة الأولى. وقالت كولفين: "يقول الناس "لم أكن أعلم أنَّ مجال الحياكة يتخلله الكثير من العنصرية، إنَّ العنصرية موجودة في صلب نسيج بلادنا".

واستجابت العديد من المشاريع المملوكة من قبل ذوي البشرة البيضاء من خلال البحث عن أشخاصٍ ذوي بشرة سمراء لمتابعتهم ودعمهم. وتخطَّت غلاسبي، التي أنهت 2018 مستاءةً بسبب عدم وصولها لـ10,000 متابع على "إنستغرام"، وحققت هذا الرقم في 2019 و2020. وقالت: "كانوا أشخاصاً كثيرين من ذوي البشرة البيضاء، ويقولون "تابعوا جي جي، إنها جيدة".

في حين أطلقت غلاسبي وسم "#StandintheGap " لتشجيع الناس على المشاركة، وعرض هذا النوع من المواضيع في الحياة اليومية، مستوحيةً ذلك من المتظاهرين البيض الواقفين بين رجال الشرطة والمتظاهرين ذوي البشرة السمراء في الجهة المقابلة.

وانتقلت كولفين من البيع لحسابٍ واحدٍ بالجملة إلى فتح 30 حساباً للزبائن، مع قائمة انتظارٍ تتضمن أكثر من 70 طلباً. فيما يبدو وقت إنتاجيتها معبّأ حتى نهاية السنة. ومع ذلك، تقول: إنَّ الزيادة التي شهدها العمل تبعاً لمقتل فلويد غير مريحة. وأضافت: "من الصعب معرفة من يريد بالفعل العمل معك، ومن يستخدمك فقط ليبدو أنَّه أكثر انفتاحاً، كي لا يخسر المال".

هذه المخاوف جعلتها تعبِّر عن رأيها بشكلٍ أكبر. وقالت المرأة التي كانت تخبئ وجهها الأسمر من قبل، إنها تخلَّت عما تبقى من صورتها المثالية. وقالت عن منشور في منصة "إنستغرام": "أحيانًا قد أكون قاسية. إذا جعلك ذلك لا ترغب بشراء خيوطي، لا تشتريها إذاً. إن لم أكن أعمل لديك، فلا بأس بذلك. لن أتجاهل من أنا في الأساس. لن أجعل النساء البيض في منتصف العمر مرتاحاتٍ بشأن المكان الذي يشترين منه خيوطهنَّ".

بدأت كل من كولفين وغلاسبي 2020، مع خططٍ كبيرة. وكانت تأمل غلاسبي أن تكون هذه السنة التي تتخلى فيها عن عملها النهاري للتفرغ للخيوط فقط. ومع بداية السنة، كانت مشاركة في عدَّة مناسباتٍ بشكل شهري. وفي فبراير ذهبت كولفين إلى كاليفورنيا قبل أن يتمَّ إغلاق كل شيء.

وفي مارس، كانت كولفين تستعدُّ لنقل مشروعها خارج موقف السيارات الخاص بها. وكانت تحتاج إلى مساحةٍ للعمل في البيع بالجملة، وأرادت إنشاء مركزٍ مجتمعي، إذ يمكنها القيام بدوراتٍ تعليمية، وقالت إنَّها أرادت أن تقدم مكاناً للاجتماع، ويكون مخصصاً للحياكة والخيوط.

وحين وجدت ما عدَّته المكان المثالي وبسعرٍ جيد، وكانت تخطط للتوسُّع، بدأ الإقفال التام، وهو ما جعلها تعيد النظر فيما إذا كان التوقيع على عقد إيجارٍ لمدَّة خمس سنوات، والتخلي عن خطتها أمراً حكيماً. وقالت: "لقد بكيت لأربعة أيام ربما".

الحياة الأسرية

اشترت كولفين وزوجها مؤخراً منزلاً جديداً في حي أكثر تنوعاً، وقال "أريد أن يرى أطفالي الأشخاص ذوي البشرة السمراء"، كما أنَّ منزلها الجديد سيسمح لها بتحويله إلى "منزل الصباغة" الخاص بها. فهي تخطط لتوظيف بعض الأشخاص، وتوسيع الإنتاج.

وكان يوم الجمعة الأخير من شهر يونيو، إذ كانت لا تزال الجائحة منتشرة، والاحتجاجات مستعرة، قالت إيف لغلاسبي وكولفين عبر "فايس تايم"، إنَّ مالك العقار ألصق إشعاراً بالإيجار المستحق على باب متجر "StringThing Studio". وهي لم تتمكن من دفع الإيجار، لأنَّ المتجر كان مغلقاً. وكانت تحتاج إلى 17,000 دولار أميركي لتغطي التكاليف المستحقة، ولتعديل المتجر من أجل كوفيد. وذلك عندما اقترحت كل من غلاسبي وكولفين جمع المال من خلال حملة عبر موقع التمويل الجماعي "GoFundMe"،في حين رفضت إيف الأمر. وقالت: "سأجد حلاً".

وقالت كولفين: "اسمعي، أتفهمك. إنَّ الأمر محرجٌ. ولكن كل ما عليك فعله هول قول "حسناً". وبعد بضع دقائق، وافقت إيف، فقامت كولفين بإنشاء الصفحة. وتلقين التبرع الأول مباشرةً تقريباً. وشاهدت النساء الثلاث الأمر غير مصدقاتٍ، وهنَّ مغرورقات بالدموع، في حين كانت التبرعات تتدفق بمبالغ تتراوح بين دولارين، و دولار، و500 حتى 1000 دولار.

وقالت كولفين: "إنَّ أحد أكبر المبالغ المتبرَّع بها أتى من متجر للخيوط. وهذا ما جعلني أتأثَّر للغاية." وقد تخطى إجمالي التبرعات 17,000 دولار أميركي بسرعة. وعندما وصلن إلى 28,000 دولار أميركي في أقل من ثلاث ساعات، أوقفن الحملة.

وفي اليوم التالي، نشرت إيف فيديو شكر مؤثّر، إذ أدهشت العديد من متابعيها، الذين لم يسمعوا حتى بالحملة. وأرسل بعضهم المال عبر "باي بال" راغبين بالمشاركة، في حين اشترى آخرون عروضها المحدودة عبر الإنترنت.

وفي حين عانت النساء لفهم كيف، كان هذا الفيض في التبرعات ممكناً من قبل مجتمع الخيوط المتأثر بصراعٍ وأزمة؛ قدَّم ذلك لإيف تحدياً متمثلاً ببناء متجرٍ أفضل. وقالت أخيراً: "إنَّها خيوط. لا يوجد أي تهديدٍ في ذلك. إنه أمرٌ ممتع. لا يجب علينا أن نحوِّلها إلى معركة، ونغرز إبر الحياكة في أعين بعضنا ".