تعامل الصين المتشدد مع كورونا يحوّلها إلى منطقة حظر جوي

من داخل مطار بكين داشينغ الدولي في العاصمة الصينية، يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2021. إجراءات الإغلاق المشددة للتصدي لتفشي فيروس "كورونا"، تكاد تعزل البلاد عن العالم بشكل شبه كامل
من داخل مطار بكين داشينغ الدولي في العاصمة الصينية، يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2021. إجراءات الإغلاق المشددة للتصدي لتفشي فيروس "كورونا"، تكاد تعزل البلاد عن العالم بشكل شبه كامل المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع دخول جائحة كورونا عامها الثالث، أدت سياسة الصين الصارمة في التعامل مع تفشي الفيروس إلى ما يشبه العزل الكامل لثاني أكبر اقتصاد في العالم عن حركة الطيران الدولية، حيث بلغ عدد الرحلات الجوية المتوجهة هذا الأسبوع إلى الصين 500 رحلة فقط، مقارنة مع 10 آلاف رحلة في الفترة ذاتها قبل عامين.

اقرأ أيضاً: عمليات الإغلاق الصينية تُعرقل نمو الطلب على النفط

في غضون ذلك، يستمر خفض المزيد من الطاقات الاستيعابية للرحلات الجوية، فيما تحاول الصين التصدي لتفشي الفيروس من خلال إجراءات حجر مشددة. فمنذ منتصف شهر ديسمبر، ألغت شركات الطيران حوالي ألف رحلة كان من المقرر أن تصل إلى الصين بين اليوم والأول من فبراير، تاريخ بداية رأس السنة القمرية، الذي يعتبر في العادة موسم السفر الأكثر ازدحاماً في العالم.

اقرأ المزيد: أوميكرون يدفع "غولدمان" لخفض توقع نمو اقتصاد الصين إلى 4.3%

تعليق رحلات

رغم الصعوبات التي تواجهها الدول كافة في احتواء تفشي سلالة "أوميكرون"، إلا أن الصين مصممة على اتّباع نهج يبقي الفيروس خارج حدودها، حيث منعت السلطات عشرات الرحلات الجوية من وإلى الولايات المتحدة بعد أن أظهرت فحوص فيروس كورونا عند الوصول إصابة ركاب كانوا على متن رحلات سابقة بالفيروس، ما أدى إلى تفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين.

وكانت إدارة الطيران المدني في الصين علّقت الجمعة في 14 يناير أربع رحلات إضافية قادمة من الولايات المتحدة وأصدرت تعليمات بتعليق 26 رحلة أخرى من مناطق مختلفة حول العالم، بينها فرنسا وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة.

كما أن عدد الرحلات الجوية القادمة لن يرتفع مع بدء الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين المقرر افتتاحها في الرابع من فبراير، بما أن الصين منعت الأشخاص غير المقيمين من حضور الحدث الذي كان ليشكل عامل جذب سياحي ضخماً، يجلب آلاف المتابعين والرياضيين والصحافيين إلى الصين. وكانت كوريا الجنوبية التي استضافت الألعاب الأولمبية الشتوية السابقة في عام 2018، قد سجلت ارتفاعاً بنسبة 15% في عدد الركاب الوافدين خلال العام الذي أقيم فيه الحدث الرياضي.

في هذا الإطار، توقع مارك مارتن، مؤس شركة "مارتين كونسلتينغ" (Martin Consulting) الاستشارية في دبي، أن تصدر الصين أذونات هبوط خاصة وتصريحات خاصة للرحلات الجوية لمناسبة الألعاب الأولمبية، ثمّ تعيد فرض القيود على الرحلات العادية.

تقليص كبير للرحلات

يمثّل تقليص الرحلات منذ منتصف ديسمبر، إلغاء نحو ثلث الرحلات الجوية الدولية المقررة التي كان جرى تخفيضها أصلاً بنسبة تجاوزت الـ90% بالمقارنة مع العام الذي سبق الجائحة. وقال جون غرانت، كبير المحللين في شركة "أو إيه جي" (OAG): "لا نتوقع أن يتعافى الطيران الدولي من وإلى الصين ليعود إلى معدلات عام 2019 خلال الأرباع الثلاثة المقبلة من العام على الأقل". وقد أدى موقف الصين هذا إلى تكبيد شركات الطيران خسائر في الإيرادات "لاسيما أن الصين كانت من بين الأسواق الأسرع نمواً، حيث يتطلع عدد كبير من المسافرين الميسورين فيها لرؤية العالم".

رحلات محدودة

اليوم، عدد الرحلات الجوية بين الصين ووجهات أساسية مثل أوروبا واليابان وأمريكا الشمالية، أقل حتى ممّا كانت عليه قبل عام.

رغم أن الرحلات الجوية لمسافات طويلة لم تتعافَ بقدر الرحلات قصيرة المدى على المستوى العالمي، إلا أن الرحلات الجوية الأجنبية استؤنفت بشكل أكبر في الدول الأخرى، لا سيما في الغرب.

فشركات الطيران الأميركية عادت إلى العمل بواقع 77% من سعتها الدولية، بالمقارنة مع معدلات ما قبل الجائحة، فيما بلغت هذه النسبة 47% في بريطانيا، بحسب بيانات شركة "أو إيه جي" المتخصصة بمتابعة نشاط قطاع الطيران. وفيما بدأت كلّ من سنغافورة وأستراليا بفتح حدودهما تدريجياً، إلا أن الرحلات الوافدة لا تزال محدودة بشكل كبير في الدول الآسيوية، مثل اليابان.

من جانبها، تسير هونغ كونغ على خطى الصين، حتى تبدو أكثر تشدداً، إذ كانت قد حظرت في الأسبوع الماضي رحلات جوية من ثماني دول بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. وابتداءً من يوم الأحد المقبل، سيتم حظر عمليات الترانزيت عبر هونغ كونغ للرحلات الجوية القادمة من أماكن تصنفها الحكومة على أنها عالية الخطورة، بما يشمل 150 دولة ومنطقة.

تواصل سياسة الصين الصارمة في التسبب بخفض سعة الرحلات الجوية الوافدة بالمقارنة مع معدلات العام الماضي، في وقت كان كثيرون قد توقعوا أن تكون المرحلة الأسوأ من الجائحة قد أصبحت خلفنا.

سجلت سعة الرحلات الجوية من جنوب شرق آسيا تراجعاً إلى 124411 مقعداً في شهر يناير من 182182 مقعداً في الشهر ذاته من العام الماضي، بحسب بيانات موقع "سيريوم" (Cirium)، بعدما كانت قد بلغت 6.32 مليون مقعد على أعتاب الجائحة في يناير 2020.

ومن أوروبا، تراجعت سعة الرحلات الجوية إلى 107012 مقعداً بالمقارنة مع 127971 مقعداً في العام الماضي، و1.40 مليون مقعد في يناير 2020. والأمر عينه ينطبق على أمريكا الشمالية، حيث تراجع العدد إلى 34549 مقعداً بالمقارنة مع 74032 مقعداً في يناير 2021 وأكثر من مليون مقعد قبل عامين.

تراجع في السفر الداخلي

تشمل هذه القيود أيضاً سوق السفر الجوي الداخلي الضخم في الصين، الذي كان يعتبر من الأقوى في العالم على امتداد فترة الأزمة، بما أن الحكومة احتوت التفشيات الوبائية المتفرقة، وتمكن السكان بشكل عام من السفر داخل البلاد.

إلا أن السلطات شددت مساعيها عبر فرض الحجر على مدن مثل تيانجين، وهي مدينة بحرية كبرى في شرق بكين، تربط المصانع الصينية بالعالم.

قد يطرح ذلك مشكلة أكبر بالنسبة إلى شركات الطيران الصينية، بما أن السوق المحلي، الذي يعدّ ثاني أكبر سوق بعد الولايات المتحدة، يشغل نحو 100 ألف رحلة أسبوعياً، مقارنة بأقل من ألف رحلة دولية.

مع ذلك، حددت الهيئة الناظمة للطيران أهدافاً طموحة، حيث قالت يوم الإثنين إنها تتوقع 570 مليون مسافر جوي هذا العام، بالمقارنة مع 440 مليوناً في عام 2021، ما قد يمنح بعض الارتياح لشركات طيران "إير تشاينا" (Air China) و"تشاينا ساوذرن إيرلاينز" (China Southern Airlines) و"تشاينا إيسترن إيرلاينز" (China Eastern Airlines)، وغيرها من شركات الطيران الداخلي.

حتى من دون الألعاب الأولمبية، فإن رأس السنة القمرية هي في العادة الوقت الأكثر ازدحاماً بالنسبة إلى شركات الطيران في الصين. ولكن بالنسبة إلى الرحلات المقررة هذا الأسبوع، فقد انخفض جدول الرحلات الداخلية بواقع 20% تقريباً منذ منتصف ديسمبر.

قامت شركات الطيران بخفض عدد الرحلات بشكل أقل بكثير للأسبوع المقبل والأسبوعين التاليين، ما ينبئ بأنها قد تواجه المزيد من المصاعب إلى جانب الفنادق والمطاعم وغيرها من المرافق مع استمرار إجراءات الحجر أو تشديدها.