عبد الله حمدوك والسودان.. محطات رحلة الانتقال المضطرب

رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك
رئيس الوزراء السوداني المستقيل عبد الله حمدوك المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تنحى رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، الأحد عن منصبه بعد أكثر من عامين على رأس الحكومة الانتقالية بالسودان.

خلال رئاسته للحكومة، شهد حمدوك محطات من التوتر المتصاعد، الذي بلغ ذروته إثر محاولة انقلاب فاشلة في سبتمبر، أعقبتها الإطاحة به وبحكومته في انقلاب نفذه الجيش في أكتوبر الماضي، انتهى به تحت الإقامة الجبرية.

كما عطّل الجيش الوثيقة الدستورية الحاكمة لعملية الانتقال الديمقراطي، وزجّ بأعضاء حكومة حمدوك في السجن، قبل أن يعود باتفاق سياسي أثبتت الأحداث هشاشته، وأفقده جزءاً من التأييد الشعبي، الذي كان يحظى به وفشل في تحقيق التوافق المنشود.

من هو عبد الله حمدوك؟

عبد الله حمدوك، درس الاقتصاد بجامعتي الخرطوم ومانشستر، وعمل قبل أن يصبح رئيساً للوزراء بلجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا والبنك الأفريقي للتنمية، ومستشاراً خاصاً لبنك التجارة والتنمية في أثيوبيا.

يتحدّر حمدوك من إقليم جنوب كردفان، الواقع في جنوب السودان، والذي شهد، كما النيل الأزرق ودارفور، نزاعاً مسلحاً بين القوات الحكومية في عهد عمر البشير، ومتمردين، استمر سنوات، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".

اقرأ أيضاً: بعد احتجاجات الخرطوم.. كل ما تريد أن تعرفه عمَّا يحدث في السودان

شارك حمدوك في الماضي في مبادرات سلام أفريقية للتوسط في نزاعات في دارفور وكردفان والنيل الأزرق. وعمل في البنك الأفريقي للتنمية، وهو معروف بوضع سياسات تحفز النمو الاقتصادي في أثيوبيا في ظل حكومة ميليس زيناوي.

وكان حمدوك يتمتع بصورة رجل يلتزم بالشفافية وحسن الإدارة، لاسيما منذ أن رفض في 2018 منصب وزير المال الذي عرضه عليه البشير، حسبما ذكرت وكالة "فرانس برس".

رئاسة الحكومة

وصل حمدوك إلى الخرطوم في أغسطس 2019 آتياً من أديس أبابا، بعد ثورة لم يشارك فيها على الأرض، لكنه تبنى أهدافها.

وسُمّي حمدوك رئيساً للحكومة في الشهر ذاته، إثر اتفاق على تقاسم السلطة بين الجيش وائتلاف قوى الحرية والتغيير الذي قاد الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى سقوط عمر البشير بعد 30 عاماً من حكم السودان بقبضة حديد.

وتسلّم حكومة مكلفة إقامة مؤسسات ديمقراطية في البلاد، بينها برلمان لم يرَ النور، واقتراح حل اقتصادي قادر على وقف التضخم المتسارع والفقر المزمن.

تحدّيات اقتصادية

لدى توليه منصبه، قال حمدوك، إن من أولوياته حل الأزمة الاقتصادية العميقة وعبء الدين العام الخانق ونشر السلام في ربوع البلاد بعد حروب أهلية طويلة.

ووعد السودانيين البالغ عددهم 45 مليوناً، بالعمل على إيجاد "سياسات جيدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية".

بدأ حمدوك فور توليه المنصب محادثات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لبحث إعادة هيكلة ديون السودان.

كما بدأ محادثات مع الولايات المتحدة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو التوصيف الذي كان سبباً في عزل السودان عن النظام المالي العالمي منذ 1993. وخرج السودان من القائمة في العام 2020.

اقرأ أيضاً: التوترات السياسية تُوقف تمويلاً دولياً للسودان بقيمة 650 مليون دولار

وخلال الفترة التي رأس فيها حمدوك الحكومة، قبل صندوق النقد إدراج السودان ضمن مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون بناء على التزام البلاد بإصلاحات على صعيد الاقتصاد الكلي، حسب وكالة رويترز.

وأدى ذلك إلى تأهل السودان أخيراً للإعفاء من ديون والحصول على أموال جديدة.

رفع الدعم

من الاصلاحات الاقتصادية الرئيسية التي عمل حمدوك على تنفيذها، كان رفع الدعم عن الوقود الذي كان يكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنوياً، وتخفيض قيمة العملة السودانية وتعويمها. كما سعى إلى فرض سيطرة الحكومة على الشركات المملوكة لقوى الأمن.

لكن سياسة التقشف في بلد يفتقر إلى بنى تحتية أساسية، زادت الغضب الشعبي، وفاقمت الفقر مع تضخم نسبته 300%.

قبل أسابيع قليلة من عزله من منصبه، اعترف حمدوك بالصعوبات الناجمة عن الإصلاحات، لكنه أبدى أمله أن يظهر أثرها الإيجابي بسرعة. وقال إن الشعب السوداني دفع ثمناً غالياً للإصلاحات، ولابد من تحقيق تطلعاته.

الانقلاب

مع مطلع سبتمبر تزايد التوتر بين الجيش والمدنيين في الإدارة المشتركة، وأعلن الجيش في 21 سبتمبر إحباط محاولة انقلابية قامت بها مجموعة عسكرية.

وقال حمدوك حينها إن المحاولة رتبتها عناصر من داخل المؤسسة العسكرية وخارجها، وأشار إلى سعيها لتقويض المسار الديمقراطي بالبلاد.

في أعقاب تلك المحاولات واحتدام الأزمة السياسية في البلاد، أعلن حمدوك منتصف أكتوبر عن خريطة طريق من 10 بنود للخروج من الأزمة، وقال إنه ليس محايداً أو وسيطاً في النزاع بل إن موقفه الواضح والثابت هو الانحياز الكامل للانتقال الديمقراطي المدني.

اقرأ أيضاً: رئيس مجلس السيادة السوداني يعلن حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء

بعد أقل من أسبوعين على إعلان حمدوك خارطة الطريق تحرك الجيش ووضع حمدوك تحت الإقامة الجبرية وحل الحكومة ومجلس السيادة وعطل العمل بالوثيقة الدستورية وألقى القبض على أغلب أعضاء الحكومة وشخصيات سياسية بارزة.

وحظي حمدوك بتأييد شعبي كبير، وخلال المظاهرات احتجاجاً على الانقلاب، رفع المتظاهرون صور حمدوك وعلقوا لافتات عليها صوره.

الاتفاق الهشّ

في 21 نوفمبر وقع حمدوك اتفاقاً سياسياً مع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان عاد بموجبه إلى منصبه، وهي خطوة لم تلق تأييداً كبيراً من مناصريه إذ استحال بالنسبة للمتظاهرين في الشوارع الذين كانوا يعتبرونه "رهينة"، بعد هذا الاتفاق "خائناً" لأنه بتحالفه مع الجيش يسهل "عودة النظام السابق" حسبما ذكرت "فرانس برس".

اقرأ أيضاً: توقيع اتفاق سياسي يعيد حمدوك لرئاسة وزراء السودان

وشدد حمدوك في ديسمبر على أن توقيعه على الاتفاق السياسي مع رئيس المجلس السيادي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، كان بهدف حقن الدماء، وقطع الطريق على "قوى الثورة المضادة" وحذر من أن البلاد "تواجه تراجعاً كبيراً في مسيرة الثورة، يهدد وحدتها واستقرارها".

الاستقالة

أعلنت مصادر مقربة من حمدوك نيته الاستقالة خلال ساعات في 21 ديسمبر، بعد شهر من توقيعه الاتفاق السياسي، لكنه أجّل الإعلان عنها بسبب "دعوات محلية وإقليمية".

وأفادت مصادر في 27 ديسمبر بأن رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك لم يزاول مهام عمله من مكتبه منذ 5 أيام، فيما قالت مصادر عسكرية ومدنية، إن حمدوك، أبلغ رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، لأول مرة، رغبته في الاستقالة من منصبه.

شهدت الخرطوم مظاهرات واسعة تخللتها أعمال عنف من قوات الأمن ضد المدنيين سقط فيها 6 ضحايا ونحو 300 جريح، حسبما أعلنت اللجنة المركزية لأطباء السودان. واستدعت أعمال العنف إدانات دولية واسعة.

وفي 2 يناير، أعلن حمدوك، استقالته رسمياً من منصب رئيس وزراء السودان، مشيراً إلى أنه التقى مكونات الفترة الانتقالية من مدنيين وعسكريين وغيرهم لوضع المسؤولية الوطنية أمامهم.