النفط يستهل 2022 بموجة صعودية مع تبدد مخاوف ضعف الطلب

شاحنات نقل النفط متوقفة في فلويدز نوبس، إنديانا، الولايات المتحدة
شاحنات نقل النفط متوقفة في فلويدز نوبس، إنديانا، الولايات المتحدة المصور: لوك شاريت / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استهلّت أسعار النفط العام 2022 على دوي كبير، فقد تجاوزت سوق النفط التي كان يفترض أن تعاني من فائض، حاجز الـ 80 دولاراً للبرميل الأسبوع الماضي، إذ تجاهل الطلب العالمي متحور "أوميكرون"، بينما تأثر المنتجون من كندا إلى روسيا بمجموعة من التشديدات المفروضة على العرض.

وفي ظل توقعات بنوك الاستثمار بأسعار أعلى، وعقود الخيارات التي ترى احتمالية ارتفاع النفط الخام فوق 100 دولار، يهدد سوق السلع بمزيد من التضخم الذي يشعر به كبار المستهلكين.

مثل هذا الحِراك من شأنه أن يتسبب في تأثير سلبي بالنسبة إلى الدول التي هي في أمَسّ الحاجة إلى الوقود، كما ستكون ضربة كبيرة للرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي استهلك الكثير من الوقت والجهد في خفض الأسعار وتنسيق جهود عالمية لإطلاق احتياطيات النفط الاستراتيجية.

عمليات الإغلاق الصينية تُعرقل نمو الطلب على النفط

مزيد من التفاؤل

قال مايكل تران، المحلل الاستراتيجي للسلع في RBC Capital Markets: "الاتجاه الصعودي استعاد فصول القصة مجدداً. مع تحسن الطلب وتشديد المخزونات والأسئلة حول قدرة أوبك على الزيادة، تشير توجّهات التقدم إلى المزيد من التفاؤل".

التحركات في أسعار النفط ملموسة بشكل أكبر وأسرع من أي سلعة أخرى، لأنها سرعان ما تنعكس على تكلفة المنتجات النهائية، مثل البنزين والديزل ووقود الطائرات.

وشهد الشهر الجاري اندلاع أعمال شغب في جميع أنحاء كازاخستان، بعد أن أعطت الحكومة هناك الضوء الأخضر لارتفاع سعر غاز البترول المُسال، وهو وقود رئيسي للطرق.

تعني الديناميكية أن الأسعار ستخضع للمراقبة المكثفة من قبل البنوك المركزية التي تحاول السيطرة على التضخم، بينما تعزز في الوقت نفسه النمو الاقتصادي مع تعافي الدول من جائحة "كوفيد19".

"أوبك+": تأثير "أوميكرون" على سوق النفط سيكون محدوداً ومؤقتاً

فيما يتعلق بالطلب على النفط، أشارت "أوبك" وحلفاؤها من الدول المنتجة للخام، إلى أنهم واثقون من أن الفيروس لن يعرقل التعافي، وسيواصلون استراتيجيتهم لاستعادة الإنتاج تدريجياً والذي توقف خلال الجائحة.

في الوقت الذي تواصل المنظمة تقديراتها بأن الأسواق تتجه مرة أخرى نحو زيادة العرض، فإن توقعاتها لهذا الربع أصبحت أقل تشاؤماً بشكل ملحوظ حيث إن نمو العرض من منافسيها مخيب للآمال.

يرى تحالف "أوبك+" زيادة قدرها 1.4 مليون برميل يومياً في الربع الأول، أي أقل بـ 25% من توقعاته قبل شهر. وتتوقع انتعاشاً قدره 4.2 مليون برميل يومياً في الاستهلاك العالمي هذا العام، وتجاوز الطلب 100 مليون برميل يومياً بحلول يونيو المقبل.

نفط

التجمّد يعوق التدفقات

أدى التجمّد الشديد في كندا وشمال الولايات المتحدة إلى تعطل تدفقات النفط مما دفع إلى ارتفاع الأسعار في الوقت الذي تنخفض المخزونات الأمريكية. وفشلت روسيا في زيادة إنتاج النفط الشهر الماضي، على الرغم من الزيادة السخية في حصتها في "أوبك +"، مما يشير إلى أنها أتاحت كل طاقتها الإنتاجية المتاحة المتوفرة حالياً.

وأدت الاحتجاجات في كازاخستان إلى تعديل مؤقت في الإنتاج في حقل "تنغيز" (Tengiz) النفطي العملاق، الذي يعد أكبر حقل نفط في البلاد.

انخفاض حاد

وبالمثل، فإن ليبيا، التي كانت تضخ أكثر من مليون برميل يومياً كل شهر في العام الماضي، تنتج الآن أقل من ذلك بحوالي 25%، بينما في نيجيريا، تعاني تدفقات "بوني لايت" التي كانت ذات تصنيف رئيسي للتصدير، معدلات تأخير كبيرة. وحتى عام 2020، بلغ متوسطها ما يزيد عن 200 ألف برميل يومياً، وفي ديسمبر الماضي، ضخت البلاد 1.35 مليون برميل يومياً من النفط الخام، وفقاً لبيانات وزارة النفط. ويعد هذا أدنى مستوى منذ سنوات، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ".

ليبيا تتوقع خفضاً لإنتاج النفط بـ200 ألف برميل إضافية يومياً

بالإضافة إلى الأسعار الرئيسية، فقد تحول المنحنى الآجل للنفط إلى الاتجاه الصعودي أيضاً، وتتطلب العقود الأكثر إلحاحاً أقساطاً أكبر للأشهر اللاحقة، وهو مؤشر على أن المشترين على استعداد لدفع مبالغ أعلى لتأمين شحنات النفط بسرعة أكبر.

ويتم تداول العقود الآجلة لخام برنت لشهر مارس عند حوالي 70 سنتاً للبرميل، وهي قيمة أعلى مقارنة بعقود أبريل. ويقابل ذلك بحوالي 35 سنتاً في الشهر السابق.

النفط الصخري

أظهرت السوق الفعلية في الولايات المتحدة أيضاً نقصاً في الإمدادات بشكل متزايد، حيث تعززت تدرجات النفط الرئيسية في الأيام الأخيرة وظل الطلب على الصادرات متماسكاً، في الوقت الذي يؤدي الطقس البارد إلى تعطّل الإمدادات.

على المدى الأطول، يُظهر إنتاج النفط الصخري الأمريكي علامات نمو هزيلة، حيث امتنعت معظم شركات النفط المتداولة علناً عن ضخ إنتاجها حتى مع ارتفاع الأسعار، حيث لا يزال المساهمون يقولون إنهم لا يريدون أن يعزز المستكشفون الإنتاج. وحتى الآن، لا يبدو أن سعر 100 دولار للبرميل سيغير ذلك.

الخام الأمريكي

على صعيد أسواق الخيارات، زادت هذا الأسبوع الرهانات على صعود الخام الأمريكي وخام برنت فوق 100 دولار هذا العام والعام المقبل، وتم تداول أكثر من 120 ألفاً من خيارات شراء الخام الأمريكي وخام برنت بـ100 دولار و125 دولاراً و150 دولاراً هذا الأسبوع.

من حيث عدد البراميل، فإن هذه الكميات تعادل أكثر من 60 ناقلة عملاقة ممتلئة بالنفط الخام يتم تداولها في خمسة أيام.

رغم هذه المؤشرات الإيجابية للأسعار، إلا أنه لا تزال هناك حواجز تعوق طريق استمرار المكاسب، فقد يهدد أسوأ موجة لتفشي "كوفيد-19" منذ ظهور أول حالات في ووهان بالصين، بعرقلة سلسلة مكاسب النفط من خلال تقليل نمو الطلب في أكبر مستورد للخام في العالم.

وفي حين أن إطلاق بايدن لاحتياطيات النفط الاستراتيجية لم يحافظ على انخفاض الأسعار لفترة طويلة، فقد تركت إدارته الباب مفتوحاً لمزيد من الإجراءات إذا لزم الأمر، كما أن تهديد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم المتزايد قد يثقل كاهل النفط لأنه يعزز الدولار، مما يجعل النفط أكثر تكلفة لحاملي العملات الأخرى. لكن في الوقت الحالي، لا يزال السوق يسلك مساراً صعودياً.

قال جيف كوري، رئيس الأبحاث العالمية في "غولدمان ساكس غروب إنك"، خلال مقابلة تلفزيونية مع "بلومبرغ"، إن دولتين فقط في العالم، وهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بإمكانهما ضخ المزيد اليوم أكثر مما فعلتا في يناير 2020 قبل أن يزداد تفشي الجائحة حقاً، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي إلى تشديد سوق النفط خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة.

انتعاش الطلب حتى 2023

وتتوقع "مورغان ستانلي" أن يصعد خام برنت إلى 90 دولاراً للبرميل بحلول الربع الثالث، إذ تشير تقديراتها إلى أن المخزونات التي يتسنى ملاحظتها تراجعت بنحو 690 مليون برميل العام الماضي.

وقال محللون في المجموعة، من بينهم مارتين راتس: "نشك في أننا سنرى المزيد من القوة في المستقبل. وفي ظل التوقع بانخفاض المخزونات والإنتاج الفائض بحلول النصف الثاني، والمزيد من انتعاش الطلب حتى عام 2023، واستثمارات محدودة، يبدو أن سوق النفط يتجه لفترة بهامش أمان ضئيل".