دراغي.. مخاطر كامنة تمنع الجد من خدمة إيطاليا وتعضد طموحه في أوروبا

ماريو دراغي رئيس وزراء إيطاليا
ماريو دراغي رئيس وزراء إيطاليا المصدر: بلومبرغ
Rachel Sanderson
Rachel Sanderson

Rachel Sanderson is an Australian politician representing the seat of Adelaide in the South Australian House of Assembly for the South Australian Division of the Liberal Party of Australia since the 2010 election. Sanderson has served as the minister for Child Protection in the Marshall Ministry since 22 March 2018.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال الأشهر العشرة التي انقضت منذ أن أصبح رئيساً للوزراء، جلب ماريو دراغي إلى إيطاليا فترة من الرخاء والاستقرار لم يسبق لها مثيل في الآونة الأخيرة. لذا فإن حمله على البقاء في موقع السلطة - أي منصب- في إيطاليا لأطول فترة ممكنة أصبح شعاراً في الأوساط السياسية والتجارية الإيطالية، وهو مصدر قلق متزايد بالنظر إلى عدم الاستقرار التاريخي لحكومات وائتلافات الدولة.

طالع أيضاً: بعد ميركل.. هل ماريو دراغي هو زعيم أوروبا الجديد؟

علاوةً على ذلك، وبالرغم من أن ألمانيا وفرنسا هما أكبر اقتصادان في الاتحاد الأوروبي، إلا أن مستقبل المشروع الأوروبي يعتمد على ما إذا كانت إيطاليا - ثالث أكبر دولة – قادرة على النمو بعد الركود الذي شهدته على مدى عقدين من الزمن، في الواقع، شهد العام الماضي في عهد دراجي نمواً في إيطاليا بنسبة 6.3%، حيث وفّر الاستقرار والزخم للإصلاحات الهيكلية التي طالبت بها بروكسل مقابل أكثر من 200 مليار يورو (226.4 مليار دولار) من أموال الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد الجائحة.

وفقاً لمؤيديه المتحمسين، فإن أسهل طريق إلى عهد دراغي الممتد هو أن ينتقل بسرعة إلى رئاسة إيطاليا. وبالرغم من أن المنصب لا يتمتع بصلاحيات تنفيذية، ولكن في حال اختاره البرلمان الإيطالي في فبراير، فيمكنه شغل المنصب لمدة سبع سنوات، ليصبح بذلك نوعاً من الضامن السامي للبلاد في المجال الأوسع للاتحاد الأوروبي والعالم.

أقرأ المزيد: بعد ميركل.. "سوبر ماريو" الوحيد القادر على قيادة أوروبا

مخاطر كامنة

منذ الوقت الذي كان يدير فيه البنك المركزي الأوروبي، كان هناك حديث عن اهتمام دراغي بالوظيفة الفخرية في الوطن، وألمح لطموحه هذا في مؤتمره الصحفي لنهاية العام في 22 ديسمبر عندما وصف نفسه بأنه "الجد في خدمة الدولة". وهو مرشح لا مثيل له لمنصب رئيس الجمهورية، لكن ما يبدو أنه خيار سهل له مخاطره الكامنة.

أولى هذه المخاطر هو أن أحدث استطلاعات الرأي تشير إلى أنه من المرجح أن يصل اليمين المتطرف إلى السلطة في حال تم إجراء انتخابات في وقت مبكر من هذا العام، وهو ما يمكن أن يحدث بسرعة إذا انتقل دراغي إلى الرئاسة. بعد عام آخر، سيكون أمام تجمع يسار الوسط بقيادة رئيس الوزراء السابق إنريكو ليتا، الذي انتصر في الانتخابات البلدية الأخيرة، المزيد من الوقت لإعادة بناء نفسه على المسرح الوطني.

كرئيس، سيتولى دراغي منصباً اضطر مؤخراً أن يمارس تأثير صانع الملوك؛ حيث كان سيرجيو ماتاريلا، الرئيس المنتهية ولايته، هو الذي دعا دراغي لرئاسة حكومة وحدة عبر الأحزاب وسط أزمة الجائحة لأن السياسيين في البلاد لم يتمكّنوا من التوصّل إلى اتفاق بأنفسهم. بدون دراغي، تظل السلطة السياسية مجزأة. كما تُشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أن الأحزاب الرئيسية - من أقصى اليمين إلى يسار الوسط - تبلغ حوالي 20% من الأصوات لكل منها. ومن المحتمل أن يعني ذلك المزيد من التحالفات المتلاطمة وحكومات الأبواب الدوارة - ورئيساً قوياً بشكل متزايد؛ كما أن مكانة دراغي ستُعزّز المنصب بالتأكيد.

اقرأ أيضاً: إذا فشلت إيطاليا.. ستفشل أوروبا أيضاً

شبه رئاسية

إلا أن إيطاليا ديمقراطية برلمانية، على عكس فرنسا - حيث تدور السياسة حول الرئاسة. وبالتالي فإن جعل منصب الرئاسة أكثر قوة من شأنه أن يخلق توترات ذات صلة؛ حيث وُصِف بالفعل تحوّل دراغي المطروح على أنه فجر جمهورية إيطالية "شبه رئاسية" - وليس بطريقة جيدة. بشكل طموح تقريباً، قارنت شخصيات على اليمين، بما في ذلك نائب الرابطة جيانكارلو جيورجيتي، رئاسة دراغي برئاسة تشارلز ديغول بعد الحرب العالمية الثانية.

لكن بروز إيطاليا كجمهورية شبه رئاسية هو هراء، لأنه مستحيل قانونياً دون تغيير جذري في الدستور. كما أن الرئاسة ذات الصلاحيات التنفيذية - حتى تلك غير الواضحة - تنتهك نوايا وثيقة وُضِعتْ عام 1948 لمنع إحياء رجال أقوياء مثل بينيتو موسوليني، ويجب أن يظل ذلك سارياً حتى إذا كان للرجل القوي الفضل في إنقاذ اليورو.

في هذا الصدد، يُلاحظ جوزيبي فرانكو فيراري، خبير في القانون الدستوري في جامعة بوكوني في ميلانو، بسخرية أن "رئيساً لا يمكن أن يكون رئيساً للوزراء بالسر داخل النظام الإيطالي" - في إشارة إلى الطريقة التي حافظ بها الباباوات على تعيين بعض الكرادلة سراً و"في القلب". كما أن معدلات موافقة دراغي مرتفعة - عند 65%، وفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة - ولكن في حال لم تكن ترقيته إلى الرئاسة شفافة، فحتى شعبيته قد تكون معرضة لتأثيرات الحركة الشعبوية المناهضة للمؤسسات والعنيفة على نحو متزايد في إيطاليا.

تحديات بعد الجائحة

يُشار إلى أن إيطاليا ما تزال تواجه تحديات أخرى بعد عام الجائحة. ففي الداخل، تشمل قائمة المهام إصلاح النظام الضريبي، وإجراء إصلاحات قانونية وهيكلية أخرى، والاستجابة لموجة كوفيد الرابعة، وبيع البنك المتعثر "مونتي دي باشي دي سيينا" (Monte dei Paschi di Siena). كما أن قائمة المشاريع الصعبة في الخارج شاقة بنفس القدر: إعادة كتابة عاجلة للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي، والسعي لتوثيق العلاقات مع ألمانيا على غرار معاهدة الصداقة التي جرى الاتفاق عليها الشهر الماضي مع فرنسا، ودفاع أوروبي أقوى في مواجهة الضغوط المتزايدة من فلاديمير بوتين.

في حال ظل دراغي رئيساً للوزراء، فلا بد أن يكون هناك شخص آخر رئيساً - حتى لو كان تكنوقراطياً آخر مثل وزير المالية دانييل فرانكو. إلا أن مصدر القلق الرئيسي هو أن الوظيفة قد تذهب إلى قطب الإعلام "المشين" ورئيس الوزراء السابق سيلفيو برلسكوني - على الرغم من أن فرص ذلك تتضاءل نظراً لأنه من غير المرجح أن يفوز بثلثي البرلمان الضروري.

مرشح أفضل

بغض النظر، سيظل من الصعب العثور على مرشح أفضل من دراغي يُحافظ على السلام داخل حكومة الوحدة. وبشكل حاسم، تحتاج إيطاليا إلى حكومة مستقرة حتى نهاية المجلس التشريعي في عام 2023 من أجل الحفاظ على هدفها المتمثل في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار ثلاث نقاط مئوية بحلول عام 2026 أو تجاوزه، لا سيما مع انتهاء نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلاد العام الماضي عند 160%.

لكن هناك خيار واحد يمكن أن يخدم كلاً من إيطاليا وأوروبا أيضاً: يظل دراغي رئيساً للوزراء حتى نهاية ولاية حكومته في عام 2023، ويقود الإصلاحات، ويتأكّد من أن إيطاليا تنفق بشكل فعال أموال الإنقاذ من الجائحة التي قدّمها الاتحاد الأوروبي. بعد ذلك، يمكن أن يبتعد عن المأزق السياسي الإيطالي لأن منصب رئيس المفوضية الأوروبية سيكون متاحاً في عام 2024، عندما تنتهي فترة ولاية أورسولا فون دير لاين. وهو دور تنفيذي يمكن القول إنه أكثر ملاءمة لطموحه ونفوذه ورؤيته لأوروبا الأكثر تكاملاً، وسيكون ما يزال أصغر من جو بايدن بعام عندما أصبح رئيساً للولايات المتحدة.