كازاخستان.. كيف أشعل الغاز الاضطرابات في أغنى دول آسيا الوسطى؟

تظاهرات واسعة في كازاخستان
تظاهرات واسعة في كازاخستان المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه كازاخستان أسوأ اضطربات اجتماعية منذ استقلال البلاد عقب انهيار الاتحاد السوفيتي قبل 30 عاماً، ما أثار قلق جيرانها وشركائها الاقتصاديين من انهيار استقرار المنطقة.

رغم اقتصاد البلاد القوي، واحتياطات البترول والغاز الكبيرة، والتي تضعها في مقدمة أغنى دول آسيا الوسطى، فإن موجة الاحتجاجات غير المسبوقة، اندلعت على خلفية ارتفاع أسعار الغاز.

تشكل هذه الاحتجاجات أكبر تحدٍ للرئيس، قاسم جومارت توكاييف، منذ توليه السلطة عام 2019، إذ فشلت قراراته بإقالة الحكومة وإعادة تخفيض الأسعار في تهدئة الاحتجاجات، التي تحولت إلى مواجهات وأعمال عنف، أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا ومئات المصابين، في حين طلب الرئيس دعماً أمنياً من روسيا وحلفائها.

اقرأ أيضاً: أزمتا أوكرانيا وكازاخستان تكشفان "عقيدة بوتين"

شرارة الغاز

في الثاني من يناير، تضاعفت أسعار غاز البترول المسال الذي يستخدمه معظم سكان مدينة جاناوزين (غربي البلاد)، لتشغيل سياراتهم، ليخرجوا للتظاهر في الشوارع. وسرعان ما تمددت حركة الاحتجاجات إلى مدن مجاورة. وفي غضون أيام، انتشرت في باقي أنحاء البلاد.

وتصاعدت الاحتجاجات، الأربعاء الماضي، على نحو سريع وواسع النطاق، إذ اقتحم محتجون مباني حكومية في أكبر مدن البلاد ألما آتا، وأضرموا النيران فيها.

بينما اندلعت الاحتجاجات للمرة الأولى بمدينة جاناوزين بسبب ارتفاع أسعار الغاز، اعتبرت وكالة "أسوشيتد برس" أن الاحتجاجات تعود إلى "شرارة غضب قديم لسكان المدينة بسبب الإحساس بأن ثروات الطاقة في المنطقة لا يستفيدون منها بشكل عادل".

الوكالة أشارت إلى أنه في عام 2011، قتلت الشرطة بالرصاص ما لا يقل عن 15 شخصاً في المدينة ذاتها كانوا يحتجون دعماً لعمال نفط فُصلوا من عملهم بسبب الإضراب.

بدورها، أفادت وكالة "رويترز" أن المتظاهرين يتهمون عائلة الرئيس السابق، نور سلطان نزارباييف وحلفاءها باحتكار ثروة ضخمة من النفط والمعادن، في حين يعاني سكان البلد من الفقر.

تسلسل زمني.. ماذا يحدث في كازاخستان؟

عزيز أبيشيف، الكاتب والباحث المقيم في العاصمة الكازاخية نور سلطان، قال لـ"الشرق" إن التظاهرات تعكس استياء الشعب من الحكومة المقالة، مشيراً إلى أنها "لم تقم بجهود كافية لحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية" منذ بداية جائحة كورونا.

عمّا إذا كان الرئيس، قاسم جومارت توكاييف، يتحمل أيضاً مسؤولية الوضع الاقتصادي، رأى أن "الرئيس بالتأكيد يتحمل جزءاً من المسؤولية، لكن الحكومة كانت في منصبها قبل انتخاب الرئيس في عام 2019".

وتابع: "هذه المشكلات الاقتصادية هي نتيجة لأزمة اقتصادية عالمية بسبب كورونا. فاقتصاد البلاد يعتمد على النفط، لذا نرى مشكلات التضخم وارتفاع الأسعار تحدث في عدة دول".

بخصوص استمرار الاحتجاجات حتى بعد إقالة الحكومة، قال أبيشيف إنه "لا توجد اتجاهات واضحة قد تؤول إليها الأمور. هذه مشكلة اقتصادية كبيرة، ولا يمكننا أن نجد مخرجاً مباشراً لإنقاذ البلاد من الأزمة". موضحاً أن "الوضع يعتمد على رئيس الوزراء الجديد، وإن كان بمقدرته احتواء الوضع. التوقعات صعبة. وعلينا أن ننتظر رئيس الوزراء الجديد ومجلس الوزراء الجديد الذي سيتشكل خلال أيام".

كما لفت أبيشيف إلى أن "التحدي الأكبر بالنسبة للحكومة القادمة سيكون هو السيطرة على التضخم، والذي أدى إلى ارتفاع الأسعار، بعد ذلك سيكون على الحكومة الجديدة التجاوب مع مطالب المتظاهرين وإنهاء احتكار الثرواث من قبل فئة لا يهمها مصلحة البلد والمواطنين".

ثروة هائلة

تعتبر كازاخستان الدولة الأقوى اقتصادياً في آسيا الوسطى نظراً لثرواتها الطبيعية الهائلة، التي تشمل النفط والغاز والنحاس والفحم واليورانيوم، وفقاً لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه"، إذ يبلغ ناتج البلاد المحلي 60% من إجمالي ناتج المنطقة.

كما أنها أكبر منتج للنفط بين الجمهوريات السوفيتية السابقة بعد روسيا، ويبلغ احتياطها من النفط الخام 30 مليار برميل، ما يجعلها صاحبة ثاني أكبر احتياطي في المنطقة بعد روسيا، بحسب وزارة التجارة الأميركية. وتوجه كازاخستان معظم صادراتها من النفط إلى الصين.

تعديل إنتاج أكبر حقل نفطي في كازاخستان بسبب الاضطرابات

اجتذب تطوير البترول والغاز الطبيعي واستخراج المعادن أكثر من 40 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي منذ عام 1993. ومع ذلك، لا يوجد سوى ثلاث مصافٍ للبترول في كازاخستان.

تمتلك البلاد أيضاً احتياطات من الغاز الطبيعي المؤكدة تتجاوز 3 تريليونات متر مكعب، فيما تفيد التوقعات بأن الاحتياطات قد تفوق 5 تريليونات متر مكعب، وفقاً لوزارة التجارة الأميركية.

مملكة اليورانيوم

بحسب "بلومبرغ"، فإن كازاخستان تنتج أكثر من 40% من اليورانيوم في العالم، ما يجعلها الموردة الأولى لليورانيوم عالمياً. كما يتوفر لديها ثاني أكبر احتياطي في العالم من اليورانيوم والفضة.

وأظهر مسح جيولوجي أنجزته الولايات المتحدة أن كازاخستان تمتلك أيضاً أكبر احتياطات معدن الكروم في العالم، بنسبة 86%.

اضطرابات كازاخستان تقفز بأسعار اليورانيوم

وفقاً لموقع "تشامبرز أند بارتنرز" (Chambers and Partners)، فإن كازاخستان تمتلك ثالث أكبر احتياطي في العالم من معدن المنجنيز، ورابع أكبر احتياطي من الزنك، وخامس أكبر احتياطي من الحديد، إضافة إلى ثامن أكبر احتياطي عالمي من القصدير.

كازاخستان بالأرقام

تُعدُّ كازاخستان أكبر دولة غير ساحلية في العالم، وتاسع أكبر دولة في العالم، إذ تفوق مساحتها الإجمالية 2.7 مليون كيلومتر مربع.

مقابل الثروات الطبيعية الهائلة والمساحة الضخمة، توجد في كازاخستان واحدة من أقل كثافة سكانية في العالم، إذ لا يتجاوز عدد السكان في البلاد 19.3 مليون نسمة، بحسب صندوق النقد الدولي.

في حين أن الثروات الطبيعية لكازاخستان ساعدت على تكوين نخبة ثرية في البلاد، فإن المصاعب المالية منتشرة على نطاق واسع وسط المجتمع، إذ تشير "أسوشيتد برس" إلى أن متوسط الراتب الشهري في كازاخستان أقل من 600 دولار.

نفط