التجسس على شركات التكنولوجيا الكبرى أفضل من تفكيكها

شعار "ميتا" على لافتة أمام مقر "فيسبوك" في مينلو بارك، كاليفورنيا، الولايات المتحدة
شعار "ميتا" على لافتة أمام مقر "فيسبوك" في مينلو بارك، كاليفورنيا، الولايات المتحدة المصدر: غيتي إيمجز
Parmy Olson
Parmy Olson

Parmy Olson is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. She previously reported for the Wall Street Journal and Forbes and is the author of "We Are Anonymous."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدى سنوات، فيما تغذت شركات وسائل التواصل الاجتماعي على بيانات المليارات من الأشخاص بهدف تحقيق أرباح طائلة، لم تتدفق هذه المعلومات قطّ في الاتجاه المعاكس، ولكن اليوم انقلبت الطاولة.

يدرس الكونغرس نحو 30 مشروع قانون يتعلق بتأثير شركات التكنولوجيا العملاقة غير المشروع، أبرزها مشروع قانون سيلزم هذه الشركات بمشاركة المعلومات حول طريقة استخدام الأشخاص لمنصاتها. لا شكّ أن وقع ذلك لا يوازي وقع "تفكيك شركات التكنولوجيا الكبرى"، ولكنه قد يسهم بشكل أسرع وأكثر فعالية في الحدّ من انتشار خطاب الكراهية والانقسامات السياسية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فمن شأن تسليط الضوء على ما يشاهده المستخدمون وسبب مشاهدتهم له أن يسهم في توجيه الهيئات الناظمة نحو إيجاد الحلول والاستفادة من الضغط والغضب الشعبي. تذكروا تأثير واشية "فيسبوك" فرانسيس هوغين، وتخيلوه مضاعفاً عدّة مرات.

مبيعات منصات "التواصل الاجتماعي" تتضاعف 3 مرات في 3 سنوات

ضوء أخضر

تبذل الحكومات العديد من الجهود لكبح جماح عمالقة التكنولوجيا، إذ حصلت هذا الأسبوع الهيئات الناظمة المعنية بمكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة على الضوء الأخضر لرفع دعوى قضائية ضد شركة "ميتا بلاتفورمز" الأم لـ"فيسبوك"، يمكن أن تؤدي إلى تفكيك الشركة. إلا أن ذلك قد يستغرق سنوات، ولا يعالج بشكل مباشر الأضرار النفسية الناجمة عن هذه المواقع.

استدعاء "ميتا" و"تويتر" وغيرهما في تحقيق حول شغب 6 يناير

ولكن، بموجب القانون المقترح، يمكن للباحثين والصحفيين أن يحصلوا على بيانات عن المستخدمين (دون تحديد هوياتهم) تمكنهم من إجراء دراسة تفصيلية حول كيفية انتشار خطاب الكراهية ونظريات المؤامرة وغيرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث سيتبعون إجراءات صارمة لدراسة البيانات على منصات شركات التكنولوجيا، لدرجة قد تصل إلى تسجيل كلّ ضغطة مفتاح. وسيتم تغريم الشركات التي تمتنع عن مشاركة هذه البيانات.

يؤكد تأثير "أوراق فيسبوك" على الأهمية الكبرى لدراسة هذه البيانات. إذ كانت هوغين قد سربت آلاف الوثائق الداخلية لوسائل الإعلام بينها "وول ستريت جورنال" و"بلومبرغ" تظهر مدى علم "فيسبوك" مثلاً بتأثير "إنستغرام" على الصحة النفسية للمراهقين.

دليل "الواشية" لإصلاح "فيسبوك"

كان لهذه المعلومات التي تم الكشف عنها وقع القنبلة. فالباحثون الأكاديميون يدرسون منذ سنوات تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على المراهقين، ولكن لم يملك أحد معلومات مباشرة من الباحثين لدى "فيسبوك"، وكانت هوغين أول من قدم هذه المعلومات.

مع ذلك، لا يمكن للعالم أن يعتمد على الواشين وحدهم، وعلى أي حال يبدو أن "فيسبوك" قد خففت من البحوث الداخلية التي تتناول هذه الآثار الجانبية. لذا، فالخطوة التالية هي السماح لأشخاص من الخارج بالاطلاع على ما يجري.

مشروع قانون

يتيح مشروع قانون "محاسبة وشفافية المنصات" المعروف باسم "PATA" المدعوم من أعضاء مجلس الشيوخ، أيمي كلوبوشار، وكريس كون، وروب بورتمان، للأكاديميين دراسة نشاط المستخدمين على منصات "فيسبوك" و"إنستغرام" التابعة لـ"ميتا" و"يوتيوب" التابع لشركة "ألفابيت" و"تويتر" و"تيك توك" التابع لـ"بايت دانس"، وغيرها من المنصات بشكل مفصّل أكثر من أي وقت مضى.

كما يمنح مشروع القانون مجموعة أوسع من الرفقاء المهتمين، بما فيهم المنظمات غير الربحية، نوعاً من القدرة على الاطلاع، بحسب، براندون سيلفرمان، الذي يساعد أعضاء مجلس الشيوخ على إعداد تفاصيل مشروع القانون. وبراندون هو مؤسس أداة التحليل الاجتماعية "كرواد تانغل" (CrowdTangle)، التي كانت "فيسبوك" اشترتها عام 2016، وقد ترك عمله في الشركة العام الماضي.

فرنسا تغرّم "فيسبوك" و"غوغل" 210 ملايين يورو بسبب الخصوصية

تشمل هذه البيانات ملايين الأشخاص، حيث يتم تقسيمها إلى فئات بحسب العمر والموقع التقريبي والجنس والعرق، ومطابقتها مع المحتوى الذي تشاهده هذه المجموعات. ومن شأن النتائج أن تساعد الباحثين على تقييم السبب، الذي يجعل خطاب الكراهية مثلاً يجذب المستخدمين.

يمكن لمثل هذه البيانات أن تحدث انقلاباً في القناعات السائدة. مثلاً، يقول منتقدو "فيسبوك" إن مستخدمي الموقع الأكثر اضطراباً ينغمسون في نظريات المؤامرة، لأن الخوارزميات تقترح لهم مثل هذا المحتوى. ولكن ماذا لو لم تكن خوارزميات "فيسبوك" تعمل بهذه الطريقة في الواقع؟ ماذا لو كان الأشخاص يزورون "يوتيوب" عن عمد من أجل البحث عن مقاطع فيديو حول نظرية الأرض المسطحة مثلاً؟

قال نايت بيرسيلي، بروفيسور "جيمس بي ماكلاتشي" في القانون في كلية القانون في جامعة "ستانفورد" إن "ما يحصل هو أن الناس يأتون إلى يوتيوب بعد رؤية أمر ما على تويتر أو فيسبوك، ويقومون بالبحث عنه". وأضاف بيرسيلي الذي أسس الإطار الذي يستند إليه مشروع قانون "محاسبة وشفافية المنصات" إن "الأشخاص الذين يريدون البحث عن كيو أنون يتوجهون إلى يوتيوب لأنه المكان الذي يحتوي على مقاطع الفيديو".

دعوى قضائية تطالب "فيسبوك" بــ150 مليار دولار تعويضات لمضطهدي ميانمار

وأشار إلى أنه لا يمكن لمجموعات الناشطين الضغط على "فيسبوك" لتغيير أي أمر إذا كانوا لا يعرفون السبب الذي يجعل عدداً كبيراً من الأشخاص يشاهدون منشورات حول "كيو أنانون" أو حول مناهضة اللقاحات مثلاً على تلك المواقع. وشرح أن هذا ما يجعل جمع الأدلة بالغ الأهمية، "فحالياً لا نملك سوى لمحات عن ذلك".

تفاصيل دقيقة

على الرغم من كلّ ما كشفت عنه تسريبات هوغين، غير أنها لم تضئ إلا على جزء بسيط جداً من الأنشطة الأكثر إثارة للقلق على وسائل التواصل الاجتماعي. فهي لم تستطع أن تظهر كيف تمكنت أقلية من الأشخاص من نشر التعليقات حول تزوير الانتخابات بهذا الشكل الواسع والخطير قبيل تمرد السادس من يناير في العام الماضي. فمن أجل تبيان النشاط الدقيق لأولئك المتطرفين، يحتاج العلماء إلى كمّ كبير من المعلومات الحالية والتاريخية، بينها معلومات حول طريقة انتقال المستخدمين بين منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

أستراليا تسعى لإجبار شبكات التواصل على كشف بيانات المتورطين في "التشهير "

سوف يمنح ذلك لمحة غير مسبوقة على عالم لم ترغب وسائل التواصل الاجتماعي أن يراه الناس قطّ. يمكن لمشروع قانون "محاسبة وشفافية المنصات" وغيرها من مشاريع القوانين المشابهة في أوروبا، التي لديها حظوظ أفضل في التصويت عليها نظراً للعراقيل في مجلس الشيوخ، أن تكشف عن بيانات مفصلة أكثر حتى من تلك التي حصل عليها الباحثون من "فيسبوك" قبل عام 2018، أي قبل منع الشركة الباحثين من دراسة نشاط المستخدمين على الموقع عقب فضيحة "كامبريدج أناليتيكا" المتعلقة بانتهاك الخصوصية. وعلى الرغم من المعلومات المحدودة التي تمكن الباحثون من الحصول عليها في ذلك الوقت، تم نشر أكثر من 130 دراسة حول الآثار الجانبية لـ"فيسبوك" والأنشطة على الموقع قبل ذلك المنع. ولم يتم قطّ تقديم معلومات مماثلة حول سلوكيات المستخدمين من قبل "يوتيوب" و"تيك توك".

ستقدم المنصات الإلكترونية، بينها "ميتا" بشكل خاص، حججاً بأنها بذلت كلّ ما تستطيع للحفاظ على الشفافية، بما فيه نشر تقارير دورية عن الشفافية. ولكن مجموعات المجتمع المدني والباحثين لطالما اعتبروا أن هذه التقارير تفتقر للتفاصيل المفيدة. وهذا ليس بالأمر المفاجئ، فقليل من الشركات الضخمة يمكن أن تكشف طوعياً عن حجم تأثيرها على صحة البشر. ولكن إجبارها على النظر إلى المشكلة، ربما يشكل الخطوة الأولى على طريق الحلّ.