فيلم "لا تنظر إلى الأعلى" من "نتفلكس" يُقدّم درساً في الرسائل المناخية

ليوناردو دي كابريو الذي يمثّل دور أستاذ علم الفلك الخجول في الفيلم. الطريق إلى جحيم المناخ، مفروش بالنوايا الحسنة والرسائل السيئة
ليوناردو دي كابريو الذي يمثّل دور أستاذ علم الفلك الخجول في الفيلم. الطريق إلى جحيم المناخ، مفروش بالنوايا الحسنة والرسائل السيئة المصدر: "فيلم ماجيك"
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الفيلم الساخر "لا تنظر إلى الأعلى" (Don’t Look Up) لمخرجه آدم مكاي الذي يُسلّط الضوء على المناخ ليس غامضاً تماماً. فأحجام تصفيفات الشعر كبيرة، والمحاكاة الساخرة واضحة، والأهداف وفيرة، تماماً كعدد الممثلين النجوم الذين يتنافسون على الفضاء، فيما الكوكب على وشك الانفجار.

اقرأ أيضاً: 170 مليار دولار تكلفة أسوأ عشر كوارث مناخية خلال العام الحالي

المشروع بأكمله شاهد على حالة الغضب والإحباط، وهو ما قد يُفسّر سبب حماسة علماء البيئة له أكثر من نقّاده. فالفيلم يقدّم -سواء من خلال الزلّات التي ارتكبها الأبطال أو المخرج- درساً قيّماً أيضاً حول التحديات الواقعية الجمّة لنشر فكرة الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عالمية عاجلة ضد التغيّر المناخي.

قصة الكوميديا ​​السوداء هذه من "نتفلكس" بسيطة بما يكفي: اكتشفت طالبة الدكتوراه (جينيفر لورانس) وأستاذ علم الفلك الخجول (ليوناردو دي كابريو) مُذنّباً عملاقاً سيضرب الأرض في فترة تزيد بقليل على ستة أشهر، ما سيتسبب بموت الجميع. مع ذلك، لا يُمكن للاثنين إقناع أي شخص، على الأقل الرئيسة الأمريكية الشعبوية والمُدخنّة الشرهة (ميريل ستريب)، باتخاذ الحل الصحيح. تتشتّت وسائل الإعلام بشكل كبير كذلك، ولا يُريد الجميع سوى جني الأموال بمجرد اكتشاف احتواء الكُويكّب على أتربة ومعادن نادرة.

اقرأ المزيد: "نتفلكس" تخترق آسيا من بوابة الأفلام الكورية

صعوبة إيصال الرسالة

الفيلم يعرض بعض الأمور المهمة بطريقة صحيحة. فهو يُجسّد صعوبة التعبير عن رسالة مهيبة ومرهقة للغاية لمُخيّلاتنا الضيّقة، إلى الدرجة التي لا تؤدي غالباً إلى اتخاذ إجراء، بل إلى اللامبالاة أو اليأس -تماماً مثلما يحدث على الشاشة. السخط الملموس من خلال الفيلم، هو حقيقة يومية يعيشها العاملون في السياسات المناخية. فالناس لا يسمعون حقاً سوى ما يريدون سماعه، كما هو الحال مع تمسكّ الرئيسة (ستريب) بالأخبار القائلة إن احتمال اصطدام المُذنّب يقل عن 100% أو "قل 70%، ولنستأنف أشغالنا"، متجاهلة العلماء الجالسين أمامها. يصوّر الفيلم نداء صفّارات الإنذار للتكنولوجيا غير المثبتة التي "تُحقّق مصالح جميع الأطراف" والصفات السامة التي تتسّم بها تلك الأطراف. وكما هو الحال في الحياة الواقعية، لا يتكافأ النزاع بين الباحثين، والمصالح السياسية والاقتصادية.

وُجّهت أيضاً انتقادات كثيرة للفيلم الذي يطغى الغضب على وقت طويل منه. من ناحية أخرى، تبدو الاستعارة مُفرطة في التبسيط. فالاحتباس الحراري ليس مُذنّباً منفرداً مندفعاً بلا سائق باتجاه الأرض دون استفزاز، ولكنه منتشر ومثير للقلق بسبب عدم القدرة على التنبؤ به. علاوة على ذلك، تعمل الصناعات بأكملها على تسريع ذلك، ولا تقتل كارثة المناخ في العالم الحقيقي تكافؤ الفرص.

فهم الحقائق

عندما يتعلّق الأمر بالرسائل المناخية، يقع الأبطال في الكثير من الفخاخ، حيث يُشير الفيلم في مرحلة ما إلى أن فشل العلماء في برنامج محادثة خفيف هو دليل على جهل المجتمع، لكن الأمر يتعلّق بفهم الجمهور والتحيّزات البشرية بالقدر ذاته. لا أحد يفشل في قبول التغيّر المناخي، لأنهم قلقون للغاية -كما هم هنا- من انهيار المشاهير. نحن نكافح لفهم الحقائق المناخية التي تبدو بعيدة في الزمان أو المكان، أو تلك التي يستحيل تصوّرها في سياق عشناه. التغلّب على هذه العقبة المعرفية لا يعني بالضرورة اتّباع النصيحة التي تم تقديمها للعالم (دي كابريو)، والقائلة "لا تستخدم الكثير من الرياضيات"، ولكنها تعني أن تجعل الرسالة ذات صلة، وأن توصلها من خلال صوت مألوف موثوق به، وتضعها في إطار المصطلحات المحلية.

نحن نعلم أن إعطاء التواصل صبغة محلية يعتبر أمراً بالغ الأهمية، وهناك أدلة كثيرة على أن الأصوات الموثوق بها، سواء كانت أصوات قادة في المجتمع أو مذيعي الطقس الذين يربطون الطقس القاسي بالاحتباس الحراري، يُمكنها تغيير رأيهم، ولكن أولئك الذين يحاولون نقل الرسالة في هذا الفيلم لا يفعلون شيئاً من هذا القبيل.

كما أن الفيلم لا يمنح تفويضاً أبداً لعامة السكان، وحتى الدول الأخرى. يستجيب الناس بشكل أفضل للأحداث التي يأملون في التأثير عليها، وحيث تتوافر الحلول. عندما يتعلّق الأمر بالاحتباس الحراري، فإن هذا يعني تحديد المشكلة. ولكن عليك أن تخبر جمهورك بعد ذلك بأن لهم دوراً يقومون به كمستهلكين، على سبيل المثال، والأهم من ذلك، كناخبين. إن ذلك هو ما يحوّل الوعي إلى عمل.

تشكيك واستخفاف

لن يُقنع فيلم "لا تنظر إلى الأعلى" أي شخص على الحياد، لأسباب ليس أقلها عدم التعاطف. ولكن تعاملت القصة، بأشرارها من البيض والسود، مع الرافضين والمُشكّكين باستخفاف، سواء كانت الجماهير غير المتعلّمة التي تُشتّت انتباههم وسائل التواصل الاجتماعي أو الصحفيين الذين يطاردون النقرات، أو والديّ لورانس في ميشيغان، الذين يقولون إنهم "مع الوظائف التي سيخلقها المُذنّب" ولكنهم لن يُظهروا تعاطفاً أو تفسيراً. نادراً ما يكون التهويل فعّالاً عندما يتعلّق الأمر بتغيير العقول.

إلا أن هذا لم يكن الهدف حقاً، وكان هناك بالتأكيد شيء هزلي حول طبيعة رد الفعل حيال ظاهرة الاحتباس الحراري. نتيجة لذلك، يتفاعل الناس مع الفيلم، وهذا مهم، كما قال لي توم بروكس من مجلس الاتصالات الإستراتيجية العالمية، وهي شبكة من خبراء العلاقات العامة التي تُركّز على المناخ. قد يمسّ الفيلم أولئك المعنيين فعلياً فقط، ولكن على حد تعبيره، تحتاج الغالبية العظمى من سكان العالم ومجموعة كبيرة ومتنوّعة إلى الحشد.

هناك خيال مناخي أفضل بكثير، وهناك فن ساخر وكوميديا ​​أفضل، بعضها من إخراج مكاي نفسه، لكن هذا الفيلم جعل الملايين يتحدّثون عن الاحتباس الحراري وهو أكثر الأفلام مشاهدة على "نتفلكس" في عشرات البلدان حالياً.

الآن، هل يُمكن للمشاهير أن يُصبحوا حاملي رسائل موثوقين لسدّ الفجوة بين العمل والوعي؟ هذا سؤال آخر تماماً.