روبوتات الرصيف تجد موطئ قدم لها في حرم الكلّيات

يتجول نحو 50 روبوتاً مستقلاً من إنتاج "ستارشيب تكنولوجيز" داخل حرم جامعة "جيمس ماديسون"
يتجول نحو 50 روبوتاً مستقلاً من إنتاج "ستارشيب تكنولوجيز" داخل حرم جامعة "جيمس ماديسون" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتميز الروبوت "509" الذي تصنّعه شركة "ستارشيب تكنولوجيز" (Starship Technologies) بكونه صبوراً، ويخاف بسهولة. الآلة الذاتية القيادة، التي يشبه شكلها مبرّد "يتي" (Yeti) وفيه من ملامح شاحنة "وايمو" (Waymo) الصغيرة، تتحرك مثل الثدييات أو كحيوان من أسفل السلسلة الغذائية. يتوقف الروبوت عن الحركة عندما يكون بين حشود الناس. وحتى عندما يكون بمفرده تماماً، يتحرك إلى الأمام بشكل متقطّع وكأنه مرتاب من أوراق الشجر المتساقطة.

اقرأ أيضاً: المنافسة القوية تجبر "ديليفري هيرو" على التخارج من توصيل الطعام في ألمانيا

بعد أيام قليلة من عيد الشكر، كان الروبوت "509" ينقل بعض البضائع عبر حرم جامعة "جيمس ماديسون" التي تتخذ من هاريسونبورغ في ولاية فيرجينيا مقراً لها. ويتوقف على طريق مهجور، وينتظر لمدة دقيقة تقريباً قبل أن ينطلق في النهاية، ثم يتجول على امتداد الرصيف ومسار السكة قبل أن يتوقف بشكل تام.

اقرأ المزيد: "ولمارت" تطلق أول خدمة توصيل بلا سائق في أمريكا قريباً

تأتي راشيل هابرشترو -المسؤولة في جامعة "جيمس ماديسون"، التي يقع مكتبها على مسافة مشي طويلة في طريق يضم معظم مقاهي الحرم الجامعي- وتنقر على هاتفها قائلةً: "من المفترض أن يشغل لي أغنية"، وهي تنظر بتشكك فيما ينفتح كامل الجزء العلوي من الروبوت. وبينما يغني الروبوت "509" أغنية "Easy on Me" للمغنية أديل، تمدّ راشيل يدها إلى داخل الروبوت وتأخذ منه مشروباً كبيراً مثلجاً من "ستاربكس".

توجد الروبوتات المصممة لتسليم الطلبات على الأرصفة منذ سنوات، وقد أثارت خلال الفترة الماضية شكوكاً حولها، فقد حظرتها سان فرانسيسكو في عام 2017، قبل إنشائها برنامجاً يسمح ببعض الاختبارات. كذلك كانت هذه الروبوتات محل سخرية من أولئك الذين رأوا فيها حلاً آخر من "وادي السيليكون" يبحث عن مشكلة.

زخم جديد

مؤخراً، تراجعت التوقعات على المدى القريب لجميع أنواع المركبات ذاتية القيادة، بعد سنوات عدة من التوقعات المتفائلة غير الواقعية، وسلسلة من الوَفَيَات على الطرق. لكن روبوتات الأرصفة بدأت تكتسب الزخم في بيئات معينة، إذ يجري تشغيل بضعة آلاف من روبوتات التوصيل بسرعة مماثلة لسرعة المشاة، وهو رقم سيتضاعف ثلاث مرات على الأقل في عام 2022 إذا حقق صانعو الروبوتات أهدافهم.

كانت الكلّيات الأمريكية إحدى الأسواق الواعدة بشكل خاص، إذ توفر جامعاتها المنعزلة تحدياً تقنياً أسهل من المناطق التجارية الفوضوية في وسط المدينة، ويشكل طلابها قاعدة عملاء مثالية، نظراً إلى اعتمادهم المستمر على الوجبات الخفيفة، وشغفهم بالحداثة.

يعتبر روبوت "509" واحداً من نحو 50 روبوتاً من إنتاج "ستارشيب" تخدم في جامعة "جيمس ماديسون"، في واحدة من 22 كلية تعمل فيها روبوتات "ستارشيب" الآن. يدفع الطلاب 1.99 دولار لكل تسليم. وقَّعت شركة "كيويبوت" (Kiwibot)، وهي شركة ناشئة تشغل أيضاً روبوتات على الأرصفة، صفقة في أغسطس مع "سوديكسو" (Sodexo) لنشر 1300 روبوت في 50 حرماً جامعياً، إذ تدير مزودة خدمات الطعام قاعات الطعام والمقاهي. لدى "كيويبوت" عديد من هياكل التسعير، لكنها تتقاضى عموماً 1300 دولار لكل روبوت شهرياً، ما يعني أقل من دولارين في الساعة. وبدورها، تدير شركة "ياندكس" (Yandex)، التي تتخذ من موسكو مقراً لها، 50 روبوتاً في جامعة ولاية أوهايو.

مستقبل واعد

تعتبر اقتصادات هذا القطاع واعدة مقارنة بخدمات التوصيل التي يديرها الإنسان، تلك التي كافحت لمدة طويلة لجني الأرباح. شركة "دورداش" (DoorDash)، التي تسيطر على نحو نصف سوق الولايات المتحدة لتوصيل الطعام، لبَّت 816 مليون طلب في عام 2020، محققة نحو 3.50 دولار من الإيرادات لكل طلب. ومن أجل القيام بعمليات التسليم هذه، تعتمد "دورداش" على نحو مليون عامل توصيل. ورغم استخدامها لاستراتيجيات مثيرة للجدل، مثل تصنيف العمال كمتعاقدين مستقلّين للإبقاء على تكاليف العمالة منخفضة، فإنها لا تزال تخسر في نهاية المطاف دولارين في كل معاملة.

يكلف كل روبوت من روبوتات "ستارشيب" البالغ عددها 1200 ما يقارب من تكلفة جهاز كمبيوتر محمول متطور، ويمكن تشغيله لمدة 18 ساعة عند شحنه لمرة واحدة، وغالباً ما يعمل لأيام عدة دون أي تفاعل بشري. يقول أليستر ويستغارث، الرئيس التنفيذي لشركة "ستارشيب": "أجر الروبوت في الساعة يساوي صفراً.. لذلك يمكنني أن أشغّل رحلات عديدة ذات مراحل توقف كثيرة، ويمكنني فعل ذلك بشكل مربح".

في نوفمبر، كشفت شركة "دورداش" النقاب عن شركة "دورداش لابس"، وهي وحدة بحث وتطوير داخلية حصلت بالفعل على براءتَي اختراع لتصنيع روبوت توصيل ذاتي القيادة. في مارس، أسَّست إحدى منافساتها الرئيسية، وهي "بوستميتس" (Postmates) المملوكة لشركة "أوبر تكنولوجيز"، وحدة الروبوتات الخاصة بها، وهي "سيرف روبوتيكس" (Serve Robotics). وتتوقع الشركة أن تتعامل روبوتات الأرصفة مع 5% من طلبات توصيل الأطعمة في الولايات المتحدة بحلول عام 2026.

المناطق الحضرية.. صعبة

يقول ساغي إيفبيناتا، كبير محللي الأبحاث في "غرين هاوس إنسايتس" (Guidehouse Insights)، إنّ المناطق الحضرية كثيفة السكان، أو حتى الضواحي الخالية من الأرصفة، قد تثبت أنها تتجاوز القدرات الملاحية لمعظم الروبوتات لسنوات. حتى لو اكتشفوا التحديات التقنية، فإنّ الطائرات دون طيار أو كبسولات التوصيل الأكبر حجماً التي يمكنها التنقل في الشوارع قد تعمل بشكل أفضل في المدن الكبيرة. يقول إيفبيناتا: "حالة الاستخدام محدودة للغاية.. ما زلت أعتقد أننا بعيدون سنوات عدة عن أن يكون هذا هو الاتجاه السائد".

تستجيب الشركات التي تصنع طائرات دون طيار للأرصفة لمثل هذه الشكوك، بالإشارة إلى حالات استخدام أخرى. فعندما لا تخدم في كليات أوهايو فإن روبوتات "ياندكس" تنقل طروداً حول موسكو لخدمة البريد الروسية. يمكن القول إنّ الأجهزة، التي تعمل الشركة عليها منذ عام 2018، هي الأكبر والأصعب في السوق، إذ يمكن لكل منها حمل ست فطائر بيتزا من الحجم الكبير، ولترَين من المشروبات الغازية. تزحف عبر ضفاف الجليد والحواجز بواسطة إطارات خاصة بالجليد أو سلاسل تشبه تلك التي لدى الدبابات. يمكن تبديل بطارياتها في ثوانٍ، ما يعني تجنّب التوقف بهدف الشحن.

يقول أرتيم فوكين، رئيس تطوير الأعمال لقسم القيادة الذاتية في "ياندكس": "إنها في الأساس سيارة كهربائية صغيرة.. إذا نظرنا إلى ما بعد 10 أو 15 عاماً فسيكون هذا نشاطاً تجارياً تبلغ قيمته عشرات المليارات من الدولارات، وهذا فقط في السوق الصالحة للاستخدام لدينا".

بدأت "أمازون" التخطيط لروبوتات توصيل الميل الأخير، بالتزامن تقريباً مع قيام "ياندكس" بالأمر ذاته. وتمتلك الشركة اليوم عدداً غير معروف من الروبوتات -يطلق عليها اسم "الكشافة"- تتجول في أنحاء أتلانتا، وفرانكلين (تينيسي)، وإرفاين (كاليفورنيا)، وضواحي سياتل، كل واحدة كبيرة بما يكفي لتحمل الغالبية العظمى من طلبات "برايم". وتقول "أمازون" إن استراتيجيتها لا تتمثل في الاستبدال بالناقلين البشر، ولكن في زيادة السعة حتى لا تتأثر أوقات التسليم عند ارتفاع الطلب.

انتشار سريع

تتعلم الروبوتات عوالمها بسرعة، وتتكيف خوارزمياتها وتتحسن في كل رحلة. في أوروبا، تقدم روبوتات "ستارشيب" بالفعل مواد البقالة، ويتوقع ويستغارث أن تنشر الشركة ما يقرب من 3000 روبوت جديد في عام 2022.

لكن حتى في بيئات التعلم الآمنة نسبياً كحرم الجامعات، تواجه روبوتات "ستارشيب" تحديات، إذ يجلس الطلاب على الروبوتات من حين إلى آخر بعد شرب كثير من مشروبات "وايت كلو هارد سيتلزر"، لدرجة أنه في كثير من الأحيان -وليس دائماً– يكسر الطلاب هذه الروبوتات. والأكثر شيوعاً أن الأشخاص يؤخرون عمليات التسليم من خلال الوقوف أمام الروبوتات لالتقاط صور سيلفي.

إنّ هذه الروبوتات في معظمها ذاتية القيادة، لكن ذلك لا يعني أنها ذات قيادة ذاتية بشكل كلّي. تتطلب الآلات من البشر بشكل دوريّ تنظيفها أو إصلاحها أو شحنها، وتُبرمَج الروبوتات لإجراء اختبار اتصال مع مساعد بشري عند الحاجة إلى مثل هذه المساعدة، لكن في بعض الأحيان يجلس هؤلاء الأشخاص في مراكز الخدمة على بُعد آلاف الأميال.

يخرج الروبوت "509" في آخر جولة له من "ستاربكس" قبل فترة الذروة خلال العشاء، ويسير بانتظام عبر شارع على حافة الحرم الجامعي، عندما يمرّ بأحد زملائه في العمل يأتي الروبوت مسرعاً ويرتطم بسكوتر كهربائي متروك من إنتاج "بيرد" (Bird)، ثم ينحرف يميناً ويسقط في منتصف الطريق مهشماً غطاء البلاستيك الذي يغلفه، ثم يحاول أن يدير عجلاته دون جدوى.

يمرّ الطلاب به ولا يولون هذه الأجهزة التي تقطعت بها السبل كثيراً من الاهتمام، كما يفعلون عادةً عندما تكون الروبوتات في حالة حركة. وأخيراً تضع فتاتان كتبهما ومشروباتهما، كل فتاة ترفع الروبوت إلى الرصيف. إنّ الطلاب يعتنون بالآلة وكأنها كلبهم، ثم بعد ذلك يواصل الروبوت طريقه المؤقت.