هل تخسر الولايات المتحدة حرب استقطاب المواهب العالمية؟

أسهم الطلاب الأجانب في تغيير الجامعات الأمريكية إلى الأفضل.. والعكس صحيح
أسهم الطلاب الأجانب في تغيير الجامعات الأمريكية إلى الأفضل.. والعكس صحيح المصدر: غيتي إيمجز
Virginia Postrel
Virginia Postrel

Virginia Postrel is a Bloomberg Opinion columnist and the author of "The Fabric of Civilization: How Textiles Made the World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تحاول كاتبة الرأي في "بلومبرغ"، فرجينيا بوسترل، تسليط الضوء على كيفية مواجهة أحد تحديات السياسة الأكثر إلحاحاً في العالم، والذي يتعلق بسياسات الهجرة. وفي هذا الإطار، أجرت المقابلة التالية مع مؤلفة كتاب "أمريكا تنادي: الطلاب الأجانب في بلد الممكن" (America Calling: A Foreign Student in a Country of Possibility)، والتي قدّمت إلى الولايات المتحدة، كطالبة دراسات عليا في علم النفس عام 1992، وعملت لسنوات عديدة في معهد التعليم الدولي، بالإضافة إلى شغل وظائف أخرى في التعليم الدولي.

اقرأ أيضاً: الديمقراطيون يخططون لخفض الضرائب على الجامعات الأمريكية مقابل دعم الطلاب

فيما يلي، نص المقابلة:

فرجينيا بوسترل: كتابك الجديد، "أمريكا تنادي"، هو مذكرات عن تجاربكِ الخاصة، وتقرير عن الحالة العامة للطلاب الأجانب في الولايات المتحدة. كيف تختلف تجربة الطلاب الحاليين اليوم عن الفترة التي حضرتِ فيها إلى الولايات المتحدة؟

راجيكا بهانداري: الطلاب مختلفون تماماً في كيفية تعاملهم مع فكرة الاعتماد الأجنبي، فهم يرون ذلك من منظور المستهلك المتمرس للغاية. هل يجب أن أذهب إلى الولايات المتحدة؟ هل هذا أفضل عائد استثمار لأموال عائلتي؟ أم يجب أن أذهب إلى المملكة المتحدة أو دولة أخرى؟ في الواقع، يتسلّح الطلاب بالمعلومات بطريقة لم تكن متاحة من قبل.

اقرأ المزيد: هارفرد تمنع وقفاً بقيمة 42 مليار دولار من الاستثمار في الوقود الأحفوري

مع ذلك، هناك الكثير من الأمور التي لم تتغير. أولاً وقبل كل شيء؛ التحديات المستمرة المتعلقة بالهجرة، والتي تحكم وجود حياة الطالب الدولي في الولايات المتحدة بطريقة لن يفهمها تماماً معظم الأشخاص الذين لا يتعيّن عليهم تجربتها.

أما النقطة الأخرى التي بقيت على حالها فهي أنَّ الطلاب الدوليين، لا سيما الطلاب الذين أتوا من مجتمعات وثقافات مختلفة اختلافاً كبيراً عن الولايات المتحدة؛ مازالوا غير مستعدين تماماً للثقافة الأكاديمية المختلفة إلى حد كبير؛ كفكرة الفصل الدراسي بالجامعة كبيئة منفتحة للغاية وديمقراطية؛ وفكرة أن تكون مستقلاً حقاً في تعلمك؛ وفكرة أنَّه يمكنك ويجب عليك استجواب أستاذك لأنَّه سيتم تقييمك في الواقع استناداً إلى مدى قدرتك على التعبير عن أفكارك بشكل جيد وتفكيرك النقدي. وفي الواقع، يمكن أن تكون هذه النقاط صادمة بالفعل للعديد من الطلاب القادمين من ثقافات آسيوية تقليدية للغاية، إذ توجد تسلسلات هرمية صارمة في الفصل- ومعاذ الله أن تسأل الأستاذ.

طلاب الطبقة الوسطى

فرجينيا بوستريل: ما هو التوزيع الحالي بين الطلاب الدوليين الذي يدرسون الدراسات العليا والجامعيين؟

راجيكا بهانداري: حتى ما يقرب من عقد من الزمن، كان يطغى على وجود الطلاب الأجانب في الولايات المتحدة، أولئك الذين يأتون إلى الولايات المتحدة لدراسة درجة الماجستير أو الدكتوراه. لاحقاً؛ ومع النمو الهائل في الطبقة الوسطى الصينية، كان هناك هذا التدفق الكبير للطلاب الصينيين الشباب في المرحلة الجامعية. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية؛ شهدنا قدوم المزيد من الطلاب الجامعيين إلى الولايات المتحدة. لكن، وفقاً لبعض الإحصاءات لهذا العام، يبدو أنَّ هذه الفجوة قد تضيق مرة أخرى.

يعود أحد الأسباب إلى أنَّ الطلاب الجامعيين الأجانب كانوا في الغالب طلاباً يدفعون رسوماً كاملة. وهم مَن يمولون حقاً أرباح المؤسسات الأمريكية. ومع ذلك؛ فإنَّ هؤلاء هم أيضاً من تأثرت أسرهم اقتصادياً بالجائحة؛ ففي العديد من البلدان، تقلّصت الطبقة الوسطى ذاتها، إذ تُعيد عائلات عديدة التفكير الآن فيما إذا كانت لديها الموارد اللازمة لدفع تكاليف تعليم أبنائها في الخارج.

فرجينيا بوستريل: ما الذي لا يستوعبه الأمريكيون بشأن تجارب الطلاب الدوليين؟

راجيكا بهانداري: لا يُقدّر الناس في كثير من الأحيان مدى أهمية الطلاب الدوليين في تاريخ نجاح الولايات المتحدة بعد الستينيات، وذلك بدءاً من التكنولوجيا، ومروراً بالأوساط الأكاديمية، وصولاً إلى الطب؛ فقد كان أحد مؤسّسي شركة "مودرنا" (Moderna) طالباً دولياً. وكان الرئيس التنفيذي الجديد لـ"تويتر" طالباً دولياً أيضاً. في هذا السياق، يعرف الكثير من الأمريكيين أنَّ هؤلاء الأفراد هم مهاجرون، لكن كيف كانت رحلتهم تلك -ولماذا كان التعليم جانباً مهماً حقاً في تلك الرحلة- هو أمر غير مفهوم جيداً.

العودة إلى الوطن

فرجينيا بوستريل: هناك نوع من التمثيل الإيمائي الذي يمارسه جميع المعنيين، وينصّ على أنَّ الطلاب يأتون إلى الولايات المتحدة للدراسة، ثم يعودون إلى بلدانهم الأصلية. هذا ما تقوم عليه تأشيرات الطلاب. وعندما أتيتِ أنت، كانت هذه نيّتك أيضاً. هل تجدين أنَّ هذا النموذج غير واقعي؟

راجيكا بهانداري: هذا السؤال هو حقاً في صميم سبب تأليفي لهذا الكتاب. شعرتُ بإحباط متزايد من أنَّنا في الولايات المتحدة لا نريد إجراء محادثة صريحة حول المسار من التعليم العالي إلى المواهب الماهرة، وكيف تُنمّي البلدان مجموعة مواهبها.

ففي كل الدول المتقدمة تقريباً -انظروا إلى المملكة المتحدة، وأستراليا، ونيوزيلندا، وألمانيا، والعديد من البلدان الأخرى- كان الطريق من التعليم إلى الهجرة موجوداً في كل مكان لفترة طويلة جداً. أما في الولايات المتحدة؛ فالحال لم يكن كذلك يوماً. إذا نظرنا إلى الإحصاءات؛ فإنَّ 70 إلى 80% من الطلاب الدوليين يظلون في الولايات المتحدة بعد دراستهم. ومع ذلك، ما يزال يُنظر إلى تدفق الطلاب الدوليين في إطار هذا "التبادل"، وهذا التمثيل الإيمائي الذي ذكرته سابقاً للتبادل الثنائي. لكنَّه ليس تبادلاً؛ إذ يأتي المزيد من الطلاب أكثر مما يذهبون. كما أنَّ عدد الذين يأتون إلى برامج التبادل، مثل برنامج "فولبرايت" (Fulbright) الرائد، صغير جداً جداً. و معظم الطلاب الذين يأتون إلى هنا هم طلاب لديهم دوافع فردية يُموّلون طريقهم بها.

فضلاً عن ذلك؛ يتمثّل أحد أكبر التحديات في أنَّ تأشيرة الطالب الدولي (F-1) ما تزال تسمى "تأشيرة النية الواحدة"، مما يعني أنَّه يتعين على طالب جامعي يبلغ من العمر 17 عاماً أن يقف أمام مسؤول الشؤون القنصلية في بلده الأصلي، ويقول، "نعم، أنا متأكد تماماً من أنني سأعود بعد أربع سنوات". كيف لك أن تعرف؟ لا نطلب من الشباب في سن 17 عاماً في الولايات المتحدة أن يعرفوا بالضبط ما الذي سيقرّرونه بعد أربع سنوات. أعتقد أنَّ معظم الطلاب يتصرفون بصدق، ويقولون ما يعتقدون بأنَّه الشيء الصحيح بالنسبة إليهم، فقد كان ذلك صحيحاً بالنسبة إليّ. لكنَّنا نتطور ونتغير.

إصلاحات مقترحة

فرجينيا بوستريل: ما هي إصلاحات النظام التي تقترحينها؟

راجيكا بهانداري: أولاً، لا بدَّ من إزالة مطلب النية الواحدة من تأشيرة الطالب. وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أنَّ فرص العمل التطبيقي التي يتمتع بها الطلاب الدوليون بعد دراستهم، من خلال برنامج التدريب العملي الاختياري، مشحونة بالتوتر بشكل لا يصدق حالياً، إذ لم يتم إنشاء البرنامج من خلال التشريع. لذا؛ فالأمر يشبه السيف المسلّط على رقبة كل طالب دولي: هل سأكون قادراً على متابعة هذا العام من العمل بعد الدراسة أم لا؟ ماذا سيحدث؟

بشكل عام، نحتاج إلى تسهيل مسار الانتقال هذا من كونك طالباً إلى الانضمام إلى القوى العاملة، فالقيود والتراكمات في الوقت الحالي كبيرة حقاً. وهي مسألة النظر إلى المواهب التي تخسرها الولايات المتحدة -المواهب التي تم تدريبها في الولايات المتحدة.

فرجينيا بوستريل: كيف يُؤثّر نظام الهجرة في الولايات المتحدة في تجربة الطلاب الدوليين أثناء وجودهم هنا؟ كيف تكون تجربتهم مختلفة عن تجربة طالب أمريكي قد يكون معهم في البرنامج ذاته؟

راجيكا بهانداري: هناك شعور معوِّق بعدم اليقين يحكم كامل وقت الطالب الدولي في الولايات المتحدة. وهناك الكثير من قواعد الهجرة التي يجب الالتزام بها، ومنها على سبيل المثال، ما يخص مقدار المقررات الدراسية التي يجب اختيارها في كل فصل دراسي. فضلاً عن ذلك؛ يتمتّع معظم الطلاب الأمريكيين بحرية إنهاء الفصل الدراسي، خصوصاً طلاب الدراسات العليا: "سأستمر في التسجيل، لكنَّني سأذهب إلى لعمل لمدة عامين في البنك الدولي". لكن لا تُتاح مثل هذه الحرية للطلاب الدوليين. فعندما تكون طالباً دولياً؛ فإنَّ كل ما تفعله في برنامج دراستك يخضع لقواعد الهجرة.

في الواقع، أقول بسخرية في الكتاب، إنَّ العديد من الناس لديهم الصورة النمطية القائلة "أوه، الطلاب الدوليون بارعون، لقد أنهوا دراسة درجة الدكتوراه في خمس أو ست سنوات فقط. إنَّهم أذكياء جداً". لكنَّ المسألة ليست لكونهم أذكياء، بل ليس لديهم أي خيار. لا يوجد خيار أمامهم سوى الاستمرار في المسيرة وتلبية تلك المتطلبات، وإلا سيفقدون أهليتهم على الفور، ويُضّطرون للعودة إلى بلدانهم.

هذا الشعور بعدم اليقين يُخيّم عليكم، وأنتم تمضون في هذا المسار. إنَّها عملية

لا نهاية لها من الانتظار وعدم المعرفة. فالطالب يتقدم بطلب للحصول على تصريح عمل للتدريب العملي الاختياري، ثم ينتظر وينتظر، لأنَّه لا يعرف متى سيأتي. ثم يمكنه التقدم للحصول على تصريح عمل (H1-B)، إذ يأتي هذا الخيار مع عدم اليقين الخاص به، وهو حقاً يحكم الوجود الكامل للطالب الدولي بطريقة لا يُضطر الطلاب الأمريكيون حتى بالتفكير فيها.

التجربة الكندية

فرجينيا بوستريل: كيف يمكن مقارنة هذا بالتجربة في كندا على سبيل المثال؟

راجيكا بهانداري: السياسات في كندا أكثر ودية للطلاب الدوليين بسبب هذا الفهم الواضح لحقيقة أنَّ التعليم هو طريق إلى الوظائف والقوى العاملة.

فرجينيا بوستريل: يرغب العديد من الأشخاص الذين يريدون تقييد الهجرة، وليس القضاء عليها في توجيهها نحو الأفراد المتعلمين تعليماً عالياً، والذين يجلبون الكثير من رأس المال البشري. لكنَّني قلقة بشأن بعض الآثار الجانبية المحتملة لهذا النموذج. وفي الواقع؛ فإنَّ جزءاً من العقد الاجتماعي الأمريكي الضمني -والذي لا يتم احترامه دائماً- هو أنَّنا نحترم بعضنا كأفراد، خصوصاً في سياق العمل. نحن نحترم الشخص الذي يقوم بالعمل، ولا نستخف به لأنَّ وظيفته منخفضة الأجر، أو تتطلب تعليماً أقل، فالعمل ذاته يستحق الاحترام. هل يؤدي قبول الكثير من الأشخاص المتميزين من المجتمعات الهرمية مثل الهند إلى خطر تآكل علاقات المساواة في الحياة الأمريكية اليومية؟ هل الأشخاص الذين ينتمون إلى النخبة في المجتمعات الهرمية العالية يجلبون معهم وجهة نظر النخبة هذه، ويضخونها في الحياة الأمريكية اليومية؟

راجيكا بهانداري: هذا سؤال رائع، وأنا لا أستثني نفسي هنا. أعتقد أنَّ هناك شيئاً مميزاً حول دخول مجتمع جديد كطالبة، لأنكِ تكونين مثل الإسفنجة، وفي عمر ما تزال فيه قيمك وأفكارك ومعتقداتك قيد التشكّل. وبالتالي؛ يمكن أن يكون للتجربة تأثير عميق وتحويلي على الشخص، وقد كان هذا الحال بالنسبة إليّ بالتأكيد.

أُدرِك أنَّني جئت محمّلة بالكثير من تلك الأفكار التي طرحتها للتو، من مجتمع كان منظماً بشكل صارم للغاية عبر الخطوط الطبقية. وكان لديّ تحيزاتي ومعتقداتي، سواء كان الأمر يتعلق بالعرق ولون البشرة، أو كرامة العمل. وبما أنني في الولايات المتحدة؛ فقد أجبرني هذا حقاً على مواجهة تحيزاتي، والتطور والتغير لأصبح أكثر انفتاحاً في تفكيري، وآمل أن أكون إنسانة أفضل.

هذا هو الشيء الوحيد الذي أقوله للطلاب هذه الأيام، عندما يسألونني، أريد المجيء إلى الولايات المتحدة والدراسة، كيف يمكنني أن أنجح؟ فأحد التحديات التي أقولها لهم هو التفكير حقاً في جعل أنفسكم منفتحين على الكيفية التي يمكن فيها للمجتمع أن يغيركم بالفعل.

فهم المجتمع

فرجينيا بوستريل: كيف ساعدتك الدراسة والعيش في الولايات المتحدة على فهم الهند بشكل أفضل؟

راجيكا بهانداري: عندما تغادرين منزلك، وتبقين بعيدة عنه لفترة كافية من الوقت، فهذا يمنحك حقاً هذا الإحساس بالموضوعية والشعور بأنَّك دخيلة تنظرين إلى الداخل –فأنت تعرفين هذا المجتمع بشكل جيد حقاً، لكنَّك بعيدة عنه بخطوة واحدة. بالنسبة إليّ، كانت هذه الدروس تتعلق بشكل كبير بالتمييز على أساس الجنس، ومكانتي في العالم كامرأة شابة: رؤية وطني ومجتمعي على حقيقته، وإدراكي أنَّ هذا ليس ما أريده لنفسي. إنني أريد شيئاً مختلفاً.

فرجينيا بوستريل: على الرغم من وجود تجارب سلبية بالتأكيد في الكتاب، لكنَّها جعلتني أشعر بالرضا عن البلد. لقد كانت نظرة إيجابية لأمريكا –وهي ليست قصة خيالية جميلة، ولكن إذا كنت تريدين المجيء إلى هنا، ومن ثم انتهى المطاف بك بالبقاء هنا، فلا بدَّ أنَّ هناك شيئاً جيداً في هذا البلد.

راجيكا بهانداري: أنا سعيدة حقاً لسماعك تقولين ذلك. ما الذي يجذب الناس إلى الولايات المتحدة؟ أقول في الكتاب، إنَّها الدولة التي أعطت العالم "إنديانا جونز". ولم أكن أحاول أن أكون متهورة –و أقول فقط، إنَّ فكرة الحرية هذه تتجسد بطرق مختلفة: حرية الفكر، وحرية السعي وراء تطلعات المرء، وحرية إعادة تشكيل نفسك.

فرجينيا بوستريل: لديك مثال رائع على دهشتك عندما رأيت شخصاً في الولايات المتحدة يضع تقويم أسنان بالرغم من كونه بالغاً؛ فقد رأيت في ذلك علامة على إعادة تشكيل نفسك.

راجيكا بهانداري: إنَّها تلك الحرية التي تتجلى بطرق عدة مختلفة، التي يواجهها الطلاب أيضاً بمجرد وصولهم إلى هنا؛ إذ يُدفعون إلى التفكير بطرق لم يختبرونها من قبل. وأعتقد أنَّ هذا هو ما يجذب الناس إلى هنا حقاً. وفي الواقع، ما تزال هذه الحرية موجودة، على الرغم من كل التحديات التي واجهتها البلاد على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية.