حملة الصين على الشركات تزعزع عاصمة المقامرة

المصدر: بلومبرغ بزنيس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شارف الوقت على نهايته بالنسبة إلى الكازينوهات الضخمة الموجودة في أكبر سوق للمقامرة في العالم. حيث تنتهي صلاحية رخص المشغلين الستّة لكازينوهات ماكاو في شهر يونيو المُقبل، وذلك بعد مُضي عقدين على فتح المدينة الصينية لقطاع المقامرة أمام المستثمرين الأجانب. وقد يمهّد انتهاء الرخص نحو دخول لاعبين جدد إلى السوق في عام 2022، ما يعني احتمالية أن يخسر المشغلين الآخرين مقاعدهم على الطاولة. وهو موعد سيء للغاية للمشغلين الذين ما يزالون يعانون من تراجع أعداد زبائنهم تبعاً لإغلاقات الوباء.

بلغت إيرادات قطاع المقامرة في ماكاو 10.8 مليار دولار في عام 2021، منخفضة بنسبة 70% من مستوى ما قبل الجائحة.

وقد دفعت موجات تفشي كورونا، الحكومة الصينية لتعليق السفر بدون الحجر الصحي بين المدينة والبرّ الرئيسي بشكل مؤقت، من نهاية سبتمبر حتى منتصف أكتوبر. وفي الوقت الحالي، على سكان هونغ كونغ المجاورة أن يخضعوا للحجر الصحي لمدة أسبوعين عند دخول ماكاو، فيما لا تزال الأبواب مغلقة أمام الزوار من حول العالم.

في غضون ذلك، تخضع الكازينوهات في ماكاو إلى مراقبة مشددة، في ظلّ الحملة الحكومية على الأثرياء وعمليات إصلاح التشريعات المنظمة للصناعة.

كانت الشرطة قد اعتقلت في نوفمبر الماضي ألفين شو، الرئيس التنفيذي لمجموعة "صن سيتي" (Suncity)، إحدى الشركات المشغلة لما يسمى "رحلات المُقامرة" في ماكاو. وهي تقدم أرصدة ائتمان لكبار المقامرين، في فعل يثير حنق بكين منذ فترة طويلة، بما أن ذلك يساعد الزبائن على نقل أموالهم إلى خارج الصين.

وأفادت الشرطة أن شو قد اعترف بإنشاء منصات مقامرة خارج الصين، والقيام بأنشطة مراهنات افتراضية غير مشروعة. بينما أعلنت ذراع الشركة المدرجة في البورصة: "صن سيتي هولدينغ" غير المسؤولة عن تشغيل الرحلات، أن أعمالها "قد تتأثر سلباً" في حال خسرت الدعم المالي من شو.

يذكر أن الشركة تدير كازينوهات خارج الصين، بالإضافة إلى أعمالها في خدمات السفر والخدمات الفندقية والتطوير العقاري. وقد تعذر الحصول على تعليق من شو على الأمر، وهو قد استقال من منصبه كرئيس للشركة، وأغلق عمليات رحلات المقامرة التابعة له في ماكاو.

مكافحة الفساد بالصين تطيح بأكثر من 20 مسؤولاً في قطاع المال

كان لاعتقال شو أصداء ترددت على امتداد قاعات القمار في كازينوهات المدينة، مع توقع الخبراء أن يضطر مشغلو الكازينوهات للحدّ من اعتمادهم على قلّة من الزبائن الأثرياء. وقال محللون في "سانفورد سي. بينرستين" بقيادة فيتالي أومانسكي في ملاحظة بحثية إن استهداف شركة "صن سيتي": "وجّه ضربة مميتة إلى صناعة رحلات المُقامرة".

هذه الضربة في قطاع مقامرة كبار الشخصيات (VIP) الذي يدر إيرادات بـ3 مليارات دولار سنوياً، والتي تُمثل ثلث إجمالي إيرادات المقامرة في المدينة، ستجعل ماكاو أكثر تماشياً مع حملة "الرخاء المشترك" التي أطلقها الرئيس شي جين بنغ، والتي تهدف لإثبات أن حكومته تحدّ من انعدام المساواة.

يقول ستيف فيكرز، الرئيس التنفيذي لشركة "ستيف فيكرز وشركاؤه" الواقعة في هونغ كونغ والمختصة بالاستشارات حول المخاطر، إن تشديد الرقابة من قبل الحكومة الصينية يعدُّ تحولاً بعد عقود من التسامح مع الدور الذي لعبته ماكاو في تهريب رؤوس الأموال خارج البلاد. وأضاف:

هُربت مليارات الدولارات خارج الصين في مخالفة صارخة لقوانين الرقابة على الأموال، وكانت الكازينوهات المستفيد الأكبر من ذلك

في الوقت الحالي، ليس من المعروف بعد ما إذا كان مشغلي الكازينوهات الحاليين سيحصلون على تجديد لرخصهم، وكم ستكون مدة هذا التجديد في حال تم. حيث يراجع المسؤولون في ماكاو قوانين المقامرة في المدينة ويدرسون اقتراحات لزيادة الملكية المحلية للكازينوهات وتعزيز سلطة الممثلين الحكوميين في الإشراف على المشغلين والموافقة على عمليات توزيع الأرباح.

تأثير الحرب التجارية

أما المشغلين الأكثر عرضة للتأثر لتغير السياسات فهم: "إم جي إم تشاينا هولدينغز" (MGM China Holdings) و"ساندز تشاينا" (Sands China) و"واين ماكاو" (Wynn Macau). حيث تتبع جميعها لشركات أمريكية، وترسل عادة نسبة كبيرة من الأرباح إلى مسقط رأسها، ما يجعل ماكاو مصدر ربح ضخم لهذه الشركات الأم.

وكانت شركتا "واين ريزورتس" و"لاس فيغاس ساندز" قد حصلتا على 60% من إيراداتهما في عام 2019 من أعمالهما الصين. إلا أن العلاقات الأمريكية الصينية تزعزعت في عام 2021، بعد مواقف واشنطن تجاه الأنباء عن اضطهاد مسلمي الإيغور في إقليم شينجيانغ الصيني. وكان الرئيس الأمريكي، جو بايدنأدرج المزيد من الهيئات الصينية على القائمة السوداء، ما يمنعها من التعامل مع مصادر امدادات وتكنولوجيا أمريكية أساسية، ومنع الأمريكيين من الاستثمار في عدد إضافي من شركات التكنولوجيا الصينية، بينها شركة "دي جي آي" (DJI) الرائدة في مجال صناعة الطائرات المسيرة، وشركة الذكاء الصناعي الأكبر في البلاد "سينس تايم غروب" (SenseTime Group).

كذلك أطلق بايدن حملة مقاطعة دبلوماسية للألعاب الأولمبية الشتوية في الصين، ووقع على قانون مدعوم من الحزبين يحظر استيراد السلع المصنوعة من قبل العمالة القسرية في شينجيانغ، وهو قانون كان وصفه المتحدث باسم الخارجية الصينية بـ"الدنيء".

الطائرات بدون طيار.. وحرب البيانات بين واشنطن وبكين

وبالنسبة للمسؤولين الصينيين المتلهفين لإظهار استيائهم من بايدن، تشكل الكازينوهات المرتبطة بشركات أمريكية أهدافاً سهلة. وكانت شركة "لاس فيغاس ساندز"، التي تملك أغلبية الأسهم في الشركة التابعة لها في ماكاو والتي تُشغّل كازينو ضخم في سنغافورة أيضاً، وافقت خلال العام الماضي على بيع أملاكها في لاس فيغاس مقابل 6.25 مليار دولار، من أجل التركيز على أعمالها في آسيا. وقال حينها الرئيس التنفيذي روبرت غولدستين في بيان صدر مارس الماضي، وأُعلن فيه عن عملية البيع: "آسيا لا تزال الركيزة الأساسية لهذه الشركة وأعمالنا في ماكاو وسنغافورة هي محط اهتمامنا".

القوانين الجديدة

وفي حين لم تعلن حكومة ماكاو بعد عن القوانين الجديدة المنظمة للقطاع، فقد يتم تمديد المهلة المحددة لانتهاء رخص مشغّلي الكازينوهات في منتصف 2022. وقال حاكم ماكاو (الرئيس التنفيذي)، هو إيات سينغ، إن القوانين الحالية تتيح تمديد الرخص في حال عدم الانتهاء من إعداد قانون محدّث للمقامرة قبل المهلة النهائية. وكانت حكومته قد أصدرت في ديسمبر نتائج جلسات استماع عامة حول موضوع تجديد الرخص، حيث أيد معظم المشاركين فيها الحفاظ على ستة مشغلين. كما أيدّ معظمهم أيضاً اقتراحات المسؤولين المحليين بزيادة الملكية المحلية والإشراف الحكومي على الكازينوهات.

يدفع ذلك معظم المحللين نحو توقع أن يحافظ القانون النهائي على الوضع الراهن. وقال محللون في "مورغان ستانلي" ضمن تقرير في 13 ديسمبر الماضي: "نعتقد أنه سيسمح للمشغلين بالاستمرار في توزيع الأرباح بأنفسهم، بعد وصولهم لحدّ معين من الاستثمارات".

ولكن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك تغييرات على الإطلاق. حيث سيتوجب على على الكازينوهات المملوكة من شركات أمريكية، من أجل الاستمرار في العمل بالمدينة، تقليص حصصها ومنح الشركاء المحليين أسهماً تصل إلى 20%. حيث سيتيح ذلك "إبقاء المزيد من الأرباح في ماكاو" بدل إرسالها إلى الولايات المتحدة، بحسب ما تقوله المحللة في "بلومبرغ إنتلجنس" أنجيلا هانلي. ومع ذلك، فإن تقليص الحصص سيظل يضمن للأمريكيين على الأقل جزءاً من الأرباح.