بوريس جونسون وبرنامجه أقرب لأن يصبحا "بطة عرجاء"

بوريس جونسون ومستشاره الخاص دومينيك كامينغز، عندما كانت الأمور بينهما على أحسن حال
بوريس جونسون ومستشاره الخاص دومينيك كامينغز، عندما كانت الأمور بينهما على أحسن حال المصدر: أ.ف.ب
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في مجموعة مسرحيات شكسبير حول هنري الرابع وهنري الخامس، يتحول الأمير هال الماجن والعابث في النهاية إلى ملك وطني وبطل.

منذ أن أصبح زعيماً لحزب المحافظين في مايو 2019، يحاول العابث بوريس جونسون تحويل نفسه إلى رجل دولة، لكنه لا يلبث أن يفشل في اللحظة الأخيرة، وهو الرجل الذي طُرد من وظيفته الأولى في الصحافة بسبب تزويره اقتباساً، وهو أيضاً من اعترف مؤخراً فقط بعدد أبنائه (ستة).

اقرأ أيضاً: جونسون يواجه معارك على جميع الجبهات وسط ازدياد الخلافات في بريطانيا

يرتدي بوريس جونسون ملابس أنيقة، لكن شعره دائماً مبعثر، وقد ألقى خطباً رصينة ومتزنة، غير أنه لم يستطع مقاومة إلقاء النكات الفجة المسيئة (مثل وصفه التوجه لزيادة المعروض من أجهزة التنفس بأنها "عملية اللحظة الأخيرة"). لذلك، ربما من المناسب إنهاء وظيفته السياسية بـ"فضيحة حزبية".

تعهّد جونسون أمام الجميع بأن يعلّق حكمه حتى تعرض سو غراي، الموظفة الحكومية الكبيرة التي تتولى مسؤولية الإشراف على المعايير الأخلاقية الحكومية، تقريرها بشأن حفلات عدة أقيمت في "10 داونينغ ستريت" (مقر رئاسة الوزراء) في أثناء فترة الإغلاق.

اقرأ المزيد: بريطانيا تبدأ التفكير في ما لا يمكن تصوّره: الحياة بعد الملكة

التمتع بالحفلات

إنّ إمكانية تحمّله وتجاوزه تقرير غراي لا تزال سؤالاً مفتوحاً، إذ لا يوجد شك في أنه حضر حفل شراب في حديقته في 20 مايو 2020، وأن الحفل نظم في وقت كان محظوراً على جميع الناس تنظيم أي تجمعات.

لكن موقفه أصبح أكثر هشاشة بعد تسريبات لاحقة عن تنظيم حفل آخر في "داونينغ ستريت"، أقيم عشية جنازة الأمير فيليب، وتضمن رقص الديسكو وجولة في آخر الليل لإحضار مزيد من الشراب في حقيبة.

حقيقة أن مصدر هذه التسريبات على ما يبدو هو مستشاره السابق دومينيك كامينغز تعتبر أمراً مشؤوماً بالنسبة إلى رئيس الوزراء. كان كامينغز داعماً لجونسون في ذروة تفشي جائحة كورونا، ومن المؤكد أن لديه من النميمة والمعلومات ما يستطيع استخدامه في حملته للانتقام بسبب طرده من منصبه في نوفمبر 2020.

الرأي العام، الذي كان صديقه العظيم حتى الآن، يتحول حالياً ضده، فثلاثة أرباع البريطانيين يتبنّون رأياً سلبياً تجاه جونسون، وفق موقع "يوغوف" (YouGov)، وهو مستوى وصل إليه من قبل جيرمي كوربين. كما أن حزب العمال يتفوق حالياً على حزب المحافظين بعشر نقاط مئوية، 38% مقابل 28%.

معارضون كثر

تنتشر الآراء المعارضة لبوريس جونسون في حزب المحافظين من الفئات المعتادة المتوقعة –من يدعمون بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، والمحافظون الاسكتلنديون، وحلفاء رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي– إلى داعميه الأساسيين، مع دعوة أندرو بريدجين، أحد المتشددين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى مغادرته المنصب.

تزداد فرصة ذلك بحلول اليوم الذي يكتب فيه 15% من أعضاء البرلمان من حزب المحافظين (وهي النسبة المطلوبة للمطالبة بتنظيم انتخابات قيادة الحزب) خطاباتهم إلى إيان برادي، رئيس "لجنة 1922" (1922 Committee).

ها هو إذاً الرجل الذي حقق 80 مقعداً بأغلبية في حزب المحافظين يسير في طريقه إلى أن يصبح بطة عرجاء.

وضعية البطة العرجاء تنشأ عنها حتماً مشكلات كبيرة في النظام السياسي الخاص في بريطانيا، الذي يتسم بكونه نصف برلماني ونصف رئاسي، إذ يحوز رئيس الوزراء سلطات رسمية قليلة للغاية بخلاف حق تعيين الوزراء، غير أنه منذ عهد مارغريت تاتشر أصبح هذا المنصب رئاسياً على نحو متزايد.

في عهد هارولد ويلسون في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كانت مبادرات الإصلاح تأتي من وزراء أقوياء مثل روي جينكينز في وزارة الداخلية، وتوني كروسلان في التعليم، فيما كان رئيس الوزراء يوازن بين الفصائل (وهوى إلى البارانويا في النهاية). اليوم، يقود العمل السياسي "داونينغ ستريت" ومعظم أعضاء المجلس من الوزراء مجرد أصفار.

شخصية راديكالية

ستزيد هذه المشكلات تعقيداً بسبب حقيقة أن جونسون هو هذه الشخصية الراديكالية، فقد قاد ثورة داخل حزبه الخاص –مرة ضدّ ماي ومحاولتها الوصول إلى اتفاق حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ومرة أخرى ضد جناح "الأمة الواحدة" (One Nation) في الحزب- وبلغت هذه الثورة من العنف حتى إنه ضحى بأغلبيته الخاصة عن طريق حرمان 21 عضواً برلمانياً، منهم حفيد وينستون تشرشل، نيكولاس سومز، من سلطاتهم. ثم حاول بعد ذلك إعادة تحزيب السياسة البريطانية، عن طريق إلحاق أنصار انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي من الناخبين من الطبقة العاملة بحزب المحافظين، عبر مركَّب من النزعة الوطنية والحكومة الكبيرة.

اعتمد هذا الاتجاه الجديد للمحافظين على التوفيق بين دائرتين مختلفتين تماماً، أنصار حزب المحافظين التقليديين في الجنوب، الذين يدعمون انخفاض الضرائب والحكومة الصغيرة، والأنصار الجدد لحزب المحافظين في الشمال، الذين يريدون الحكومة الكبيرة ومزيداً من السياسة التدخلية للدولة. حاول جونسون أن ينجز ذلك اعتماداً على الكاريزما الشخصية له، إضافة إلى أجندة سياسية ثورية تتضمن المساواة في الفرص، خصوصاً في الشمال، وتقريع الأغبياء –كما كان كامينغز يصف المؤسسة الليبرالية– والسعي إلى تميز خارجي ("بريطانيا العالمية").

المعارضة تستعيد الثقة

مشكلة هذه الأجندة أنها لا يمكن أن تحقق نجاحاً إلا إذا استمرّ رئيس الوزراء قوياً مع جبن المعارضة، غير أن قوّته تتآكل وتنفد، والجبن تحلّ مكانه الثقة. وفي المدى القصير سوف يكون مصير جونسون في أيدي موظفي الحكومة الكبار. وفي المدى الطويل يكون مصيره في أيدي حزب لم يعُد يحبّه.

إنّ معركة خلافة جونسون -إذا حدثت أي معركة- سوف تدفع حزب المحافظين إلى الفوضى للمرة الثالثة في ستة أعوام، فقد استقال ديفيد كاميرون بعد التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في عام 2016، وأزيحت تيريزا ماي عن منصبها في عام 2019.

المرشحون الرئيسيون يناورون علناً الآن، مع انتهاز ليز تراس، وزيرة الخارجية، أي فرصة حتى تحاول أن تبدو تجسيداً لمارغريت تاتشر، وريشي سوناك وزير المالية لا يمنح تأييده كاملاً لجاره القريب الذي يقطن "دوانينغ ستريت"، غير أن المعركة ستفعل أكثر من ذلك، ستفضح التناقض في مشروع حزب المحافظين الراهن.

إنّ سوناك وتراس ينتميان إلى التاتشرية من ناحية الجوهر. ومن الصعب أن نرى مشروع جونسون للمساواة صامداً في مواجهة إعادة تأكيد عقيدة المحافظين القديمة. وإذا لم يصمد هذا المشروع فمن الصعب أن تجد الناخبين السابقين لحزب العمال الذين صوتوا لصالح جونسون في عام 2020 يدعمون حزب المحافظين ثانية في الجولة القادمة، خصوصاً في ضوء أن كير ستارمر يطهر حالياً حزبه من الكوربينية.

إنّ الأمر المدهش بشأن جونسون، رغم عدم قدرته على التخلص من شخصية الأمير هال، هو انخراطه في مشروع سياسي جادّ وخطير لإعادة تشكيل حزب المحافظين ليلائم عصراً شعبوياً. ذلك المشروع، من شبه المؤكد أنه سيختفي معه.