التوترات السياسية على أبواب أوروبا تفرض واقعاً جديداً على القارة العجوز

لوحة جدارية عملاقة تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على جانب مجمع سكني في كاشيرا، روسيا
لوحة جدارية عملاقة تصور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على جانب مجمع سكني في كاشيرا، روسيا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يتزايد شعور القوى الأوروبية بالقلق من أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين يؤسس "واقعاً جديداً" من تصعيد التوترات التي ينبغي على الولايات المتحدة وأوروبا التعامل معها، حتى وإن لم يقم بغزو أوكرانيا، وفقاً لمصادر مطلعة على المناقشات.

تجتهد الولايات المتحدة وحلفاؤها في محاولة استنباط نوايا بوتين الحقيقية، ويتجه تركيزها إلى ما قد يحدث بدلاً من، أو مصحوبا مع، هجمة عسكرية شاملة.

قالت المصادر إن تلك السيناريوهات تمتد من احتفاظ روسيا ببعض القوات والمعدات على حدود أوكرانيا لفترة أطول، إلى شن هجمات سيبرانية على دول أوروبية، أو القيام بأنشطة تستهدف تدمير أوكرانيا من الداخل.

على خلفية أن الرئيس الروسي سبق له أن حشد قوات بالقرب من حدود أوكرانيا، ثم ما لبث أن سحبها بعد ذلك، ربما ينبغي عليه أن يسلك طرقاً أخرى حتى يبقي الولايات المتحدة والدول الأوروبية متحفزة، تخمن نواياه وهي واقفة على أصابع أقدامها.

لم تتوصل المباحثات مع موسكو حتى الآن إلى نتائج بشأن الخطوات المحتملة التالية. قال بوتين إنه لا يخطط حالياً لغزو أوكرانيا – بعد احتلاله جزيرة القرم فعلاً في 2014 – غير أنه يطلب ضمانات أمنية من منظمة حلف شمال الأطلنطي يقول الحلف إنه لا يستطيع تقديمها.

خيارات مختلفة

تختبر الدول الأوروبية مختلف الخيارات التي تتجاوز الغزو العسكري المباشر، حتى وإن كان ذلك الغزو هو مصدر قلقها الرئيسي. وفي حين تتواصل المباحثات حول تعزيز الجناح الشرقي لحلف الناتو، قالت المصادر إن هناك وعياً متزايداً أيضاً بالحاجة إلى تدعيم القدرة على مواجهة االهجمات السيبرانية.

هذه المخاوف لم تتصاعد إلا أمس الجمعة، عندما أعلنت أوكرانيا أن هجوما سيبرانيا تسبب في تعطيل مواقع العديد من الهيئات الحكومية على شبكة الإنترنت على مدى ساعات، في أسوأ هجمة منذ أربعة أعوام. لم تعلن أي جهة مسؤوليتها مباشرة عن الهجوم الذي تعرضت له سبعون جهة حكومية.

كان مفوّض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، قد حذّر زعماء التكتل الأوروبي الشهر الماضي في اجتماع مغلق من احتمال أن تحتفظ روسيا بمواقع عسكرية شبه دائمة بالقرب من حدودها الغربية.

وحذّر أيضاً من إمكانية أن يكون أي تحرك لموسكو ضد أوكرانيا مصحوباً بتحرك عدائي من نوع آخر، بما في ذلك هجوم سيبراني. وقد كرر بوريل هذا الأسبوع أمام وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي مخاوفه بشأن جوانب الضعف السيبرانية.

تعتزم حكومات الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع إطلاق عملية محاكاة واسعة النطاق لهجمات سيبرانية على العديد من الدول الأعضاء، سوف تستمر حتى ستة أسابيع. ويقول مسؤولون إن أوكرانيا حققت طفرات في منظومة دفاعاتها السيبرانية خلال الأعوام الأخيرة.

خلال المباحثات مع المسؤولين الأوروبيين هذا الأسبوع، حذّرت الولايات المتحدة من ثلاثة سيناريوهات قد ينجم عنها فرض عقوبات: وهي الغزو العسكري الشامل، وأي محاولة لترتيب انقلاب عسكري ضد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وأي جهود أخرى لضرب استقرار أوكرانيا من الداخل.

مسؤولو المخابرات تحدثوا من قبل عن تصاعد حملات التضليل المعلوماتي داخل البلاد، والتي يحتمل أن موسكو هي التي تشنها، وكشف مصدر مطلع على المداولات الأمريكية الأوروبية عن إثارة قضية مواجهة التدخل الأجنبي والمعلومات في أوكرانيا.

قال مسؤول أوروبي إنه من الصعب على روسيا أن تتحمل حشد قوات ضخمة على الحدود لعدة أشهر، في ضوء تكاليف هذا الحشد. ويوجد حاليا أكثر من 100 ألف جندي بالقرب من أوكرانيا. ويقول المسؤول إنه يرجح أن بوتين يحاول تحويل هذه التوترات إلى صراع دائم وبارد، عبر الاحتفاظ بقوات خاصة هناك وإثارة مناوشات عسكرية صغيرة.

توقع مسؤول آخر زيادة إضافية في هذه القوات خلال الأسابيع القادمة، معززاً الآراء القائلة بأن الحرب مازالت متوقعة بنفس الدرجة.

خيارات الردع

في الأعوام الأخيرة، قامت موسكو بتطوير منشآت عسكرية بالقرب من أوكرانيا، ولذا فإن حشد قوات قريباً منها لم يعد مكلفاً ولا معقداً كما كان في السابق. وفي أبريل الماضي، عندما تسبب حشد كبير آخر للقوات في انزعاج الغرب، تركت القوات معداتها خلفها عندما قامت بخفض تواجدها.

مخاوف أوروبا تركز الأضواء على نقص الخيارات المطروحة على الطاولة لردع بوتين. فقد أعلن حلف الناتو والولايات المتحدة بشكل واضح أنهما لن يرسلا قوات في حالة وقوع الحرب، مع التركيز على الجهود الدبلوماسية، والضغط من أجل تجهيز مجموعة أخرى من العقوبات التي يمكن تطبيقها ضد موسكو. وعبر المسؤولون الأوروبيون أيضاً عن مخاوفهم من احتمال أن تنتقم روسيا عبر قطع إمدادات الغاز الحيوية عن الأمم الأوروبية.

وفي المقابل، دفع دعم الكريملين للانفصاليين في شرق أوكرانيا الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات وجهت ضربتها ضد قطاعي الطاقة والمال في روسيا.

وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك أكدت أمس الجمعة على ضرورة الاستمرار في المفاوضات. وينتظر أن تغادر في أوائل الأسبوع القادم أولاً إلى كييف ثم إلى موسكو، ذلك على الرغم من إعلان نائب وزير خارجية روسيا، سيرجي ريابكوف يوم الخميس الماضي أن المفاوضات وصلت فعلاً إلى "طريق مسدود".

قالت بيربوك للصحفيين خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في مدينة بريست بفرنسا: "إن الدبلوماسية، خاصة في أوقات الأزمة، تحتاج كثيراً من المثابرة والصبر وقوة الأعصاب. لم تجرِ محادثات حقيقية على مدى سنوات. وعلينا الآن أن نعيد بناء قنوات الاتصال. وحتى نحقق ذلك، سنقوم مع شركائنا الأوروبيين باستخدام هذه القنوات في الأسابيع والأشهر القادمة، مهما استغرق الأمر من وقت طويل".

في هذه الأثناء، يستمر الحشد العسكري الروسي على الأرض، بحسب المسؤولين الأوروبيين.

قال كونراد موزيكا، رئيس مجموعة "روشان كونسالتينغ" (Rochan Consulting) لأبحاث الدفاع في مدينة غدانسك في بولندا إن تعزيزات عسكرية يتجاوز عددها 10 آلاف من القوات المقاتلة قادمة في الطريق من أقصى شرق البلاد.

في الأسبوع الماضي، سجلت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي حافلات ودبابات وسيارات جنود المشاة المقاتلة والعديد من قواذف الصواريخ وهي تتحرك على القطارات غرباً من أقصى مناطق شرق روسيا، وفق مجموعة "كونفليكت إنتيليجانس تيم" في موسكو.

قالت المجموعة التي ترصد حركة القوات الروسية إن شهود العيان ينقلون أخباراً عن العديد من القطارات يومياً.

يبلغ حجم القوات المقاتلة المحتمل تعبئتها على حدود أكرانيا تقريبا أربعة أضعاف القوة المعتادة ولا يمكن استمرارها هناك أكثر من أشهر قليلة. ويقول موزيكا: "سوف نرى بالتأكيد حشداً مستمراً للقوات الروسية قرب الحدود غير أننا مازلنا لا نعرف ما سينتهي إليه ذلك".