كنا نصفق لفرق التمريض.. والآن نتركهم يُستنزفون

ممرضة تقدم الرعاية الصحية لأحد المصابين بفيروس "كوفيد-19" في العناية المركزة في أحد مستشفيات مدينة مرسيليا الفرنسية
ممرضة تقدم الرعاية الصحية لأحد المصابين بفيروس "كوفيد-19" في العناية المركزة في أحد مستشفيات مدينة مرسيليا الفرنسية المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إن كان ارتداء الكمامات مؤشراً على الحيطة حيال الوباء، فإنّ أوروبا في حالة إجهاد. تشير استطلاعات "يوغوف" (YouGov) إلى أن ارتداء الكمامات انخفض في جميع أنحاء القارة مع تزايد اللقاحات والجرعات المعززة. في باريس، حيث تتطلب القواعد الجديدة ارتداء الكمامات حتى في الشارع، يُظهِر الناس أنوفهم وأفواههم بانتظام كفعل تمرد صغير.

يعتمد الخوف المتلاشي من "كوفيد" على الإحساس بأن متغير "أوميكرون" لا يشابه "دلتا"، وأن 2022 ليس كعام 2020. واقعياً، توجد علامات على أن موجة الفيروس الأخيرة تتراجع في بعض البلدان، كما بدأت الوَفَيَات تقلّ بين المصابين بفضل الحقن والعلاجات. تريد القارة العجوز أن تمضي قدماً، لدرجة أن وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران يعتقد أن هذه قد تكون الموجة الأخيرة من "كوفيد".

وزير: بريطانيا تجاوزت مرحلة الوباء.. و"كورونا" أصبح مرضاً "مستوطناً"

لكن يجب ألا ننسى الإعياء الحقيقي جراء الوباء الذي يواجه العاملين في مجال الرعاية الصحية. تتعرض المستشفيات لضغوط تتصاعد شيئاً فشيئاً، إذ أدّت الإصابات القياسية إلى زيادة عدد المرضى الذين أُدخلوا إلى المستشفيات بشكل عام، حتى مع وجود عدد أقل من الحالات الشديدة وقِصَر الفترة الزمنية التي تتطلبها رعاية المرضى. اصطدم هذا بواقع أن القوى العاملة مستنزفة، إذ تعاني كل أربعة مستشفيات من أصل خمسة في ألمانيا من مشكلات بالتوظيف، مع وجود 22,300 وظيفة شاغرة في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لمسح أجراه "معهد المستشفيات الوطنية" في ديسمبر. في فرنسا، تتراوح تقديرات إجمالي حالات إغلاق أسرّة العلاج بسبب نقص الموظفين بين 5% و20%.

تغيير وظائف

يرجع جزء من الأزمة إلى العمّال المصابين، وتسعى الحكومات جاهدة لخفض أوقات العزل بعد الاختبارات الإيجابية لإعادة الناس إلى العمل في وقت أقرب. لكن ستدوم مشكلات التوظيف لأطول من متغير "أوميكرون". دفع الإرهاق وتدني الأجور والظروف السيئة بالممرضين والممرضات والأطباء إلى تغيير وظائفهم، فالعناية المنزلية والفحوصات المخبرية والقطاع الخاص قطاعات مغرية. لقد أصابتهم القسوة التي شهدوها من مرضاهم بخيبة أمل، فقد اعتدنا التصفيق لمقدمي الرعاية، والآن نتركهم يستنزفون طاقاتهم.

عالِم قبرصي يكشف تفاصيل متحور "دلتاكرون" الجديد

هذا هو المسار الخاطئ إذا أردنا التعايش مع "كوفيد" كفيروس موسمي بعد الجائحة. سيتطلب ذلك الاستعداد للسلالات والأوبئة المستقبلية مع مزيد من الرعاية لكبار السن من السكان بموارد أكثر. ستكون معالجة نقص الرعاية الصحية ضرورية لتجنب تكرار تكلفة "كوفيد" الكارثية البالغة 16 تريليون دولار وعدد القتلى الذي حصده، أو مئات الملايين من الدولارات التي أنفقتها المملكة المتحدة على مرافق العناية المركزة للوباء دون وجود عدد كافٍ من الموظفين المدربين.

يخبرنا التاريخ أن نقص التمريض يمكن أن يستمر لفترة طويلة إن أُهمِل. سيتعين على الصحة العامة أن تقدم رواتب وشروط عمل أفضل، لا مجرد طريق تأهيل أقصر للتوظيف، خصوصاً في بيئة تضخمية، إذ يصارع كل قطاع من قطاعات الاقتصاد للحصول على المواهب. عرضت المملكة المتحدة زيادة ضئيلة بنسبة 1% في رواتب العاملين الصحيين في مارس، ثم عدلتها بعد بضعة أشهر لتصل إلى 3%. وقدمت فرنسا 180 إلى 400 يورو إضافية (204 إلى 453 دولاراً) شهرياً. هذه الأرقام لا تبدو كأنها "مشروع مارشال" للصحة العامة.

احتذاء المثل الإيطالي

مثال واحد يستحق النظر وهو إيطاليا. تشمل خطة الإنفاق الإيطالية البالغة 200 مليار يورو من الأموال المخصصة للتعافي في الاتحاد الأوروبي مستشفيات مجتمعية جديدة و"بيوت صحية"، وهي مراكز اتصال أولى للمرضى، تعمل فيها فرق تمريض ومتخصصون. أخبرني البروفيسور فرانشيسكو لونغو من جامعة "بوكوني" أن التركيز ينصبّ على الرعاية المحلية لتخفيف الضغط على المستشفيات وعلاج عوامل الخطر مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري التي تجعل "كوفيد" أكثر فتكاً.

العالم يستقبل مليونَي إصابة يومية بـ"كورونا" في أول أسبوع من العام الجديد

من المؤكد أن الإنفاق طويل الأجل لن يكون سهلاً بالنسبة إلى البلدان الأوروبية الكبيرة، التي تقود العالم بالفعل في الإنفاق على الصحة كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، والتي لديها الآن أعباء ديون أكبر إلى جانب مساحة محدودة لفرض الضرائب.

قد تلعب مكاسب الكفاءة التكنولوجية دوراً في هذا المجال، وفقاً لأفشين غاندجور من كلية فرانكفورت المالية. تستثمر إيطاليا وفرنسا الأموال في الصحة الرقمية، لتعالج في وضع مثالي مزيداً من المرضى في المنزل وتخفف المعاملات الورقية على الموظفين.

يمكن أن تكون المستشفيات أحد المجالات التي يمكن أن يساعد فيها مزيد من الروبوتات البشر على أداء وظائفهم، بدلاً من سرقتها. حدد باحثو الطب في جامعة "جونز هوبكنز" المزايا المحتملة للروبوتات في حالات تفشي المرض في المستقبل، مثل تحسين مراقبة شدة المرض أو أداء مهامّ في نهاية المطاف مثل إدارة أجهزة التنفس الصناعي والشاشات.

لن تكون المستشفيات سوى جزء رئيسي واحد من المرحلة التالية من "كوفيد". سيتطلب الوضع الطبيعي الجديد مزيداً من الاستثمار في كل شيء، بدءاً من مراقبة الأمراض، وصولاً إلى أبحاث اللقاحات. لكن ينبغي ألا ننسى الأشخاص الذين كنّا نُشِيد بهم.