هل اللحوم المُصنَّعة في المختبرات حلال؟

رسم: جوردان سبير/ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد مرور آلاف السنين على تربية البشر للحيوانات بغرض الحصول على البروتين، يظهر على السطح اليوم التحدي التقني الكبير المتمثل في إنشاء مشروع تجاري لإنتاج اللحوم في المختبرات، بدلاً من المزارع أو حقول التسمين.

لكن بالنسبة إلى رائد الأعمال في مجال تكنولوجيا الأغذية، جوش تيتريك، فإن النجاح لا يعتمد فقط على العلماء ذوي المعرفة في أحدث تطورات الهندسة الحيوية، بل يرتبط كذلك برجال الدين المتخصصين في تفاصيل التشريعات الدينية الخاصة بالتغذية.

اقرأ أيضاً: إنفوغراف... اللحوم المصنعة أقل في انبعاثات الكربون بـ85%

تيتريك هو الرئيس التنفيذي لشركة "إيت جست" (Eat Just)، وهي شركة ناشئة في سان فرانسيسكو يدعمها المليارديرات مارك بينيوف، وبيتر ثيل، وإدواردو سافيرين المؤسس المشارك لـ"فيسبوك". وتعمل الشركة على إنتاج اللحوم التي يتم إنتاجها في المفاعلات الحيوية بدلاً من المزارع.

وبخلاف المنتجات النباتية من شركتي "بيوند ميت" (Beyond Meat) و"إمبوسيبل فودز" (Impossible Foods)، يتم إنتاج اللحوم في الشركة من خلايا حيوانية فعلية في المختبرات، وهي متماثلة هيكلياً مع خلايا اللحوم التقليدية. يقول تيتريك: "من الناحية الجينية وخصائص التغذية فهي لحوم". ويضيف: "لكن لا وجود لعنصر الذبح كأحد الخطوات في العملية برمتها".

المعايير الدينية

لكن عدم الذبح وإراقة الدماء يثير عدداً من الأسئلة لدى متبعي الديانتين الإسلامية واليهودية، الذين يأكلون لحوماً مثل لحوم البقر أو الدجاج أو الضأن والتي عليها أن تكون من الحيوانات المذبوحة وفق قواعد معينة فقط.

على سبيل المثال، هل يمكن أن يعتبر اللحم حلالاً أو كوشر في حال تم استنباته في المختبر ولم يأت من حيوان تم ذبحه؟ هل يعتبر حقاً من اللحوم؟

هذه لا تعد أسئلة بسيطة بالنظر إلى أن مليارات الأشخاص على مستوى العالم يتبعون لديانات أو تقاليد تتبع المبادئ التوجيهية الصارمة ذاتها بشأن تحضير اللحوم.

يراهن تيتريك على أن التكنولوجيا الحالية يمكن أن تحظى بتفضيل على العادات التقليدية القديمة، إذ أنها تدشن طريقة جديدة لإشباع شهية العالم الشرهة للحصول على البروتين. وفي عام 2020، بدأت شركة "جست إيت" بيع قطع الدجاج المستنبتة في المختبر بسنغافورة، وفي ديسمبر حصلت على تصريح لتقديم صدور الدجاج من النوع نفسه هناك.

"نستله" تتجه إلى صناعة بدائل البروتين وتستثمر في "الدجاج المزيف"

تستهدف الشركة التي جمعت 267 مليون دولار في عام 2021، المستهلكين من متبعي الديانة الإسلامية في الوقت الحالي، حيث أعلنت في أغسطس من العام الماضي عن خطط لبناء منشأة تابعة لها في قطر. وفي حين أنها أجرت مشاورات مع رجال دين، إلا أنها لم تحصل بعد على الموافقة على هذا النوع الجديد من اللحوم. ويقول تيتريك: "إنها مسألة مهمة حقاً، وربما تكون أكثر أهمية خاصة مع مشروعنا في قطر. ولكن ليست لدينا الموافقة بعد".

قطاع يجذب المستثمرين

عمالقة المنتجات التجارية الزراعية لا ينتظرون تسوية مثل هذه الأسئلة المثيرة للجدل قبل الانخراط في هذه الصناعة التي لا تزال في مرحلة التطوير، وقد تصل قيمتها إلى 25 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لشركة "ماكنزي آند كو".

فقد وافقت شركة "جيه بي إس إس إيه" البرازيلية، وهي أكبر مورد للبروتين الحيواني في العالم وتمتلك العلامتين التجاريتين "سويفت" و"بريمو"، في نوفمبر الماضي على الاستحواذ على شركة اللحوم الإسبانية "بيبو تيك فودز" في صفقة بلغت قيمتها 100 مليون دولار. كما شاركت "إيه دي إم فنشرز"، الذراع الاستثماري لشركة "أرشر – دانيلز – ميدلاند"، في صفقة استثمار بقيمة 347 مليون دولار في شركة "فيوتشر ميت تكنولوجيز" الإسرائيلية الناشئة، حسبما أعلنت الشركتان في 20 ديسمبر من عام 2021.

كذلك تعد كل من شركتي "كارجيل" وتايسون فيودز" وبيل غيتس وريتشارد برانسون، مستثمرين في شركة "أبسايد فودز" المتخصصة في إنتاج اللحوم المُصنعّة في المختبرات ومقرها كاليفورنيا.

بين المنع ووضع الشروط

في حال عدم موافقة الجهات المعنية في الدول الإسلامية على هذه اللحوم المستنبتة في المختبرات، فإنها ستكون خارج النطاق بالنسبة لمتبعي الديانة الإسلامية، التي تعد ثاني أكبر الديانات على مستوى العالم، ويبلغ عدد متبعيها ملياري شخص تقريباً.

وبالفعل هذا ما حدث عندما قامت منظمة "نهضة العلماء"، وهي أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا، بإصدار بيان في سبتمبر الماضي أشارت فيه إلى أن: "الخلايا المأخوذة من حيوانات حية ثم يتم تصنيعها في مفاعلات حيوية تندرج ضمن فئة الذبيحة غير الطاهرة شرعياً ويحظر أكلها".

ويمكن أن تشجع هذه الفتوى الصادرة في إندونيسيا، بصفتها الدولة التي تضم أكبر عدد من المسلمين في العالم، السلطات في الدول الأخرى لإصدار قرارات مماثلة.

بينما في باكستان، التي تعد ثاني أكبر دولة من حيث عدد المسلمين، فقد أصدر علماء الشريعة بقيادة خبير الشريعة الإسلامية محمد تقي عثماني العام الماضي، بياناً يفيد بأن اللحوم المُصنعة مسموح بها فقط إذا كانت الخلايا الأصلية مأخوذة من حيوانات مذبوحة وفقاً للشريعة الإسلامية. ومع ذلك، تعتمد العديد من الشركات الناشئة على الخلايا المأخوذة من الحيوانات الحية.

تغذية الخلايا في المختبرات

تواجه هذه الصناعة أيضاً تحدياً بالنسبة لمتبعي الديانة اليهودية أيضاً، وذلك نظراً لأن الحاخامات لم يتفقوا بعد حول ما إذا كانت هذه اللحوم يمكن أن تكون "كوشر" في حال لم تأت من حيوان تم ذبحه وفقاً للطقوس الدينية اليهودية.

كما يخشى علماء الشريعة اليهود من استخدام مصل جنين الأبقار (FBS)، الذي يتم أخذه من دم الأجنة المقتولة أثناء ذبح الأبقار الحوامل، لتغذية الخلايا الحيوانية في المفاعلات الحيوية.

يقول جويل كينيجسبيرج، الحاخام في الكنيس المتحد في لندن، والذي درس القانون والعلوم اليهودية في جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية ويقدم استشارات للشركات بشأن الأغذية اليهودية "كشروت"، إن هذا المصل يمكن أن يجعل اللحم غير كوشر بسبب منع أكل الدم، مضيفاً: "هذه التكنولوجيا جديدة جداً ومستحدثة، يكمن التحدي الأكبر في محاولة إيجاد حالات سابقة للقياس عليها".

كذلك، لا يوجد أي اتفاق بشأن ما إذا كان يجب على اليهود اعتبار المنتجات المُصنعّة في المختبر لحوماً، وبالتالي لا يمكن تناولها مع منتجات الألبان، أو مع أطعمة "بارفي" (pareve) وهي الأطعمة المحايدة غير اللحوم أو الألبان. ويقول أفروم بولاك، رئيس مؤسسة "ستار – كيه كوشر سيرتيفكيشن"، ومقرها بالتيمور وتعمل مع عملاء مثل "نستلة" و"ولمارت": "لا يهم ما تقوله الشركات عن هذه اللحوم. فسوف يكون هناك بالتأكيد من يقول إنها ليست لحوماً حقاً".

تسعى شركات عديدة إلى تجنب استخدام المصل لتغذية الخلايا، حيث كانت شركة "أليف فارمز" الإسرائيلية، التي تصنّع لحوم البقر دون ذبح، قد أعلنت في الثامن من ديسمبر الماضي عن عقد شراكة مع "واكر بيوسوليوشنز" في ميونيخ والتي تركز على البدائل غير الحيوانية لتغذية الخلايا في المفاعلات الحيوية.

اقرأ أيضاً: أهداف بايدن المناخية لا تحمل تهديدات لولع الأمريكيين باللحوم"

للتعامل مع المخاوف الناشئة عن اللحوم المُصنعّة دون عملية الذبح، تستخدم شركة "فيوتشبر ميت تكنولوجيز" سلالات خلوية نشأت من الماشية والدجاج والحملان المذبوحة وفقاً للطقوس الدينية، بحسب ما قاله يعقوب نحمياس رئيس الشركة. وتهدف الشركة، التي تسعى للحصول على موافقة تنظيمية من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، إلى تقديم الدجاج بهذه الطريقة في المطاعم بحلول أوائل عام 2023 وتتوقع حلّ الجدل الديني في هذا الأمر بحلول ذلك الوقت.

يقول ناحمياس: "لقد قمنا بزيارات لمجموعة من الحاخامات نحن نمضي في مسارنا بشكل جيد". ويضيف: "الحصول على شهادة اعتماد إسلامية بعد ذلك لن يكون أمراً صعباً". ويتابع: "ستكون اللحوم حلالاً وكوشر بالوقت ذاته".

لكن سنغافورة التي كانت أسرع حكومات العالم في إقرار للحوم المُصنعة في المختبرات، تشهد تباطؤاً من جانب العلماء المسلمين في الموافقة عليها.

قال المجلس الديني الإسلامي في سنغافورة (IRCS) ضمن بيان أُرسل عبر البريد الإلكتروني: "الأطعمة الجديدة مثل هذه هي مجالات حديثة في الفقه الإسلامي، وتتطلب البحث والتحليل والتفسير الديني المناسب. إنه مجال تطور جديد، وهو محل دراسة معمقة من قبل المجلس".