هذا ما سيعلمه لنا تضخم 2022 عن الرأسمالية

كيف سيؤثر التضخم في مستوى أجور العمال في 2022؟.. وانعكاس ذلك على الأسعار
كيف سيؤثر التضخم في مستوى أجور العمال في 2022؟.. وانعكاس ذلك على الأسعار المصدر: بلومبرغ
John Authers
John Authers

John Authers is a senior editor for markets. Before Bloomberg, he spent 29 years with the Financial Times, where he was head of the Lex Column and chief markets commentator. He is the author of “The Fearful Rise of Markets” and other books.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهد عام 2021 عودة التضخم. لم تعد هناك إمكانية لدى أي شخص كي ينكر ذلك بعد عام من النقاش. في السنة القادمة، سنكتشف ما إذا كان هنا لكي يستمر، وإلى أي مدى ستكون مرارة الدواء الاقتصادي الذي سيتطلبه فرض السيطرة عليه.

تنقسم الآراء حول هذه القضية الحيوية كما هو الحال على الدوام. ما زال المتفائلون يعتقدون أنَّه حتى في حال ثبوت أنَّ التضخم تحوَّل لما هو أكثر من مجرد لقطة مؤقتة، فسيختفي في وقت قريب. يقوم مدى صحة موقفهم على الناتج من بعض الصراعات الأشد عمقاً في داخل الرأسمالية.

التضخم وليس "أوميكرون".. الهاجس الأكبر للبنوك المركزية

توجد عدة عوامل ستجتمع فعلياً من أجل دفع معدلات التضخم باتجاه الهبوط خلال العام القادم. زادت أسعار السيارات المستعملة بمقدار الضعف، وصعدت أسعار البنزين بنسبة 50% خلال العام الماضي. لن يتكرر ذلك مرة ثانية.

شرعت فعلياً الاختناقات في التجارة العالمية بالتلاشي إلى حدٍّ ما. ويوجد نطاق واسع للبنوك المركزية يسمح بتشديد السياسة النقدية. حتى الآن، لا توجد محاولة للحد من الطلب من خلال زيادة تكلفة الحصول على الأموال أو تقليص المعروض منها.

الأسواق تراهن على مزيد من رفع الفائدة مع انتفاضة البنوك المركزية لمواجهة التضخم

من الأمور المشجعة وجود توقُّعات في سوق السندات بأن يتخطى التضخم بصعوبة نسبة 2% بعد مرور 5 أعوام من الآن، وعدم صعود أسعار الفائدة الفيدرالية إلى ذلك المستوى المرتفع.

لا يوجد تباين كبير بين هذه التوقُّعات مع توقُّعات المستهلك. إذا تغير الحال، وأصبحا راسخين؛ فستصبح عملية إزاحة التضخم مسألة صعبة. بيد أنَّه في الوقت الراهن، يوجد لدى المستثمرين اعتقاد بأنَّ نمو الأسعار من الممكن السيطرة عليه، وستكون عملية السيطرة عليه مسألة يسيرة نوعاً ما.

برغم ذلك، ما زال هناك احتمال لوجود معدلات أعلى للتضخم بطريقة دائمة. وبالنسبة لحدوث ذلك، فسيعتمد على إجابة سؤالين رئيسيين تواجههما كثيراً الرأسمالية؛ وهما: هل سيكسب العمال حصة أكبر على حساب رأس المال؟. وفي حال تحقق ذلك، هل ستمتص الشركات تكاليف الأجور العالية أم ستحوّلها إلى العملاء؟

العمالة مقابل رأس المال

منذ فترة الثمانينيات من القرن الماضي، تطورت الرأسمالية على صعيد قدرتها على إبقاء معدلات التضخم تحت السيطرة. يكمن الخطر في الوقت الحالي في أنَّ الرأسمالية تبذل جهداً مضنياً في تعديل النظام.

بقيت حصة العمال من الناتج المحلي الإجمالي مستقرة عند مستوى مرتفع نسبياً يفوق نسبة 60% التي سجلتها على مدى 5 عقود في أعقاب الحرب العالمية الثانية. لكنَّها شرعت في التراجع بطريقة عنيفة في أعقاب انفجار فقاعة شركات التكنولوجيا في سنة 2000، ثم هبطت على نحو أشد في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008.

كبار السن أكثر قلقاً من التضخم لهذه الأسباب

وكما عبّرت إيلين زينتنر، كبيرة خبراء الاقتصاد في شركة "مورغان ستانلي"؛ فإنَّ الهبوط التاريخي "الفريد" في مساهمة العمالة من الناتج المحلي الإجمالي "يدل على وجود ثغرة في الهيكل الأساسي للاقتصاد".

كبت أجور العمال

أدى تنامي عجز النقابات عن أداء دورها إلى زيادة في صعوبة التفاوض الجماعي بالنسبة للعمال. كما ساهمت العوامل الديموغرافية بالطريقة نفسها في الحد من قوتها في التفاوض. في حين جاء جيل طفرة المواليد ما بعد الحرب العالمية الثانية في ظل ذروة سن العمل؛ كانت هناك وفرة في المعروض من العمالة. وأسفرت قدرة الشركات على تعهيد عمليات الإنتاج لدى مصادر خارجية في البلدان ذات الأجور الأقل، خصوصاً في الصين، إلى مزيد من كبت الأجور، وهو الأمر نفسه الذي أسفر عنه تدفق المهاجرين القادمين من المكسيك.

ما كان فعلياً يشكِّل اتفاقاً سيئاً لأصحاب الأجر الأسوأ؛ بات اتفاقاً مروعاً خلال الأعوام التي جاءت بعد الأزمة المالية لعام 2008، في حين استغلت الشركات بطريقة متنامية العمالة من خلال الدوام الجزئي لما يقدّم لهم من مزايا أقل، ووجود إمكانية لطردهم من العمل بتكلفة رخيصة.

على مدى عدة سنوات من عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، كانت أجور الذين يعملون بنظام الدوام الجزئي أقل بكثير من أجور نظرائهم الذين يعملون بنظام الدوام الكامل، كما كانت أقل من معدلات التضخم كذلك.

تراجع الأجور الحقيقية

أسفر عن ذلك الشعور العام بالضيق وجود حالة من الغضب الشعبي، وصعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب إلى سدة الحكم. بيد أنَّ وباء فيروس كوورنا أحدث في السنة الماضية تغيراً شاملاً على ما يبدو في سوق العمل.

في أعقاب عمليات الإغلاق المرتبطة بتفشي الفيروسات؛ ارتفعت الوظائف الشاغرة إلى مستويات شبه قياسية، فقد باءت محاولات الشركات بالفشل لشغل الوظائف منخفضة الأجور.

حصل أصحاب المهارات المتدنية، والتعليم المتدني، والأجور المتدنية على قوة تفاوضية أكبر، كما استعملوها. في الوقت الحالي، يحصلون على أفضل اتفاقات للأجور خلال جيل واحد، إذ تزداد رواتبهم بوتيرة أكثر سرعة مقارنة بتلك التي يحصل عليها الذين يتقاضون رواتب جيدة من ذوي التعليم مرتفع التكلفة. تخطى معدل ارتفاع أجور السيدات وغير البيض نمو أجور الرجال والبيض أيضاً.

ومن سوء الحظ بالنسبة لهم؛ فقد ذهب نمط آخر في الاتجاه المعاكس أيضاً. لا تعد الأجور الإضافية التي تفاوضوا عليها في مستوى قريب بما يكفي لتعويض التضخم سريع الصعود. تبيِّن البيانات التي صدرت عن فرع بنك الاحتياطي الفيدرالي في ولاية أتلانتا وود تراجعاً شديداً في الأجور الحقيقية.

يعطي ذلك العمال حافزاً أكبر من أجل ممارسة الضغط لزيادة الأجور خلال العام القادم، والذي سيصبح عنصراً أساسياً للتضخم المستمر لفترة طويلة. كانت البيانات من هذه النوعية هي الدافع وراء قول جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، خلال الاجتماع الأخير للبنك المركزي خلال العام الجاري، "إنَّ سوق العمل باتت أشد سخونة مما كانت عليه أثناء التوسع الأخير من خلال مقاييس عديدة".

من الذي يدفع؟

في حال جرى إجبار الرأسماليين على دفع نصيب أكبر من عائداتهم للعمالة لديهم، فإنَّهم يمتلكون بديلين. يتمثل أولهما في تحملهم الخسارة بأنفسهم، مع تركهم للأسعار دون تغيير، ويستمرون من خلال ذلك في جني أرباح أقل. يتمثل البديل الثاني في نقل النمو في الأجور إلى المستهلكين من خلال زيادة الأسعار، في حال استطاعوا القيام بذلك.

هل سيفعلون ذلك، وهل لديهم القوة لفعله؟ في حين تطرح زينتنر الخبيرة الاقتصادية من شركة "مورغان ستانلي"، ذلك السؤال فهذه هي لحظة "إحداث التوازن" بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، والتي تهدف إلى تحقيق ذلك التوازن بين التوظيف الكامل، وتحقيق استقرار الأسعار. إذا قررت الشركات أن تتحمل الأضرار، فلا يوجد أي سبب لتحوُّل نمو الأجور المتسارع إلى معدلات تضخم متنامية في الأسعار.

حتى العقد الماضي أو نحوه، وفَّر التاريخ دليلاً توجيهياً واضحاً. مع مرور الوقت، باتت هوامش الربح شبه دورية للغاية إلى جانب حدوث ظاهرة الارتداد إلى متوسط العائد. يأتي التحسن في هوامش الربح من خلال الأوقات الجيدة، وتهبط خلال فترات التراجع، في حين يقع اختيار الشركات على أن تتحمل بنفسها بعض الأضرار جراء التراجع الاقتصادي.

لكن هناك أمر تغيَّر منذ حدوث الأزمة المالية، فقد تعافت هوامش أرباح شركات مؤشر "ستاندرد آند بوزر 500" سريعاً بعد سنة 2008، بدعم من تراجع الأجور. قبيل تفشي وباء فيروس كوورنا، تجنَّبت هوامش الأرباح هبوطاً هائلاً على مدى عقد من الزمان، وبلغت مستوى قياسياً.

منذ اندلاع الجائحة شهدت هوامش الأرباح مزيداً من الانحراف عن النمط التقليدي، في حين عانت من تراجع محدود (بفضل التسريح الكاسح للعمالة مبكراً)، وتزداد في الوقت الحالي لتصل إلى مستوى من الربحية لم يشاهد من قبل.

العمال يستعيدون قوتهم

برغم ذلك، يتوجب على الشركات في هذه المرحلة العمل على تعيين أفراد أكثر من أجل زيادة الإنتاج. لن يكون في إمكانهم فعل ذلك على ما يبدو دون أن يزيدوا من مستوى الأجور.

يؤكد المسؤولون التنفيذيون للمستثمرين على ثقتهم في قوتهم التسعيرية، و أنَّ خطط "وول ستريت" سترفع من صعود هوامش الأرباح خلال العام القادم. يثير ذلك الشكاوى من قبل السياسيين، الذين يقترحون التركيز على الصناعة الثقيلة، وبفضل عمليات الاندماج والاستحواذ خلال العقود القليلة الماضية؛ جرى ترك تقدير عملية فرض الأسعار للشركات وفقاً لما ترغب فيه.

هذه الحجة، التي ظلت لفترة طويلة تتردد في الأوراق الأكاديمية، ولجان منتدى دافوس الاقتصادي؛ ستحتل الصدارة خلال السنة القادمة. في غضون العقود القليلة الماضية، شهد ميزان الرأسمالية ميلاً شديداً لصالح رأس المال. كان واحداً من بين الآثار المترتبة على ذلك هو الحفاظ على التحكم في التضخم. في الوقت الراهن، بعد أن كانت الجائحة التي تحدث مرة واحدة خلال جيل سبباً في حدوث اضطراب بأسواق العمل، يستعيد العمال قوتهم على ما يبدو، خصوصاً أصحاب الأجور المنخفضة.

ستُعبِّر أيضاً قصة التضخم خلال سنة 2022 عن قصة ما إذا كان النظام الرأسمالي بصدد عملية تغيير حقيقي، وإن كان سيعود إلى حالة من التوازن السليم على نحو أفضل. يتعين مراقبة الأسعار؛ ليس من ناحية تأثيرها في الاقتصاد فحسب؛ لكن من حيث ما ستخبرنا به أيضاً حول مستقبل مجتمعاتنا.